العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام

منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام المنتدى مخصص بسيرة أهل البيت عليهم السلام وصحابتهم الطيبين

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية melika
melika
شيعي حسيني
رقم العضوية : 480
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 18,076
بمعدل : 2.63 يوميا

melika غير متصل

 عرض البوم صور melika

  مشاركة رقم : 1  
كاتب الموضوع : melika المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 07-11-2007 الساعة : 08:41 PM


القلب المنكسر

المريض المعافى: أمير الطاهري ـ من أهل مشهد مقيم في طهران. الحالة المرضيّة. سكتة وشلل عام. تاريخ الشفاء كانون الأوّل 1992

خرج الأب من الغرفة إلى فِناء الدار مهرولاً، وهو ينادي مندهشاً بصوت عالٍ:
ـ نور! نور!... نور أخضر!
كلّهم كانوا في الفِناء: الخال جالساً وقد أسند ظهره إلى الطُّنفُسة، وهو يدخّن النَّرجيلة. الجدّة تسكب الشاي في الفنجان. الأطفال يتراكضون في الفِناء ويلعبون. ورضا كان يسقي الجُنَينة. أمّا الأمّ فهي مشغولة عند الموقد تطبخ حساءً كانت قد نذرت طبخه وتوزيعه، في حين كانت فاطمة ترضع طفلها الصغير.
الجميع دُهِشوا لسماع صوت الأب وجَمدوا في أماكنهم: صاحت الأمّ وأخذتها غشية. نَحَّت فاطمة طفلها وركضت باتّجاه الأمّ. زعق الطفل، فحملته الجدّة وأخذت تسكته. ألقى رضا أنبوبة الماء وأسرع تلقاء أبيه. قطع الخال تدخين النرجيلة وحدّق بالأب متعجّباً. وضعت الجدّة الطفل على السرير وسجدت لله شكراً. ولمّا رفعت رأسها من السجود كانت عيناها تذرفان الدموع. بدأت الأمّ تفيق من غشيتها، فأقعدتها فاطمة وأسندتها إلى الجدار. أمّا الأب فقد ظلّ واقفاً قد أذهلته المفاجأة، وهو يحدّق في الحاضرين. قالت الأمّ لفاطمة:
ـ فاطمة.. هل سمعتِ ؟! لقد تكلّم! أبوك تكلّم!
حرّكت فاطمة رأسها وقالت كالمذهولة:
ـ ها.. ؟! سمعت!
ثمّ حوّلَت نظرها إلى الأب تخاطبه:
ـ أنتَ تكلّمت يا أبي.. تكلّمت!
احتضن رضا أباه وصاح:
ـ لا أصدّق يا بابا، أنت لم تنطق فقط، بل قمتَ واقفاً على قدميك.. مشيت بقدميك! الخال الذي ظلّ حتّى الآن صامتاً تزحزح عن موضعه ونهض يحتضن الأب ويقبّله:
ـ هذه معجزة.. معجزة!
ساعدت فاطمة أمَّها على النهوض لتُجلِسها على السرير قرب الجدّة. تحلّق الأولاد حول الأب الذي أخذ يحتضنهم واحداً بعد الآخر ويُمطرهم بقُبلاته. ثمّ خطا حتّى جلس إلى جوار الجدّة. كانت الجدّة جالسة وتبكي بصمت، ثمّ رفعت يديها إلى السماء وراحت تدعو. مال الأب فقبّل يد الجدّة، وقال:
ـ هذا كلّه من بركات دعاء أمّي، دعاء الأمّ لا يُردّ.
مرّة أخرى أهوت الجدّة إلى السجود، ثمّ قامت فاحتضنت ولدها وقبّلته قائلة:
ـ لمّا سمعتُ بعجز الأطبّاء عن علاجك قصدتُ الحرم وزرت نيابةً عنك، وطلبت لك من الإمام الشفاء. بكيت هناك مكسورة القلب، حتّى وقعت في غشية. وفي غشيتي رأيت الإمام مقبلاً. سألني: لماذا لا يأتي أمير لزيارتي ؟ قلت: أمير ليس هنا يا مولاي، إنّه انتقل من مشهد قبل عشر سنوات وسكن في طهران.
قال الإمام: قولي له يأتِ، فمحضرُنا لا مكان فيه لليأس.
وأفَقتُ من الغشية، وكتمت هذا الموضوع لم أُخبر به أحداً. فقط اتّصلتُ هاتفياً برضا وقلت له أن يأتي بك إلى مشهد لزيارة الإمام الغريب.
بكى الأب.. وقال:
ـ آه.. كم كنتُ جافياً بلا وفاء!
ثمّ أخذ يشرح لأمّه:
ـ كنت واقفاً أُصلّي عندما شعرت فجأة بالدُّوار. صار البيت يدور في عيني، واسوَدّ كلّ شيء حولي. وقعت على الأرض، ولم أدرك بعدها أيّ شي،. ولمّا صَحَوتُ كان الدكتور عند رأسي، سمعته يقول:
ـ محتمل أن تزداد آلامه ويفقد بدنُه الإحساس. هذا نوع من السَّكتة الخطرة. الأفضل، قبلما تحدُث مضاعفات أخرى، أن يُنقَل إلى المستشفى لإجراء عمليّة.
تقدّم رضا وجلس إلى جانب الجدّة، ثمّ قال:
ـ وعَدْتُ الطبيب بذلك، وبدأتُ أُعدّ العدّة لنقله إلى المستشفى. لكنّي حين أفهمت أبي بذلك امتنع أشدّ الامتناع وقال: أموت في الدار خير من الموت على سرير المستشفى. وبعد أيّام بدأتْ حالته بالتحسّن، واقتنعنا بغلط تشخيص الطبيب.
وتدخّلت الأمّ مستدركة:
ـ لكن التشخيص ما كان فيه غلط، فبعد أسبوع أخذَتْه مرّة أخرى حالة الدُّوار وهجمَتْ عليه الآلام. وفي هذه المرّة ظهرت عليه آثار الانهيار أسرع من السابقة:
احتُبِس لسانه، وشُلّ كلّ بدنه، وتورّمت حنجرته بحيث تعسّر عليه التنفّس.
أدار الأب نظره من الجدّة إلى الأمّ، وبطرف كُمّه نشّف دمعة ترقرقت في عينيه وقال:
ـ لقد عانيتِ يا زهراء.
قالت الأمّ:
ـ أنت كنت تتعذّب يا أمير، وليست لي طاقة على أن أراك هكذا.
قال الأب مُمتنّاً:
ـ أنتِ عانيت أكثر منّي، درايتِني مداراة ماءٍ في صينيّة محمولة على اليد.
طأطأت الأمّ رأسها، وراحت تتأمّل في صورة الوردة المنقوشة على السجّادة تحت قدميها، ثمّ همست قائلة:
ـ أنا ما فعلت إلاّ الواجب.
فقال الأب.
ـ كنتِ دائماً معي في المستشفى تمرّضينني.
وأجابت الأمّ.
ـ أنتَ لم تكن قادراً على التنفّس. كنت تشخر شخيراً. وتوسّلتُ بالأطباء باكية، فرجَّحوا أن تُفتَح في حنجرتك فتحة ليسهل عليك التنفّس، وإلاّ ففي انسداد مجرى الهواء يغدو الموت مؤكَّداً. لكنّي لم أوافق على هذا رغم إصرارهم. ثمّ اتّصلت الجدّة وقالت إنها قد رأت رؤيا ويجب أخذك إلى مشهد، فهناك طبيب مُعالج. أجهشتُ بالبكاء لمّا سمعتُ هذا، فكيف نسيتُ الطبيب الحقيقيّ وقد كنّا مقيمين في جواره سنوات طويلة ؟!
خلال هذا الحوار.. كان الخال صامتاً مستغرقاً في التفكير، ثمّ إنّه خرج من صمته وسأل الأب:
ـ ذلك النور.. ماذا كان ؟ خبِّرنا عن النور الذي رأيتَه.
ـ نور أخضر دخل الغرفة يرشّ أمامه ماء الورد. أخذ يتقدم، وامتلأت الغرفة بعبير ماء الورد. جاء إليّ ورشّ على وجهي أيضاً من هذا الماء. وسمعتُ صوتاً يقول: قُم، الكلّ قلقون عليك. قلت: لا أقدر. فأمسك بيدي وأجلسني في السرير. تطلّعت إلى مُحيّاه.. فما رأيت إلاّ نوراً.
وسمعتُه مرّة ثانية يقول: قُم، فكلّهم بانتظارك. وقُمت. ما هذا يا إلهي ؟! هل أنا في حلم ؟! ثمّ لم أعُد أرى النور، وظلّت الغرفة مليئة بعطر ماء الورد المنعش. وفي حَيرتي.. مددتُ يدي إلى حنجرتي أتحسّسها فما وجدت أثراً لورم. وحرّكتُ رِجْلي فإذا هي صحيحة سالمة. نهضت وأنا لا أصدّق ما أرى، وقمت واقفاً على قدمَيّ، ثمّ عَدَوتُ من الغرفة بأقدامي التي عَهِدتُها متيبّة كالخشبة، وصرخت بلسانٍ كان قد خَرِس منذ شهور.
قال الخال وقد بدا التأثّر على وجهه:
ـ معجزة.
فقالت الأم:
ـ معجزةُ قلبِ الجدّة الكسير.
انحنى الأب على يد الجدّة يقبّلها، وقال:
ـ أنا فداء لقلبك الكسير يا أمّي.
أمّا الجدّة فكانت تبكي، وترتجف شفتاها، ولم تَقُل شيئاً.
فقال الخال:
ـ مستحيل ألاّ يفوز القلب الكسير بإجابة. الإمام الرضا عليه السّلام يجيب القلوب المنكسرة على الفور.
ثمّ استرسل الخال يوضّح:
ـ كان أبي رحمة الله عليه يحكي حادثة وقعت في أيّام حكم (نادر شاه الأفشاري). يقول:
جاء رجل أعمى لزيارة الإمام عليه السّلام يطلب شفاء عينيه. وظلّ مدّة في الحرم لهذا الغرض ولم يحصل على الشفاء. وحدَث أن كان (نادرشاه) قد جاء في أحد الأيّام إلى الزيارة، فشاهد هذا الرجل الأعمى جالساً هناك.
سأله نادر:
ـ لماذا أنت جالس هنا ؟
أجاب الرجل:
ـ أنا هنا «دخيل».
ـ دخيل ؟ دخيل عند مَن ؟ ولأيّ غرض ؟
ـ دخيل عند الإمام، لشفاء بصري.
تأمّل نادر قليلاً، ثمّ سأل الرجل الأعمى:
ـ أتعرف مَن أنا ؟
قال الرجل:
ـ كيف أستطيع أن أعرفك وأنا محروم من البصر ؟!
فقال نادر بحزم:
ـ أنا نادر شاه الأفشاريّ، جئت إلى هنا للزيارة، ومتى ما أكملتُ زيارتي ووجدتك على حالك لم تُشْفَ فسأقتلك!
قال نادر هذا ودخل إلى الروضة، فوقع الرجل على الأرض باكياً لاجئاً مضطرّاً. ومرّت ساعة عاد بعدها نادر من الزيارة، فوجد الرجل قد عاد إليه بصره. وعندئذ سأله نادر:
ـ كيف شفيت ؟
قال:
ـ بقلب منكسر.
تساءل نادر:
ـ قلب منكسر ؟!
ـ نعم، بعد تهديدك إيّاي انكسر قلبي، ورحت أتوسّل بالإمام مضطرّاً منقطعاً فأجابني. وقبل ذلك ما كانت عندي حالة الانكسار هذه.
أكمل الخال حكاية القصة، ثمّ عاد يتّكئ على الطُّنفُسة.. وخاطب الجدّة برجاء:
ـ ادعي لي أنا أيضاً بقلبك المنكسر.. يا أُختاه.
أمّا الأب.. فكان في تلك اللحظة يصبّ على وجهه ويدَيه ماءً للوضوء، في حين كان عطر ماء الورد ما يزال يَعبَق في أنحاء الدار.

من مواضيع : melika 0 سلیمانی فینا ونحن ....................فیه
0 بكل وقاحة ... أكاديمي كويتي يحرّض السعودية للتدخل عسكرياَ في العراق !
0 استنكار شديد لاستهتار شاعر سعودي بالقرأن الكريم
0 هنیئا لکل العرب والمسلمین ...
0 هذه الفيتامينات تعزّز القدرات العقلية…لا تهملوها!

الصورة الرمزية melika
melika
شيعي حسيني
رقم العضوية : 480
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 18,076
بمعدل : 2.63 يوميا

melika غير متصل

 عرض البوم صور melika

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : melika المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 07-11-2007 الساعة : 08:44 PM


رؤيا صادقة

المريضة المعافاة: سميّة النوّاب ـ العمر13 سنة. من طهران. الحالة المرضيّة: تلف عظم الساق. تاريخ الشفاء 3 كانون الثاني 1993.

كلّه كان من تقصيري. دونما حذر كنت أجري في وسط الشارع بين السيارات المسرعة. وفجأة صَمّ أذني صوت بوق سيّارة يزعق طويلاً، وصوت كابح السيّارة المخيف. وما أحسست إلاّ بضربة شديدة في رجلي وظهري، وسقطت على الأرض فاقدة الوعي.

* * *
عند الصباح لمّا استيقظتُ من النوم قصَصتُ هذه الرؤيا على أبي وأمّي. لكنّي مهما حاولت أن أتذكّر أخرها ما استطعت.
وضع أبي كفّه على رأسي بمحبّة وقال:
ـ إنْ شاء الله خير. ولكنْ لا تنسَي أن تدفعي صدقة.
ثمّ ناولني ورقة نقديّة لأُلقيها في صندوق الصدقات بالشارع وأنا ذاهبة إلى المدرسة. خرجت من البيت وأنا أحاول أن أتذكر ما نسيت من الرؤيا. أستعيد بيني وبين نفسي الرؤيا، ثمّ لا أعثر على تكملتها. وقطعتُ الطريق إلى المدرسة على هذه الحالة، حتّى إنّي نسيت الصدقة.
عند الظهر حينما كنت أعود من المدرسة.. حَدَث أن مددتُ يدي في جيب (المانتو) فلمست الورقة النقديّة. تذكّرت.. وعزمت أن أضعها في أول صندوق أصادفه في الطريق. كانت كفّي تقبض ـ في جيبي ـ على الورقة النقدية، وعيناي تبحثان حولي عن صندوق للصدقات.. حينما وقع نظري على شحّاذ جالس وإلى جنبه طفل غافٍ. أردتُ أن أعطيه النقود، لكنّ مظهره الوسخ وحالته الغريبة جعلاني اشمئزّ منه.
عبرتُ أمامه بسرعة، ولمحت في الجانب الآخر من الشارع صندوق صدقات، فهرولت باتّجاهه. وما كدتُ أقطع منتصف الشارع حتّى سمعت فجأة صوت بوق سيارة طويل اختلط به صوت كابح مزعج. ما استطعت أن أفعل شيئاً. وجاءتني ضربة شديدة على ظهري ورجلي رَمَت بي على الأرض.
أجل.. كان كل شيء شبيهاً بالرؤيا التي رأيتها البارحة!
عُدت إلى الوعي، فوجدت نفسي في المستشفى. أبي وأمّي واقفان عند سريري ينظران إليّ بعيون دامعة. وأسرع أبي ـ حين فتحتُ عينيّ ـ إلى خارج الغرفة يستدعي الدكتور. ابتسامة باهتة ظهرت على وجه أمّي المبتلّ بالدموع. مَسحَت أمّي دموعها، وانحنت عليّ تقبّل جبيني.

* * *
سمعت أنّ الطبيب قال لأبي: لازم نأخذ صورة لظهرها ورجلها.
وسمعت أبي يقول وهو يتأوّه: إفعلْ كلّ ما تراه ضرورياً يا دكتور.

* * *
أسبوع وأنا راقدة في المستشفى، دون أن أستطيع وضع قدمي على الأرض. وضعوني على العربة النقّالة، وأخذوني إلى غرفة أخرى. وهناك صوّروا ظهري ورجلي عدّة صور.
ونظر الدكتور إلى الصور، فأكّد أنّ عظم رجلي قد اسوَدّ. التمَسَه أبي برجاء:
ـ دكتور، الله يخلّيك.. اعملْ شيئاً. بالله عليك خلِّصْ ابنتي.
أبدى الطبيب نوعاً من الأمل، فربّما استطاع أن يعمل شيئاً ليوقف انتشار اسوِداد العظم. لكنّي كنت ـ من كلّ وجودي ـ أشعر بالوجع يزداد ساعةً بعد ساعة ويوماً بعد يوم. تعبتُ من حالتي وازدادت آلامي، حتّى وصلت إلى حالة من اليأس. كيف يمكن أن أعيش بمثل هذه الحالة ؟! كنت أتمنّى أن أموت لأستريح من الألم والعذاب. غير أنّ أمّي كانت تسلّيني بالأمل وتدعو لي.
في كلّ يوم يأتي لعيادتي عدد من زميلاتي في الصف. ينظرنَ إلى وضعي فيصعب عليهنّ إخفاء الدموع. يحاولنَ أن يضحكن، لكنّي أعرف أن عالَماً من الأذى والحزن يختفي وراء هذه الضحكات المفتعلة.
الأطبّاء لم يتوانَوا عن كلّ محاولة ممكنة.. فاستطاعوا ـ بكلّ اختصاصهم وخبرتهم ـ أن يوقفوا انتشار اسوِداد عظم رجلي. ثمّ غادرتُ المستشفى دون أن أكون قادرة على وضع قدمي على الأرض. أمشي إذا مشيتُ مستندة إلى عصا. أسحب قدمي اليُمنى على الأرض وأخطو خطوات قليلة بمشقّة. أبي كان يأمل أن تتحسّن حالتي بالتدريج، وأن أمشي بشكل طبيعي. أمّا أنا فكان اليأس ينغرس في داخل قلبي.
ومضت عدّة أشهر.. دون أن يحصل عندي تغيّر في طريقة المشي. والمعاينة الطبيّة الشهريّة كانت تضاعف اليأس وتقوّيه. كنت أعلم أنّ الأمر قد انتهى، ولم يظلّ أيّ رجاء في التحسّن والشفاء، وعلَيّ أن أبقى مشلولة إلى آخر عمري وعاجزة عن العمل. في آخر مراجعة طبيّة سمعت هذا الإحساس الداخلي ـ بشكل مؤكَّد ـ من لسان الدكتور حين كان يقول لأبي:
ـ لا أمل.. مع الأسف. يعني أنّي لا أقدر أن أفعل أيّ شيء. فقدَتْ رِجل ابنتك فعّاليّتها. اسوَدّت تماماً وتَيبّسَتْ.
رأيت أبي ينهار. انحنى ووقع على قدمَي الطبيب:
ـ ما العمل يا دكتور، دُلَّني على طريق!
جلس الطبيب إلى جانب أبي وقال بيأس:
ـ مع الأسف لا يوجد.. لا يوجد أيّ طريق.
انفجر أبي باكياً، فاحتضنه الطبيب وأخذ يواسيه:
ـ توكّلْ على الله.. على الله.

* * *
عندما تركنا عيادة الطبيب، في ذلك اليوم، كانت حالة أبي قد تغيّرت. لم ينطق حتّى بحرف واحد. كان صامتاً تقطر دموع عينيه.. حتّى بلغنا المنزل. أنا أفهم حالته جيّداً. أدري أنّه يفكّر بعاقبة حياة صبيّة عليه أن يتحمّل تبعاتها عمراً بأكمله.
ولمّا وصلنا إلى الدار تناول القرآن وجلس في مقابل سريري. أطبق جفنيه لحظة وهمس بدعاء، ثمّ فتح القرآن ونظر إلى الصفحة، وقرأ آيةً بصوت مسموع. عرفتُ أنه يستخير الله. لكنْ.. لأيّ شيء يسستخير ؟! لَم أسأله.. وتطلّعتُ إلى وجهه. كانت أسارير وجهه تنفتح كلّ لحظة وهو يقرأ القرآن. ثمّ أطبق المصحف ونظر إليّ نظرة ضاحكة، وقال:
ـ غداً نذهب.. استعدّي.
سألت:
ـ إلى أين ؟
قال بحزم:
ـ إلى الطبيب الحقيقي. نذهب لنحصل على شفائك.
قلت:
ـ لا أفهم! عن أيّ شيء تتكلّم ؟
ضحك، ومال إليّ فقبّل جبيني، وقال:
ـ آخذك إلى مشهد. ومتى وصلنا إلى هناك فهمتِ كلّ شيء.

* * *
لم أكن قد رأيت (مشهد) حتّى ذلك الوقت. لكنْ.. ما إن دخلتُ الحرم ووقع نظري على قبّة الإمام ومزاره.. حتّى انخرطتُ في بكاء غير اختياري. بدا لي أني أعرف هذا المكان المقدّس، وكأنّي قد رأيته وزرته من قبل.
لكن.. متى ؟. لم أتذكّر. ولمّا عبرنا قريباً من حمَامات الحرم.. تذكّرت أنّي كنت قد ألقيت حبوب قمح لهذه الحمَامات في يوم من الأيّام! أيََّ يوم كان ؟ لا أدري. وأخذتني حيرة عجيبة: إنّ هذا الحرم وصحونه كلّها ليس غريباً عنّي. إنّي أُميّزه في ذاكرتي بوضوح، مع أنّي لم آتِ إلى مشهد مِن قبل!
وعندما أقعدني أبي عند الشبّاك الفولاذي العريض المُشرِف على ضريح الإمام، لأكون «دخيلة» عنده لاجئة إليه.. أحسستُ أني أشاهد هذه المناظر الحيّة للمرّة الثانية. ما الذي يجري يا إلهي ؟! أغمضتُ عينيّ وحاولت أن أتذكّر، فلم يحضر في ذاكرتي شيء. ولمّا كنت مستغرقة في التفكير والتفتيش عن جواب.. رأيت فجأة نوراً يسطع، وانفتح أمام عينيّ كتاب أخضر، رحت أتطلّع إليه. كان الكتاب قرآناً، أخضر اللون وعليه سطور نورانيّة بيضاء. ومن بين أوراق القرآن صدَرَ صوت يتلو هذه الآيات: « سَبِّحِ اسمَ ربِّكَ الأعلى. الذي خَلَقَ فسَوّى. والذي قَدَّرَ فهَدى. والذي أخرَجَ المرعى. فجَعلَهُ غُثاءً أحوى. سَنُقرِئُكَ فلا تنسى ».
على الفور فتحتُ عينيّ. لم يكن أبي إلى جانبي. وجدت الخيط الذي رُبِطَت فيه رِجلي إلى الشبّاك الفولاذي قد انحلّت عُقدته من رِجلي، فعَقَدتُه مرّة أخرى.
اتّكأتُ على الجدار، وأغمضت عينيّ. ومرّةً أخرى.. أخذ ينفتح أمام عينيّ ـ وهما مُغلَقتان ـ ذلك الكتاب. أشرق نوره الأخضر، ورأيت صورة رجل نُورانيّ على صفحة الكتاب. كان الرجل النُّوراني يبتسم لي. سلّمتُ عليه فأجابني بمحبّة ولطف، وسأل:
ـ لماذا عَقَدتِ الحبلَ الذي حَلَلتُه ؟
وبدون أن أُجيب عن سؤاله، أخرج يده النورانيّة وفتح عقدة الحبل من رِجلي. وفتحتُ عينيّ مضطربة.. فوجدتُ الناس قد تجمّعوا حولي، وكلّهم يُحدِّقون بي في دهشة. وانطلقَتْ في الفضاء أصوات الناس بالصلاة على النبيّ وآله. ورحت أتطلّع إلى وجوههم. هذه الوجوه أعرفها جميعاً.. كأنّي قد التقيت بها مِن قبلُ في مكان. وبغتةً سطع في ذاكراتي شيء: المناظر التي أراها الآن.. هي شبيهة بالمناظر التي رأيتها في منامي تلك الليلة قبل وقوع الاصطدام! هذه المناظر كانت في الجزء الذي نسيته من تلك الرؤيا! وها هو ذا يتحقق تفسير رؤياي!
ساعة الحرم.. دقّت أربع دقّات في آخر الليل؛ وأنا في أيدي الناس التي تتلقّفني من كلّ جهة، وتُلقي بي في ابتهاج نحو السماء.
غَمَزتْ لي آخر نجمة من نجوم الليل، وبدأ صوت (النَّقّارة) يبثّ أنغامه؛ احتفاءً بسروري وسعادتي.

یتبـــــــــــــــع

من مواضيع : melika 0 سلیمانی فینا ونحن ....................فیه
0 بكل وقاحة ... أكاديمي كويتي يحرّض السعودية للتدخل عسكرياَ في العراق !
0 استنكار شديد لاستهتار شاعر سعودي بالقرأن الكريم
0 هنیئا لکل العرب والمسلمین ...
0 هذه الفيتامينات تعزّز القدرات العقلية…لا تهملوها!
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 08:16 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية