1. مقدمة:
سيّد الشهداء ـ سما في شهادته فوق سمّو كلّ الشهادات التي أُوتيها أرباب الديانات وشهداؤها.. منذ زكريّا ويحيى حتّى المسيح، فكان ( الحسين ) إمامَ حقّ، وسيّدَ شهداءِ الحقّ.
سيّد شباب أهل الجنّة ـ أتمَّ حجّةَ الله في خَلْقه وفي دِينهِ الحنيف، وأبرزَ مظلوميّةَ آل محمّد، وأعاد دين النبيّ ـ الذي بشّر به إلى صراطه المستقيم ـ فأفنى ذاته وأهله في هذا السبيل، رَخّص نفسه الغالية فأغلى له اللهُ تعالى نفسَه على أنفُسِ ساكني جنّة خُلده، فصار سيّدَهم بما عَمِل وضحّى، وصار أحبَّ أهل الأرض إلى أهل السماء.
2. قطوف كربلائية:
"كلّ يوم عاشوراء وكلّ أرض كربلاء"
هذا الشعار يعكس ديمومة حالة الصراع بين الحق والباطل على مدى الزمان وفي كلّ مكان، ويبدو أن كربلاء وعاشوراء هي أبرز حلقات هذه السلسلة الطويلة. والحق والباطل في مواجهة مستمرة مع بعضها. وتقع على عاتق جميع الأحرار مهمة حراسة الحق ومجابهة الباطل. ومن البديهي أن الوقوف موقف اللامبالاة والتفرّج على مشاهد الحق والباطل ينم عن حالة انعدام التديّن.
إنّ معركة الطف وإن كانت أقصر المعارك إذ إنها لم تستغرق أكثر من نصف يوم، إلاّ أنّها من حيث الامتداد تعتبر أطول صراع ضد الظلم والباطل. وطالما كان هناك من يقول: "يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً"(زيارة عاشوراء). فستبقى جبهة كربلاء تنبض بالحياة، وصراع عاشوراء قائم على الدوام، ومثلما أصبح الحسين وارثاً لآدم وإبراهيم ونوح وموسى ومحمد (عليهم السلام)، فكذا يصبح أتباع مدرسة عاشوراء ورثة لخط الجهاد والشهادة الدامي. ولن تُرى راية كربلاء مطروحة على الأرض يوماً. وهذا هو جوهر التشيّع في بعده السياسي.
ذكر أحد الكتاب يقول: "أنا على يقين بأنّ الحسين لو وجد في زماننا هذا لصنع من القدس وجنوب لبنان وأكثر المناطق الإٍسلامية كربلاء ثانية، ووقف نفس الموقف الذي وقفه من معاوية ويزيد، وسوف لا يناصره ممن يدّعون الإسلام والتشيّع وممن يتباكون على القدس والجنوب ويتاجرون بهما في البيانات والخطب وعلى صفحات الجرائد وبالبنادق التي يحملونها في الشوارع والنوادي أكثر من العدد الذي ناصره ووقف إلى جانبه في كربلاء الأُولى"(الانتفاضات الشيعية لهاشم معروف الحسني: 385.).
و هذا الرأي يدحض الرأي القائل أن كربلاء وثورة الإمام الحسين عليه السلام كانت تكليفاً خاصاً بالإمام ولا يمكن اتباع نهجه فحينما أكد الإمام الحسين كما جاء في خطبته على ضرورة القيام ضد السلطة الجائرة التي أحلت حرام الله وحرّمت حلاله، ونقضت عهد الله وسارت خلافاً لسنّة الرسول وعملت بالإثم والعدوان، واعتبر هذه الصفات شاخصة في سلطة يزيد، وأضاف في ختام خطبته: "فلكم فيَّ أسوة"(تاريخ الطبري304:4)، وهذا يدل على أن الأرض على سعتها كربلاء، والزمن على امتداده عاشوراء.
ويجب القيام في كلّ مكان ضد الظلم استلهاماً من هذه المدرسة، وتجب التضحية على طريق العزّة والحريّة .
3. قبسات فقهية:
السؤال: يلاحظ في بعض الحسينيات والمواكب أن هناك من يفرط في اللطم وهو عاري الصدر على مرأى من النساء الأجنبيات، هل يجوز هذا العمل ؟
الجواب : لا ينبغي الاعتراض على عادة اللطم الشار إليها في السؤال ومحاربتها بأي نحو كان. غاية الأمر- في المورد المذكور- انه يجب على النساء الامتناع عن النظر.
استفتاءات حول الشعائر الحسينية-الشيخ اللنكراني.
4. رحلة العشق:
"الهى... اطلبني برحمتك حتى أصِلَ إليك، واجْذبني بمنّك حتى اُقبِلَ عليك"
سيدالشهداء الامام الحسين بن علي عليه السلام
إن ما قيل لك - يا سيّدي - عن سيوف الكوفة التي تقطر غدراً، وعن قلوبها الضعيفة الخَوّارة... لن يجعلك تلتفت الى الوراء- وحاشاك.
لقد كنت - يا سيّدي - تَحُثُ الخُطى، وتندفع الى الأمام. وكل يوم كان يمرَ كانت المسافة الزمنية تقصر بينك وبين مذبح العشق العظيم
وأنتَ يا سيّدي الخبيرُ بالطريق.
لقد مشى قلبك الطريقَ قبل أن تلامسَ رمالَه قدماك. وسبقَك إليه نورُك، قبل أن تَمَسّ حبَاتِ رموله منك رؤيةُ البصر.
لَطالَما مشيتَ - يا سيّدي - في طريق العشق.
ولطالما عَبَرْتَ الأنوار العليا، حيث لايخطر على بالِ بشر.
ولكنّ رحلتك العجائبيّة هذه المرّة ذات نكهة خاصّة، وذاتُ نَمطٍ في العشق فريد.
«إلهي ... تردّدي في الآثار، يوجبُ بُعدَ المزار.
فاجمَعْني عليك، بخدمةٍ توصلني إليك.
متى غِبْتَ حتى تحتاج الى دليل يدلّ عليك؟!
ومتي بَعُدْتَ حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟!
عَمِيَتْ عينٌ لاتراك عليها رقيبا،
وخسِرتْ صفقة عبدٍ لم تجعلْ له من حبّك نصيباً».
وأنتَ يا طريقاً واصلاً بين مكةَ وكربلاء..!
يا طريقاً يَصِلُ بين بيت الربّ والمذبَح..!
ماذا رأيتَ - يا طريق كربلاء - من أشواق العاشق الوَلْهان؟!
ماذا شَمَمْتَ من عِطْرٍ يَنضحُ من قلب زهرة الخلود؟!
ماذا أحسستَ من هِمّةِ عاشقٍ، لا تألَفُ أبعادَ الزمان، ولاتُطيفُها حدودُ المكان؟!
بماذا انغمسْتَ - يا طريقَ مكةَ كربلاء - من نورٍ عُلْويّ لاتَعْرِفه الأرض، ولا عَهْدَ به لأبناء الأرض؟!
إن خُطواتِ العاشق المُتَوَلِّه لَمحفورةٌ حتى اليوم، في رُمولكَ أيّها الطريق، فإذا هي مَناقِعُ عِطْرٍ لقوافل العاشقين العابرة على امتداد التاريخ.
5. رجال فازوا مع الحسين:
"والله لا نفارقك ولكن أنفسنا لك الفداء نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا فإذا نحن قـُتلنا كنا وفينا و قضينا ما علينا"
تعريف موجز
هو زهير بن القَيْن الأنماريّ البَجَليّ، من شجعان المسلمين، وممّن اشترك في الفتوح الإسلاميّة، وقد التحق بالإمام الحسين عليه السّلام أثناء الطريق..
توفيق رفيع
في عام 60 للهجرة، وتزامناً مع حركة الإمام باتّجاه الكوفة، كان هو عائداً من الحج. ولم يكن يرغب في مقابلة الحسين إلاّ أنه اضطر إلى النزول هو والإمام الحسين في منزل واحد. فأرسل إليه الإمام رجلا يدعوه إليه، فأحجَم زهير قليلاً.. وهنا نادَته زوجتُه دَلْهَم بنت عمرو: أيَبعَث إليك ابنُ رسول الله ثمّ لا تأتيه ؟! سبحان الله! لو أتيتَه فسمعتَ من كلامه ثمّ انصرفت.
فذهب زهير.. فما لَبث أن عاد مُستبشراً قد أسفَر وجهُه، فأمر بفسطاطه وثِقله ومَتاعه فقُدّم له، وحَمَله نحو الإمام الحسين عليه السّلام، ثمّ قال لأصحابه: مَن أحَبَّ منكم أن يَتبعني، وإلاّ فإنّه آخِرُ العهد..
موقفٌ صعب
قال زهير مخاطباً أهل الكوفة إن الله ابتلانا وإيّاكم بذريّةِ نبيّه محمّدٍ صلّى الله عليه وآله؛ لينظر ما نحن وأنتم عاملون. إنّا ندعوكم إلى نصرهم وخِذْلان الطاغية يزيد وعبيدالله بن زياد؛ فإنّكم لا تُدرِكون منهما إلاّ سوءَ سلطانهما كلّه، لَيَسملانِ أعيُنَكم، ويُقطّعان أيديَكُم وأرجلَكُم، ويُمثّلان بكم، ويرفعانكم على جُذوع النخل، ويقتلان أماثِلَكم وقُرّاءَكم أمثالَ حُجْرِ بن عَدِيّ وأصحابه، وهانئ بن عروة وأشباهه ».
فما كان منهم إلاّ أن سَبُّوا زهيراً وأثنَوا على عبيدالله، وقالوا: واللهِ لا نَبرحُ حتّى نَقتُلَ صاحبَك ومَن معه، أو نَبعثَ به وبأصحابه إلى عبيدالله سلماً!
فأجابهم زهير: عبادَ الله، إنّ وُلْد فاطمة أحقُّ بالودّ والنصر من ابن سُميّة، فإن لم تنصروهم فأُعيذكم بالله أن تقتلوهم.
إلى ساحة الوغى
لأصحاب الإمام الحسين عليه السّلام حملةٌ كبرى في بدء نهار عاشوراء، اشتركوا فيها بأجمعهم، وصُرِع فيها أكثرهم على قلّتهم، فصاروا بعدها يَبرُزون وحداناً أو مَجاميعَ صغيرة.. وقد خرج الحرّ بن يزيد الرياحيّ للحرب، فكان زهير بن القين يحمي ظهره، فكان إذا شدّ أحدهما واستَلحَم شَدّ الآخرُ فاستَنقَذه.. حتّى استُشهد الحرّ رضوان الله عليه، فعاد زهير إلى موقعه يستعدّ لجولةٍ أخرى.
وبعد الزوال.. خرج سلمانُ بن مُضارب البَجَليّ ـ وهو ابن عمّ زهير ـ فقاتل حتّى استُشهِد. بعده خرج زهير، فوضع يده على منكب الإمام الحسين عليه السّلام وخاطبه مُستئذناً:
أقدِمْ هُدِيتَ هاديـاً مَهديّا فاليومَ ألقى جدَّك النبيّـا
وحَسَناً والمرتضى عليّـا وذا الجَناحَينِ الفتَى الكميّا
وتقدّم زهير بن القين فقاتل قتالاً لم يُرَ مِثلُه ولم يُسمع بشبهه، وأخذ يحمل على القوم فقتلَ منهم مئةً وعشرين رجلاً، ثمّ عَطَف عليه كُثَيرُ بن عبدالله الصَّعبيّ، والمهاجِر بن أوس.. فقتلاه، فوقف الإمام الحسين عليه السّلام وقال له: لا يُبعدَنَّك الله يا زهير، ولَعَنَ قاتِليك لَعْنَ الذين مُسِخوا قِرَدةً وخنازير..
سلامٌ عليك يا زهير في الغيارى الشجعان، وأسكنك ربُّك فسيح الجِنان.
6 .تقويم الثورة:
امتدت فترة قيام الإمام الحسين عليه السلام من يوم رفضه البيعة ليزيد وحتى يوم عاشوراء 175 يوما؛12يوما منها في المدينة، وأربعة أشهر وعشرة أيام في مكة، و23 يوما في الطريق من مكة إلى كربلاء، وثمانية أيام في كربلاء (2إلى 10 محرم).
15 رجب عام 60 للهجرة : موت معاوية في الشام وجلوس يزيد على كرسي الخلافة .
28 رجب عام 60: وصول كتاب يزيد إلى والي المدينة بشأن أخذ البيعة من الحسين عليه السلام وغيره .
29رجب 60: أرسل الوليد شخصا إلى الحسين يدعوه للمجيء والبيعة . وزيارة الحسين لقبر الرسول وتوديعه، ثم الهجرة من المدينة برفقة أهل بيته وجماعة من بني هاشم .
7. من ذاكرة الطف:
تاسوعاء
وهو اليوم التاسع من شهر محرم عام 61 للهجرة وفيه أحاط جيش الكوفة بالإمام الحسين وأنصاره ومنع عنهم الماء، وسيطر علي جميع الطرق لكي لا يلتحق أحد بمعسكر الحسين، واتخذت تهديدات جيش عمر بن سعد طابعا أكثر جدية، وأصبحوا أكثر استعداد للهجوم علي الخيام.
وفي عصر يوم الخميس التاسع من محرم تلقى ابن سعد أمراً من ابن زياد جعله يتأهّب لمقاتلة الحسين. وهجمت طائفة من جيش الكوفة على الخيام فيما كان الإمام جالساً إلى جانب خيمته محتبياً بسيفه، وما أن سمعت زينب جلبة المهاجمين حتى سارعت لإيقاظ الإمام الذي هوّمت عيناه وأخذته إغفاءة .
ولما استفاق قص الرؤيا التي رآها في تلك اللحظة؛ وهو أنه رأي رسول الله، فقال له صلي الله عليه وآله: إنك تروح إلينا. فأرسل الحسين أخاه العباس مع ثلّة من الأنصار لاستطلاع هدف المهاجمين. ولما علم أنهم قادمون لمحاربته أو لأخذ البيعة منه، استمهلهم تلك الليلة للعبادة والصلاة، وأوكلوا أمر الحرب إلى اليوم التالي.
قال الإمام الصادق عليه السلام: " تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين وأصحابه بكربلاء واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه وفرح ابن مرجانه وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها واستضعفوا فيه الحسين وأصحابه وأيقنوا انه لا يأتي الحسين ناصر ولا يمده أهل العراق"
8. وجه من القافلة:
قافلة انطلقت من مبدأ العزّة والكرامة وسارت نحو مقصد الشهادة
مَن هو الأكبر ؟
جَدُّه أميرُ المؤمنين وسيّد الوصيّين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، وأبوه سيّد شباب أهل الجنّة أبو عبدالله الحسين سلامُ الله عليه، وعمُّه السبط المجتبى أبو محمّد الحسن سيّد شباب أهل الجنّة سلام الله عليه، وعمّته العقيلة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين عليه وعليها أفضل السلام، وإخوته: الإمام عليّ زين العابدين عليه السّلام، وعبدالله الرضيع أو عليّ الأصغر أمّا أخَواته: فـ « فاطمة » و « سكينة »، سلام الله عليهم أجمعين. فيما تُعرَف أُمّه بـ « ليلى بنت أبي مُرّة بن عروة بن مسعود الثقفيّ ».
كنيتُه: أبو الحسن، ولقبه: الأكبر؛ إذ كان أكبر من أخيه الإمام عليٍّ زين العابدين عليه السّلام.
استُشهد يوم عاشوراء سنة 61 هجريّة بين يدَي أبيه الإمام الحسين عليه السّلام، وله من العمر نيّفٌ وعشرون عاماً، ودفنه أخوه زين العابدين عليه السّلام عند أبيه الحسين صلوات ربّنا عليهم في قبرٍ متّصل بقبره.
بهجة قلب الحسين
مضى عليّ الأكبر صلوات الله عليه في طليعة الركب الحسينيّ الراحل إلى أرض الشهادة في كربلاء، وخلال الطريق.. وعلى وجه التحديد لمّا كان السَّحَر من الليلة التي بات بها الحسين عليه السّلام عند منطقةٍ تُسمّى « قصر بني مقاتل »، أمر بالاستسقاء من الماء، ثمّ الرحيل. يقول عقبة بن سمعان: ففَعَلْنا، فلمّا ارتحَلْنا عن قصر بني مقاتل خفق الحسين برأسه خفقةً ثمّ انتبه وهو يقول: « إنّا لله وإنّا إليه راجعون، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين ».. ثمّ كرّرها مرّتين أو ثلاثاً، فأقبل إليه ابنُه عليّ بن الحسين ( الأكبر ) وكان على فرسٍ له، فقال: يا أبتِ ـ جُعلتُ فِداك ـ مِمّ استرجعت وحَمِدتَ الله ؟
فقال الحسين عليه السّلام له: يا بُنيّ، إنّي خفقتُ برأسي خفقةً فعَنّ لي فارسٌ على فرس فقال: القوم يسيرون.. والمنايا تسري معهم، فعلمتُ أنّها أنفسُنا نُعِيت إلينا.
فقال علي عليه السّلام: يا أبتِ ـ لا أراكَ اللهُ سوءاً ـ ألَسْنَا على الحقّ ؟!
قال: بلى والذي إليه مرجعُ العباد.
قال: يا أبتِ ـ إذن ـ لا نبالي.. نموتُ مُحِقِّين.
فقال الحسين عليه السّلام لولده عليٍّ الأكبر: جزاك اللهُ مِن وَلَدٍ خيرَ ما جزى وَلَداً عن والده.
نثار الشهادة
فكان الأكبر صلوات الله عليه بارّاً بأهل بيت النبوّة والرسالة، مفدّياً نفسَه المقدّسة مِن أجل الإمامة وشخص إمامه الحسين صلوات الله عليه، وكان الحسين عليه السّلام قد خطب ليلة عاشوراء فقال بعد الثناء على الله تبارك وتعالى: أما بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهلَ بيتٍ أبرَّ ولا أوصلَ مِن أهل بيتي. وعليٌّ الأكبر من أهل بيت الإمام الحسين عليه السّلام فضلاً عن أنّه ابنه الأكبر ونبعتُه الطيّبة التي يفخر بها، وقد كان الأكبر أوّلَ مَن تقدّم في معركة الطفّ من بني هاشم، فلمّا رآه أبوه الحسين عليه السّلام رفع شيبتَه نحو السماء وقال:
اللهمّ اشهَدْ على هؤلاءِ القوم، فقد برز إليهم غلامٌ أشبهُ الناس خَلْقاً وخُلُقاً ومنطقاً برسولك محمّد صلّى الله عليه وآله، وكنّا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نَظَرْنا إلى وجهه. اللهم فامنَعْهم بركاتِ الأرض،..
فلمّا حمل عليٌّ الأكبر كانت عينا أبيه تلاحقه، وقلبه يخفق ويميل معه، وهو يرى ولدَه يقتل عشراتٍ من أعداء الله، فإذا عاد إلى أبيه وقد أثّر فيه الحرّ والجراحات الكثيرة، والعطش وثقل السلاح.. بكى الحسين عليه السّلام حيث لم يجد جواباً لطلبه بقطرات ماء.
فإذا استُشهد الأكبر.. كادت روح الحسين أن تخرج مرّتين، حيث شُوهد يجود بنفسه على ولده، وقد أسرع إليه وبكاه أمرَّ البكاء، وقال: قتلَ اللهُ قوماً قتلوك يا بُنيّ، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حُرمة رسول الله، على الدنيا بعدك العَفا.
السلام عليك يا وليَّ الله وابنَ وليّه، السلام عليك يا حبيبَ الله وابنَ حبيبه، السلام عليك يا خليلَ الله وابنَ خليله. عشتَ سعيدا، ومُتَّ فقيدا، وقُتلت مظلوما. يا شهيدُ ابنَ الشهيد، عليك مِن الله السلام.
9. نورُ بلا حدود:
إضاءاتٌ هادية من كلمات الإمام الحسين عليه السلام
أُوصيكم بتقوى الله؛ فإنّ الله قد ضمن لمَن اتّقاه أن يحوّلَه عمّا يكره إلى ما يحبّ، ويرزقَه مِن حيث لا يحتسب...