ينقل المرحوم الحاج نوري في كتابه ( النجم اثاقب ) أن العالم الفاضل الشيخ الكاظمي المعروف بآل طالب قال : ان شخصا مؤمنا اسمه الشيخ حسين رحيم من عائلة معروفة باسم آل رحيم نقل الحكاية التالية عن نفسه.. كما ايدها العالم الفاضل الكامل العابد مصباح الاتقياء الشيخ طه.. وهو امام جامع مسجد الهندي في النجف الاشرف ومورد اعتماد الخاص والعام ان الشيخ حسين رحيم كان من المتدينين والمقدسين ومن طينة الاطهار.
حيث كان الشيخ حسين في شبابه قد اصيب بمرض الربو المزمن والسعال المستمر الذي يصاحبه بعض الدم احيانا .. ولم يجد له علاجا لعدة سنوات.
كما كان هذا الشيخ فقيرا جدا بحيث لا يجد قوت يومه وغالبا ما كان يذهب الى اطراف مدينة النجف ليتعرف على البدو القاطنين هناك ويسألهم الطعام..
وفي هذه الاثناء وقع نظره على ابنة الجيران الجميلة فوله بها وعشقها واحبها حباً جماً فتقدم لخطبتها لكن اهل الفتاة وبسبب فقره ومرضه لم يوافقوا على الزواج ..
اثرت هذه المصائب عليه تأثيرا سيئاً وهي الفقر والمرض والعشق .. حتى جعلته يلتجأ الى عمل شئ معروف في تلك الايام في النجف الاشرف وهو ان يقضي اربعين ليلة اربعاء في مسجد الكوفة حتى يرى صاحب الزمان ويطلب حاجته..
وفعلا بدأ في زيارة مسجد الكوفة كل ليلة اربعاء والبقاء هناك حتى الصباح على امل رؤية امام العصر والزمان ..
ويقول المرحوم الشيخ باقر الكاظمي نقلا عن الشيخ حسين قوله : لقد قضيت اربعين ليلة اربعاء في هذا المسجد .. وفي تلك الليالي الشتائية الباردة والممطرة احيانا .. لكنني لم اشاهد شيئا ولما كنت اسعل دما في اغلب الاحيان وتحاشيا للبرد كنت احمل معي دلة قهوة واشعل ناراً للدفء..
وفي آخر ليلة اربعاء جلست على دكة باب المسجد وانا ارتجف من البرد .. لانني لم اكن املك حتى ازاراً اتقي فيه غائلة البرد الملعون ..
ولما كانت هذه آخر ليلة ولم اشاهد فيها حبيبي وامام زماني .. فقد شعرت بالحزن والاسى .. وملأ قلبي الهم والغم .. واظلمت الدنيا في عيوني .. فناجيت ربي متضرعا وقلت :
الهي لقد قضيت اربعين ليلة حتى الصباح في هذا المسجد وانا اتعبد واتضرع اليك حتى تشرفني برؤية بقيتك في ارضك واطلب منه حوائجي ولكنني لم ار شيئاً لحد الآن فأرجوك يا الهي ان لا تخيب امل فقير ومريض وعاشق جاء بطرق باب رحمتك ويرجو لقاء حبيبك وآخر عترة نبيك..
وفي هذه الاثناء وانا اناجي ربي .. لاحظت اعرابيا قادماً الي من طرف الباب الثاني من المسجد ..
وعندما شاهدته شعرت بالضيق وعدم الراحة وقلت في نفسي: ان هذا الاعرابي جاء في مثل هذه الساعة من الليل ليشرب قهوتي ويحرمني منها ..
على اية حال وصل الاعرابي وسلم علي فرددت له السلام .. ثم جلس بجنبي وقال : كيف حالك يا شيخ حسين!
عجبت في بادئ الامر من هذا الرجل كيف عرف اسمي .. لكني قلت في نفسي ربما يعرفني شخصيا وانا لا اعرفه لكثرة ترددي على البدو في اطراف النجف والكوفة طلبا للرزق والطعام ..
فسألته : من اي عشيرة انت يا اخا العرب؟
فقال : من بعض الافخاذ ..
فأخذت اذكر اسماء العشائر المحيطة بالنجف والكوفة واحدة بعد الاخرى وهو يقول : لا لست من هذه العشيرة.. وهنا ضحكت وسخرت منه وقلت:
لابد وانك من عشيرة الطريطري ( وهي كلمة تقال للسخرية من شخص ) ولكنه لم ينزعج وابتسم فقط وقال :
لا تزعج نفسك من اي قبيلة اكون .. فقط قل لي لماذا جئت الى هنا؟
فقلت له : ما فائدة ان اقول لك لماذا اتيت الى هنا؟
فقال : وما الضرر في ذلك ان قلت لماذا جئت الى هنا؟
وهنا تعجبت من اخلاقه الحسنة وهدوئه العظيم وكلامه المحبب وقليلا قليلا ملت اليه واحببته اكثر فأكثر ..
ثم اخرجت قليلا من التبغ وملأت غليوني وقدمته اليه فقال: لا ادخن .. يمكنك التدخين ..
ثم صببت له فنجان من القهوة فشرب رشفة منها وقال لي : اشرب الباقي فاطعته وشربت الباقي..
وفي كل لحظة كانت تمر علي .. كنت اشعر بزيادة محبتي وتقربي لهذا الاعرابي الجليل..
ثم قلت له : يا اخا العرب.. لقد بعثك الله تعالي لي في هذه الليلة لتؤنسني . فهل ترغب بالذهاب لزيارة ضريح مسلم بن عقيل معي؟ فقال: اجل لكن يجيب عليك ان تشرح لي حالك..
فقلت له : طيب شوف اشرح لك ظروفي واحوالي وسبب مجيئي الي هنا .. فقلت له :
انني ادعى الشيخ حسين رحيم .. وان فقير جدا لا املك طعام يومي منذ ان فتحت عيني ورأيت وعرفت هذه الدنيا وقبل عدة سنوات اصبت بمرض الربو اللعين والسعال الدموي المخيف وقد عجز الاطباء والحكماء من شفائي .. كما انني عشقت فتاة من بيت الجيران وبسبب فقري وفاقتي ومرضي امتنع اهلها من تزويجي بها .. وفي هذه الاثناء نصحني الملالي والشيوخ بالمبيت اربعين ليلة اربعاء في مسجد الكوفة حتى ارى صاحب الزمان ( ع) .. واطلب منه حاجتي وشفائي ..
وهذه آخر ليلة اربعاء اقضيها في هذا المسجد وفي هذا البرد القارس وحتى الآن لم ار شيئا ولم اقابل احدا .. فقال ذلك الاعرابي الشهم العظيم :
سوف تشفى من مرضك باذن الله كما ستتزوج قريبا بتلك الفتاة .. اما فقرك وفاقتك فسيلازمانك ما دمت حيا!!
وهنا لم الاحظ لهجة الرقة والتأكيد التي يتحدث بها هذا العرابي وقلت له : دعنا نذهب الى زيارة قبر مسلم بن عقيل..
ثم واصلنا السير حتى قبر مسلم وهنا قال لي:
الا تصلي ركعتي الزيارة؟ فقلت اجل..
ثم وقف للصلاة ووقفت خلفه ..
وكنت اسمع صلاته وكانت عذبة تدخل شغاف القلب ولم اسمع صوتا وترديدا للآيات الكريمة مثل هذه اللهجة واللحن العظيم !!
وهنا تبادر في ذهني : ربما يكون هذا العرابي هو صاحب الزمان !
وشيئا فشيئا لاحظت نورا قد احاط وغمر المكان الى درجة ان الرجل اختفى عن نظري ولكنني كنت استطيع سماع قراءته القرآنية في الصلاة ..
وهنا اصابتني رعدة شديدة واردت قطع الصلاة ولكنني خفت ان ينزعج من تصرفي فواصلت الوقوف والصلاة وانا ارتجف مثل شعفة في مهب الريح!
وبعد الصلاة لاحظت النور وقد ارتفع الى قبة مسلم بن عقيل.. فأخذت ابكي واتوسل اليه ان يغفر لي لسوء سلوكي معه وهنا لاحظت النور قد ازداد وغمر المكان كله وهو في حركة دائمة .. فوقعت على الارض من هول المفاجأة وانا ابكي بحرقة واخذت اوصالي ترتجف واستمر بي الحال هكذا حتى الصباح ثم عرج ذلك النور الالهي الى السماء ..
ويضيف الشيخ حسين :
بعد هذه الحادثة شفيت تماما من الربو وبعد عدة ايام تم زفافي الى حبيبتي ابنة الجيران لكن فقري وفاقتي لازماني لحد الآن ...
نقل المرحوم الحاج نوري في كتابه ( النجم الثاقب ) عن العالم الجليل الآخوند الملا زين العابدين بن سلماسي تلميذ وحافظ أسرار السيد بحر العلوم أنه قال : تشرفنا في خدمة السيد بحر العلوم في الحرم المطهر للامامين العسكريين في سامراء ..
ثم اجتمعنا مجموعة من اهل العلم للصلاة خلف السيد بحر العلوم وفي الركعة الثانية وبعد التشهد الاول وثناء ما اراد ان يقف ويستقيم للركعة الثانية .. اخذته حالة من التوقف والجمود لعدة لحظات .. ثم قام للصلاة..
وبعد انتهاء الصلاة أخذنا العجب والتعجب ! على تلك الوقفة القصيرة في الصلاة ! ولكن أحداً لم يجرؤ أن يسأل السيد نفسه..
وبعد ان رجعنا الى الدار واثناء تناول الطعام .. اشار الي بعد السادة العلويين ان اسأله سبب توقفه في الركعة الثانية فقلت له : انت اقرب اليه فلماذا لا تسألأه؟
ثم انتبه السيد بحر العلوم ( رضوان الله تعالى عليه ) الى احاديثنا فقال : ماذا تقولون؟
ولما كنت أكثرهم انفتاحاً للعالم الجحليل.. انبريت قائلاً:
ان هذا السيد يريد معرفة سبب توقفكم عند نهاية التشهد الاول..
فقال (رضوان الله تعالى عليه) : اثناء ادائي للصلاة.. رأيت صاحب الزمان .. أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ..
دخل الحرم الشريفلزيارة مرقد جده عليه افضل الصلاة والسلام .. وعندما رأيت جمال وجوده المقدس .. اخذتني موجة من الانبهار وبقيت على تلك الحالة حتى خرج من الحرم الشريف ..
يروي العلامة الحاج نوري في كتابه ( النجم الثاقب ) ان السيد جعفر بن العلامة الكبير والفطحل العظيم السيد باقر قزويني المعروف بالكرامات الباهرات قال:
كنت ذاهبا مع والدي الى مسجد السهلة وعندما اقتربنا من المسجد قلت لوالدي: هناك الكثير من الاقوال تتكهن بأن من يزور مسجد السهلة اربعين ثلاثاء من كل اسبوع فانه يرى الحجة بن الحسن فهل لهذه الاحاديث اصل او حقيقة يا ابي؟
او ربما تكون هذه الاحاديث غير صحيحة..
فانفعل والدي من الغضب واكفهر وجهه وهو يقول :
لماذا لا يكون لهذه الاحاديث من اساس؟ اذا انت لم تر شيئاً فهل معنى ذلك ان لا اساس له؟
وأخذ يوبخني الى درجة انني ندمت على سؤالي ..
وفي هذه الاثناء وصلنا الى المسجد ودخلنا في ساحته.. ولم يكن احد فيه ولكن بعد ان توسط والدي المسجد وقف ليصلي صلاة الاستغاثة .. جاءه شخص من مقام صاحب الزمان وسلم عليه وصافحه ثم رجع الى المقام ..
فسألني والدي: من كان هذا السيد؟
فقلت له : وهل تقصد بأنه صاحب الزمان؟
فقال: ومن يكون غيره؟!
فعجبت من الامر واسرعت في اعقابه عند باب المقام وداخله وفي اروقة المسجد والمقامات الاخرى وخارجه .. لكنني لم اجد اثراً له !!
نقل احد المؤمنين الثقات من اهل الكويت .. انه سمع احد الخطباء الايرانيين يقول: كنت جالساً في حافلة لأسافر الى مدينة نائية من مدن ايران .. وذلك في زمن الشاه..
لم يكن على المقعد بجانبي احد .. وكنت اخشى ان يجلس عندي من لا أرغب في جواره .. فيضايقني في هذا الطريق البعيد .. فسألت الله تعالى في قلبي:
الهي ان كان مقدراً لي ان يجلس عندي احد فاجعله انساناً متديناً طيباً مؤنساً؟!!
جلس المسافرون على مقاعدهم .. ولم ار من يشغل المقعد الذي بجنبي .. فشكرت الله اني وحيد!!
ولكنني فوجئت في الدقيقة الاخيرة قبل الحركة! بشاب مظهره كـ ( الهيبيز ) وبيده حقيبة صغيرة من صنع جلد اجنبي .. وكأنه من غير ديننا.. فتقدم حتى جلس عندي .. قلت في قلبي/ يا رب أهكذا تستجيب الدعاء!!
تحركت السيارة ولم يتفوه احد منا لثاني بكلمة .. لان الانطباع المأخوذ عن المعممين في اذهان هؤلاء الاشخاص كان انطباعاً سيئاً .. بفعل الدعايات المغرضة التي كانت تبثها اجهزة النظام الشاهنشاهي ضد علماء الدين .. لذلك آثرت الصبر والسكوت وانا جالس على اعصابي .. حتى حان وقت الصلاة ( اول وقت الفضيلة) .. واذا بالشاب وقف ينادي سائق الباص: قف هنا .. لقد حان وقت الصلاة!
فرد عليه السائق مستهزئاً وهو ينظر اليه من مرآته:
اجلس .. اين الصلاة واين انت منها .. وهل يمكننا الوقوف في هذه الصحراء؟
فقال الشاب: قلت لك قف والا رميت نفسي .. وصنعت لك مشكلة بجنازتي !!
ما كنت استوعب ما ارى واسمع من هذا الشاب .. انه شئ في غاية العجب .. فأنا كعالم دين أولى بهذا الموقف من هذا الشاب ( الهيبيز) ! وعدم مبادرتي الى ذلك كان احترازاً من الموقف العدائي الذي يكنه البعض لعلماء الدين .. لذلك كنت انتظر لأصلي في المطعم الذي تقف عنده الحافلة في الطريق..
وهكذا كنت انظر الى صاحبي باستغراب شديد .. وقد اضطر السائق الى ان يقف على الفور .. لما رأى من اصرار الشاب وتهديده..
فقام الشاب ونزل من الحافلة .. وقمت انا خلفه ونزلت .. رأيته قد فتح حقيبته واخرج قنينه ماء فتوضأ منها ثم عين اتجاه القبلة بالبوصلة وفرش سجادته .. ووضع عليها تربة الحسين الطاهرة واخذ يصلي بخشوع .. وقدم لي الماء فتوضأت انا كذلك وصليت ( صلاة العجب) !
ثم صعدنا الحافلة .. وسلمت عليه بحرارة معتذرا اليه من برودة استقبالي له اولاً .. ثم سألته : من انت؟
قال: ان لي قصة لا بأس ان تسمعها.. لم اكنت اعرف الدين ولا الصلاة وانا والولد الوحيد لعائلتي التي دفعت كل ما تملك لاجل ان اكمل دراسة الطب في فرنسا .. كانت المسافة بين سكني والجامعة التي ادرس فيها مسافة قرية الى مدينة .. ركبت السيارة التي كنت استقلها يومياً الى المدينة مع ركاب آخرين والوقت بارد جداً وانا على موعد مع الامتحان الاخير الذي تترتب عليه نتيجة جهودي كلها ..
فلما وصلنا الى منتصف الطريق عطبت لاسيارة .. وكان الذهاب الى اقرب مصلح ( ميكانيك) يستغرق من الوقت ما يفوت علي الحضور في الامتحانات النهائية للجامعة.
لقد ارسل السائق من يأتي بما يحرك سيارته واصبحت انا في تلك الدقائق كالضائع الحيران .. لا ادري اتجه يميناً او يساراً .. لم يأتيني من السماء من ينقذني ..
كنت في تلك الدقائق اتمنى لو لم تلدني امي ( وان تنشق الارض لأخفي نفسي في جوفها ) .. انها كانت اصعب دقائق تمر علي خلال حياتي وكأن الدقيقة منها سهم يرمي نحو آمالي .. وكأني اشاهد اشلاء آمالي تتناثر امامي ولا يمكنني انقاذها ابداً ..
فكلما نظرت الى ساعتي كانت اللحظات تعتصر قلبي .. فكدت أخر الى الارض .. وفجأة تذكرت ان جدتي في ايران عندما كانت تصاب بمشكلة او تسمع بمصيبة تقول بكل احاسيسها : " يا صاحب الزمان " ..
هنا ومن دون سابق معرفة لي بهذه الكلمة ومن تعنيه .. قلت وبكل ما املك في قلبي من حب وذكريات عائلية : " يا صاحب زمان جدتي" ! ذلك لاني لم اعرف من هو ( صاحب الزمان ) فنسبته الى جدتي على البساطة .. وقلت : فان ادركتني مما انا فيه .. اعدك ان اتعلم الصلاة ثم اصليها في اول الوقت!
وبينما انا كذلك .. واذا برجل جضر هناك .. فقال للسائق بلغة فرنسية: شغل السيارة! فاشتغلت في المحاولة الاولى .. ثم قال للسائق : اسرع بهؤلاء الى وظائفهم ولا تتأخر .. وحين مغادرته التفت الي وخاطبني بالفارسية:
نحن وفينا بوعدنا .. يبقى ان تفي بوعدك ايضا!
فاقشعر له جلدي وبينما لم استوعب الذي حصل ذهب الرجل فلم ار له اثراً ..
من هنا قررت ان اتعلم الصلاة وفاءً بالوعد .. بل واصلي في اول الوقت دائماً ..
يقول السيد ... : لقد تزوَّجتُ حينما كنتُ في السادسة عشرة من عمري ، فمضت سنوات ولم أرزق ولداً ، وقد راجعتُ الكثير من الأطباء ، واستخدمتُ مختلف الأدوية ، لكن بلا جدوى ، ومع أنَّ الأطباء كانوا يقرُّون بسلامتي أنا وزوجتي ، إلاَّ أنَّهم لم يشخِّصوا السبب وراء عدم الإنجاب .
وخلاصة القول : لقد أصابني القنوط ، وأخذت حياتي تسير نحو التدهور ، وذات يوم قال لي أحد الأصدقاء : كفَّ عن مراجعة الأطباء ، وتوجه نحو الإمام صاحب الزمان ( عليه السلام ) ، واطلب حاجتك منه .
فذهبتُ ليلة الجمعة إلى مسجد جمكران ، وبعد فراغي من الصلاة توسلتُ بالإمام المهدي( عليه السلام ) بقلب منكسِر ، فاشتدَّ بكائي تلك الليلة ، وكنت أقرأ دعاء ، وأكرر هذه الفقرة يَا مُجيبَ المُضطَرِّ ، ويَا كَاشِفَ الضُّر ).
فإذا بالمسجد وكأن الشمس قد طلعت فيه ، وسمعت صوتاً وكأنَّه يدوِّي في أذنيَّ لَقَد أُجِبْتَ ، وكُشف عنك الضُّر ).
فاتممتُ الدعاء ، وقلبي مطمئنٌّ بعناية الإمام المهدي ( عليه السلام ) ، فلم تمضِ فترة بعد رجوعي إلى أهلي ، وإذا به ( عليه السلام ) يكون واسطة للفيض الإلهي ، إذ مَنَّ الله تعالى عليَّ بولدٍ سالمٍ ، سويٍّ البنية ، والحمد لله ، فغمَرَتني السعادة ، ولم تتبدَّد حياتي .
اللهم بحق وليك صاحب العصر والزمان ارزق المحرومين بالذرية الصالحه
وللحوامل بتسهيل الولادهـ
سبب بناء المسجد المقدس في جمكران بأمر الإمام (عليه السلام) على ما أخبر به الشيخ العفيف الصّالح حسن بن مثلة الجمكراني.
قال: كنت ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة نائماً في بيتي، فلمّا مضى نصف من الليل فإذا بجماعة من الناس على باب بيتي فأيقظوني وقالوا: قم وأجب الإمام المهدي صاحب الزمان، فإنّه يدعوك.
قال: فقمت وتعبّأت وتهيّأت، فقلت: دعوني حتى ألبس قميصي، فإذا بنداء من جانب الباب: هو ما كان قميصك، فتركته وأخذت سراويلي فنودي: ليس ذلك منك فخذ سراويلك، فألقيته وأخذت سراويلي ولبسته، فقمت إلى مفتاح الباب أطلبه فنودي: الباب مفتوح.
فلمّا جئت إلى الباب رأيت قوماً من الأكابر فسلّمت عليهم فردّوا ورحّبوا بي، وذهبوا بي إلى موضع المسجد الآن، فلمّا أمعنت النّظر رأيت أريكة فرشت عليها فراش حسان، وعليها وسائد حسان، ورأيت فتى في زيّ ابن ثلاثين متكئاً عليها، وبين يديه شيخ وبيده كتاب يقرؤه عليه، وحوله أكثر من ستين رجلاً يصلّون في تلك البقعة، وعلى بعضهم ثياب بيض وعلى بعضهم ثياب خضر.
وكان ذلك الشيخ هو الخضر (عليه السلام)، فأجلسني ذلك الشيخ (عليه السلام) ودعاني الإمام (عليه السلام) باسمين وقال: اذهب إلى حسن بن مسلم وقل له: إنّك تعمر هذه الأرض منذ سنين وتزرعها ونحن نخرّبها، زرعت خمس سنين والعام أيضاً أنت على حالك من الزّراعة والعمارة، ولا رخصة لك في العود إليها، وعليك ردّ ما انتفعت به من غلاّت هذه الأرض ليبنى فيها مسجد، وقل لحسن بن مسلم: إنّ هذه أرض شريفة قد اختارها الله تعالى من غيرها من الأراضي وشرّفها، وأنت قد أضفتها إلى أرضك، وقد جزاك الله بموت ولدين لك شابّين فلم تنتبه من غفلتك، فإن لم تفعل ذلك لأصابك من نقمة الله من حيث لا تشعر.
قال حسن بن مثلة: قلت: يا سيدي لابدّ لي في ذلك من علامة، فإنّ القوم لا يقبلون ما لا علامة ولا حجّة عليه، ولا يصدّقون قولي، قال: إنا سنعلم هناك، فاذهب وبلّغ رسالتنا، واذهب إلى السيد أبي الحسن وقل له: يجيء ويحضره ويطالبه بما أخذ من منافع تلك السنين ويعطيه الناس حتى يبنوا المسجد ويتمّ ما نقص من غلّة رهق ملكنا بناحية اردهال ويتم المسجد وقد وقفنا نصف رهق على هذا المسجد ليجلب غلّته كلّ عام ويصرف إلى عمارته.
وقل للناس: ليرغبوا إلى هذا الموضع ويعزّروه ويصلّوا هنا أربع ركعات للتحيّة في كلّ ركعة يقرأ سورة الحمد مرّة وسورة الإخلاص سبع مرّات، ويسّبح في الركوع والسجود سبع مرّات، وركعتان للإمام صاحب الزمان (عليه السلام) هكذا: يقرأ الفاتحة فإذا وصل إلى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) كرّره مائة مرّة، ثم يقرؤها إلى آخرها، وهكذا يصنع في الركعة الثانية، ويسبّح في الركوع والسجود سبع مرات، فإذا أتمّ الصلاة يهلّل ويسبّح تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فإذا فرغ من التسبيح يسجد ويصلّي على النبي وآله مائة مرة، ثم قال (عليه السلام) ما هذه حكاية لفظه: (فمن صلاّها فكأنّما صلّى في البيت العتيق).
قال حسن بن مثلة: قلت في نفسي: كأنّ هذا موضع أنت تزعم أنّما هذا المسجد للإمام صاحب الزمان مشيراً إلى ذلك الفتى المتكئ على الوسائد، فأشار ذلك الفتى إليّ أن اذهب.
فرجعت فلمّا سرت بعض الطريق دعاني ثانية، وقال: إنّ في قطيع جعفر الكاشاني الرّاعي معزّاً يجب أن تشتريه، فإن أعطاك أهل القرية الثمن تشتريه وإلا فتعطي من مالك، وتجيء به إلى هذا الموضع وتذبحه الليلة الآتية، ثم تنفق يوم الأربعاء الثامن عشر من شهر رمضان المبارك لحم المعز على المرضى ومن به علّة شديدة فإنّ الله يشفي جميعهم، وذلك المعز أبلق كثير الشّعر وعليه سبع علامات سود وبيض ثلاث على جانب وأربع على جانب سود وبيض كالدّراهم.
فذهبت فأرجعوني ثالثة وقال: تقيم بهذا المكان سبعين يوماً أو سبعاً فإن حملت على السبع انطبق على ليلة القدر، وهو الثالث والعشرون وإن حملت على السبعين انطبق على الخامس والعشرين من ذي القعدة وكلاهما يوم مبارك.
قال حسن بن مثلة: فعدت حتى وصلت إلى داري ولم أزل اللّيل متفكّراً حتى أسفر الصبح فأدّيت الفريضة وجئت إلى علي بن المنذر فقصصت عليه الحال فجاء معي حتى بلغت المكان الذي ذهبوا بي إليه البارحة فقال: والله إنّ العلامة التي قال لي الإمام واحد منها أنّ هذه السلاسل والأوتاد هاهنا.
فذهبنا إلى السيد الشريف أبي الحسن الرضا، فلمّا وصلنا إلى باب داره رأينا خدّامه وغلمانه يقولون إنّ السيد أبا الحسن الرّضا ينتظرك من سحر، أنت من جمكران؟ قلت: نعم فدخلت عليه الساعة وسلّمت عليه، وخضعت فأحسن في الجواب وأكرمني، ومكّن لي في مجلسه، وسبقني قبل أن أحدّثه، وقال: يا حسن بن مثلة إنّي كنت نائماً فرأيت شخصاً يقول لي: إنّ رجلاً من جمكران يقال له حسن بن مثلة يأتيك بالغدوّ ولتصدّقن ما يقول، واعتمد على قوله، فإنّ قوله قولنا، فلا تردّن عليه قوله، فانتبهت من رقدتي وكنت أنتظرك الآن.
فقصّ عليه الحسن بن مثلة القصص مشروحاً، فأمر بالخيول لتسرج، وتخرّجوا فركبوا، فلمّا قربوا من القرية رأوا جعفر الرّاعي وله قطيع على جانب الطريق، فدخل حسن بن مثلة بين القطيع وكان ذلك المعز خلف القطيع، فأقبل المعز عادياً إلى الحسن بن مثلة، فأخذه الحسن ليعطي ثمنه الرّاعي ويأتي به فأقسم جعفر الرّاعي أنى ما رأيت هذا المعز قطّ، ولم يكن في قطيعي إلا أنّي رأيته، وكلّما أريد أن آخذه لا يمكنني، والآن جاء إليكم. فأتوا بالمعز كما أمر به السيد إلى ذلك الموضع وذبحوه.
وجاء السيد أبو الحسن الرضا رضي الله عنه إلى ذلك الموضع وأحضروا الحسن بن مسلم واستردّوا منه الغلاّت، وجاءوا بغلاّت رهق وسقفوا المسجد بالجذوع وذهب السيد أبو الحسن الرضا رضي الله عنه بالسّلاسل والأوتاد وأودعها في بيته، فكان يأتي المرضى والمعلولون ويمسّون أبدانهم بالسّلاسل فيشفيهم الله تعالى عاجلاً ويصحّون.
قال أبو الحسن محمد بن حيدر: سمعت بالاستفاضة أن السيد أبا الحسن الرّضا في المحلّة المدعوة بموسويّان من بلدة قم فمرض ـ بعد وفاته ـ ولد له فدخل بيته وفتح الصّندوق الذي فيه السّلاسل والأوتاد فلم يجدها.
هذا ما ذكر في قصّة بناء هذا المسجد، وظاهراً أنّها في اليقظة لا في المنام.
والحاصل: أنّ هذه البقعة لا تخرج عن كونها مسجداً من المساجد العامرة بالعبادة، وموطناً من مواطن الدعاء والتوسل بصاحب الزمان (عليه السلام) وردت فيها هذه الخصوصيّة وظهرت لها آثار جليلة كثيرة.
صاحـب الزمـان عليه الصلاة والسلام يـنقذ طالبا جامعيا
صاحـب الزمـان عليه الصلاة والسلام يـنقذ طالبا جامعيا فـي الإمتحان الأخيـر ويقول له: نحن وفينا بوعدنا يبقى أن تفـي بوعـدك لـناي ذكر أحد الخطباء الكرام هذه القصة إذ يقول:كنت جالساً في حافلة لأسافر إلى مدينة نائية من مدن إيران، وذلك في زمن الشاه المقبور، لم يكن على المقعد بجانبي أحد، وكنت أخشى أن يجلس عندي من لا أرغب في جواره، فيضايقني في هذا الطريق البعيد. فسألت الله تعالى في قلبي:إلهي إن كان مقدّراً أن يجلس عندي أحد، فاجعله إنساناً متديناً طيباً مؤنساً.جلس المسافرون على مقاعدهم، ولم أر من يشغل المقعد الذي بجانبي، فشكرت الله أني وحيد!ولكني فوجئت في الدقيقة الأخيرة قبل الحركة! بشاب ذي مظهر غربي وكأنه ليس من أهل ديننا ومذهبنا، فتقدم حتى جلس عندي، قلت في قلبي: يا رب أهكذا تستجيبَ الدعاء؟!تحركت السيارة ولم يتفوه أحد منا للثاني بكلمة، لأن الانطباع المأخوذ عن المعممين في أذهان مثل هؤلاء الأشخاص كان انطباعاً سيئاً، بفعل الدعايات المغرضة التي كانت تبثها أجهزة النظام الشاهنشاهي ضد علماء الدين. لذلك آثرت الصبر والسكوت وأنا جالس على أعصابي، حتى حان وقت الصلاة (أول وقت الفضيلة)، وإذا بالشاب وقف ينادي سائق الباص: قف هنا، لقد حان وقت الصلاة!فرد عليه السائق مستهزئاً وهو ينظر إليه من مرآته:اجلس، أين الصلاة وأين أنت منها، وهل يمكننا الوقوف في هذه الصحراء؟قال الشاب: قلت لك قف وإلا رميتُ بنفسي، وصنعتُ لك مشكلة بجنازتي!ما كنتُ أستوعب ما أرى وأسمع من هذا الشاب، إنه شيء في غاية العجب، فأنا كعالم دين أولى بهذا الموقف من هذا الشاب! وعدم مبادرتي إلى ذلك كان احترازاً عن الموقف العدائي الذي يكنّه بعض الناس لعلماء الدين، لذلك كنت أنتظر لأصلي في المطعم الذي تقف عنده الحافلة في الطريق.وهكذا كنت أنظر إلى صاحبي باستغراب شديد، وقد اضطر السائق إلى أن يقف على الفور، لما رأى إصرار الشاب وتهديده.فقام الشاب ونزل من الحافلة، وقمت أنا خلفه ونزلت، رأيته فتح حقيبته وأخرج قنينة ماء فتوضأ منها ثم عيّن اتجاه القبلة بالبوصلة وفرش سجادته، ووضع عليها تربة الحسين (عليه السلام) الطاهرة وأخذ يصلي بخشوع، وقدّم لي الماء فتوضأت أنا كذلك وصليت في حال من العجب!ثم صعدنا الحافلة، وسلّمتُ عليه بحرارة معتذراً إليه من برودة استقبالي له أولاً، ثم سألته: مَن أنت؟قال: إن لي قصة لا بأس أن تسمعها، لم أكن أعرف الدين ولا الصلاة وأنا الولد الوحيد لعائلتي التي دفعت كل ما تملك لأجل أن أكمل دراسة الطب في فرنسا. كانت المسافة بين سكني والجامعة التي أدرس فيها مسافة قرية إلى مدينة. ركبتُ السيارة التي كنت أستقلها يومياً إلى المدينة مع ركاب آخرين وكان الطقس بارداً جداً وأنا على موعد مع الامتحان الأخير الذي تترتب عليه نتيجة جهودي كلها. فلما وصلنا إلى منتصف الطريق تعطلت السيارة، وكان الذهاب إلى أقرب مصلّح (ميكانيك) يستغرق من الوقت ما يفوّت عليّ الحضور في الامتحانات النهائية للجامعة، لقد أرسل السائق من يأتي بما يحرك سيارته وأصبحتُ أنا في تلك الدقائق كالضائع الحيران، لا أدري أتجه يميناً أو يساراً، أم يأتيني من السماء من ينقذني، كنتُ في تلك الدقائق أتمنى لو لم تلدني أمي (وأن تشق الأرض لأخفي نفسي في جوفها)، إنها كانت أصعب دقائق تمرّ عليّ خلال حياتي وكأن الدقيقة منها سهم يُرمى نحو آمالي، وكأني أشاهد أشلاء آمالي تتناثر أمامي ولا يمكنني إنقاذها أبداً!فكلما أنظر إلى ساعتي كانت اللحظات تعتصر قلبي، فكدتُ أخرّ إلى الأرض وفجأة تذكرتً أن جدتي في إيران عندما كانت تصاب بمشكلة أو تسمع بمصيبة، تقول بكل أحاسيسها: «يا صاحب الزمان»!هنا ومن دون سابق معرفة لي بهذه الكلمة ومن تعنيه لكوني غير متديّن قلتُ وبكل ما أملك في قلبي من حبّ وذكريات عائلية: «يا صاحب زمان جدتي»! ذلك لأني لم أعرف من هو (صاحب الزمان)، فنسبته إلى جدتي على البساطة، وقلتُ: فإن أنقذتني مما أنا فيه، أعدك أن أتعلم الصلاة ثم أصليها في أول الوقت!وبينما أنا كذلك، وإذا برجل ذي هيبة نورانية حضر هناك فقال للسائق بلغة فرنسية: شغّل السيارة! فاشتغلت في المحاولة الأولى، ثم قال للسائق: أسرع بهؤلاء إلى وظائفهم ولا تتأخر، وحين مغادرته التفتَ إليّ وخاطبني بالفارسية:نحن وفينا بوعدنا، يبقى أن تفي أنت بوعدك أيضاً!فاقشعرّ له جلدي وبينما لم أستوعب الذي حصل ذهب الرجل فلم أر له أثراً.من هناك قررتُ أن أتعلم الصلاة وفاء بالوعد، بل وأصلي في أول الوقت دائماً.اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن (صلواتك عليه وعلى أبائه) في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً، برحمتك يا أرحم الراحمين.