العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام

منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام المنتدى مخصص بسيرة أهل البيت عليهم السلام وصحابتهم الطيبين

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية Dr.Zahra
Dr.Zahra
شيعي حسيني
رقم العضوية : 429
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 12,843
بمعدل : 1.87 يوميا

Dr.Zahra غير متصل

 عرض البوم صور Dr.Zahra

  مشاركة رقم : 1  
كاتب الموضوع : Dr.Zahra المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 05-10-2007 الساعة : 03:52 PM


الإمام علي (ع) وروح المبادرة


من صفات العظماء والقادة والزعماء امتلاكهم لروح المبادرة في فعل الخير، والمسارعة لاغتنام الفرص، والمسابقة إلى الخيرات والأعمال الصالحة.

فالمبادرة سر من أسرار النجاح والتفوق، وعنوان للتقدم والرقي في مدارج الكمال، وخطوة نحو تحقيق الإنجاز على مختلف الصُعُد والمستويات. وكما أن المبادرة ضرورية في صناعة النجاح للأفراد؛ كذلك هي مهمة لصناعة النجاح للمجتمعات الإنسانية.

ولأهمية صفة المبادرة في تقدم الأفراد والمجتمعات أشار القرآن الكريم في آيات كثيرة إلى هذه الصفة، بألفاظ مختلفة كالمسارعة والمسابقة، قال تعالى: {وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}(1) ويقول تعالى: { فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ }(2) فعلى الإنسان ـ كما المجتمع ـ أن يبادر إلى فعل الخير، واغتنام الفرص، والمسارعة في إتيان الأعمال الصالحة.

والمبادرة صفة من الصفات البارزة في شخصية الإمام علي (ع)، فقد كان المبادر إلى كل خير.

فهو أول من أسلم ...

وأول من أعلن نصرته لرسول الله (ص)...

وأول من ضرب بالسيف في سبيل الله تعالى ...

وأول من كان يعلن استعداده للتضحية عندما يطلب الرسول الأعظم (ص)، ذلك من أصحابه...

وأول من جاهد وهاجر بعد رسول الله ...

وكان الإمام علي (ع) كثيراً ما يوصي أصحابه بالمبادرة في فعل الخير، إذ يقول (( بادروا بالأعمال عُمُراً ناكساً، ومرضاً حابساً، أو موتاً خالساً ))(3) وقال (ع) أيضاُ: (( بادروا آجالكم بأعمالكم، فإنكم مرتهنون بما أسلفتم، ومدينون بما قدمتم )) (4) وقال (ع) أيضاً: (( بادروا بعمل الخير قبل أن تشتغلوا عنه بغيره )) (5) فعلى الإنسان أن يكون مبادراً قبل أن يفقد القدرة على فعل المبادرة بفعل الأمراض أو الشيخوخة أو الأشغال المختلفة أو العوائق التي تعيق قدرته على القيام بمبادرات في طريق الخير والصلاح.

وكي يتحلى الفرد يروح المبادرة عليه أن يثق بنفسه، ويكون شجاعاً في اتخاذ القرار، ويغتنم الوقت من دون أي تأخير، وإلا فإن ( التواني إضاعة ) (6) كما قال الإمام علي (ع)، كما أن التأخير قد يمنع الإنسان من الإقدام على فعل الخير، ولذلك قال الإمام الباقر(ع): ((من هَمَّ بشيء من الخير فليعجله، فإن كل شيء فيه تأخير، فإن للشيطان فيه نظرة)) (7) فمن أراد النجاح في الدنيا، والفلاح في الآخرة، فعليه بالمبادرة والمسارعة في فعل الخيرات.

وكما أن المبادرة مهمة في حياة الفرد ومستقبله، كذلك هي ضرورية جداً في حياة المجتمعات ومستقبلها، وكما يتفاوت الأفراد في مدى الاستعداد للمبادرة كذلك هي المجتمعات البشرية، فنجد أن مجتمعاً ما تكثر فيه المبادرات الخيرية في مختلف المجالات، في حين تفتقر بعض المجتمعات إلى روح المبادرة.

وكلما تحلى المجتمع بصفة المبادرة كلما كان أكثر تقدماً وتطوراً، أما المجتمع الذي يفتقد روح المبادرة فتراه متخلفاً وفي القائمة الأخيرة في قياس التقدم والتطور.

إن مجتمعنا اليوم أحوج ما يكون إلى تعميق صفة المبادرة فيه، وتشجيع الناس على امتلاك روح المبادرة، فكل مجتمع يعاني من نواقص ونقاط ضعف في بنيته الاجتماعية، ولا يمكن معالجة ذلك إلا بقيام المجتمع بمبادرات إيجابية لمعالجة ذلك؛ بل ولصنع التقدم الاجتماعي، وتنمية المجتمع في مختلف أبعاده ومفاصله الرئيسة.

أما الاكتفاء بالكلام دون العمل، وبالنقد دون الفعل، وباجترار المشاكل دور السعي إلى حلها، فهذا ما يوبخ عليه القرآن الكريم من يتحلى بهذه الصفات، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } (8)

والإمام علي في أكثر من موقع يوبخ أصحابه الذين يكثرون من الكلام في المجالس ولكنهم لا يفعلون شيئاً لتغيير الواقع، يقول (ع): (( كلامكم يوهي الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء، تقولون في المجالس كًيْت وكًيْت، فإذا جاء القتال قلتم حٍيْدٍيْ حَيَاد !! )) (9)

وفي موضع آخر بوبخ الإمام علي (ع) أصحابه الذين لا يبادرون إلى الجهاد، ويتسلحون بالأعذار لتبرير تقاعسهم عن روح المبادرة، يقول (ع): ((فقبحاً لكم وترحاً حين صرتم غرضاً يرمى، يُغار عليكم ولا تغيرون، وتُغزون ولا تَغزون، ويعصى الله وترضون، فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم هذه حمارَّةُ القيظ أمهلنا يسبخ عنا الحر، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم هذه صبارة القُر أمهلنا ينسلخ عنا البرد، كل هذا فراراً ًمن الحر والقر، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون؛ فإذا أنتم والله من السيف أفر )) (10) .

وهكذا ما ترك مجتمع من المجتمعات روح المبادرة في أي شيء من شؤون الحياة إلا كان متأخراً ومهزوماً ومتخلفاً. واليوم إذا ما أردنا أن نتقدم بمجتمعنا، وأن ننهض بأمتنا، فعلينا كأفراد وكمجتمع أن نبادر إلى فعل الخيرات؛ وإلا فإن الكلام وحده لا يصنع التقدم، والتضجر والتذمر من الواقع لا يغير فيه شيئاً، بينما المسارعة والمبادرة إلى فعل الخيرات هو طريق التقدم، وعنوان النجاح.

فلنقتدِ بإمامنا الإمام علي (ع) في التحلي بصفة المبادرة في فعل الخير، وعندها سنتقدم كأفراد، وسيتقدم المجتمع أيضاً.


ــــــــــــــ

الهوامش:

1 ـ سورة آل عمران: الآية 114.

2 ـ سورة البقرة: الآية 148.

3 ـ نهج البلاغة، ص 56، خطبة رقم 230.

4 ـ نهج البلاغة، ص 419، خطبة رقم 190

5 ـ بحار الأنوار، ج68، ص 215، رقم 15.

6 ـ ميزان الحكمة، ج6، ص2705، رقم 17676.

7 ـ الوسائل، ج1، ص113، رقم282.

8 ـ سورة الصف: الآيتان 2 و3.

9 - نهج البلاغة، ص128، رقم الخطبة 29.

10 ـ نهج البلاغة، ص 124، رقم الخطبة 27.


توقيع : Dr.Zahra
سألت نفسي كتير مرسيتش يوم على بر
انا الي فيا الخيرر ولا الي فيا الشر
مليان عيوب ولا .؟
خالي من الذنوب ولا .؟
ولاايه.؟
ولا انا جوايا ومش داري الاتنين في بعض..؟
وخمسميه حاجه وملهمش دعوه ببعض..!!
من مواضيع : Dr.Zahra 0 صباحكم جوري..*
0 الدنيا منافع ..*
0 انجازاتي ...*
0 أنا أتد ... ♥
0 عراقي عنده معامله مستعجله ..,'

الصورة الرمزية Dr.Zahra
Dr.Zahra
شيعي حسيني
رقم العضوية : 429
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 12,843
بمعدل : 1.87 يوميا

Dr.Zahra غير متصل

 عرض البوم صور Dr.Zahra

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : Dr.Zahra المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 05-10-2007 الساعة : 03:53 PM


الإمام علي كما عرفه المفكرون


تنشأ الحضارات وتبني الأمجاد، لتدور دورتها الكاملة وفقا لقانون البدايات والنهايات، فلكل شيء بداية ونهاية تبدأ فتية وتستمر إلى ان تصل لشيخوخة الحضارة، ومن ثما موت الحضارة ولا يبقى منها إلا أطلال بالية، هنا وهناك تذكر بالماضي العريق المضمحل، فهي بدأت لتنتهي لأنها مادية شأنها شأن المادة تتكون من جزيئات وذرات ثم تنتهي ،هل يعني ذلك ان قانون البدايات والنهايات مهيمن على كل الحضارات، وما هو الموروث الحضاري الذي لا ينتهي ؟؟

لم تأت حضارة شاملة في التاريخ ككل كالحضارة الإسلامية، تلك الحضارة التي لها بداية وليس لها نهاية (( فالدين عند الله الإسلام )) وما عند الله باق لا ينتهي، فبدايته منذ ان خلق الله الأرض ومن عليها ومنذ ان أراد ان يجعل فيها خليفة، واستمرت البدايات مع ركب الأنبياء عليهم السلام ،لتصل لخاتم الأنبياء الذي أكمل الله الإسلام به وبعلي عليه السلام، فهما من شجرة واحدة (( ياعلي أنا وأنت من شجرة واحدة أنا أصلها وأنت فرعها والحسن والحسين أغصانها فمن تعلق بغصن من أغصانها أدخله الله تعالى الجنة )1

ولقد سبر المفكرون أغوار التاريخ الإسلامي، بحثا عن النموذج الأسمى الذي يمثل الإسلام بكل أبعاده، فلم يجدوا إلا علي ولو بحثوا وبحثوا ليطول بهم الزمن، فلن يجدوا غير علي الذي يمثل الإسلام بكل صوره، فالحضارة الإسلامية تجسدت فيه فهو أمة وحضارة في رجل، وكيف لا وهو الوصي والولي بأمر من الله (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ))2 أنستكثر على أمير المؤمنين هذه المنزلة وقد شهدت بفضله الأمم بكل انتماءاتها وطوائفها، فالإمام عليه السلام يعتبر مدرسة فكرية وعلمية وأخلاقية كان لها الفضل فيما أضفته بظلالها الورافه على الحضارات الإنسانية .

لندع العقاد ليحدثنا عما يجول بفكره عن الإمام علي عليه السلام قائلا (( في كل ناحية من نواحي النفوس الإنسانية ، ملتقى بسيرة علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، لأن هذه السيرة تخاطب الإنسان حيثما إتجه إليه الخطاب البليغ في سير الأبطال والعظماء ، وتثير في أقوى ما يثيره التاريخ البشري من ضروب العطف ومواقع العبرة والتأمل ))3

نعم ففي كل ناحية من النفوس هناك علي عليه السلام وفي كل علم تجد علي ولم يشأ العقاد ان يفارق فكره علياً عليه السلام ليعاود التحليق في سماء علي وآنا له الإحاطة بكل أبعادها قائلا (( وخلاصة ذلك كله ، أن ثقافة الإمام هي ثقافة العلم المفرد ، والقمة العالية بين الجماهير ، في كل مقام وإنها هي ثقافة الفارس المجاهد في سبيل الله ، يداول بين القلم والسيف ، ويتشابه في الجهاد بأسه وتقواه ، لأنه بالبأس زاهد في الدنيا ، مقبل على الله ، وبالتقوى زاهد في الدنيا ، مقبل على الله ، فهو فارس يتلاقى في الشجاعة دينه ودنياه ، وهو عالم يتلاقى في الدين والدنيا ، بحثه ونجواه ))4

ولم يتفرد العقاد في التحليق في سماء علي فالإمام سماء يحلق فيها المفكرون بكل طوائفهم فالإمام ليس حكرا على المسلمين فقط فالمفكرون المسيحيون كان لهم نصيب من فكر علي عليه السلام فها هو المفكر والأديب الكبير ميخائيل نعيمة يحدثنا عن الإمام علي عليه السلام قائلاً ((ورأيي أنه من بعد النبي سيد العرب على الإطلاق ( يقصد بذلك أمير المؤمنين عليه السلام ) بلاغة وحكمة وتفهما للدين وتحمسا للحق ، وتساميا عن الدنايا فأنا ما عرفت في كل من قرأت لهم من العرب رجلا دانت له اللغة مثلما دانت لأبن أبي طالب ، سواء في عظاته الدينية ، وخطبه الحماسية ، ورسائله التوجيهية أو تلك الشذور المقتضبة التي كان يطلقها من حين لحين ، مشحونة بالحكم الزمنية والروحية ، متوهجة ببوارق الأيمان الحي ، ومدركة من الجمال في البيان حد الأعجاز إن عليا لمن عمالقة الفكر والروح والبيان في كل زمان ومكان ))5

وللأديب الكبير جبران خليل جبران حديثا عن كنه روح الإمام علي يقول (( في عقيدتي إن إبن أبي طالب كان أول عربي لازم الروح الكلية وجاورها وسامرها وهو أول عربي تناولت شفتاه صدى أغانيها على مسمع قوم لم يسمعوا بها من ذي قبل ، فتاهوا بين مناهج بلاغته ، وظلمات ماضيهم )) 6

هذا على المستوى العربي الإسلامي والمسيحي ، أما على المستوى غير العربي فسيرة الإمام علي عليه السلام شغلت المفكرون بسحرها فحتى العلماء الغربيين ابو إلا المشاركة في التحليق في سماء علي عليه السلام فهذا الفيلسوف الانجليزي كارليل يقول في علي عليه السلام مقولته الرائعة (( أما علي ، فلا يسعنا إلا ان نحبه ونتعشقه ، فإنه فتى شريف القدر ، عالي النفس ، يفيض وجدانه رحمة وبرا ، ويتلظى فؤاده نجدة وحماسة ، وكان أشجع من ليث ، ولكنها شجاعة ممزوجة برقة ولطف ورأفة وحنان ))6 وكيف من عرفك لا يحبك يا أمير المؤمنين فهذا العالم عشق الإمام وعبر عن حبه الداخلي له بمجرد ان غاص في فكره الوقاد ، وقد شارك كارليل الباحث الفرنسي البارون كاراديفو بقوله في فروسية وجهادية علي عليه السلام قائلا (( وحارب علي بطلا مغوارا إلى جانب النبي وقام بمآثر معجزات ، ففي موقعة بدر كان علي وهو في العشرين من عمره ، يشطر الفارس القريشي ، شطرين بضربة واحدة من سيفه وفي أحد تسلح بسيف النبي ذي الفقار ، فكان يشق المغافر بضربات سيفه ، ويخرق الدروع ))7

لم يغفل الفلاسفة والمفكرون عن الأجزاء الدقيقة من حياة علي عليه السلام فقد درسوه من عدة أبعاد ولكن في اعتقادي أنهم لن يصلوا لكل الأبعاد فمعرفتهم بعلي عليه السلام معرفة يقصر مداها عن إدراك علم علي وما قالوه هو قطرة في محيط علي عليه السلام فلا يعرف علي إلا الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم .


--------------------------------------------------------------------------------

(1) المناقب لابن المغازلي

(2) المائدة 55

(3) العقاد

(4) نفس المصدر

(5) جرداق

(6) العقاد

(7) مفكرو الإسلام للبارون كاراديفو




توقيع : Dr.Zahra
سألت نفسي كتير مرسيتش يوم على بر
انا الي فيا الخيرر ولا الي فيا الشر
مليان عيوب ولا .؟
خالي من الذنوب ولا .؟
ولاايه.؟
ولا انا جوايا ومش داري الاتنين في بعض..؟
وخمسميه حاجه وملهمش دعوه ببعض..!!
من مواضيع : Dr.Zahra 0 صباحكم جوري..*
0 الدنيا منافع ..*
0 انجازاتي ...*
0 أنا أتد ... ♥
0 عراقي عنده معامله مستعجله ..,'

الصورة الرمزية Dr.Zahra
Dr.Zahra
شيعي حسيني
رقم العضوية : 429
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 12,843
بمعدل : 1.87 يوميا

Dr.Zahra غير متصل

 عرض البوم صور Dr.Zahra

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : Dr.Zahra المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 05-10-2007 الساعة : 03:55 PM


الإمام علي والنصارى: وحدة العدل وسعة الأفق... لبناء المجتمعات الإنسانية


*- كيف تعامل الإمام علي (عليه السلام) مع معارضية والطوائف الأخرى..؟؟

*- كيف كان الإمام ينظر إلى خصومه في سوح الحرب؟؟

هل لابد من ضرورة إلى ديباجة أو مدخل؟؟

إذا كانت فلتكن إلى عليّ…ولتكن ركعتان …واحدة:ـ لليد التي امتدت لترعى ذلك الرجل النصراني الكبير بعد ان أنهكنهُ الأيام وسلبته أجمل لحظات الشباب ورونقها ليٌسجل في ديوان بيت المال ويمنح مايسد به رمق العيش..فما دام علي وأبناء علي في الوجود فالعدل والقسط موجود

والثانية:ـ لابتسامة الاحتجاج التي ارتسمت على شفتيّ علي المطعمتين بالصلاة وقداسة الزهد وجوهر التقوى …ابتسامة ارهقتها أماني العراقيين وشغب العرب وعناد المسلمين.

علي بن ابي طالب(عليه السلام)…رجل لم يعرفهُ العرب والمسلمين سوى مولدهِ..وكيف يعاشر السيف،ويعقد مابين حقل ورمح…رجل كان بريئاً من شهوة السلطة الاان يقيم حقاً او يدفع باطلاً..رجل كانت الظروف اكبر من امانيه..كان حريصاً على عدم سفك الدماء..كان ملجماً بالورع والتقوى..ولذلك انتصر خصمهُ في حلبة السياسة التي لاتعرف الرحمة وتعتبر ان الغاية تبرر الوسيلة.

علي بن ابي طالب(عليه السلام)…رجلٌ جمع الكون بكُلْيماتٍ..لإنهُ موقن بان عظمة الله تعالى في معرفتهِ…رجلٌ لم يحاسب أي إنسان بسبب تفكيرهِ أو عقيدتهِ…رجلٌ كان يبكي على أعداءهِ وهو يراهم صرعى مجندلين على الرمضاء وهو يقول:ـ انهم مسلمون؟

رجلٌ تستلم زمام الحكم (وكانت دولتهِ تشمل أكثر من خمسين دولة بجغرافية اليوم، ثلثي الكرة الأرضية كانا تحت سلطته..حيث لم تكن هناك منظمات حقوق الإنسان حتى يتخوف الحاكم من هجوم كاسح لمنظمات حقوق الإنسان عليه. لم تكن توجد دولة أخرى تخيف وتنافس ويلجأ إليها المعارضون لو ضغط عليهم، في هذا الجو وبتلك المقدرة والقوة أصدر الإمام مجموعة من القرارات في خلال فترة زمنية معينة

وبعد أن أصدر أمير المؤمنين (ع) هذه القرارات وبينما كان جالساً في المسجد وإذا به يسمع ضوضاء خارج المسجد، فسأل ما الخبر فقيل له: إن هنالك جمعاً خارجون في يتظاهرون ضد الإمام علي بن أبي طالب (ع). يحتجّون ويعترضون على منعك صلاة التراويح ما الموقف الآن؟

حاكم مطلق، ثلثا الكرة الأرضية تحت سلطته، في أوج قوته ولا توجد منظمات حقوق الإنسان أو أبواق إعلامية أو أي شيء من هذا القبيل هل يعتقل؟ هل يضرب؟ هل يفرق المظاهرة بالقوة؟ الإمام أجاب بكل بساطة: حسناً فليفعلوا ما يحلو لهم.

إذا كان الواجب أن أنهاهم عن المنكر - إلى هذا الحد - من الواجب على الإنسان أن ينهى عن المنكر لكن ما وراء ذلك؟ هل يعجبهم؟ فليفعلوا ما يريدون.

إذاً هذه القيمة من القيم، محرم من المحرمات من جهة ومن جهة ثانية أصالة الحرية الموجودة في الإسلام وقانون الأهم والمهم وملاحظة سائر تبعات القضية، إن الإمام (ع) فسح لهم المجال. إنه كواجب شرعي يجب إبلاغهم بأن ذلك ممنوع ومحرم، لكن لو رفضوا الامثال فلا سجن ولا تعذيب لا تفريق للمظاهرة لا ملاحقة لا قطع للعطاء من بيت المال، بل العكس اتركهم على حريتهم.النماذج على ذلك ليست بقليلة في حياة الرسول الأعظم (ص) وفي حياة أمير المؤمنين (ع).

نموذج آخر: الأشعث بن قيس هذا الرجل الذي ساهم في التخطيط لاغتيال الإمام علي (ع) وبنته جعدة هي التي سمّت الإمام الحسن (ع) وابنه محمد هو الذي شارك في قتل الإمام الحسين (ع) فأية عائلة هذه؟

الأشعث بن قيس - بنى في داره مأذنة، والإمام علي (ع) كان شخصياً يرتقي مأذنة مسجد الكوفة ويؤذن، وهذا مستحب - لأن الأذان هو رمز ارتباط الخلق بالخالق، فالأفضل أن يكون القمة في الكمالات البشرية والروحانية هو ذلك الذي يحمل هذه الرسالة - نحن نتصور أن المؤذن ذو مرتبة دانية، ولكن الأمر بالعكس، فالأمير شخصياً كان يؤذن والأشعث بن قيس بنى في بيته مأذنة وكان يرتقي هذه المأذنة بمجرد أن يعتلي الأمير المأذنة ويبدأ بالهجوم اللاذع والسباب البذيء لأمير المؤمنين، فكيف كان تعامل أمير المؤمنين وهو الحاكم لبلاد المسلمين؟ حيث كان الأشعث يقول في إحدى عباراته: أيها الرجل إنك لكاذب فاجر، وفي مواطن أخرى كان يقول له: إنك لكاذب كافر وهذه تعد أسوأ مسبة في عرف المسلمين خاصة بالنسبة لحاكم المسلمين الأعلى.

والمأذنة في ذلك الوقت بمنزلة الإعلام المسموع في هذا اليوم. وهي تعني الأداة التي توصل صوتك إلى أكبر عدد ممكن من الناس، فكيف تعامل معه أمير المؤمنين (ع)؟ هنا نجد شيئين قيمة الحرية وقيمة ثانية، لا للتعدي.. إذ لا يحق لك أن تجرح شعور الآخرين، مع قطع النظر عن كونه حاكماً بل عن كونه أمير المؤمنين، أنت حريتك تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين. بالنتيجة فكما أن لهذا حق، فذلك له الحق أيضاً، وأنا لا يحق لي أن أهاجم كل واحد أو أسب كل واحد، هذه قيمة من القيم لكن كيف تعامل الأمير مع هذا الأمر؟

رجح جانب الحرية على هذا الجانب، الأصحاب يضغطون عليه إذ أنهم لا يتحملون ذلك إنه حاكمهم المحبوب أميرهم وإمامهم، وذلك عبّر عنه الرسول (ص): (يا علي إنما أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) وغيرها من العبارات المختلفة. قيل له هذا يسب جهاراً وفي وضح النهار ولأيام طويلة، فضغطوا على الأمير لكي يعتقله فرفض الأمير، ضغطوا لكي يمنعه رفض، ضغطوا لكي يهدم مأذنته رفض الإمام وقال: أو ليس قد بناها في داره؟

إذن الحرية قيمة من القيم، الأكثرية قيمة من القيم، العدل والإحسان قيمة من القيم، المحرمات والواجبات كلها قيم مختلفة، هذه القيم ينبغي أن تلاحظ بشكل مجموعي ثم نفرز المحصلة النهائية.

قد تكون القضية في بعض المواطن لصالح الأكثرية أو لصالح الحرية كالأمثلة التي ذكرتها لكم عندما يحدث التعارض حسب قانون الأهم والمهم. وقد يكون أحياناً الأمر لصالح ذلك الجانب الآخر مثل قيمة العدل كنموذج).

عليّ بن ابي طالب(عليه السلام)…رجلٌ مر على خرِبة فقيل لهُ:ـ هذه كنيسة؟..قال:ـ بلى هي كنيسة فقيل لهُ:ـ لكم أُشركَ بالله هاهنا؟فانبرى بأفقه الواسع قائلاً:ـ ولكم عُبدَ الله هاهنا…انتم تنظرون من منظاركم انتم،لا بمنظار اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومهبط الوحي والتنزيل لاجل هذه النظرة تعشقت النصارى بِحُبِ عليّ وابناءُ عليّ وتغزلت بهم وصدحت حناجرُ شعراؤها هاتفة:ـ

يقولون:ـما بال النصارى تُحِبُّهم

واهل النُهى مِن أعرُبٍ وأعاجمِ

فقلت لهم:ـ إني لأحسبُ حبهمُ

سرى في قلوب الخلق حتى البهائمِ



بقراط بن أشوط(الوامق الارميني)

بقراط بن أشوط،الوامق الارميني،النصراني،كبير بطارقة أرمينية في القرن الثالث الهجري،كان عالما بفنون الحرب وشؤونها،وقائداً فذاً في ميادينها،عاش في زمن طاغية بني العباس(المتوكل)الذي منفك يطارد شيعة ومحبيّ أهل البيت(عليهم السلام) يُسمل عيونهم ويقطع أيديهم وأرجلهم ويلصبهم على جذوع النخل،حتى وصل بهِ الأمر إلى هدم قبر الإمام الحسين(عليه السلام)ويضيق الخناق على الإمام علي الهادي(عليه السلام)في أمور يفصلها أصحاب السير والمقاتل فليراجع من احب الاطلاع والزيادة تعشق بقراط بن أشوط بسيرة مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام)وانشد فيه الأشعار ضاع منها الكثير سوى ما نقلهُ شيخنا(عبد الحسين الأميني النجفي)في موسوعتهِ الرائعة(الغدير) يصف ابن شهرآشوب بقراط بن أشوط في كتابه(معالم العلماء)بأنهُ:ـ(من مقتصدي المادحين لأهل البيت)واعتقد كما يعتقد الكثيرين من الباحثين ان أحداث أرمينية والاضطرابات التي حصلت كانت نتيجة اعتقال بقراط بن أشوط سنة 237هـ وتسيرهِ مع ولده نعمة إلى المتوكل العباسي كما يذكر ابن الأثير في كامله واليعقوبي في تاريخه يقول بقراط بن أشوط في قصيدته:ـ

أليس بخُمًّ قد أقام محمَّد عليّاً

بإحضار الملا في المواسمِ

فقال لهم:ـمن كنتُ مولاهُ منكُم

فمولاكُمُ بعدي عليّ بنُ فاطمِ

قال:ـإلهي كنْ وليّ وليّهِ وعادِ

أعاديه على رغـــــــــم راغمِ



زينبا بن أسحق الرسعني الموصلي النصراني

بعض المؤرخين يذكر أسمهُ كذا(زبيتا)و(زينبا)وزينب بنت اسحاق..يذكرهُ شيخنا المرحوم(عبد الحسين الاميني النجفي)(طيب الله ثراه الطاهر)في غديره:ـ(ذكر له البيهقي في المحاسن والمساوئ،والزمخشري في ربيع الابرار،وابو حيّان في تفسيره البحر المحيط،وابو العباس القسطلاني في المواهب اللدنية،وأبو عبد الله الزرقاني المالكي في شرح المواهب،والمقري المالكي في نفح الطيب،والشيخ محمد الصبّان في أسعاف الراغبين(ص117) نقلاُ عن إمامهم أبي عبد الله محمد بن علي بن يوسف الأنصاري الشاطبي قولهُ:ـ

عديٌّ وتيمٌ لا أحاول ذِكرَها

بسوءٍ ولكنّي مُحِبٌّ لهاشمِ

وما تعتريني في عليٌّ ورهطِهِ

إذا ذكروا في الله لومة لائمِ

يقولون:ـما بال النصارى تُحِبُّهم

واهل النُهى مِن أعرُبٍ وأعاجمِ

فقلت لهم:ـ إني لأحسبُ حبهمُ

سرى في قلوب الخلق حتى البهائمِ



أبي يعقوب النصراني

ومن النصارى أيضاً أبي يعقوب النصراني الذي يذكره الشيخ عماد الدين الطبري في الجزء الثاني من كتابه(بشارة المصطفى)ويذكر مقطع من قصيدته نقتطف منها هذا البيت:ـ

إني بحبهم أرجو النجاة غدا

والفوزَ معْ زمرةٍ من احسنِ الزُمَرِ



عبد المسيح الإنطاكي المصري

وهو من متأخري النصارى الذين مدحوا الإمام عليّ(عليه السلام)فقد نظم قصيدته العصماء التي بلغت حسبما ذكرهُ شيخنا المرحوم عبد الحسين الاميني النجفي(طيب الله ثراه(5595) نذكر منها قولهُ:

كذا النصارى بحبّ المرتضى شُغِفَت

ألبابُها وشَدت فيهِ أغانيها

فلست تسمع منها غير مدحته الــ

ـغرّاءِ ماذَكَرتهُ في نواديها

فارجع لقُسّانها بين الكنائس مع

رُهبانِها وهي في الاديار تأويِها

إلى آخر القصيدة الجميلة الرائعة واخيرا وليس آخر فقد تحركت قريحة الأستاذ(بولس سلامة)لينظم حبهُ للإمام علي(عليه السلام) شعرا وملحمة اسماها(عيد الغدير)وهي مؤلفة من(3085)بيتاً.ولولا التطول لذكرنا المزيد من شعراء النصارى الذين مدحوا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة وتغزلوا بمولانا الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).




توقيع : Dr.Zahra
سألت نفسي كتير مرسيتش يوم على بر
انا الي فيا الخيرر ولا الي فيا الشر
مليان عيوب ولا .؟
خالي من الذنوب ولا .؟
ولاايه.؟
ولا انا جوايا ومش داري الاتنين في بعض..؟
وخمسميه حاجه وملهمش دعوه ببعض..!!
من مواضيع : Dr.Zahra 0 صباحكم جوري..*
0 الدنيا منافع ..*
0 انجازاتي ...*
0 أنا أتد ... ♥
0 عراقي عنده معامله مستعجله ..,'

الصورة الرمزية Dr.Zahra
Dr.Zahra
شيعي حسيني
رقم العضوية : 429
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 12,843
بمعدل : 1.87 يوميا

Dr.Zahra غير متصل

 عرض البوم صور Dr.Zahra

  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : Dr.Zahra المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 05-10-2007 الساعة : 03:56 PM




توقيع : Dr.Zahra
سألت نفسي كتير مرسيتش يوم على بر
انا الي فيا الخيرر ولا الي فيا الشر
مليان عيوب ولا .؟
خالي من الذنوب ولا .؟
ولاايه.؟
ولا انا جوايا ومش داري الاتنين في بعض..؟
وخمسميه حاجه وملهمش دعوه ببعض..!!
من مواضيع : Dr.Zahra 0 صباحكم جوري..*
0 الدنيا منافع ..*
0 انجازاتي ...*
0 أنا أتد ... ♥
0 عراقي عنده معامله مستعجله ..,'

الصورة الرمزية Dr.Zahra
Dr.Zahra
شيعي حسيني
رقم العضوية : 429
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 12,843
بمعدل : 1.87 يوميا

Dr.Zahra غير متصل

 عرض البوم صور Dr.Zahra

  مشاركة رقم : 5  
كاتب الموضوع : Dr.Zahra المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 05-10-2007 الساعة : 03:56 PM


لعلّ أبرز ما يميّز عظماء الخلق الحقيقيين ويجعل منهم منارات في معابر التاريخ المظلمة، على اختلاف الموضوعات التي يخوضون عبابها والأحوال التي تسم مجتمعاتهم، هو التماسك في شخصية كل منهم تماسكاً يشبه ما بين عناصر الكون من تماسك، والتكامل في سيرته بين الروح الكلية التي يلازمها وما حوله من واقع الناس وأحوال الزمان والمكان، مما يكسب هذه الشخصية صفة الشمول، والتنّوع في الوحدة، موازية بذلك ما في الكون من شمولية، وما فيه من وحدة لا تنقضها التنوعات الجزئية، وكأن صاحب هذه الشخصية يرى الكون كله في جملة كيانه، ويعمل تلقائياً على أن يعكس ذاته على مجتمع الناس.
نظرة واحدة يلقيها المرء على الكون الخارجي وأحواله، تكفيه لأن يثق بأن للكون نواميس ثابتة بها قام وبها يستمر.
ألقى ابن أبى طالب هذه النظرة على الكون، فوعى وعياً عميقاً ما في أجزائه من تكافؤ وتكامل، وأدرك أن الموجودات المجزّأة في ظاهرها، متفاعلة متكاملة مُوحدة في جوهرها، وأن ما تباعد منها في الزمن الآني مضموم في وحدة طرفاها الأزل والأبد، وأن عناصر الكون جميعاً مترابطة متساندة، وأن حقوقاً افترضت لبعضها على بعض؛ فهزّه ما رأى وما وعى، ومشى في كيانه، فتحركت شفتاه بما جاش في أعماقه وقال: (ألا وإنه بالحق قامت السماوات والأرض!).
أما وجوه الحق الذي يشير إليه، فهي ما رآه في نواميس الكون من صدق وعدل وثبات.
وأدرك ابن أبي طالب في أعماق ذاته أن المقايسة تصح بين السماء والأرض اللتين قامتا بالحق، والمجتمع الآدمي الذي لا بد له من أن يكون صورة مصغّرة عن هذا الكون القائم على أركان سليمة وثابتة، وأن البشر لا بد لهم من أن يكونوا متعاونين متكافئين، وأن التعاون والتكافؤ فُرضا عليهم لكي يبقوا ويستمروا، فإذا به يطلق هذا الدستور الاجتماعي الذي ينبثق من دستور الكون الكبير، يقول: (... ثم جعل حقوقاً افترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها، ويوجب بعضها بعضاً، ولا يُستوجب بعضها إلا ببعض).
هذا القول منبثق من إحساس عليّ بالتعادلية التي تكشف عنها حركة الكون الكبير بعناصره جميعاً، والتي لا بدّ من أن تكون في حركة المجتمع الآدمي ليبقى ويستمر، فحقوق العباد في منطق عليّ يكافئ بعضها بعضاً، أو تكون الفوضى ويكون الفساد فالزوال.
عناصر الكون لا تأخذ إلا بمقدار ما تعطي؛ فالزهرة إذا أخذت من أمها الأرض ما يحييها وينميها ويعطيها عبيراً ولوناً، فلسوف تأخذ الأرض من لونها وعطرها بمقدار ما أعطتها، حتى إذا تكامل انعقادها وبلغت نهاية عمرها أسلمت للأرض ساقها وأوراقها فاستعادت الأرض ما كانت قد منحتها إياه.
والبحر لا يستعيد إلى غمره إلا ما سبق له أن نشره في الفضاء من غيوم، وأسقطه على البرّ من أمطار.
وكذلك الإنسان في حياته الخاصة، فهو لا يحظى بنعمة إلا مقابل نعمة يخسرها. وعن هذا التوازن بين أحوال الإنسان الخاصة والناموس الكوني، يقول الإمام علي قولاً أشبه بالقانون الرياضي الذي لا يقبل تعديلاً أو تأويلاً: (لا تُنال نعمة إلا بفراق أخرى، ولا يستقبل المرء يوماً من عمره إلا بفراق آخر ونَفَسُ المرء خطاه إلى أجله).
أما في الحياة العامة، أو الحياة الاجتماعية، فليس في شؤون الإنسان شأن واحد يشذ عن هذا القانون الذي انتزعه الإمام علي من قانون الكون السرمدي؛ فحقك على مجتمعك أن يقوِّم هذا المجتمع ما تعطيه إياه، ثم أن تأخذ منه بمقدار ما أعطيته، أما إذا حصلت من المكافأة على أقل مما أعطيت، فإن نصيبك عند ذاك ذاهب إلى سواك، وأما إذا أخذت من المكافأة فوق ما أعطيت، فإن نصيب غيرك ذاهب إليك، وإن سواك من الخلق يجوع بما أكلت، وإنك بذلك غاصب ظالم، ووجود المظلوم والظالم في المجتمع مفسدة له ومنقصة في موازين العدالة الاجتماعية.
من هذا المنطلق عالج الإمام الأعظم علي بن أبي طالب أحوال الجماعة في مكانه وزمانه، فعالج منه أحوال كل الجماعات في كل زمان ومكان.
أدرك علي أن اللبنة الأولى في بناء المجتمع السليم، اللبنة التي إن لم تكن هي الأساس فلن يكون هنالك بناء، هي توفير أسباب العيش للجماعة موزعة توزيعاً عادلاً لا غبن فيه. ومن مبادئه التي تكشف عن هذا الجانب الأهم في معنى العدالة الاجتماعية، المبدأ - الأساس نفسه الذي رآه أحد آباء الإنسانية الكبار الشاعر الفيلسوف جان جاك روسو في القرن الثامن عشر، أي بعد عصر الإمام بحوالي ألف ومائتي سنة، ليكون المرتكز في بناء المجتمع العادل، والمبدأ - الأساس نفسه الذي اكتشفه فلاسفة الاجتماع بأوروبا في أواسط القرن التاسع عشر، عندما أعلنوا أن كل ما يصيبه المرء من نعمة فائضة عن حاجته، لا يكون إلا مما اقتطع من حق أهل العوز، وأخذه منهم اغتصاباً.
هذا المبدأ – الأساس، حدّده الإمام علي ورسمه بأقوال تنبثق من نظر واحد، وتتلاقى في مفهوم واحد لمعنى (اللبنة الأولى) التي يُبنى عليها المجتمع العادل، ومنها:
(ما رأيت نعمة موفورة - أي زائدة عن الحاجة - إلا وإلى جانبها حق مضّيع).
(ما مُتّع غني إلا بما جاع به فقير).
(امنع من الاحتكار).
(إياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة).
(الفقر في الوطن غربة).
على هذا الأساس يرى الإمام أن يُبدأ بناء المجتمع العادل السليم، وعلى أساس الرعاية الصادقة – الأمينة لهذا المبدأ، تعمل السلطة في نهج علي.
وصاحب السلطان في هذا النهج، هو ذاك الذي انتزع له الإمام علي صورة عن نفسه هو؛ إذ قال: (لو فُقِدتْ شاةٌ في الحجاز أو اليمامة، لشعرت بأنني مسؤول عنها إلى يوم القيامة).
لقد كان إحساس علي بمسؤولية السلطان، وبمعناه، إحساس الأنبياء والفلاسفة وكبار الشعراء الذين يحيون مثلاً سامية وأحلاماً وأشواقاً لا يعرفها سواهم. ومن وحي هذا الإحساس العميق تمثل جهد السلطان الذي عليه أن يعمل كل شيء لخير الجماعة، حتى إذا فعل، قال له هذا القول الذي ينزع به عن أسمى المشاعر وأنبل المسالك: (إذا فعلت كل شيء، فكن كمن لم يفعل شيئاً).
ومما أثبته الإمام في سيرته وأقواله جميعاً، أن الولاية لا تكون إلاّ من الجماعة وفي سبيل الجماعة، وأن من ولي أمر الناس محكوم بمبدأ عام هو العمل لصالح الذين ولّوه أمرهم، والمسلك الذي يؤكد لهم أنه أحدهم، وأنه منهم ولهم لا عليهم. قال الإمام يخاطب الناس بعدما اسُتخلف:
(إنما أنا واحد منكم، لي ما لكم وعلي ما عليكم، والحق لا يبطله شيء. إني، والله، ما أحثكم على طاعة إلا أسبقكم إليها، ولا أنهاكم عن معصية إلا أتناهى قبلكم عنها).
وفي نهجه أن الشورى أولى؛ يقول (من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ)، وأن للجماعة ملء الحق في أن يطالبوا الوالي بـ(ألا يحتجز دونهم سراً ولا يطوي دونهم أمراً) كما يقول. ومما توجه به إلى الولاة، حيث هم من المكان والزمان، قوله الصريح هذا: (إلزموا السواد الأعظم، فإن يد الله مع الجماعة).
وفي هذا النهج الذي يجعل الجماعة وحدها مصدر السلطة، ويجعل العمل لخير الجماعة غاية هذه السلطة، إرساء لما نسميه اليوم حكم الشعب، أو الديموقراطية.
إذاً، فالمنع من الاحتكار والاستئثار والاستغلال، والحؤول دون حصول النعمة الفائضة عن الحاجة هنا والحرمان هناك، والمساواة المطلقة في ************الحقوق والواجبات، وإباحة الحرية في التعبير والاختيار في كل ميدان، وترسيخ العلاقة السليمة بين الحاكم والمحكوم على أساس هذه المبادئ، ثم تحصين ذلك كله بالخلقية السليمة وبالمحبة والرحمة، هي أبرز النقاط التي يتألف منها نهج الإمام علي، في بناء المجتمع العادل الفاضل.
الإمام علي، عملاق العقل والقلب والضمير، الذي اخترق بعبقريته حدود كل مكان، وكل زمان، والذي وصفه الفيلسوف اللبناني شبلي الشميّل بقوله: (الإمام علي، عظيم العظماء، نسخة مفردة لم ير الشرق لها ولا الغرب صورة طبق الأصل، لا قديماً ولا حديثاً.. ).
ليكن فخرنا في غدنا كما هو فخرنا في ماضينا، والنظر إلى الماضي شيء من النظر إلى المستقبل.
ما أجدر أبناء هذا الزمان، في كل أقاليم الأرض، هؤلاء الذين يمعنون في التعبد لصنم – وحش هو المال، وينحرون كل القيم تمجيداً له وتعظيماً، ويقدّمون له الضحايا من بؤساء الأرض أفراداً وشعوباً... ما أجدر هؤلاء بأن يَعشوا إلى النهج السليم العظيم المتمثل بسيرة عملاق العقل والضمير وملجأ المحبة والرحمة والحنان، الإمام الأعظم علي بن أبي طالب، وبكل ما فعله وقاله ودوَّنه، وأن يعوه ويطأطئوا رؤوسهم لصاحبه العظيم.
لقد كان علي بخصائصه جميعاً، وسوف يبقى، في كل عقل قويم، وقلب كريم، ووجدان سليم، ففي كل إنسان حقيقي وسويّ شيء من علي***** لا لقوم ولا لدين هو للناس أجمعين..
الهوامش:
(*)الكلمة التي ألقاها الأديب الكاتب جورج جرداق في (مهرجان الإمام علي بن أبي طالب(ع))، والذي أقيم برعاية (مركز الفردوس للثقافة والإعلام) في السيدة زينب(ع).








توقيع : Dr.Zahra
سألت نفسي كتير مرسيتش يوم على بر
انا الي فيا الخيرر ولا الي فيا الشر
مليان عيوب ولا .؟
خالي من الذنوب ولا .؟
ولاايه.؟
ولا انا جوايا ومش داري الاتنين في بعض..؟
وخمسميه حاجه وملهمش دعوه ببعض..!!
من مواضيع : Dr.Zahra 0 صباحكم جوري..*
0 الدنيا منافع ..*
0 انجازاتي ...*
0 أنا أتد ... ♥
0 عراقي عنده معامله مستعجله ..,'

الصورة الرمزية Dr.Zahra
Dr.Zahra
شيعي حسيني
رقم العضوية : 429
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 12,843
بمعدل : 1.87 يوميا

Dr.Zahra غير متصل

 عرض البوم صور Dr.Zahra

  مشاركة رقم : 6  
كاتب الموضوع : Dr.Zahra المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 05-10-2007 الساعة : 03:58 PM


الإمام علي (ع) وميكافيللي
تشدّد هذه الدراسة على المقارنة بين عملين شهيرين لكل من الإمام علي بن أبي طالب (ع) في عهده لمالك الأشتر، وميكافيللي في كتابه الأمير.

وعلى الرغم من الاختلافات الكثيرة بين العملين، فإنهما يتوفران على نقاط مشتركة جمّة تتيح ترشيحها، بشكل لائق، لمقارنة شاملة. لقد كان الغرض الذي حدا بالإمام علي (ع) إلى كتابة عهده هو الغرض نفسه الذي دعا ميكافيللي لكتابة الأمير: والغرض هو إبداع دليل سياسي لأمير جديد، دليل لعله يكون ذا نفع للقارئ الواعي (1).

وعلى أية حال، فإن الاختلاف الأساسي في المقترب جعل المقارنة أكثر فائدة، لا سيما حين أنتج المقتربان المختلفان، في بعض الأحيان، مواقف متشابهة تجاه قضية معينة، مثل قضية الجيش والمستشارين.

يمكن أن يعزى الاختلاف بين مقترب الإمام علي (ع) الأخلاقي وتعاليم ميكافيللي المتجردة عن الأخلاق إلى الحقبة والظروف اللتين عاش فيهما الإمام علي (ع) وميكافيللي، زيادة على اختلاف طبيعة وشخصية كل منهما، كان الإمام علي(ع) حاكم دولة دينية حيث كان الأمير فيها مجرد ممثل (خليفة) لله، ولا يستطيع أن يعارض حدود إرادته، وقد أُنتخب الإمام علي (ع) لهذا المركز لا لشيء سوى إمكاناته في المحافظة على هذا الدور، ومن جهة أخرى، كان ميكافيللي نتاج نظام اجتماعي وسياسي أفضى به إلى الاقتناع بأن الدين هو العقبة الكأداء التي تحول دون الازدهار السياسي في إيطاليا، وأن السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة سيكون بعودة تامة إلى السياسة الوثنية (2).

عن القسوة

* (ليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله، وتعجيل نقمته من إقامةٍ على ظلم) الإمام علي (ع) عهد لمالك الأِشتر

** (يجب على الأمير ألا يأبه بتهمة القسوة ما دام يبقي رعيته متحدة وموالية) ميكافيللي، الأمير

عندما يشار إلى الحكام أن يكونوا حازمين كيما يوفّوا واجبات الحكومة، فإنهم يكونون عرضة لتجاوز حدود العزم والسقوط في القسوة، حيث تترك الإصلاحات وتساق التسويغات لذلك، وبناء على ذلك، يصبح الظلم ناتجا ثانويا للعبة السلطة، ويصل الحال بالمشاركين إلى أن يشددوا على كيفية قيام هذا الظلم بما يفي بالحاجة، وأي ظلم يستحسن كعزم، أو يستنكر كقسوة، كان مقترب ميكافيللي لهذا المأزق مقتربا عمليا بدلا من كونه أخلاقيا، لأن ميكافيللي لم يكترث بالانتهاكات الأخلاقية إذا ما كانت النتيجة نجاحا على المستوى العملي.

فالرغبة في الرحمة غالبا ما تعترضها ضرورة القسوة، ومن هنا يجب على الأمير، طبقا لميكافيللي، أن يتبع الضرورة وليس الرغبة، إذا أراد أن يتجنب دماره، وفي الحقيقة أنه من خلال فعل حالات قليلة جدا، يمكنه أن يكون أكثر رحمة بحق.. لأنه بذلك، يمنع حدوث اضطرابات متى ما أرتكب القتل والسلب، ذلك أن هذه الاضطرابات تسيء إلى مجتمع كامل، في حين تؤثر الإعدامات القليلة في بضعة أفراد فقط (3). تبدو هذه الصياغة مقنعة تماما ما دام المرء ليس من بين البضعة أفراد!

ومن جهة أخرى، ينظر الإمام علي (ع) إلى القضية من زاوية مقابلة، فالأفراد يحظون بالأهمية نفسها بما أنهم أمة مشتركة، وهو لا يعذر مالك الأشتر في الإخلال بحقوقهم، يقول: ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان: أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق (4). بهذه العبارة يعيد الإمام علي (ع) تأسيس مبدأ في الفكر السياسي الإسلامي، وهو مسؤولية الحاكم تجاه غير المسلمين (5). يعتقد ميكافيللي بأن القسوة يمكن أن تستخدم بشكل جيد أو سيئ (6)، وهو يؤكد أن القسوة يمكن أن تستخدم بشكل جيد عندما تنجز أفعال القسوة على نحو فوري وبوقت قصير، ولذا فإن الناس يشعرون بحدتها وسرعان ما يتغلبون على مرارتها بفضل المنافع الثانوية، ويجادل ميكافيللي في أنه هو الذي طبّق مثل هذه الأنواع من القسوة، يمكنه أن يسلم من عواقبها وحتى أن يجد بعض الشفاعة، في عيون الله والإنسان (7)! ومن جهة أخرى، تستخدم القسوة بشكل سيئ عندما تصبح عادة، ومن ثم ينمو شعور لدى الناس بعدم الثقة، وذلك لأنهم لم يتحصلوا على أي شيء آخر غير المزيد من القسوة، ومن اللافت للنظر، أن ميكافيللي لا يذكر أبدا ما إذا كان استخدام القسوة- سواء أكان بشكل جيد أم بشكل سيئ - يعتمد على استخدامها ضد أولئك الذين يستحقونها أم لا، ويدعّم ميكافيللي القسوة العملية التي تحقق النتائج المرغوب فيها، فضلا عن قضية تسويغ هذا النوع من القسوة.

يتبنى الإمام علي (ع) استخدام القسوة بشكل مناقض- فهو لا يجد ذريعة لأفعال القسوة - وفي رأيه، يقوم الظلم بـ(تعجيل نقمته (8) نقمة الله، وجر الدولة إلى دمارها)، وطبقا للإمام علي (ع)، ليس من المهم سواء أأعادت جريمة مكانة الدولة أم لا، وأي شخص يرتكب جريمة (وبضمنهم الحكام) يجب أن يعاقب، وحتى في حالة الموت الخطأ، لابد للأمير من أن يعوّض عائلة المتوفى، وبخلاف ميكافيللي، يؤمن الإمام علي (ع) بأنه لن تكون هناك شفاعة مجدية أمام الله لسفك الدماء من دون سبب مشروع، فقد كتب الإمام علي: والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة (9). ولقد كانت أوامر الإمام علي لمالك الأشتر في غاية الوضوح يقول: (إياك والدماء وسفكها بغير حِلِّها، فإنه ليس شيء أدنى لنقمةٍ، ولا أعظم لتبعةٍ، ولا أحرى لزوال نعمةٍ وانقطاع مدةٍ، من سفك الدماء بغير حقها، فلا تقوّين سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه، بل يزيله وينقله، ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد، لأن فيه قود البدن، وإن ابتليت بخطأ وأفرط عليك سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة (10)، فأن في الوكزة فما فوقها مقتلة، ولا تطمحنّ بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أولياء المقتول حقهم).

إن سمة الجانب العملي التي حفزت ميكافيللي على عقلنة القسوة استقامت على بضعة أسس: أولا، هيمنة أخلاقية الدولة على جميع أشكال الاعتبارات الأخلاقية الأخرى، وفي نظام تكون فيه الدولة هي السلطة الأساسية، تنسحق أخلاقية الفرد تحت وطأة مجال جبار، وفي مثل هذه الحالة، لا تعنى أخلاقية الدولة بمصالح الفرد الخاصة عندما تكون مصالح المجموع رهن الخطر، ثانيا، إن دور ميكافيللي في الاستشارة جعله عاجزا عن فرض القوانين، ولقد كان قادرا، فقط، على أن يقول: ذلك ما يجب فعله بدلا من القول: أفعل هذا! ثالثا، إن المصادر التاريخية التي بنى ميكافيللي عليها نتائجه كانت مجهزة لمثل هذه الخلاصة، تبدو هذه النتيجة محتومة بالنسبة لأولئك الذين يعوّلون على تحليل التاريخ لينسجم مع خطة المستقبل، ذلك لأن الحوادث التاريخية تميل إلى الوضوح بذاتها، وتتعلق المسألة بما إذا كان بإمكان المرء أن يكرر هذه الحوادث أم لا، وإذا استطاع ذلك، ستدور المسألة حول إمكانية المرء الإفضاء إلى الخلاصة نفسها، وقد انصرف ميكافيللي نفسه إلى هذه القضية في كتابه الأمير، وخلص إلى ما يلي: وكما قلت يحدث هنا، أن يستخدم اثنان مناهج مختلفة ربما تفضي بهما إلى النتيجة نفسها، وقد يتبع اثنان المنهج نفسه فينجح أحدهما ويفشل الآخر، ويعزو ميكافيللي التنوع إلى تكيف الأفعال للحقب والظروف أو عدم تكيفها.

وعلى العكس، دشّن الإمام علي شيئا جديدا، فالتاريخ يستشف ولا يحاكى، باستثناء تاريخ إرادة السلام والخير، لقد ابتدع الإمام علي حكومته الخاصة لتكون حكومة عادلة وديمقراطية بحق، فالسلطة منوطة بالناس، بينما الحاكم مجرد وسيط، يقول: إن كانت الرعايا قبلي لتشكو حيف رعاتها، وأنني اليوم لأشكو حيف رعيتي كأنني المقود وهم القادة، أو الموزوع وهم الوزعة (11). وبهذا القول لا يشير الإمام علي إلى حكم دهماوي من طرف الناس، بل يشير إلى مأزق طبيعي يواجهه قائد جديد يتبنى الديمقراطية بعد عقود من الاستبداد، إن رعايا الإمام علي لم يعرفوا كيفية ممارسة الديمقراطية، لذلك غالبا ما أساؤوا استخدام علاقة القائد- المقود، ولقد تكلم الإمام علي أيضا بسلطة القائد، ولذلك كان أول من قال: على تلك الطريقة أريد منك أن تصرف الأمور، فلتفعل ذلك! كان ذلك العلاج المرّ الذي كان مالك الأشتر وأقرانه يرغبون من خلال القبول بالمنصب، في تناوله كوصفة من دون أن يتناولوا معه شيئا يجعله أقل وطأة من الإيمان المطلق ببراعة الوصف.

إن عاملا في حكومة الإمام علي لابد أن يخوض غمار حرب مستمرة ضد طبيعته الشخصية، فمن المأمول من العامل أن يبدي تسامحا عندما يكون الانتقام مطلبا معتادا، وأن يبتسم عندما يمتلئ غضبا، وليس مسموحا له ارتكاب الأخطاء، مع أنه يقبل بحقيقة أن الآخرين يرتكبون الأخطاء (12)، يجب على العامل، بوصفه موظفا رسميا، القبول بموقعه ضمن التراتبية، حيث يكون الله في قمة الهرم، ويجب عليه محاكاة الله في أفعال الرحمة والتسامح، ومع ذلك فإن الإمام علي يحذره: إياك ومساماة الله في عظمته، والتشبه به في جبروته (13). ومن جهة أخرى، يُنصح الموظف الرسمي- بحسب ميكافيللي - أن يظهر وأن يُظهر فقط، أنه يتمتع بخصائص فاضلة، فما يتعين فعله، في الواقع، كان أمرا آخر، كان عليه أن يتصرف طبقا لمبادئ البيئة السياسية، وأن يتعلم أن يكون خيّرا فقط عندما يكون ذلك مجمّلا لسلطته السياسية، تماما مثل تبرعات التجار كما سيدعو الإمام علي ذلك.

عن الاستشارة

* (ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل، ويعدك الفقر) الإمام علي، عهد لمالك الأشتر

** (وهكذا عندما لا يكون بوسع الأمير أن يتخذ من الكرم فضيلة له من دون أن يحفَّ نفسه بالخطر، يجب عليه إذا كان حكيما أن لا يحفل بقلب بخيل) ميكافيللي، الأمير

إذا كان اتخاذ القرارات السياسية من دون التماس نصيحة يعني الدكتاتورية، فإن ارتكاز هذه القرارات على نصيحة خاطئة أو مضلّلة يؤدي إلى عواقب وخيمة، وعلى ذلك، فإن مهمة اختيار مستشارين هي المهمة الأصعب والأكثر ثقلا من بين المهمات الأخرى، وليس بكاف نشدان الرجل الأكثر حكمة من دون الاهتمام بما ستفضي إليه حكمته، وكلاهما، الإمام علي وميكافيللي، أوليا عناية خاصة بهذه المجموعة، مجموعة المستشارين، كل بحسب أغراضه.

لقد نبّه الإمام علي (ع) مالكا على أنه هو، وحده، المسؤول عن مآل القرارات، على الرغم من أنه يشارك في اتخاذ القرار مع مستشاريه، ولذلك عليه أن يكون بالغ الحيطة مع الذين يكونون موضع ثقته، يقول: (والصق بأهل الورع والصدق ثم رضهم على أن لا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله).

يبدو أن خطر الإطراء متفق عليه من طرف الإمام علي وميكافيللي، فحوى الرسالة هو أن الإطراء يسبب الفساد الذي يسبب، تبعا لذلك، سقوط الإنسان: (لا أود أن أغفل مسألة بالغة الأهمية تتعلق بخطر داهم على الأمراء تجنبه، ما لم يكونوا حصيفين وحكماء في اختيار وزرائهم، وأعني بذلك المتملقين الذين تعج بهم البلاطات، فهناك طريقة واحدة فقط للاحتراس من الإطراء، وهذه الطريقة هي أن تشيع انك لن تغتاض من الكلام الصريح (14).

وعلى أية حال، يبدو مقترح ميكافيللي في كيفية معالجة إطراء محتمل، يبدو مقترحا سلطويا إلى حد ما بخلاف مقترح الإمام علي، ففي حين يحث ميكافيللي الأمير على الإصغاء إلى الناصحين، يقترح أن على الأمير أن لا يسمح لناصحيه بالكلام ما لم يُطلب إليهم ذلك، لأنه إذا ما تكلم أي شخص بجرأة أمام الأمير، فأنه يفقد احترامه (15)، وبدلا من ذلك، يجادل ميكافيللي في أنه يجب أن يُسمح، فقط، لأولئك الذين عرفوا بالحكمة والتعقّل أن يصرحوا بآرائهم، لأن الرجال مختلفون تماما من حيث قدرتهم على تحليل المواقف النقدية، فثمة رجال يفهمون الأشياء بحسب فهمهم الخاص، وثمة رجال يحتاجون إلى توضيح كيما يفهموا، وثمة رجال لن يفهموا الأشياء على الإطلاق (16)! وينصح ميكافيللي الأمير بأن ينتخب النمط الأول من الوزراء، مع أنه يحذر ويتنبّه إلى التهديدات المحتملة من مثل هؤلاء الرجال، وذلك لأن لهم مطامحهم المختلفة لذلك، ورغم ذلك، فإن المرمى الوحيد للأمير هو أن يحافظ على حكمه، وبناء على ذلك، يجب عليه أن يضع هذه المطامح قيد المراقبة دائما.

ومن جهة أخرى، يعالج الإمام علي المشورة السيئة في عملية الترشيح، فهو يقول: إن شرّ وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا، ومن شركهم في الآثام (17)، ينصح الإمام علي بحكومة جديدة كليا، حكومة متنزّهة عن خطايا الماضي وعاداته، حالما ينتخب الأمير المستشارين الملائمين، يمكنه أن يعتمد عليهم في تحقيق ما يرغب فيه، لأنهم لن يخدعوه أو يسيئوا استعمال الثقة التي حباهم إياها، كان ذلك ما فعله في بداية حكومته، فقد عزل كل أولئك الذين ولّوا لأي سبب غير الجدارة والمآثر، وولّى الآخرين الذين سيكونون - بحسب رأيه - مؤهلين لمناصبهم، وأبقاهم، مع ذلك، قيد مراقبته الدقيقة.

قدم ميكافيللي منهجا لن يخفق (18) - بحسب تعبيره - في تقييم المستشارين، أي في إلقاء نظرة دقيقة على أولويات الوزير، فإذا ما كان يفكر بنفسه أكثر من تفكيره بسيده، فلابد من تجنبه وعدم الثقة به، ذلك أنه بتفكيره بمنفعته الخاصة، سوف ينتهك أساس واجبه، وحالما يضمن الأمير أن مستشاره يتمتع بعناصر الولاء والثقة، عندئذ عليه أن يعزز هذا الولاء، ويحصن العلاقة بتحقيق جميع رغبات المستشار، يجب عليه أن يمنحه كل الأوسمة والثروة التي يحتاجها، ولذلك ومن جهة، لا يمكن لأحد أن يستميله بأية وعود، وإنه من جهة أخرى، سيخسر خسارة بالغة إذا ما قهر سيده منافس ما.

للإمام علي الرأي نفسه في تأسيس العلاقة بين الأمير ومستشاريه، وعلى أية حال، فإن منهجه يختلف قليلا، فبعد التأكد من أن المستشار ليس بخيلا، أو جبانا أو جشعا، وأنه لم يقم بمهام الظالم في الماضي، عندئذ يتحول إلى خصيصتين بالغتي الأهمية تؤهلان، من وجهة نظره، الرجل للمنصب، وهاتان الخصيصتان هما مخافة الله وقول الحق(19)، فمخافة الله تضمن الولاء، وقول الحقيقة تولد النصيحة الصادقة، لذلك، على الأمير أن يظهر انشغاله بشأن الطريقة التي يتصرف بها أولئك الرجال، ويجب أن لا يعامل المحسن والمسيء سواء بسواء، لأن في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريبا لأهل الإساءة (20). أخيرا، اعتقد كلٌ من الإمام علي وميكافيللي بأن المستشارين لا يمكن أن يكونوا خيّرين بالنسبة لأمير أحمق، أو كما يعبر ميكافيللي، على نحو فظ، إن أميرا بلا حكمة يتوفر عليها بنفسه، لا يمكن أن ينصح بشكل حسن (21)، وبناء على ذلك، يجب عليه أن يتوفر على الخصائص الجيدة التي تمكنه من أن يميز بين النصيحة الخيرة والنصيحة السيئة، وأن يتبع النصيحة الخيرة وينبذ النصيحة الضارة، ويخلص ميكافيللي إلى أنه إذا ما وضع نفسه بيدي وزيره، فسيكون عرضة لأن يجرد من دولته.

عن الجيش

* (فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك) الإمام علي، عهده لمالك الأشتر

** (حتى أنهم سيكونون أفضل حينما يرون أنفسهم منقادين لأمير منهم، أمير يشرفهم ويرعاهم) ميكافيللي، الأمير

زعم ميكافيللي أن الحرب لا يمكن تجنبها أبدا، وإنما يمكن فقط، تأجيلها لأغراضه (الأمير) الخاصة ، وبناء على ذلك، تشكلت الجيوش، واكتسبت شرعيتها بوحي من هذا الزعم الذي مفاده أن لا دولة يمكنها أن تكون محصنة ضد خطر العدوان، أو تهديده، ومن هنا، كانت الأولوية الرئيسة للحكومات هي أن تتكفل بأمن وجودها، وأن تستعد للدخول الحتمي في الحرب في الوقت المناسب، لقد وصف الإمام علي الجنود بأنهم حصون الرعية التي يجب أن تلقى عناية كافية من الأمير، ويواصل الإمام علي الكلام على الجنود (وليس تقوم الرعية إلا بهم، ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج)(23).

لا تعرف الجيوش، فقط، بكونها عبأ، وبكونها تعتمد على الدولة كليا، وإنما هي، أيضا، ذات خطورة محتملة، وعلى ذلك، من المهم بالنسبة للأمير أن يضعها قيد المراقبة، وأن يضمن ولاءها، وبحسب رأي الإمام علي، يمكن أن يتحقق هذا عبر تعيين الرجال المناسبين لهذه المسؤولية، الرجال العطوفين والشفوقين والقويمين.

(وليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته، وأفضل عليهم من جدته، بما يسعهم ويسع من وراءهم من خلوف أهليهم، حتى يكون همهم هما واحدا في جهاد العدو) (24).

ومرة أخرى، يلفت انتباهنا إلى أن الترشيح الناجح هو الخطوة الأولى لضمان ولاء الرجال، في حين إن الرعاية الدائمة لهم يمكنها، وحدها، أن تصون وحدتهم وولاءهم، وفي هذا القسم من العهد، أدى الإمام علي دور عالم نفساني عسكري حديث، فهو يجادل بحق، في أن الجنود الذين يزحفون إلى الحرب يجب أن لا يركزوا على أي شيء آخر غير إيقاع الهزيمة بالعدو، ولذلك، فمن واجب الأمير أن يعين القادة البارعين الذين يرعون المحاربين، يقول الإمام علي: (ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما) (25)، ومن المهم جدا التأكد من أن أسرهم يحظون بالرعاية، وعلاوة على ذلك، يحث الإمام علي مالكا الأشتر على إن يطري جنوده وضباطه مرارا وتكرارا لكل ما يقدمونه من خدمات، يقول الإمام علي: (فأفسح في آمالهم وواصل في حسن الثناء عليهم وتعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم، فإن كثرة الذكر الحسن لأفعالهم تهز الشجاع، وتحرض الناكل، إن شاء الله) (26)، وأخيرا، يحذر الإمام علي مالكا الأشتر من المعاملة المتحيزة بإزاء رجاله اعتمادا على موقع أحدهم في المجتمع: (ثم أعرف لكل امرئ منهم ما أبلى، ولا تضيفن بلاء امرئ إلى غيره، ولا تقصرن به دون غاية بلائه، ولا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا، ولا ضعة امرئ أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما) (27).

وبالنسبة لميكافيللي، فإن القوات المسلحة هي أحد أساسين رئيسين للدول كلها، جديدها أو قديمها، أو التي تمزج بين الأثنين، هذان الأساسان هما: القوانين الجيدة good والأسلحة الجيدة (28)، وإذا أخذنا مقترب ميكافيللي بعين الاعتبار، فإن كلمة جيدة good تستخدم بأية حال، بمعنى عملي practical، أو إجرائي functioning بمعنى أخلاقي moral أو عادل just، وهكذا تساعد الأسلحة القوية القوانين (سواء أكانت عادلة أم ظالمة) على أن تصبح مطاعة وسارية المفعول، يحدد ميكافيللي الأنواع المختلفة من الجيوش التي وجدت في عصره، ويفكر فيها بوضوح: (المرتزقة والحلفاء خطرون ولا جدوى منهم، والقائد الذي يبني دولته على جيوش المرتزقة لن يكون مطمئنا أبدا، وجند من هذا النوع مفككون، وطموحون وغير منضبطين وخونة، وهم لا يخافون الله، وليس لهم ولاء للرجال) (29).

لقد حدد ميكافيللي السبب الذي جعله يعتقد بخطورة المرتزقة، إنه يتعلق بالظروف التي جندوا واستخدموا في ظلها، فهم أرسلوا ليقاتلوا أعداء أناس آخرين من دون سبب يخصهم، وفائدة يغامرون من أجلها، وعلاوة على ذلك، فهم غالبا ما يكونون مدفوعين بفعل العوز، وهكذا ليس لديهم حافز يجعلهم يرغبون في الموت من أجل من أستأجرهم، والخطر أسوأ بالنسبة لقادتهم:

(إن قادة المرتزقة أما أن يكونوا رجالا ممتازين أولا، فإن كانوا ممتازين، فلا يمكنك عندئذ أن تمحضهم ثقتك، ذلك لأن لهم دائما مطامحهم الخاصة بالسلطة، ولذلك أما أن يهاجموك، يهاجموا سيدهم، أو أن يضطهدوا الآخرين إلى ما وراء أغراضك، وإذا ما كان القائد رجلا عاجزا، فلتتيقن، على العموم من أنك ستتحطم على يديه) (30).

يواصل ميكافيللي، بعد ذلك، القول عبر تقديم نماذج تاريخية ليبرهن على صحة رأيه، فعلى وجه التقريب، خسر القرطاجيون دولتهم لصالح المرتزقة، والميلانيون الذين استأجروا فرانسسكو سيفورزا الذي- بعد أن تغلب على العدو - انقلب ضد أسياده، غالبا ما يثبت ميكافيللي نتيجة المحاجة لصالحه حتى إذا كان التاريخ- وسيلته في الإقناع - ينقلب ضده، وفيما لو رد شخص ما وقال إن الفينسيين والفلورنسيين كان لهم نجاح مع هذه الأنواع من الجيوش، فإن ميكافيللي يجيب: (فيما يتعلق بالفلورنسيين، فإنهم كانوا محظوظين جدا) (31)، وعلى نحو مشابه، لا يمكن تزكية جيوش الحلفاء، لأنهم كما أوحى ميكافيللي، قد يكونون جيدين أو سيئين بحد ذاتهم، لكنهم دائما مضرين بالنسبة لمن يستخدمهم، فلأن خسرت معهم تكون محطما، ولأن ربحت، تصبح أسيرهم (32)، ومرة أخرى، لا يدع ميكافيللي خيارا أو احتمالا لنتيجة جيدة، فهو يحصر، بحذق، المحاجة في احتمالين فقط، وكلا الاحتمالين ينذر بالكارثة، وبخلاف المرتزقة، فإن زمر الحلفاء، كما يحذر ميكافيللي، خطرة إلى أقصى حد (33)، فهم متحدين وموالون لسيدهم الأصلي وليس لمن يستخدمهم، والتجربة المحزنة لليونانيين مع الأتراك تبين بشكل جيد، ما كان يعنيه ميكافيللي.

وعندما يواصل ميكافيللي حديثه الموسع عن جميع أنواع الجيوش، يبدو أنه يستنفد جميع أنواع الاحتمالات مبينا خطورتها، ومستثنيا نوعا واحدا من هذه الاحتمالات يفضله لتحقيق غايته، وكيما يبين أهمية أن يمتلك المرء جيشا خاصا به، يذكر بحذق بالغ، بهذه الحكاية المؤثرة، بقوة من الكتاب المقدس:

عندما تطوع داوود في حضرة شاوول للانطلاق إلى قتال جوليات، فإن المتحدي الفلسطيني، شاوول، ومن أجل أن يشجع داوود، زوده بأسلحته الخاصة، ولكن عندما حاول داوود أن يختبر هذه الأسلحة رفض ارتدائها... وفضّل مواجهة العدو بسكينه ومقلاعه (34)، يخلص ميكافيللي إلى أن لا جيوش يمكن أن تكون مأمونة ومؤثرة وموالية مثل جيوش المرء الخاصة، وإذا ما ارتبت في ذلك، تأمّل التاريخ، وإذا ما بقيت في شك من ذلك، فهذه كلمات الله! وفي هذا السياق، فإن رسالة ميكافيللي والإمام علي هي إن إخلاص الجيش وولاءه- اللذين يجب أن يكونا مكفولين قبل القوة - أمر ذو أهمية قصوى، وذلك لأن الإخلاص والولاء إنما هما سمتا الأمان للجيش، في حين أن القوة وحدها إنما هي سمة خطرة، وكما أن جيشا ضعيفا يؤدي بالأمير إلى فقدان دولته لصالح الأعداء، فإن جيشا قويا، ولكن غير موالِ، قد ينقلب ضده حالما تسنح الفرصة.

عن المعاهدات

* (وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء، وأرع ذمتك بالأمانة، وأجعل نفسك جنة دون ما أعطيت، فإنه ليس من فرائض الله شيء الناس أشد عليه اجتماعا، مع تفرق أهوائهم وتشتت أرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود) الإمام علي، عهده لمالك اللأشتر

** (ومن هنا، ليس فإمكان أمير حكيم، ولا يجب أن يحفظ عهده عندما لا يكون حفظ العهد لصالحه، أو عندما لا تعود الأسباب التي دفعته إلى ذلك نافذة المفعول) ميكافيللي، الأمير

إن الفصل الثامن عشر من كتاب الأمير هو فصل سيء الصيت إلى أبعد حد، إذ يعالج فيه ميكافيللي الطريقة التي يجب أن يعامل فيها الأمراء عهودهم، وفي هذا الفصل أيضا، يمكن العثور، في خلاصة الفصل، على العبارة التي تخطر أولا على كل ذهن حالما يذكر اسم ميكافيللي، وهي (الغاية تسوّغ الوسيلة) وأخيرا وفي هذا الفصل أيضا، يتحدث ميكافيللي عن الثعلب والأسد، حيث ألقى مسؤولية الخدعة على الضحية التي تتيح للمخادع تنفيذ ما يرمي إليه، وفي الفقرة الثانية من هذا الفصل، يشير ميكافيللي إلى (طريقتين في القتال، الأولى بالقوانين، والثانية بالأسلحة)، وهو يشير إلى الأولى على أنها (طريقة الرجال)، وإلى الثانية إلى أنها (أسلوب الحيوانات) ومن ثم، ينصح ميكافيللي بأن (على الأمير أن يعرف كيف يمثل دور الحيوان إضافة إلى دور الرجل)، ويواصل القول في تصنيف أفعال الحيوانات بوصفها (أفعال الثعلب والأسد) فقد كتب يقول: (إن الأسد لا يمكنه أن يدافع عن نفسه أمام الشراك، والثعلب عاجز أمام الذئاب، ولذلك على المرء أن يكون ثعلبا في تجنب المكائد، وأسدا في قتال الذئاب).

إن موقف ميكافيللي بإزاء المعاهدات واضح تماما، ففي رأيه، إن الأمير يحث على حفظ وعوده ما دام يستفيد من حفظ تلك الوعود، وحالما تكون تلك الوعود عبأ عليه، (فلا يمكنه أو لا يجب أن يحفظ عهده) (35).

وطبقا لميكافيللي، لا يجب على الأمير حفظ عهده عندما تصبح الأسباب التي تجبره على الإيفاء به غير نافذة المفعول، يطبق ميكافيللي هنا، (القاعدة الذهبية)، بطريقة معكوسة.

(إذا كان الرجال جيدين، فلن يكون هذا مبدأ جيدا، ولكن ما داموا شريرين ولن يحتفظوا بإخلاصهم لك، فلست ملزما بالاحتفاظ بالإخلاص لهم) (36). بهذه النظرة الكلبية للطبيعة البشرية يسوغ ميكافيللي الخيانة والغدر مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل من يرغب في تبني نصيحته يجب أن يتعلم صنعة أخرى، وهي (أن يعرف كيف يخفي هذه الطبيعة جيدا، وكيف يدّعي ويرائي) (37)، ويجادل ميكافيللي، أن تكون هناك خيانة، فهذا شيء، وأن تبدو كذلك شيء آخر.

كانت نظرة الإمام علي إلى المعاهدات مستمدة من التعاليم الإسلامية، فالقرآن يقول: (فإن جنحوا للسلم فاجنح لها)، والتزاما بهذا الناموس، يأمر الإمام علي مالكا الأشتر بأن لا يطرح اقتراح السلم الذي قد يبديه العدو نفسه، لقد دار في حسبان الإمام علي- وكذلك الأمير بالنسبة لميكافيللي فيما بعد - أن العدو قد يبدي السلم بقصد انتهاكه، ومع ذلك، لم يجعل الإمام علي من هذا الأمر ذريعة لعامله قصد نقض وعوده، وبدلا من ذلك، فهو يقترح أن على مالك الأشتر أن يتحسس علامات نقض الوعد من طرف عدوه الذي سوف يجعله في حل من التزامه بمعاهدة محترمة.

عندما تعقد هدنة، يجب على المرء، دائما أن يقبل بالتسوية، وأن يقبل ببعض الشروط المريرة من جراء ضغط اللحظة الراهنة، وعندما يتلاشى الضغط، فإن مرارة مثل هذه تشتد، ويشعر كل طرف من طرفي الهدنة بالحافز للتخلص من هذه الالتزامات، ويرى الإمام علي أن ذلك هو السبب نفسه الذي يجعل من إنجاز الوعد فعلا نبيلا: (حط عهدك بالوفاء، وأرعَ ذمتك بالأمانة، وأجعل نفسك جُنّة دون ما أعطيت، فإنه ليس من فرائض الله شيء الناس أشد عليه اجتماعا، مع تفرق أهوائهم، وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود، فلا تغدرن بذمتك، ولا تخيسن بعهدك، ولا تختلن عدوك، فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي) (38).

على الرغم من أمثلة المطابقة أو الاختلاف التي كشفتها هذه الدراسة بين الإمام علي وميكافيللي، فإن كلا الرجلين متسقان إذا ما تناولناهما منفصلين، وأخضعناهما للفحص ضمن شروطهما السياسية والاجتماعية الخاصة، لقد كان الإمام علي وفيا لمقتربه الأخلاقي في الحياة والسياسة، ولم يحد ميكافيللي أبدا عن إيمانه الراسخ بأن على الأمير أن يطيع الضرورة قبل أي اعتبار آخر، فهما متفقان فقط عندما تكون الضرورة أخلاقية في ذاتها، ولكن عندما يكف ما هو ضروري عن أن يكون أخلاقيا، فإن الإمام علي يواصل مسلكه الأخلاقي، أما ميكافيللي فينحرف عنه.

وطبقا لتصنيف ميكافيللي للرجال، فإن الإمام علي ينضم إلى الفئة التي تضم موسى وسايروس وروميولوس وثيسيوس، كان الإمام علي محييا لدين، ومؤسسا لدولة، وقد نجح في تحقيق غايات الحكومة: أي العدالة وتدبير الخير العام، وعلى أية حال، يقف الإمام علي كتحد لنظرية ميكافيللي التي تقضي بأن من الضروري للأمير، إذا رغب في البقاء في السلطة، أن يتعلم كيف لا يكون خيّرا، وكيف يستخدم معرفته أو يحجم من استخدامها، عندما يحتاجها (39)، فالإمام علي لم يخسر حربا أبدا، ولم يخسر دولته رغم كونه خيّرا في مواقفها بأسرها.

ورث الإمام علي أمة كانت مزعزة، ومليئة بالعنف والنزاع، وتفتقر إلى الإيمان بالحكومة، فالأعمال الوحشية للحكومات السابقة قسمت الناس على طبقات، فكان هناك الظالمون والمظلومون، والنبلاء والدهماء، والموسرون والمحرومون، وقد بلغ هذا الوضع مبلغا دفع الإمام علي، بمرور الوقت، إلى أن يتولى القيادة، إذ كانت هناك حاجة لمعجزة من أجل إحياء الدولة وتفعيل الدين، إن حصافة الإمام علي، وطبيعته الفذة هما اللتان كملتا قطع الحطام، وأحيتا إيمان الناس بالدولة، وعلى الرغم من دهاء خصوم الأمام علي، والطبيعة العنيدة لشيعته، فقد احتفظ بدولة قوية وظافرة، حققت العدالة، وأسست الديمقراطية من دون أن يعرّض أخلاقيته للشبهة، أو أن ينتهك مبادئ الأخلاق.




--------------------------------------------------------------------------------

* باحث عراقي مقيم في جامعة سان فرانسيسكو الأمريكية والبحث جزء من أطروحة للماجستير (سياسة الأمل وسياسة الواقع) 1997، مقدمة لإحدى الجامعات الأمريكية.

** المترجم أكاديمي وناقد ومترجم عراقي مقيم في استراليا له تآليف وتراجم عديدة.

المصادر:

1- ميكافيليي- الأمير- الفصل 15.

2- ومع ذلك، كتب ميكافيللي في كتابه: The Discourses- عن أهمية الدين في إبقاء الناس متحدين وموالين للدولة، أنظر الخطابات، 1-21 : لذلك، فعلى حكّام الجمهورية أو المملكة أن يتمسكوا بالمبادئ الأساسية للدين التي يزاولونها، وإذا ما تم ذلك، سيكون من اليسير لهم أن يحافظوا على عقائدهم الدينية المشتركة، وبالنتيجة على خيرهم ووحدتهم، ويتعين عليهم أيضا أن يعززوا ويشجعوا أيّ شيء من المحتمل أن يساعد على تحقيق هذه الغاية، حتى لو كانوا مقتنعين بأن ذلك الشيء منطو على مغالطة تماما.

3- المصدر نفسه، ص 48.

4- الإمام علي، عهده لمالك الأشتر.

5- كان النبي محمد (ص) قد قدم في المدينة، مثل هذا المبدأ من خلال معاهدته مع يهود المدينة، حيث سمح لهم بمزاولة دينهم وموروثهم شريطة ألا يستخدموا سلطتهم وثروتهم في إعاقة الدين الجديد (الإسلام)، وسرعان ما هُجر هذا المبدأ بُعيد وفاته حينما اتخذ انتشار الإسلام شكل فتوحات، ولم ترق مثل هذه المحاولة للأقاليم المفتوحة حديثا حتى بزوغ عهد الإمام علي بعدما يقارب أربعة وعشرين عاما.

6- ميكافيللي - الأمير- الفصل 15، لم يفحص ميكافيللي المفارقة التي تكونها هذه العبارة، ومفهوم استخدام شيء ما استخداما حسنا، شيء هو في ذاته سيئ.

7- المصدر نفسه، الفصل 51.

8- الإمام علي- عهده لمالك الأشتر.

9- المصدر نفسه.

10- المصدر نفسه، وطبقا لقوانين الإسلام، تُنزل الدولة عقوبة جسدية بأولئك الذين يقترفون الجرائم، والعقوبة الشائعة التي من هذا النوع كانت جلد المذنب وهو عار أمام العامة.

11- صدر، رضا - شعار الإمام علي في الحياة - ص 19.

12- الإمام علي - عهده لمالك الأشتر.

13- المصدر نفسه.

14- ميكافيللي- الأمير - الفصل 23.

15- المصدر نفسه.

16- المصدر نفسه، الفصل 22.

17- الأمام علي- عهده لمالك الأشتر.

18- ميكافيللي- الأمير - الفصل 22.

19- أنظر: الإمام علي- عهده لمالك الأشتر.

20- المصدر نفسه.

21- ميكافيللي- الأمير - الفصل 23.

22- المصدر نفسه، الفصل 3.

23- الإمام علي، عهد لمالك الأشتر.

24- المصدر نفسه. 25- المصدر نفسه.

26- المصدر نفسه. 27- المصدر نفسه.

28- ميكافيللي، الأمير، الفصل 12.

29- المصدر نفسه، الفصل 12، يبدو استخدام كلمة الله هنا- إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار سياق مجادلة ميكافيللي - استخداما مثيرا للسخرية.

30- المصدر نفسه. 31- المصدر نفسه.

32- المصدر نفسه، الفصل 23.

33- المصدر نفسه. 34- المصدر نفسه.

35- المصدر نفسه، الفصل 18.

36- المصدر نفسه. 37- المصدر نفسه.

38- الإمام علي، عهده لمالك الأشتر.

39- ميكافيللي، الأمير، الفصل 15.





توقيع : Dr.Zahra
سألت نفسي كتير مرسيتش يوم على بر
انا الي فيا الخيرر ولا الي فيا الشر
مليان عيوب ولا .؟
خالي من الذنوب ولا .؟
ولاايه.؟
ولا انا جوايا ومش داري الاتنين في بعض..؟
وخمسميه حاجه وملهمش دعوه ببعض..!!
من مواضيع : Dr.Zahra 0 صباحكم جوري..*
0 الدنيا منافع ..*
0 انجازاتي ...*
0 أنا أتد ... ♥
0 عراقي عنده معامله مستعجله ..,'

الصورة الرمزية Dr.Zahra
Dr.Zahra
شيعي حسيني
رقم العضوية : 429
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 12,843
بمعدل : 1.87 يوميا

Dr.Zahra غير متصل

 عرض البوم صور Dr.Zahra

  مشاركة رقم : 7  
كاتب الموضوع : Dr.Zahra المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 05-10-2007 الساعة : 03:59 PM


الإمام علي (ع) وميكافيللي
تشدّد هذه الدراسة على المقارنة بين عملين شهيرين لكل من الإمام علي بن أبي طالب (ع) في عهده لمالك الأشتر، وميكافيللي في كتابه الأمير.

وعلى الرغم من الاختلافات الكثيرة بين العملين، فإنهما يتوفران على نقاط مشتركة جمّة تتيح ترشيحها، بشكل لائق، لمقارنة شاملة. لقد كان الغرض الذي حدا بالإمام علي (ع) إلى كتابة عهده هو الغرض نفسه الذي دعا ميكافيللي لكتابة الأمير: والغرض هو إبداع دليل سياسي لأمير جديد، دليل لعله يكون ذا نفع للقارئ الواعي (1).

وعلى أية حال، فإن الاختلاف الأساسي في المقترب جعل المقارنة أكثر فائدة، لا سيما حين أنتج المقتربان المختلفان، في بعض الأحيان، مواقف متشابهة تجاه قضية معينة، مثل قضية الجيش والمستشارين.

يمكن أن يعزى الاختلاف بين مقترب الإمام علي (ع) الأخلاقي وتعاليم ميكافيللي المتجردة عن الأخلاق إلى الحقبة والظروف اللتين عاش فيهما الإمام علي (ع) وميكافيللي، زيادة على اختلاف طبيعة وشخصية كل منهما، كان الإمام علي(ع) حاكم دولة دينية حيث كان الأمير فيها مجرد ممثل (خليفة) لله، ولا يستطيع أن يعارض حدود إرادته، وقد أُنتخب الإمام علي (ع) لهذا المركز لا لشيء سوى إمكاناته في المحافظة على هذا الدور، ومن جهة أخرى، كان ميكافيللي نتاج نظام اجتماعي وسياسي أفضى به إلى الاقتناع بأن الدين هو العقبة الكأداء التي تحول دون الازدهار السياسي في إيطاليا، وأن السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة سيكون بعودة تامة إلى السياسة الوثنية (2).

عن القسوة

* (ليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله، وتعجيل نقمته من إقامةٍ على ظلم) الإمام علي (ع) عهد لمالك الأِشتر

** (يجب على الأمير ألا يأبه بتهمة القسوة ما دام يبقي رعيته متحدة وموالية) ميكافيللي، الأمير

عندما يشار إلى الحكام أن يكونوا حازمين كيما يوفّوا واجبات الحكومة، فإنهم يكونون عرضة لتجاوز حدود العزم والسقوط في القسوة، حيث تترك الإصلاحات وتساق التسويغات لذلك، وبناء على ذلك، يصبح الظلم ناتجا ثانويا للعبة السلطة، ويصل الحال بالمشاركين إلى أن يشددوا على كيفية قيام هذا الظلم بما يفي بالحاجة، وأي ظلم يستحسن كعزم، أو يستنكر كقسوة، كان مقترب ميكافيللي لهذا المأزق مقتربا عمليا بدلا من كونه أخلاقيا، لأن ميكافيللي لم يكترث بالانتهاكات الأخلاقية إذا ما كانت النتيجة نجاحا على المستوى العملي.

فالرغبة في الرحمة غالبا ما تعترضها ضرورة القسوة، ومن هنا يجب على الأمير، طبقا لميكافيللي، أن يتبع الضرورة وليس الرغبة، إذا أراد أن يتجنب دماره، وفي الحقيقة أنه من خلال فعل حالات قليلة جدا، يمكنه أن يكون أكثر رحمة بحق.. لأنه بذلك، يمنع حدوث اضطرابات متى ما أرتكب القتل والسلب، ذلك أن هذه الاضطرابات تسيء إلى مجتمع كامل، في حين تؤثر الإعدامات القليلة في بضعة أفراد فقط (3). تبدو هذه الصياغة مقنعة تماما ما دام المرء ليس من بين البضعة أفراد!

ومن جهة أخرى، ينظر الإمام علي (ع) إلى القضية من زاوية مقابلة، فالأفراد يحظون بالأهمية نفسها بما أنهم أمة مشتركة، وهو لا يعذر مالك الأشتر في الإخلال بحقوقهم، يقول: ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان: أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق (4). بهذه العبارة يعيد الإمام علي (ع) تأسيس مبدأ في الفكر السياسي الإسلامي، وهو مسؤولية الحاكم تجاه غير المسلمين (5). يعتقد ميكافيللي بأن القسوة يمكن أن تستخدم بشكل جيد أو سيئ (6)، وهو يؤكد أن القسوة يمكن أن تستخدم بشكل جيد عندما تنجز أفعال القسوة على نحو فوري وبوقت قصير، ولذا فإن الناس يشعرون بحدتها وسرعان ما يتغلبون على مرارتها بفضل المنافع الثانوية، ويجادل ميكافيللي في أنه هو الذي طبّق مثل هذه الأنواع من القسوة، يمكنه أن يسلم من عواقبها وحتى أن يجد بعض الشفاعة، في عيون الله والإنسان (7)! ومن جهة أخرى، تستخدم القسوة بشكل سيئ عندما تصبح عادة، ومن ثم ينمو شعور لدى الناس بعدم الثقة، وذلك لأنهم لم يتحصلوا على أي شيء آخر غير المزيد من القسوة، ومن اللافت للنظر، أن ميكافيللي لا يذكر أبدا ما إذا كان استخدام القسوة- سواء أكان بشكل جيد أم بشكل سيئ - يعتمد على استخدامها ضد أولئك الذين يستحقونها أم لا، ويدعّم ميكافيللي القسوة العملية التي تحقق النتائج المرغوب فيها، فضلا عن قضية تسويغ هذا النوع من القسوة.

يتبنى الإمام علي (ع) استخدام القسوة بشكل مناقض- فهو لا يجد ذريعة لأفعال القسوة - وفي رأيه، يقوم الظلم بـ(تعجيل نقمته (8) نقمة الله، وجر الدولة إلى دمارها)، وطبقا للإمام علي (ع)، ليس من المهم سواء أأعادت جريمة مكانة الدولة أم لا، وأي شخص يرتكب جريمة (وبضمنهم الحكام) يجب أن يعاقب، وحتى في حالة الموت الخطأ، لابد للأمير من أن يعوّض عائلة المتوفى، وبخلاف ميكافيللي، يؤمن الإمام علي (ع) بأنه لن تكون هناك شفاعة مجدية أمام الله لسفك الدماء من دون سبب مشروع، فقد كتب الإمام علي: والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة (9). ولقد كانت أوامر الإمام علي لمالك الأشتر في غاية الوضوح يقول: (إياك والدماء وسفكها بغير حِلِّها، فإنه ليس شيء أدنى لنقمةٍ، ولا أعظم لتبعةٍ، ولا أحرى لزوال نعمةٍ وانقطاع مدةٍ، من سفك الدماء بغير حقها، فلا تقوّين سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه، بل يزيله وينقله، ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد، لأن فيه قود البدن، وإن ابتليت بخطأ وأفرط عليك سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة (10)، فأن في الوكزة فما فوقها مقتلة، ولا تطمحنّ بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أولياء المقتول حقهم).

إن سمة الجانب العملي التي حفزت ميكافيللي على عقلنة القسوة استقامت على بضعة أسس: أولا، هيمنة أخلاقية الدولة على جميع أشكال الاعتبارات الأخلاقية الأخرى، وفي نظام تكون فيه الدولة هي السلطة الأساسية، تنسحق أخلاقية الفرد تحت وطأة مجال جبار، وفي مثل هذه الحالة، لا تعنى أخلاقية الدولة بمصالح الفرد الخاصة عندما تكون مصالح المجموع رهن الخطر، ثانيا، إن دور ميكافيللي في الاستشارة جعله عاجزا عن فرض القوانين، ولقد كان قادرا، فقط، على أن يقول: ذلك ما يجب فعله بدلا من القول: أفعل هذا! ثالثا، إن المصادر التاريخية التي بنى ميكافيللي عليها نتائجه كانت مجهزة لمثل هذه الخلاصة، تبدو هذه النتيجة محتومة بالنسبة لأولئك الذين يعوّلون على تحليل التاريخ لينسجم مع خطة المستقبل، ذلك لأن الحوادث التاريخية تميل إلى الوضوح بذاتها، وتتعلق المسألة بما إذا كان بإمكان المرء أن يكرر هذه الحوادث أم لا، وإذا استطاع ذلك، ستدور المسألة حول إمكانية المرء الإفضاء إلى الخلاصة نفسها، وقد انصرف ميكافيللي نفسه إلى هذه القضية في كتابه الأمير، وخلص إلى ما يلي: وكما قلت يحدث هنا، أن يستخدم اثنان مناهج مختلفة ربما تفضي بهما إلى النتيجة نفسها، وقد يتبع اثنان المنهج نفسه فينجح أحدهما ويفشل الآخر، ويعزو ميكافيللي التنوع إلى تكيف الأفعال للحقب والظروف أو عدم تكيفها.

وعلى العكس، دشّن الإمام علي شيئا جديدا، فالتاريخ يستشف ولا يحاكى، باستثناء تاريخ إرادة السلام والخير، لقد ابتدع الإمام علي حكومته الخاصة لتكون حكومة عادلة وديمقراطية بحق، فالسلطة منوطة بالناس، بينما الحاكم مجرد وسيط، يقول: إن كانت الرعايا قبلي لتشكو حيف رعاتها، وأنني اليوم لأشكو حيف رعيتي كأنني المقود وهم القادة، أو الموزوع وهم الوزعة (11). وبهذا القول لا يشير الإمام علي إلى حكم دهماوي من طرف الناس، بل يشير إلى مأزق طبيعي يواجهه قائد جديد يتبنى الديمقراطية بعد عقود من الاستبداد، إن رعايا الإمام علي لم يعرفوا كيفية ممارسة الديمقراطية، لذلك غالبا ما أساؤوا استخدام علاقة القائد- المقود، ولقد تكلم الإمام علي أيضا بسلطة القائد، ولذلك كان أول من قال: على تلك الطريقة أريد منك أن تصرف الأمور، فلتفعل ذلك! كان ذلك العلاج المرّ الذي كان مالك الأشتر وأقرانه يرغبون من خلال القبول بالمنصب، في تناوله كوصفة من دون أن يتناولوا معه شيئا يجعله أقل وطأة من الإيمان المطلق ببراعة الوصف.

إن عاملا في حكومة الإمام علي لابد أن يخوض غمار حرب مستمرة ضد طبيعته الشخصية، فمن المأمول من العامل أن يبدي تسامحا عندما يكون الانتقام مطلبا معتادا، وأن يبتسم عندما يمتلئ غضبا، وليس مسموحا له ارتكاب الأخطاء، مع أنه يقبل بحقيقة أن الآخرين يرتكبون الأخطاء (12)، يجب على العامل، بوصفه موظفا رسميا، القبول بموقعه ضمن التراتبية، حيث يكون الله في قمة الهرم، ويجب عليه محاكاة الله في أفعال الرحمة والتسامح، ومع ذلك فإن الإمام علي يحذره: إياك ومساماة الله في عظمته، والتشبه به في جبروته (13). ومن جهة أخرى، يُنصح الموظف الرسمي- بحسب ميكافيللي - أن يظهر وأن يُظهر فقط، أنه يتمتع بخصائص فاضلة، فما يتعين فعله، في الواقع، كان أمرا آخر، كان عليه أن يتصرف طبقا لمبادئ البيئة السياسية، وأن يتعلم أن يكون خيّرا فقط عندما يكون ذلك مجمّلا لسلطته السياسية، تماما مثل تبرعات التجار كما سيدعو الإمام علي ذلك.

عن الاستشارة

* (ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل، ويعدك الفقر) الإمام علي، عهد لمالك الأشتر

** (وهكذا عندما لا يكون بوسع الأمير أن يتخذ من الكرم فضيلة له من دون أن يحفَّ نفسه بالخطر، يجب عليه إذا كان حكيما أن لا يحفل بقلب بخيل) ميكافيللي، الأمير

إذا كان اتخاذ القرارات السياسية من دون التماس نصيحة يعني الدكتاتورية، فإن ارتكاز هذه القرارات على نصيحة خاطئة أو مضلّلة يؤدي إلى عواقب وخيمة، وعلى ذلك، فإن مهمة اختيار مستشارين هي المهمة الأصعب والأكثر ثقلا من بين المهمات الأخرى، وليس بكاف نشدان الرجل الأكثر حكمة من دون الاهتمام بما ستفضي إليه حكمته، وكلاهما، الإمام علي وميكافيللي، أوليا عناية خاصة بهذه المجموعة، مجموعة المستشارين، كل بحسب أغراضه.

لقد نبّه الإمام علي (ع) مالكا على أنه هو، وحده، المسؤول عن مآل القرارات، على الرغم من أنه يشارك في اتخاذ القرار مع مستشاريه، ولذلك عليه أن يكون بالغ الحيطة مع الذين يكونون موضع ثقته، يقول: (والصق بأهل الورع والصدق ثم رضهم على أن لا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله).

يبدو أن خطر الإطراء متفق عليه من طرف الإمام علي وميكافيللي، فحوى الرسالة هو أن الإطراء يسبب الفساد الذي يسبب، تبعا لذلك، سقوط الإنسان: (لا أود أن أغفل مسألة بالغة الأهمية تتعلق بخطر داهم على الأمراء تجنبه، ما لم يكونوا حصيفين وحكماء في اختيار وزرائهم، وأعني بذلك المتملقين الذين تعج بهم البلاطات، فهناك طريقة واحدة فقط للاحتراس من الإطراء، وهذه الطريقة هي أن تشيع انك لن تغتاض من الكلام الصريح (14).

وعلى أية حال، يبدو مقترح ميكافيللي في كيفية معالجة إطراء محتمل، يبدو مقترحا سلطويا إلى حد ما بخلاف مقترح الإمام علي، ففي حين يحث ميكافيللي الأمير على الإصغاء إلى الناصحين، يقترح أن على الأمير أن لا يسمح لناصحيه بالكلام ما لم يُطلب إليهم ذلك، لأنه إذا ما تكلم أي شخص بجرأة أمام الأمير، فأنه يفقد احترامه (15)، وبدلا من ذلك، يجادل ميكافيللي في أنه يجب أن يُسمح، فقط، لأولئك الذين عرفوا بالحكمة والتعقّل أن يصرحوا بآرائهم، لأن الرجال مختلفون تماما من حيث قدرتهم على تحليل المواقف النقدية، فثمة رجال يفهمون الأشياء بحسب فهمهم الخاص، وثمة رجال يحتاجون إلى توضيح كيما يفهموا، وثمة رجال لن يفهموا الأشياء على الإطلاق (16)! وينصح ميكافيللي الأمير بأن ينتخب النمط الأول من الوزراء، مع أنه يحذر ويتنبّه إلى التهديدات المحتملة من مثل هؤلاء الرجال، وذلك لأن لهم مطامحهم المختلفة لذلك، ورغم ذلك، فإن المرمى الوحيد للأمير هو أن يحافظ على حكمه، وبناء على ذلك، يجب عليه أن يضع هذه المطامح قيد المراقبة دائما.

ومن جهة أخرى، يعالج الإمام علي المشورة السيئة في عملية الترشيح، فهو يقول: إن شرّ وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا، ومن شركهم في الآثام (17)، ينصح الإمام علي بحكومة جديدة كليا، حكومة متنزّهة عن خطايا الماضي وعاداته، حالما ينتخب الأمير المستشارين الملائمين، يمكنه أن يعتمد عليهم في تحقيق ما يرغب فيه، لأنهم لن يخدعوه أو يسيئوا استعمال الثقة التي حباهم إياها، كان ذلك ما فعله في بداية حكومته، فقد عزل كل أولئك الذين ولّوا لأي سبب غير الجدارة والمآثر، وولّى الآخرين الذين سيكونون - بحسب رأيه - مؤهلين لمناصبهم، وأبقاهم، مع ذلك، قيد مراقبته الدقيقة.

قدم ميكافيللي منهجا لن يخفق (18) - بحسب تعبيره - في تقييم المستشارين، أي في إلقاء نظرة دقيقة على أولويات الوزير، فإذا ما كان يفكر بنفسه أكثر من تفكيره بسيده، فلابد من تجنبه وعدم الثقة به، ذلك أنه بتفكيره بمنفعته الخاصة، سوف ينتهك أساس واجبه، وحالما يضمن الأمير أن مستشاره يتمتع بعناصر الولاء والثقة، عندئذ عليه أن يعزز هذا الولاء، ويحصن العلاقة بتحقيق جميع رغبات المستشار، يجب عليه أن يمنحه كل الأوسمة والثروة التي يحتاجها، ولذلك ومن جهة، لا يمكن لأحد أن يستميله بأية وعود، وإنه من جهة أخرى، سيخسر خسارة بالغة إذا ما قهر سيده منافس ما.

للإمام علي الرأي نفسه في تأسيس العلاقة بين الأمير ومستشاريه، وعلى أية حال، فإن منهجه يختلف قليلا، فبعد التأكد من أن المستشار ليس بخيلا، أو جبانا أو جشعا، وأنه لم يقم بمهام الظالم في الماضي، عندئذ يتحول إلى خصيصتين بالغتي الأهمية تؤهلان، من وجهة نظره، الرجل للمنصب، وهاتان الخصيصتان هما مخافة الله وقول الحق(19)، فمخافة الله تضمن الولاء، وقول الحقيقة تولد النصيحة الصادقة، لذلك، على الأمير أن يظهر انشغاله بشأن الطريقة التي يتصرف بها أولئك الرجال، ويجب أن لا يعامل المحسن والمسيء سواء بسواء، لأن في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريبا لأهل الإساءة (20). أخيرا، اعتقد كلٌ من الإمام علي وميكافيللي بأن المستشارين لا يمكن أن يكونوا خيّرين بالنسبة لأمير أحمق، أو كما يعبر ميكافيللي، على نحو فظ، إن أميرا بلا حكمة يتوفر عليها بنفسه، لا يمكن أن ينصح بشكل حسن (21)، وبناء على ذلك، يجب عليه أن يتوفر على الخصائص الجيدة التي تمكنه من أن يميز بين النصيحة الخيرة والنصيحة السيئة، وأن يتبع النصيحة الخيرة وينبذ النصيحة الضارة، ويخلص ميكافيللي إلى أنه إذا ما وضع نفسه بيدي وزيره، فسيكون عرضة لأن يجرد من دولته.

عن الجيش

* (فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك) الإمام علي، عهده لمالك الأشتر

** (حتى أنهم سيكونون أفضل حينما يرون أنفسهم منقادين لأمير منهم، أمير يشرفهم ويرعاهم) ميكافيللي، الأمير

زعم ميكافيللي أن الحرب لا يمكن تجنبها أبدا، وإنما يمكن فقط، تأجيلها لأغراضه (الأمير) الخاصة ، وبناء على ذلك، تشكلت الجيوش، واكتسبت شرعيتها بوحي من هذا الزعم الذي مفاده أن لا دولة يمكنها أن تكون محصنة ضد خطر العدوان، أو تهديده، ومن هنا، كانت الأولوية الرئيسة للحكومات هي أن تتكفل بأمن وجودها، وأن تستعد للدخول الحتمي في الحرب في الوقت المناسب، لقد وصف الإمام علي الجنود بأنهم حصون الرعية التي يجب أن تلقى عناية كافية من الأمير، ويواصل الإمام علي الكلام على الجنود (وليس تقوم الرعية إلا بهم، ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج)(23).

لا تعرف الجيوش، فقط، بكونها عبأ، وبكونها تعتمد على الدولة كليا، وإنما هي، أيضا، ذات خطورة محتملة، وعلى ذلك، من المهم بالنسبة للأمير أن يضعها قيد المراقبة، وأن يضمن ولاءها، وبحسب رأي الإمام علي، يمكن أن يتحقق هذا عبر تعيين الرجال المناسبين لهذه المسؤولية، الرجال العطوفين والشفوقين والقويمين.

(وليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته، وأفضل عليهم من جدته، بما يسعهم ويسع من وراءهم من خلوف أهليهم، حتى يكون همهم هما واحدا في جهاد العدو) (24).

ومرة أخرى، يلفت انتباهنا إلى أن الترشيح الناجح هو الخطوة الأولى لضمان ولاء الرجال، في حين إن الرعاية الدائمة لهم يمكنها، وحدها، أن تصون وحدتهم وولاءهم، وفي هذا القسم من العهد، أدى الإمام علي دور عالم نفساني عسكري حديث، فهو يجادل بحق، في أن الجنود الذين يزحفون إلى الحرب يجب أن لا يركزوا على أي شيء آخر غير إيقاع الهزيمة بالعدو، ولذلك، فمن واجب الأمير أن يعين القادة البارعين الذين يرعون المحاربين، يقول الإمام علي: (ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما) (25)، ومن المهم جدا التأكد من أن أسرهم يحظون بالرعاية، وعلاوة على ذلك، يحث الإمام علي مالكا الأشتر على إن يطري جنوده وضباطه مرارا وتكرارا لكل ما يقدمونه من خدمات، يقول الإمام علي: (فأفسح في آمالهم وواصل في حسن الثناء عليهم وتعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم، فإن كثرة الذكر الحسن لأفعالهم تهز الشجاع، وتحرض الناكل، إن شاء الله) (26)، وأخيرا، يحذر الإمام علي مالكا الأشتر من المعاملة المتحيزة بإزاء رجاله اعتمادا على موقع أحدهم في المجتمع: (ثم أعرف لكل امرئ منهم ما أبلى، ولا تضيفن بلاء امرئ إلى غيره، ولا تقصرن به دون غاية بلائه، ولا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا، ولا ضعة امرئ أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما) (27).

وبالنسبة لميكافيللي، فإن القوات المسلحة هي أحد أساسين رئيسين للدول كلها، جديدها أو قديمها، أو التي تمزج بين الأثنين، هذان الأساسان هما: القوانين الجيدة good والأسلحة الجيدة (28)، وإذا أخذنا مقترب ميكافيللي بعين الاعتبار، فإن كلمة جيدة good تستخدم بأية حال، بمعنى عملي practical، أو إجرائي functioning بمعنى أخلاقي moral أو عادل just، وهكذا تساعد الأسلحة القوية القوانين (سواء أكانت عادلة أم ظالمة) على أن تصبح مطاعة وسارية المفعول، يحدد ميكافيللي الأنواع المختلفة من الجيوش التي وجدت في عصره، ويفكر فيها بوضوح: (المرتزقة والحلفاء خطرون ولا جدوى منهم، والقائد الذي يبني دولته على جيوش المرتزقة لن يكون مطمئنا أبدا، وجند من هذا النوع مفككون، وطموحون وغير منضبطين وخونة، وهم لا يخافون الله، وليس لهم ولاء للرجال) (29).

لقد حدد ميكافيللي السبب الذي جعله يعتقد بخطورة المرتزقة، إنه يتعلق بالظروف التي جندوا واستخدموا في ظلها، فهم أرسلوا ليقاتلوا أعداء أناس آخرين من دون سبب يخصهم، وفائدة يغامرون من أجلها، وعلاوة على ذلك، فهم غالبا ما يكونون مدفوعين بفعل العوز، وهكذا ليس لديهم حافز يجعلهم يرغبون في الموت من أجل من أستأجرهم، والخطر أسوأ بالنسبة لقادتهم:

(إن قادة المرتزقة أما أن يكونوا رجالا ممتازين أولا، فإن كانوا ممتازين، فلا يمكنك عندئذ أن تمحضهم ثقتك، ذلك لأن لهم دائما مطامحهم الخاصة بالسلطة، ولذلك أما أن يهاجموك، يهاجموا سيدهم، أو أن يضطهدوا الآخرين إلى ما وراء أغراضك، وإذا ما كان القائد رجلا عاجزا، فلتتيقن، على العموم من أنك ستتحطم على يديه) (30).

يواصل ميكافيللي، بعد ذلك، القول عبر تقديم نماذج تاريخية ليبرهن على صحة رأيه، فعلى وجه التقريب، خسر القرطاجيون دولتهم لصالح المرتزقة، والميلانيون الذين استأجروا فرانسسكو سيفورزا الذي- بعد أن تغلب على العدو - انقلب ضد أسياده، غالبا ما يثبت ميكافيللي نتيجة المحاجة لصالحه حتى إذا كان التاريخ- وسيلته في الإقناع - ينقلب ضده، وفيما لو رد شخص ما وقال إن الفينسيين والفلورنسيين كان لهم نجاح مع هذه الأنواع من الجيوش، فإن ميكافيللي يجيب: (فيما يتعلق بالفلورنسيين، فإنهم كانوا محظوظين جدا) (31)، وعلى نحو مشابه، لا يمكن تزكية جيوش الحلفاء، لأنهم كما أوحى ميكافيللي، قد يكونون جيدين أو سيئين بحد ذاتهم، لكنهم دائما مضرين بالنسبة لمن يستخدمهم، فلأن خسرت معهم تكون محطما، ولأن ربحت، تصبح أسيرهم (32)، ومرة أخرى، لا يدع ميكافيللي خيارا أو احتمالا لنتيجة جيدة، فهو يحصر، بحذق، المحاجة في احتمالين فقط، وكلا الاحتمالين ينذر بالكارثة، وبخلاف المرتزقة، فإن زمر الحلفاء، كما يحذر ميكافيللي، خطرة إلى أقصى حد (33)، فهم متحدين وموالون لسيدهم الأصلي وليس لمن يستخدمهم، والتجربة المحزنة لليونانيين مع الأتراك تبين بشكل جيد، ما كان يعنيه ميكافيللي.

وعندما يواصل ميكافيللي حديثه الموسع عن جميع أنواع الجيوش، يبدو أنه يستنفد جميع أنواع الاحتمالات مبينا خطورتها، ومستثنيا نوعا واحدا من هذه الاحتمالات يفضله لتحقيق غايته، وكيما يبين أهمية أن يمتلك المرء جيشا خاصا به، يذكر بحذق بالغ، بهذه الحكاية المؤثرة، بقوة من الكتاب المقدس:

عندما تطوع داوود في حضرة شاوول للانطلاق إلى قتال جوليات، فإن المتحدي الفلسطيني، شاوول، ومن أجل أن يشجع داوود، زوده بأسلحته الخاصة، ولكن عندما حاول داوود أن يختبر هذه الأسلحة رفض ارتدائها... وفضّل مواجهة العدو بسكينه ومقلاعه (34)، يخلص ميكافيللي إلى أن لا جيوش يمكن أن تكون مأمونة ومؤثرة وموالية مثل جيوش المرء الخاصة، وإذا ما ارتبت في ذلك، تأمّل التاريخ، وإذا ما بقيت في شك من ذلك، فهذه كلمات الله! وفي هذا السياق، فإن رسالة ميكافيللي والإمام علي هي إن إخلاص الجيش وولاءه- اللذين يجب أن يكونا مكفولين قبل القوة - أمر ذو أهمية قصوى، وذلك لأن الإخلاص والولاء إنما هما سمتا الأمان للجيش، في حين أن القوة وحدها إنما هي سمة خطرة، وكما أن جيشا ضعيفا يؤدي بالأمير إلى فقدان دولته لصالح الأعداء، فإن جيشا قويا، ولكن غير موالِ، قد ينقلب ضده حالما تسنح الفرصة.

عن المعاهدات

* (وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء، وأرع ذمتك بالأمانة، وأجعل نفسك جنة دون ما أعطيت، فإنه ليس من فرائض الله شيء الناس أشد عليه اجتماعا، مع تفرق أهوائهم وتشتت أرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود) الإمام علي، عهده لمالك اللأشتر

** (ومن هنا، ليس فإمكان أمير حكيم، ولا يجب أن يحفظ عهده عندما لا يكون حفظ العهد لصالحه، أو عندما لا تعود الأسباب التي دفعته إلى ذلك نافذة المفعول) ميكافيللي، الأمير

إن الفصل الثامن عشر من كتاب الأمير هو فصل سيء الصيت إلى أبعد حد، إذ يعالج فيه ميكافيللي الطريقة التي يجب أن يعامل فيها الأمراء عهودهم، وفي هذا الفصل أيضا، يمكن العثور، في خلاصة الفصل، على العبارة التي تخطر أولا على كل ذهن حالما يذكر اسم ميكافيللي، وهي (الغاية تسوّغ الوسيلة) وأخيرا وفي هذا الفصل أيضا، يتحدث ميكافيللي عن الثعلب والأسد، حيث ألقى مسؤولية الخدعة على الضحية التي تتيح للمخادع تنفيذ ما يرمي إليه، وفي الفقرة الثانية من هذا الفصل، يشير ميكافيللي إلى (طريقتين في القتال، الأولى بالقوانين، والثانية بالأسلحة)، وهو يشير إلى الأولى على أنها (طريقة الرجال)، وإلى الثانية إلى أنها (أسلوب الحيوانات) ومن ثم، ينصح ميكافيللي بأن (على الأمير أن يعرف كيف يمثل دور الحيوان إضافة إلى دور الرجل)، ويواصل القول في تصنيف أفعال الحيوانات بوصفها (أفعال الثعلب والأسد) فقد كتب يقول: (إن الأسد لا يمكنه أن يدافع عن نفسه أمام الشراك، والثعلب عاجز أمام الذئاب، ولذلك على المرء أن يكون ثعلبا في تجنب المكائد، وأسدا في قتال الذئاب).

إن موقف ميكافيللي بإزاء المعاهدات واضح تماما، ففي رأيه، إن الأمير يحث على حفظ وعوده ما دام يستفيد من حفظ تلك الوعود، وحالما تكون تلك الوعود عبأ عليه، (فلا يمكنه أو لا يجب أن يحفظ عهده) (35).

وطبقا لميكافيللي، لا يجب على الأمير حفظ عهده عندما تصبح الأسباب التي تجبره على الإيفاء به غير نافذة المفعول، يطبق ميكافيللي هنا، (القاعدة الذهبية)، بطريقة معكوسة.

(إذا كان الرجال جيدين، فلن يكون هذا مبدأ جيدا، ولكن ما داموا شريرين ولن يحتفظوا بإخلاصهم لك، فلست ملزما بالاحتفاظ بالإخلاص لهم) (36). بهذه النظرة الكلبية للطبيعة البشرية يسوغ ميكافيللي الخيانة والغدر مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل من يرغب في تبني نصيحته يجب أن يتعلم صنعة أخرى، وهي (أن يعرف كيف يخفي هذه الطبيعة جيدا، وكيف يدّعي ويرائي) (37)، ويجادل ميكافيللي، أن تكون هناك خيانة، فهذا شيء، وأن تبدو كذلك شيء آخر.

كانت نظرة الإمام علي إلى المعاهدات مستمدة من التعاليم الإسلامية، فالقرآن يقول: (فإن جنحوا للسلم فاجنح لها)، والتزاما بهذا الناموس، يأمر الإمام علي مالكا الأشتر بأن لا يطرح اقتراح السلم الذي قد يبديه العدو نفسه، لقد دار في حسبان الإمام علي- وكذلك الأمير بالنسبة لميكافيللي فيما بعد - أن العدو قد يبدي السلم بقصد انتهاكه، ومع ذلك، لم يجعل الإمام علي من هذا الأمر ذريعة لعامله قصد نقض وعوده، وبدلا من ذلك، فهو يقترح أن على مالك الأشتر أن يتحسس علامات نقض الوعد من طرف عدوه الذي سوف يجعله في حل من التزامه بمعاهدة محترمة.

عندما تعقد هدنة، يجب على المرء، دائما أن يقبل بالتسوية، وأن يقبل ببعض الشروط المريرة من جراء ضغط اللحظة الراهنة، وعندما يتلاشى الضغط، فإن مرارة مثل هذه تشتد، ويشعر كل طرف من طرفي الهدنة بالحافز للتخلص من هذه الالتزامات، ويرى الإمام علي أن ذلك هو السبب نفسه الذي يجعل من إنجاز الوعد فعلا نبيلا: (حط عهدك بالوفاء، وأرعَ ذمتك بالأمانة، وأجعل نفسك جُنّة دون ما أعطيت، فإنه ليس من فرائض الله شيء الناس أشد عليه اجتماعا، مع تفرق أهوائهم، وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود، فلا تغدرن بذمتك، ولا تخيسن بعهدك، ولا تختلن عدوك، فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي) (38).

على الرغم من أمثلة المطابقة أو الاختلاف التي كشفتها هذه الدراسة بين الإمام علي وميكافيللي، فإن كلا الرجلين متسقان إذا ما تناولناهما منفصلين، وأخضعناهما للفحص ضمن شروطهما السياسية والاجتماعية الخاصة، لقد كان الإمام علي وفيا لمقتربه الأخلاقي في الحياة والسياسة، ولم يحد ميكافيللي أبدا عن إيمانه الراسخ بأن على الأمير أن يطيع الضرورة قبل أي اعتبار آخر، فهما متفقان فقط عندما تكون الضرورة أخلاقية في ذاتها، ولكن عندما يكف ما هو ضروري عن أن يكون أخلاقيا، فإن الإمام علي يواصل مسلكه الأخلاقي، أما ميكافيللي فينحرف عنه.

وطبقا لتصنيف ميكافيللي للرجال، فإن الإمام علي ينضم إلى الفئة التي تضم موسى وسايروس وروميولوس وثيسيوس، كان الإمام علي محييا لدين، ومؤسسا لدولة، وقد نجح في تحقيق غايات الحكومة: أي العدالة وتدبير الخير العام، وعلى أية حال، يقف الإمام علي كتحد لنظرية ميكافيللي التي تقضي بأن من الضروري للأمير، إذا رغب في البقاء في السلطة، أن يتعلم كيف لا يكون خيّرا، وكيف يستخدم معرفته أو يحجم من استخدامها، عندما يحتاجها (39)، فالإمام علي لم يخسر حربا أبدا، ولم يخسر دولته رغم كونه خيّرا في مواقفها بأسرها.

ورث الإمام علي أمة كانت مزعزة، ومليئة بالعنف والنزاع، وتفتقر إلى الإيمان بالحكومة، فالأعمال الوحشية للحكومات السابقة قسمت الناس على طبقات، فكان هناك الظالمون والمظلومون، والنبلاء والدهماء، والموسرون والمحرومون، وقد بلغ هذا الوضع مبلغا دفع الإمام علي، بمرور الوقت، إلى أن يتولى القيادة، إذ كانت هناك حاجة لمعجزة من أجل إحياء الدولة وتفعيل الدين، إن حصافة الإمام علي، وطبيعته الفذة هما اللتان كملتا قطع الحطام، وأحيتا إيمان الناس بالدولة، وعلى الرغم من دهاء خصوم الأمام علي، والطبيعة العنيدة لشيعته، فقد احتفظ بدولة قوية وظافرة، حققت العدالة، وأسست الديمقراطية من دون أن يعرّض أخلاقيته للشبهة، أو أن ينتهك مبادئ الأخلاق.




--------------------------------------------------------------------------------

* باحث عراقي مقيم في جامعة سان فرانسيسكو الأمريكية والبحث جزء من أطروحة للماجستير (سياسة الأمل وسياسة الواقع) 1997، مقدمة لإحدى الجامعات الأمريكية.

** المترجم أكاديمي وناقد ومترجم عراقي مقيم في استراليا له تآليف وتراجم عديدة.

المصادر:

1- ميكافيليي- الأمير- الفصل 15.

2- ومع ذلك، كتب ميكافيللي في كتابه: The Discourses- عن أهمية الدين في إبقاء الناس متحدين وموالين للدولة، أنظر الخطابات، 1-21 : لذلك، فعلى حكّام الجمهورية أو المملكة أن يتمسكوا بالمبادئ الأساسية للدين التي يزاولونها، وإذا ما تم ذلك، سيكون من اليسير لهم أن يحافظوا على عقائدهم الدينية المشتركة، وبالنتيجة على خيرهم ووحدتهم، ويتعين عليهم أيضا أن يعززوا ويشجعوا أيّ شيء من المحتمل أن يساعد على تحقيق هذه الغاية، حتى لو كانوا مقتنعين بأن ذلك الشيء منطو على مغالطة تماما.

3- المصدر نفسه، ص 48.

4- الإمام علي، عهده لمالك الأشتر.

5- كان النبي محمد (ص) قد قدم في المدينة، مثل هذا المبدأ من خلال معاهدته مع يهود المدينة، حيث سمح لهم بمزاولة دينهم وموروثهم شريطة ألا يستخدموا سلطتهم وثروتهم في إعاقة الدين الجديد (الإسلام)، وسرعان ما هُجر هذا المبدأ بُعيد وفاته حينما اتخذ انتشار الإسلام شكل فتوحات، ولم ترق مثل هذه المحاولة للأقاليم المفتوحة حديثا حتى بزوغ عهد الإمام علي بعدما يقارب أربعة وعشرين عاما.

6- ميكافيللي - الأمير- الفصل 15، لم يفحص ميكافيللي المفارقة التي تكونها هذه العبارة، ومفهوم استخدام شيء ما استخداما حسنا، شيء هو في ذاته سيئ.

7- المصدر نفسه، الفصل 51.

8- الإمام علي- عهده لمالك الأشتر.

9- المصدر نفسه.

10- المصدر نفسه، وطبقا لقوانين الإسلام، تُنزل الدولة عقوبة جسدية بأولئك الذين يقترفون الجرائم، والعقوبة الشائعة التي من هذا النوع كانت جلد المذنب وهو عار أمام العامة.

11- صدر، رضا - شعار الإمام علي في الحياة - ص 19.

12- الإمام علي - عهده لمالك الأشتر.

13- المصدر نفسه.

14- ميكافيللي- الأمير - الفصل 23.

15- المصدر نفسه.

16- المصدر نفسه، الفصل 22.

17- الأمام علي- عهده لمالك الأشتر.

18- ميكافيللي- الأمير - الفصل 22.

19- أنظر: الإمام علي- عهده لمالك الأشتر.

20- المصدر نفسه.

21- ميكافيللي- الأمير - الفصل 23.

22- المصدر نفسه، الفصل 3.

23- الإمام علي، عهد لمالك الأشتر.

24- المصدر نفسه. 25- المصدر نفسه.

26- المصدر نفسه. 27- المصدر نفسه.

28- ميكافيللي، الأمير، الفصل 12.

29- المصدر نفسه، الفصل 12، يبدو استخدام كلمة الله هنا- إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار سياق مجادلة ميكافيللي - استخداما مثيرا للسخرية.

30- المصدر نفسه. 31- المصدر نفسه.

32- المصدر نفسه، الفصل 23.

33- المصدر نفسه. 34- المصدر نفسه.

35- المصدر نفسه، الفصل 18.

36- المصدر نفسه. 37- المصدر نفسه.

38- الإمام علي، عهده لمالك الأشتر.

39- ميكافيللي، الأمير، الفصل 15.






توقيع : Dr.Zahra
سألت نفسي كتير مرسيتش يوم على بر
انا الي فيا الخيرر ولا الي فيا الشر
مليان عيوب ولا .؟
خالي من الذنوب ولا .؟
ولاايه.؟
ولا انا جوايا ومش داري الاتنين في بعض..؟
وخمسميه حاجه وملهمش دعوه ببعض..!!
من مواضيع : Dr.Zahra 0 صباحكم جوري..*
0 الدنيا منافع ..*
0 انجازاتي ...*
0 أنا أتد ... ♥
0 عراقي عنده معامله مستعجله ..,'
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 06:04 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية