بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
جاء عن الإمام الصادق عليه السلام: (لا تقولوا خرج زيد رضي الله عنه.. فإنّ زيداً كان عالماً، وكان صدوقاً، ولم يدعكم إلى نفسه، وإنّما دعاكم إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. ولو ظفر لوفى بما دعاكم إليه) (الوسائل : ج١١/ص٣٦).
هذا ما صدر عن الإمام الصادق عليه السلام وهو في مقام الدفاع عن راية زيد بن علي رضي الله عنه، وتزكية ثورته، ومنحها الشرعية بعد تمييزها عن سائر رايات الضلال...
إنّ ظروف طموح الرئاسة، والتنافس على رفع الرايات التي عج بها عصر الإمام الصادق عليه السلام، وغلفت أجواءه الاجتماعية والسياسية، قد أدت إلى اختلاط الأوراق، وفقدان التمييز _لاسيما لدى عامة الناس_ بين الصحيح والسقيم. كما أنّ بيانات الإمام عليه السلام الفاضحة لأصحاب الرايات الباطلة قد سحب الشبهة لدى عموم الموالين لأهل البيت ومحبيهم وشيعتهم على كل راية مرفوعة للجهاد والخروج على حكام الجور، حتى لقد طالت هذه الشبهة أزكى رايات الهدى في ذلك الزمان، وهي راية الشهيد زيد بن الإمام علي السجاد عليه السلام. وهنا يقف الإمام موضحاً حقيقة أمثال هذه الراية المرفوعة، وكاشفاً لشرعيتها وحقيقتها الدينية. وانها تختلف عن سائر الرايات التي يرفعها أصحاب طموح الرئاسة والتسلط على رقاب المسلمين (ولا تقولوا: خرج زيد...!). إنّ زيداً بن علي لم يكن أبداً من أولئك الخارجين طالباً للرئاسة والسلطان. وإنّما كان من العلماء والصديقين، قد غضب لله، وخرج مجاهداً في سبيله في إطار مبدأ الولاية الشرعية لائمّة الهدى الطاهرين عليهم السلام: (فإنّ زيداً كان عالماً، وكان صدوقاً، ولم يدعكم إلى نفسه، وإنّما دعاكم إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم...).
وإن كثيراً من المترئّسين والطامعين في الحكم والسلطان يشعرون بضعف إمكاناتهم في الأمّة الإسلامية لتحقيق أهدافهم وما يطمحون. فهم بحاجة ماسة الى تيار اجتماعي موال لهم بين صفوف الأمّة الإسلامية، يسندهم عند سعيهم لتحقيق أغراضهم الطامعة في الرئاسة وحكومة الناس، ولكنّهم اعجز من أنْ يتمكنوا لوحدهم من تحقيق هذا التيار وإيجاده. لذا فإنّ هذه الحاجة قد ألجأت الكثير منهم إلى تقمص أثواب الولاء لأهل البيت عليهم السلام، وإعادة مطالبتهم بحقهم، والخروج لنصرتهم.
كان الإمام الصادق عليه السلام من أكثر من ابتلي بأمثال هؤلاء الطامعين المستغلين، لذا فقد استفاضت عنه عليه السلام الأحاديث في هذا الصدد لتكشف عن هذا اللون من التحرك المريض، وتفضح نوايا أصحابه الحقيقية، موضحة أنّ الرايات التي يرفعونها هي رايات ضلال باطلة،ولا صلة لها بأهل البيت عليه السلام. كما هو واضح من الأمثلة التالية وهي بعض من فيض آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم:
(ان أتاكم منا آت ليدعوكم إلى الرضا منا، فنحن نشهدكم انّا لا نرضى) (الوسائل :ج١١/ص٣٨).
(انه لا يطيعنا اليوم وهو وحده، وكيف يطيعنا إذا ارتفعت الرايات والإعلام...!) (الوسائل : ج١١/٣٨).
(وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد، وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا يسمع منا) (الوسائل : ج١١/٣٦).
(فالخارج منا اليوم إلى أي شيء يدعوكم .. إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم... !! فنحن نشهدكم انا لسنا نرضى به) (الوسائل: ج١١/٣٨).
وهنا نعود مرة أخرى للنموذج المذكور آنفاً من الحديث عن راية زيد بن علي رضي الله عنه، فإنّ تزكية الإمام الصادق عليه السلام لها ليس فقط من ضلال ادعاء الإمامة الهادية، وإنما أيضاً من ضلال الكذب في ادعاء الإيمان بمبدأ الولاية للإمام الهدى. فالصادق عليه السلام يفرز راية زيد عن رايات الضلال الكاذبة في دعواها الولاء لأهل البيت عليهم السلام التي أعلن صراحة براءته منها، وعدم رضاه عن أصحابها العصاة الكاذبين : (فالخارج منا اليوم إلى أي شيء يدعوكم، إلى الرضا منا... فنحن نشهدكم انا لسنا نرضى به)...
وبذلك يضع الإمام الصادق عليه السلام راية زيد في جملة رايات الهدى التي يرفعها العلماء الصادقون الأوفياء. لذا فإنّ الإمام بعد أنْ أكد بانّ زيداً إنما عمل في إطار مبدأ الولاية لأهل البيت عليهم السلام: (وإنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم) أضاف عليه السلام موضحاً هذه الحقيقة، مؤكداً وفاءه لائمّة الهدى الطاهرين عليهم السلام: (ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه)، (رضي الله عنه وأرضاه).