العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام

منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام المنتدى مخصص بسيرة أهل البيت عليهم السلام وصحابتهم الطيبين

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية melika
melika
شيعي حسيني
رقم العضوية : 480
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 18,076
بمعدل : 2.64 يوميا

melika غير متصل

 عرض البوم صور melika

  مشاركة رقم : 1  
كاتب الموضوع : melika المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 09-11-2007 الساعة : 01:41 AM


سرّ المَرايا

المريضة المعافاة: فاطمة الاستانيستي. العمر: 29 سنة، من منطقة كلات نادري. الحالة المرضيّة: سرطان الدم، شلل، تعفّن الكليّة. تاريخ الشفاء آذار1994.

نظرَتْ في المرآة.. فأبصرت صورة حُطام امرأة معذَّبة. إنّها ليست صورتها! وجه شاحب اللون، متغضِّن.. وتحت العينين أخدود مستطيل يتوسّط منطقة هي أقرب إلى السواد. وبدت صورة المرأة في المرآة أكبر من عمرها هي بكثير.
أطلقت زَفرةً مُلْتاعة، وأدارت ظهرها عن المرآة، ففاجأتها مرآة أخرى منتصبة أمامها. ارتدّت على أعقابها في حيرة! ثَمّة مرآة ثالثة تعكس صورتها المرتبكة. أرادت أن تتخلّص من المرآة.. فأخذت تدور في مكانها. المرايا في كلّ الجهات.. في الجهات الأربع! واه.. لَكأنّها سجينة محاصرة بالمرايا! وشعرت أن المرايا تدنو منها. تدنو منها باستمرار، ولحظةً بعد لحظة يضيق عليها الحصار. تتكاثر الصورة في المرايا وتتعدّد في كلّ اتّجاه.
عزمت على الفرار والخلاص من هذا العذاب الغريب. اقتحمَتْ إحدى المرايا.. وغابت وراءها. لم تتكسّر المرآة! لكنّها خرجت من حصار لتدخل في حصار! راحت صورتها المتكاثرة في المرايا الجديدة تضحك عليها باستهزاء. كانت مضطربة تتعذّب. شيء لا يُصدَّق. أرادت أن تصرخ من الأعماق. وقبل أن تفجّر صرختها.. امتدّت من كلّ مرآة حولها يد، وراحت تضغط على حنجرتها بشدّة.. والمرايا ما تزال تقترب منها حتّى لاصقت جسدها. لم تَعُد تبصر في المرايا حتّى صورتها. استولى عليها رعب لا عهد لها به مِن قبل. رعب من نوع جديد. وأحسّت أنّ روحها تكاد تخرج مُندلقةً من عينيها. ولا تدري لماذا أغمضت عينيها.. فوجدت نفسها مستغرقة في ظلام مُطبِق عميق.
تَسمَّعتْ إلى وقع أقدام منتَظَم يقترب منها. وعلى حين غَرّة.. صَمَّ أُذنَيها صوت مرايا تتكسّر وتتحطّم على الأرض شظايا. فتحت جفنَيها: ضياء في كلّ مكان..
وسفع عينيها ضياء ثاقب. إنّ شخصاً قد صار الآن على مقربة منها! شخصاً غير مرئيّ.. مستغرقاً في محضر الضوء والنور. ما شبّهَتْه إلاّ بينبوع ضياء ساطع يُمطر في عينيها المضطربتين. أغمضت عينيها.. ثمّ فتحتهما من جديد. ألْفَتْ أمامها مرآة صغيرة، زاهية اللون الأخضر.. تعكس صورتها. اطمأنّت إلى المرآة الخضراء. ابتسمت هي.. فابتسمت معها الصورة. صورتها هي، خالية من اللوعة والمعاناة. أين هي تغضّنات الوجه ؟1 أين هما العينان الغائرتان ؟! تماماً.. كما كانت قبل أن يحلّ بها المرض، وترقد على سرير المستشفى ببؤس. ها هي ذي مرحة موفورة السعادة في نشاط. ومن فرط حيويّتها ومسرّتها: أطلقت صيحة أُنس، وقفزت في الهواء.

* * *
حتّى محمود.. كان يخفي عنها شيئاً. تقرأ هذا في قلق نظراته. تسأله. فيجيبها إجابة مقتضبة، ويحاول أن يغيّر الموضوع. فراره من الجواب كان يزيد المسألة تعقيداً. وغدا واضحاً لديها أنّ «شيئاً» ما قد حدث. لكن.. ما هو ؟ لا تعلم. تلاحظ أنّها تنحف ويزداد وهنها يوماً بعد يوم. وأدركت أنّ داءً مستعصياً هو ما ابتُليَت به.
الأطبّاء لا يبوحون لها بشيء.. لكنّها كانت تلحظهم يتهامسون مع محمود تهامساً مثيراً للتساؤل. محمود ما كان يخبرها بما تودّ أن تعرفه. كلّما سألته عن مرضها حاول ـ بضحكة مفتعلة ـ أن يخفي همومه، ويقول:
ـ شيء غير مهم، وعكة خفيفة. تشفين منها.. أعاهدك.
والواقع أنّ داءها لم يكن وعكة خفيفة. استنبطت هذا من قدمَيها اللتين فقدَتا القدرة على الحركة. إنّه الشلل! وزوجها ما يزال يسعى لإقناعها بأنّه شيء غير مهمّ. لكنّها لم تُعد تكترث بما يقابلها به محمود من ارتياحٍ ظاهر، ومن ضحكات هي كالقناع.. إنّها واثقة الآن أنّ حياتها قد بلغت آخر يوم من أيّام الربيع.. وها هي ذي تدخل بلا شكّ في صقيع الشتاء. ورقة متيبّسة تكاد تنفصل عن شجرة الحياة، وتهوي ميّتة على الأرض. لقد أيقنت أنّ الموت قادم إليها في الطريق. وسيصل سريعاً.. أسرع ممّا كانت تتصوّر.

* * *
في آخر فحصّ طبيّ.. قرأتْ الحقيقة في نظرات الأطباء. نظراتهم تقطر يأساً ممزوجاً بالأسف. ما قالوا لها شيئاً، لكنّهم اختلَوا بمحمود جانباً:
ـ القضيّة منتهية.. لم نَعُد قادرين على شيء!
أحسّ محمود أن قلبه ينخلع، وتخور قواه. اتّكأ على الحائط، وراح ينزلق رُوَيداً رويداً.. حتّى قعد على الأرض. أمسك رأسه بيديه، وراح يحدّق مطرقاً في نقطة مجهولة. ما نطق بحرف.. بَيْد أنّ داخله كان يحتدم بضجّة هائلة. ثمّ.. بلا مقدّمات: نهض من مكانه ومضى إلى الطبيب:
ـ هل يمكن أن آخذها ؟
ـ إلى أين ؟
ـ أريد أن آخذها إلى مشهد.. إلى الإمام الرضا.
ـ لا يمكن، غير مسموح لها بالحركة.
وجاء ردّ محمود أقرب ما يكون إلى الصيحة:
ـ أنت قطعت الأمل فيها يا دكتور، أنت تعلم أنّها تموت، فاسمحْ لي آخذها إلى مشهد. إذا كان مكتوباً لها أن تموت الآن.. فلتَمُتْ عند ضريح الإمام الرضا.
هزّ الدكتور رأسه بالنفي قائلاً.
ـ أنا مسؤول عن مريضتي، لا أقدر أن أسمح لك.
أمسك محمود بعضد الطبيب، وقال له:
ـ لكن.. يجب أن آخذها. أرجوك يا دكتور.
قال الطبيب بشيء من الانفعال:
ـ جنازة تريد أن تحملها إلى مشهد.. ثمّ ماذا ؟!
رمى محمود نفسه في أحضان الطبيب.. ينتحب. عدّل الطبيب من وضع نظّارته.
قال محمود وهو يبكي:
ـ فاطمة ما تزال شابّة يا دكتور. ليس هذا أوان موتها. آخذها إلى مشهد. أطلب من الإمام أن يساعدها. أدري أن قلبه يحترق على شباب فاطمة. شيء في صدري يقول لي: إنّ شفاء فاطمة في مشهد. إي.. يا دكتور آخذ فاطمة إلى مشهد، لعلّ الله يصنع لها شيئاً.
ثم إنّه انتزع نفسه من أحضان الطبيب، والتقت نظراته الباكية بعينَيه النديّتين.سأل بلطف:
ـ أتسمح يا دكتور ؟
مدّ الطبيب طرف إبهامه تحت عدسة نظّارته يُخفي قطرات دمع. ثمّ هزّ رأسه قائلاً:
ـ حسناً.. خذها. تجد الشفاء بإذن الله.

* * *
كانت مرهقة.. مرهقة كثيراً. ما إن جلست عند الشبّاك الفولاذي في الصحن العتيق.. حتّى جاءها النعاس وأخلدت إلى النوم.
في نومها.. دخلت في عالم الرؤيا: رؤيا المرايا الكثيرة التي كانت تحاصرها وتضيّق عليها الأنفاس. بلغت روحها التراقي. عزمت أن تجأر بصرخة قويّة، فلم تستطع. ضغط شديد على حنجرتها. كادت تختنق. أغمضت عينيها بخوف. ملأ سمعها صوت مهيب. صوت مرايا كثيرة تتكسّر متحطّمة على الأرض. باعَدَتْ بين جفنيها.. فتلألأ في نظراتها نور. انكسر حصار المرايا وتبدّد. وعاينت يداً مُشرَبة بنور غير أرضيّ، وهي تحمل أمامها مرآة خضراء. تطلّعت إلى صورتها في المرآة، وراحت تتقحّص الصورة. لقد اختفت من مُحيّاها أعراض المرض، وكأنها سليمة معافاة. خطر في داخلها خاطر غريب: إنّها تريد أن ترى صاحب هذه اليد العجيبة، وتطبع قبلة امتنان على يده التي تفيض بالنور والبركة.
قامت من مكانها.. واقفة على قدميها اللتين كانتا قبل لحظات عاجزتين.
استغربت حالتها. ونظرت إلى ساقَيها، ومدّت يدها تتلمّسهما، فما وجدت فيهما للألم مِن أثر. ومن فرحتها.. أطلقت صيحة أُنس غامر، وقفزت في الهواء.
هرعت إليها النسوة الحاضرات.. وظهرت فاطمة محمولة على أيديهنّ بسعادة. تطلّع محمود إلى زوجته وهي تغوص بين أمواج الأيدي.. وتعالت من كلّ مكان أصوات الصلاة على محمّد وآل محمّد. خشع قلبه وارتجف. سالت دمعة منه على الخدّ. قعد على ركبتيه، ثمّ هوى على الأرض في سجدة شكر واعتراف بالجميل.

یتبع

من مواضيع : melika 0 سلیمانی فینا ونحن ....................فیه
0 بكل وقاحة ... أكاديمي كويتي يحرّض السعودية للتدخل عسكرياَ في العراق !
0 استنكار شديد لاستهتار شاعر سعودي بالقرأن الكريم
0 هنیئا لکل العرب والمسلمین ...
0 هذه الفيتامينات تعزّز القدرات العقلية…لا تهملوها!

الصورة الرمزية melika
melika
شيعي حسيني
رقم العضوية : 480
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 18,076
بمعدل : 2.64 يوميا

melika غير متصل

 عرض البوم صور melika

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : melika المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 09-11-2007 الساعة : 03:16 PM


أيدي الرجاء


فتحت النافذة، فمرَّ نسيم السهل يتهادى بعذوبة ورَواء، وسَرَت إلى كيانها برودة الصباح. تنفّست نفساً عميقاً، ثمّ عادت وألقت نظرة على نُول الحياكة المستند إلى الحائط المقابل في داخل الغرفة. لَكأنّها تود لو تحسّ بنعومة الأزهار التي قضت أياماً في حياكتها وإبداعها. تطلّعت إلى (كُبّات) الصوف الملوّنة المعلّقة في أعلى النُّول.. ثمّ هبّطت بصرها إلى السجادة التي ما تزال تحت الشغل. حدّقت بالأزهار التي ستتجلّى في نسيج السجّادة بإبداع أصابعها الماهرة، وكأنّها شتلات في حديقة. وفي وسط السجادة ينبغي أن تكمل صورة لطائرين متقابلَين ينظر أحدهما إلى الآخر نظرة حبّ.
وسَرَحت لحظة مع الخيال. تراءى لها سهل أخضر فسيح.. وجدت نفسها في وسطه على حصان جميل أبيض اللون، يمسك بزمامه رجل شاب يبتسم. لكنّها سُرعانَ ما عادت إلى نفسها بارتباكِ عذراء مُستَحيية. تلفّتت يمنةً ويسرة. لم تكن الأمّ في الغرفة.. واصطبغت وجنتاها بحمرة الحياء. ثمّ استجمعت همّتها وشرعت تشتغل بالحياكة. قالت لها أمّها مِن قبل:
ـ إنّ هذه السجّادة ليست للبيع.
ثمّ أضافت:
ـ هذه السجّادة لزواجك.
وقرّ عزمها على أن تحوك أفضل سجّادة ممكنة، وبأحسن ما تقدر عليه من المهارة والإتقان. فكرها يذهب إلى المستقبل، ويداها تشتغلان بلباقة وسرعة وهما تعقدان على سَدى النُّول خيوط النسيج الملوّنة: أصفر، بُنيّ، أخضر، أزرق. ثمّ مدّت يدها لتتناول الخيط الأحمر. لكنّها لم تدرِ كيف فاجأها بغتة وفي لحظة سريعة ألم حادّ، لفَّ كلّ كيانها. كأنّ ناراً قد اضطرمت منها في كلّ مكان، وراحت تتلوّى.. ويدها مشتبكة بخيوط النسيج. ومن بين فكَّيها التي كانت تضغطهما بقوّة أصدرت أنّةَ ألم مختنقة. وسقطت من النُّول كُبّة الخيوط الحمراء، وتدجرجت حتّى بلغت باب الغرفة.. ساحبةً وراءها خطّاً نحيفاً من الخيط الأحمر.

* * *
باعَدَت بين أجفانها.. فأبصرت أمّها جالسة عند فراشها. كان الدكتور قد ذهب بعد أن نصح بنقلها على جناح السرعة إلى طهران، لإجراء الفحوصات اللازمة. وقرأت هي القلق على مُحيّا الأمّ.. وحاولت أن تضحك:
ـ أشفى يا ماما. المسألة بسيطة.. لا شيء.
ابتسمت الأمّ ابتسامة تعبّر ـ أكثر ما تعبّر ـ عن الأسى والحزن. كانت تفكّر بكلام الطبيب:
ـ إذا تأخّر إجراء العمليّة فمن الممكن أن تتلف كليتاها جميعاً.
كان الألم يتمشّى في عروقها. حاولت القيام، فلم تستطع. قالت الأم:
ـ لازم نأخذك إلى طهران.. الدكتور قال.
استدرات الفتاة تتطلّع إلى السجادة التي لم تكتمل. وكانت كُبّة الخيوط الحمراء ما تزال محلولة على الأرض.

* * *
يمرّ ظلّ معتم من أمام عينيها.. لم تتعرّف فيه على وجه أمّها المتغضِّن البائس إلاّ بعد لحظات. ابتسمت الأمّ بمرارة:
ـ الأطبّاء يقولون: تتحسّنين إن شاء الله.
وأدرات الأمّ ظهرها. لكنّ اهتزاز كتفَيها وصوت عَبرتها المختنقة كانا يقولان شيئاً آخر.

* * *
انسلخَتْ ثلاث من السنوات، أُجريت لها في خلالها ثلاث عمليّات جراحيّة... وبعدها فقد الأطبّاء أيّ بارقة أمل:
ـ أمعاؤكِ قد تعفّنت، وتَلفَت الكليتان. نحن نعمل ما نستطيع، والبقيّة على الله.
ثلاث سنوات من الآلام والأوجاع والمشقّات. وها هي ذي قد أمست نحيفة ناحلة الجسم واهنة القوى لا تقدر على شيء. والسجّادة التي ظلّت على النصف.. ما تزال مصلوبة. الغبار المتراكم دفن تحته الأزهار الحمراء، والطائران اللذان لم تكمل حياكتهما كأنهما في مقبرة للأموات. لقد ضاع منها كلّ شيء.. وماتت الآمال.

* * *
تهبّ نسمة دافئة من نافذة سيّارة الركّاب الكبيرة إلى الداخل. تلاطف النسمة وجهها الشاحب العليل. أفكار مشتّتة في ذهنها تدور: الحصان الأبيض، أزهار السجّادة، السهل الأخضر، كُبّة الخيوط الحمراء، الأمّ، والأوجاع التي رافقتها طيلة هذه السنوات الثلاث.. وها هي ذي تصل إلى آخر الخطّ. الأطبّاء اعترفوا بصراحة أنهم غير قادرين على شيء. بكت الأمّ، وبكت هي كذلك.
وها هما الآن ذاهبتان بالحافلة.. إلى الإمام الرضا عليه السّلام.
وعلى مشارف مدينة مشهد.. توقّفت الحافلة قليلاً. وجذب نظر الفتاة منظر القبّة الذهبيّة المتألّقة التي تتلامع من بعيد، فتمتمت بصوتٍ حفيض:
ـ السّلام عليك يا مولاي يا عليّ بن موسى الرضا.

* * *
كان الحرم مغموراً بنور مدهش كلّه عظمة وجلال. وتعطّرت مشامُّها بنسيم الليل المجبول من ماء الورد. هي ذي واقفة عند الباب. انحنت أمام القبّة الرضويّة وهمست بالسّلام. الألم لا يدعها لحظة تستريح.. وتهالكت جالسةً عند الباب. ثمّ دسّت رأسها ووجهها تحت عباءتها السوداء. من عمق وجودها انبثقت دمعتان سالتا منها على الخدّين. رفعت رأسها.. فتجلّت لها القبّة الذهبيّة أكثر جلالاً وعظَمة؛ لقد كانت تنظر إليها من خلال الدموع.
جلست لحظات وعيناها مشدودتان إلى القبّة الباسقة. العابرون يمرّون من قربها، لكنها لم تكن تبصر منهم أحداً. عيناها لا تَرَيان إلاّ هذه القبّة الرفيعة المتألّقة بالنور. شيء يتحرّك في أعماق فؤادها، وماثَمّ سواها مَن يعلم ماذا كان يجول في أعماق الفؤاد. ثمّ قامت واقفة، وصعّدت نفَساً عميقاً كانت تحبسه في الصدر.

* * *
أمام الشباك الفولاذيّ.. تجمهر فوج من الناس كبير. كلٌّ قد رُبط هنا «دخيلاً» عند الإمام الرؤوف. كانت تتخطّاهم على مهل.. حتّى وقفت قبالة النافذة العريضة. شاهدت خيوطاً كثيرة وقطعاً من القماش معقودة على مشبّك النافذة. وأخذتها «حالة».. فتدفّقت فجأة من عينيها أمطار الدموع. انخرطت في البكاء.. بلا خجل من أحد. وقعدت عند النافذة.. جيث يلوح من وراء المشبّك جلال الضريح. أخفَتْ رأسها تحت عباءتها، وأخذت تنتحب نحيباً متعالياً.. لكنّه كان يغيب بين أصوات ضراعات الحاضرين التي تتصاعد من كلّ مكان. ولم تدرِ كم من الوقت ظلّت على هذه الحالة حينما بدأ يهيمن عليها النوم.

* * *
لم تكن تعلم أنامت حقّاً أم أنّها كانت مستيقظة: امرأتان ورجل على مسافة منها جالسون. نَسِيَت أين هي الآن، ولم تَعُد تتذكّر أيّ شيء. دائخة كانت، قد سلبها الألم كلّ قدرة على التفكير. وسمعت صوتاً! كأنّ أحداً يخاطبها:
ـ قُومي.
هزّت رأسها:
ـ لا أقدر.
إحدى المرأتين التفت إلى الرجل قائلة:
ـ أعِنْها.. يا أخي الرضا.
هي تتلوّى من الألم، مطأطئةً رأسها تحت العباءة، لا ترى إلاّ قدمَي الرجل الذي يتقدّم إليها، وإلاّ يده التي مسحت على رأسها بحنان. وبغتةً.. سطع نور في مقابل عينيها، حتّى غرق كلّ شيء في لجّة النور.

* * *
فتحَت عينيها. ما تزال تبلغ مسامعَها أصوات الحاضرين المرتفعة بالِّذكر والمناجاة. كم من الوقت قد أغفَت ؟ لا تدري. تذكّرت أمّها. لعلّها استبطَأتْها فقلقَتْ عليها. وحاولت أن تستذكر ما رأته قبل قليل. وفاجأها أنّها انتبهت إلى نفسها، وتفطّنت إلى أنّ وضعها طبيعيّ! طبيعيّ جدّاً.. فلا آلام ولا أوجاع! واشتملت عليها الدهشة لحظات.
وتذكّرت كلّ شيء: تلكما المرأتين، وذلكم الرجل، والصوت الذي قال:
ـ أعِنْها.. يا أخي الرضا.
شبكت أصابعها على الشبّاك، وألصقت رأسها به.. وراحت تبكي من القلب، ويعلو منها البكاء. بكاء ترفرف في أعماقه المسرّة ويموج فيه الحبّ العظيم. ما ثمّة من ألم يؤذيها وينغّص عليها أيّام الحياة.
في خيالها: أزهار السجّادة الحمراء وهي تهتزّ مرحةً بنسيم السهل الأخضر. وعلى كتفها حطّ طائرا السجّادة يغرّدان بابتهاج. وكانت هي ما تزال تبكي بكاء الفرح والامتنان.

یتبع

من مواضيع : melika 0 سلیمانی فینا ونحن ....................فیه
0 بكل وقاحة ... أكاديمي كويتي يحرّض السعودية للتدخل عسكرياَ في العراق !
0 استنكار شديد لاستهتار شاعر سعودي بالقرأن الكريم
0 هنیئا لکل العرب والمسلمین ...
0 هذه الفيتامينات تعزّز القدرات العقلية…لا تهملوها!
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 05:52 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية