عظم الله اجورنا وأجوركم بمصاب أبا عبدالله الحسين وال بيته الأطهار
سؤال يجيب عليه السيد الخوئي قدس سره الشريف والميرزا جواد التبريزي قدست نفسه الزكية
بالإضافة إلى أجوبة على بعض الأحكام المتعلقة بشعائر أيام عاشوراء
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
ج : هذه المسألة فقهية محضة وهي تتبع الأدلة التي يعتمد عليها كل مذهب ونحن اخترنا الأدلة التي جاءتنا من أهل بيت العصمة الذين قال الله فيهم : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } الأحزاب/33، وأما غيرنا فليشرق وليغرّب، فلا يسعنا إلا أن نذكر ما قاله مراجعنا أعلا الله مقامهم الشريف :
قال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه في كتاب الطهارة ج9ص227 :
" وبكى صلى الله عليه وآله أيضاً على جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة، وكذلك بكت الصديقة عليها السلام على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أبيها صلوات الله عليه وآله وبكى علي بن الحسين عليه السلام على شهداء الطف مدة مديدة بل عدت الصديقة الطاهرة وزين العابدين عليهما السلام من البكائين الخمسة لكثرة بكائهما، بل ورد الأمر بالبكاء عند وجدان الوجد على الميت في رواية الصيقل فراجع، نعم : ورد في حسنة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام : " كل الجزع والبكاء مكروه ما سوى الجزع والبكاء لقتل الحسين ".
وفي صراط النجاة ج3ص441 لآية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي دام ظله :
س 1266 : هل أن بكاء الزهراء عليها السلام ليلاً ونـهاراً - كما ورد في بعض الروايات - وكذلك بكاء الإمام زين العابدين عليه السلام أمر ثابت أم لا ؟!!
ج : ليس المراد ببكاء الزهراء عليها السلام ليلاً ونهاراً استيعاب البكاء لتمام أوقاتها الشريفة، بل هو كناية عن عدم اختصاصه بوقت دون آخر.
كما أن البكاء إظهاراً للرحمة والشفقة لا ينافي التسليم لقضاء الله وقدره، والصبر عند المصيبة، فقد بكى النبي يعقوب عليه السلام على فراق ولده يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن، كما ذكر في القرآن، مع كونه نبياً معصوماً.
وبكاء الزهراء عليه السلام على أبيها كما كان أمراً وجدانياً لفراق أبيها المصطفى صلى الله عليه وآله فقد كان إظهاراً لمظلوميتها ومظلومية بعلها عليهما السلام وتنبيها على غصب حق أمير المؤمنين عليه السلام في الخلافة، وحزناً على المسلمين من انقلاب جملة منهم على أعقابهم، كما ذكر في الآية المباركة في : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن ذ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } آل عمران/144. بحيث ذهبت أتعاب الرسول صلى الله عليه وآله في تربية بعض المسلمين سدى.
كما أن البكاء على الحسين عليه السلام من شعائر الله، لأنه إظهار للحق الذي من أجله ضحى الحسين عليه السلام بنفسه، وإنكار للباطل الذي أظهره بنو أمية، ولذلك بكى زين العابدين عليه السلام على أبيه مدة طويلة، إظهارا لمظلومية الحسين عليه السلام وانتصاراً لأهدافه. ولا يخفى أن بكاء الزهراء وزين العابدين عليهما السلام فترة طويلة من المسلمات عند الشيعة الإمامية.
س 1267 : يحرم اللطم على الإمام الحسين عليه السلام إذا كان عنيفا يؤدي لا دماء الصدر أو الألم الشديد لأنه ليس أسلوباً حضارياً، ويسبب ضرراً للجسد، وكل إضرار بالجسم حرام، ما رأيكم بذلك ؟!!..
ج : اللطم وإن كان من الشديد حزناً على الحسين عليه السلام من الشعائر المستحبة، لدخوله تحت عنوان الجزع، الذي دلت النصوص المعتبرة على رجحانه، ولو أدى بعض الأحيان إلى الإدماء، واسوداد الصدر. ولا دليل على حرمة كل إضرار بالجسد، ما لم يصل إلى حد الجناية على النفس بحيث يعد ظلماً لها، كما أن كون طريقة العزاء حضارية أو لا، ليس مناطاً للحرمة والإباحة، ولا قيمة له في مقام الاستدلال، والله العالم.
س 1268 : هل ترون أنه من الداعي إثارة مصيبة كربلاء بين الناس بشكل عنيف وحماسي أم لا ؟!!..
ج : البكاء الشديد والإبكاء المثير من الأمور المستحبة، التي دلت على رجحانها النصوص الكثيرة، ففي الوسائل باب 66 من أبواب المزار روايات كثيرة في استحباب ذلك، ومنها صحيح معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام أنه قال لشيخ : أين أنت عن قبر جدي المظلوم الحسين ؟!!.. قال : إني لقريب منه، قال عليه السلام : كيف آتيانك له، قال : إني لأتيه وأكثر، قال : ذاك دم يطلب الله تعالى به، ثم قال : كل الجزع والبكاء مكروه ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين عليه السلام، والله العالم ".
أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال، فكلام غريب جداً ..!! فهل يقصد أن الذي يبكى عليه ويحزن لفقده يجب أن يكون من أهل النار والشقاوة ..!! حتى يقال إن الحسين عليه السلام شهيد سعيد فلماذا نبكي ؟!! إن هذه الأفكار لا تصدر إلا عن حزب يزيد بن معاوية لعنهما الله الذين يتضايقون من بكاء المؤمنين على الحسين عليه السلام، وهو مؤشر وجداني على أنـهم يكرهون ذكر المظلوم !!
فاحذر أخينا في الله من الانجرار لهذا الإحساس لأنه شيئا فشيئا سيجعلك تبغض ذكر الحسين عليه السلام ثم تنتقل لا شعورياً لبغض الحسين نفسه والعياذ بالله.
ونجيبك بفعل النبي صلى الله عليه وآله نفسه، ألم يكن يعلم أن حمزة عليه السلام شهيد سعيد ؟!!.. فلماذا بكى عليه ؟!!.. وكذا جعفر الطيار عليه السلام أم يبكي عليه ؟!!.. ألم يبكي النبي صلى الله عليه وآله على مقتل الحسين عليه السلام حين ولادته عندما أخبره جبريل عليه السلام بما ستجني عليه هذه الأمة !!
مصنف ابن أبي شيبة ج : 7 ص477
" قالت أم سلمة دخل الحسين على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا جالسة على فرأيت في كف النبي صلى الله عليه وسلم شيئا يقلبه وهو نائم على بطنه فقلت يا رسول الله تطلعت فرأيتك تقلب شيئاً في كفك والصبي نائم على بطنك ودموعك تسيل فقال : إن جبريل أتاني بالتربة التي يقتل عليها وأخبرني أن أمتي يقتلونه ".
" عن عبد الله بن يحيى الحضرمي عن أبيه أنه سافر مع علي وكان صاحب مطهرته حتى حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى : صبراً أبا عبد الله صبراً أبا عبد الله. فقلت : ماذا أبا عبد الله ؟!!.. قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعيناه تفيضان قال قلت : يا رسول الله ما لعينيك تفيضان أغضبك أحد قال صلى الله عليه وآله : قام من عندي جبريل فأخبرني أن الحسين يقتل بشط الفرات فلم أملك عيني أن فاضتاً ".
ونحن من رسول الله صلى الله عليه وآله عند ذكر الحسين عليه السلام ومصيبته لا نملك أعيننا أن تفيض بالدمع حزنا عليه.
فالسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين