بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
كثير من النّاس من لا يقيمون وزناً لضرب المواعيد، فيأتون
إلى مكانٍ ما دون موعد، وعند الاعتذار عن استقبالهم، يبادرون إلى الانفعال
وأخذ المواقف المسبقة والمتسرّعة منك، ويعتبرون ذلك إهانةً وحطّاً من
كرامتهم، وموقفاً عدائيّاً منك تجاههم.
وهذا ما نعيشه في واقعنا وفي علاقاتنا الاجتماعيّة، إذ
إنّ الكثيرين يقدمون إلى المنازل وأماكن العمل وغيرها بشكل مفاجئ، ودون
علم مسبق، ويتسبّبون في بعض الأحيان بحرج شديد لمن يطلبونه.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: { يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ
حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ
لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِن
لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ
وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ
بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}[النور: 27- 28].
أنّ من قواعد التّهذيب الاجتماعيّ في الإسلام، هو احترام حريّة الإنسان في
منزله، فليس لك أن تدخله دون إذنه، سواء أكان حاضراً فيه أم كان عنه، لأنّ
من الممكن أن لا يكون الوضع الدّاخليّ للمنزل لائقاً في نظره لاستقبالك، أو
يكون قد احتفظ ببعض الأسرار الخاصّة الّتي لا يريد إطلاع أحد عليها، أو
غير ذلك من المبرّرات الّتي تدعو الإنسان للمحافظة على حرمة منزله.
هذا البعد الاجتماعيّ في الإسلام، وهو موضوع "الاستئذان"، وأنّ هذا الأمر
يرتبط ارتباطاً جوهريّاً بمسألة حريَّة الإنسان، وعدم التعدّي على حدوده
مهما كانت الظّروف. فالإسلام يريدنا أن نربّي أنفسنا على احترام خصوصيّات
الآخرين، وأن يكون هذا الاحترام شيئاً طبيعيّاً نمارسه دون تعقيد، وأن يصبح
جزءاً من مقوّمات شخصيّتنا الفرديّة والجماعيّة، بحيث نريح واقعنا عندما
نقيم اعتباراً لخصوصيّاتنا.
وليس لك أن تنفعل، أو تتأثّر، أو تعتبر
الموقف عدائيّاً ضدّك، عندما يرفض إنسان ما استقبالك وأنت تذهب إليه دون
موعد، لأنّ من الممكن أن لا يكون هذا الإنسان في حالة صحيّة أو نفسيّة أو
فكريّة تسمح له باستقبالك.
أنّ القرآن الكريم يريد أن يربطنا بالحياة العمليّة الواقعيّة
الّتي تنظر إلى طبيعة الأجواء العامّة للإنسان، ولذلك يرفض اعتبار هذا
الموقف إهانةً أو إساءة، بل يرى فيه سلوكاً طبيعيّاً واقعيّاً يرتبط بتنظيم
حياة الإنسان ومواعيده وأوقاته، الأمر الّذي يرفع من مستوى المجتمع ويجلب
الرّاحة لأفراده.
لقد جرّبت الشّعوب المتحضّرة هذا السّلوك العمليّ
الّذي أرادنا القرآن أن نسير عليه، حتّى صار جزءاً من حياتها العمليّة،
تنطلق فيه ببساطة وعفويّة وواقعيّة، دون أن تجد فيه أيّاً من هذه
الانفعالات الوهميّة، واستطاعت أن تجعل ذلك من معالم الحضارة الأساسيّة
الّتي يحاول الكثيرون منّا أن يترسّموها أو يحملوا لواء الدّعوة إليها
بصفتها الحضاريّة الأوروبيّة، في الوقت الّذي نجد ـ في ما قدّمنا من حديث ـ
انطلاق الآيات القرآنيّة لتعلّم النّاس كيف يمارسون هذا السّلوك منذ مئات
السنين. [كتاب مفاهيم إسلاميّة عامّة، ص:28].