كان بودي أصرخ ... لأني ما عدت قادرة أتحمل ... حرام عليكم ...
أشوف سلطان قدامي متحطم ... و أظل صامدة و جامدة ؟
تبوني أعالج بنته و هي عندها أخبث الأمراض و ألعنها ... و أشوفه كل يوم يتعذب معها ...
ما اقدر ... ما أقدر ... ما أقدر ...
اللي اسعفني به لساني ذيك اللحظة كان ...
- لأني باخذ أجازة فترة ...
و كان جواب مقنع ...
سلطان ... قال ...
- توصوا فيها يا قمره أرجوك .. و إذا فيه أي علاج أفضل بأي مكان بالعالم قولوا لنا عنه ...
مسكت اللي باقي من قلبي بصدري ... و قلت ...
- العلاج هنا أو بأي مكان هو نفسه ... ما يحتاج توصية ... هذا واجبنا ...
.........................
بعدما طلع سلطان ... انهار القناع اللي كانت قمر مخبية شعورها الحقيقي خلفه ...
رمت راسها على طاولة المكتب و تنهدت ...
جيت لعندها ...
- قمر ؟؟؟
رفعت راسها و طالعتني ....
- فيه شي ما تبين تقولينه لنا ...؟؟
- إش أخبي ؟ أنت عارفة إش المرض ذا ...
- ليه حولتيها لدكتور ثاني ...؟؟؟
- لأني ... لأني ...
... لأني ما استحمل يا شوق ... ما استحمل ....
تأكدت من أن الدكتورة قمر هي قمر زمان ... و أن قلب الدكتورة قمر ... هو قلب قمر زمان ...
و أن وجود سلطان و قمر في حياة بعضهم البعض ... رح يفتح جروح الماضي و يسبب جروح جديدة ...
لازم الدكتور هيثم هو اللي يتولى العلاج ... و نسد أي باب ممكن يفتح علينا طرق للورا ...
...........................
يوم ثاني ... مريت على البنت بالعناية و شفت أوضاعها متحسنة ... و اقترحت على الدكتور هيثم يطلعها من العناية ، و خلال الكم يوم اللي تلوا ... كنت أجي كل يوم اتطمن عليها بنفسي ...
و اتطمن ... على ... سلطان ....
طلعت بنت سلطان من المستشفى بعد كم يوم ... و جتني في موعدها بالعيادة بعد ها بفترة ، مع أبوها و أمها ...
كانت حالتها طيبة و طمنت أهلها عليها ...
سلطان فاجأني ... و قال أنه يبي يتابع عندي لأني بديت العلاج معها من البداية ...
وبس انا صرت .. أتابع الحالة من بعيد ... مع الدكتور هيثم ...
حالة البنت تحسنت كثير ... و آخر مرة جتني بالعيادة كانت مليانة حيوية و نشاط و مرح .. و أبوها يراقبها
بكل سرور ... و أنا أراقبه هو ... بكل راحة ...
و مرت مدة ... و البنت بين انتكاس و تحسن ... و أهلها بين الرجاء و الخوف ... بين الأمل و اليأس ...
... بين الحياة و الموت ...
أخذت أجازة كم يوم عشان زواج أخوي ثامر ... ريحت فيها و انبسطت ، بس ظل بالي مشغول ... إلى حد ما ....
بعد العرس بكم ليلة ... زارتنا أم الدكتور هيثم و أخته ... يخطبوني لولدهم ... !
طبعا بالنسبة لي كانت مفاجأة الموسم ، اللي ضحكت منها ضحك ما ضحكته من زمن ... لكن أمي أخذت الموضوع بكل جدية ... و طلبت من أخوالي يسألون عليه !
أنا أصلا حاذفة هذا الموضوع من حياتي نهائيا ... ما أدري وش بلاه الدكتور هيثم ؟
عاد ما لقى غيري ؟ و بعدين وش فيها زوجته الأولى عشان يفكر يتزوج غيرها ؟؟
بصراحة تجاهلت الموضوع ، و رجعت للعمل و لا كأن شي صاير ....
اللي صدمني ، هو أن الخبر كان منتشر بالمستشفى ... و صار الكل يعرف أنه الدكتور هيثم متقدم لي ...
وضع أزعجني بالمرة ... و صار التجاهل ما ينفع ...
تنومت هبه مرة ثانية عشان تبدأ المرحلة الثانية من العلاج ، و في هالمرة رافقها أبوها ، الظاهر أن أمها
ما قدرت تاخذ أجازة من عملها ...
جينا نمر عليهم الصباح ، و شفت سلطان ... كان وجهه مستبشر خير و معنوياته مرتفعة ... لأن بنته
كانت بحالة ممتازة ...
كل يوم أمر على البنت ..
كل يوم أشوف سلطان ... و أتكلم معه ...
كل يوم .. قلبي يتعلق به ... أكثر و أكثر ...
كل يوم أنا أنجن ... و أدري أني في خطأ كبير ... بس ... ما أقدر أبتعد ...
رغم أن الكلام اللي كان بيننا ... ما يتعدى كلام طبيبة و والد مريضة ... بس كنت ... أحس بانتعاش بقلبي ...
و أرتاح كل ما شفته و سمعته ...
أما الدكتور هيثم ، عاملته بشكل عادي جدا ... و هو بعد ما حاول يخرج عن النطاق المألوف ...
يوم من الأيام ، رجعت البيت و شفت أمي تنتظرني ...
حاصرتني بموضوع الزواج و أنا رفضته نهائيا ... و طلبت منها تتصل عليهم و تبلغهم الرد ...
و الظاهر أنها ما اقتنعت ، و بدل من كذا اتصلت على صديقتي سلمى و اقنعتها أنها تتكلم معي ... و تحاول فيني ...
- فيه شيء مو بزين ؟
- لا يا سلمى مو رفضي للرجال نفسه ، إنما للزواج ذاته ...
- اعتقد يا قمر إنها فرصة ممتازة ... طبيب يشتغل معك ... و ما به شي ينعاب ...
رح تقضي حياتك بس ... بين العمل و ولدك بدر ؟
بكرة يكبر و يتزوج و ينشغل عنك و تصيري وحيدة ...
سلمى لفتت انتباهي لشي ... ما كنت أفكر فيه من قبل ...
أن بدر ... في يوم من الأيام رح يتزوج و يرتبط بانسانة غيري ... تصير عنده الأهم ...
صحيح الكلام هذا تو الناس عليه ، و هو لسا بالمتوسطة ... لكن ....
سمحت لنفسي أنها تاخذ فرصة قصيرة للتفكير ... يمكن يكون كلامها صحيح ... ؟
......................
كنت بالمستشفى ، في الصباح ... و كالعادة مرينا أنا و الدكتور هيثم و بقية الفريق على مرضانا ...
و من ضمنهم ... هبه ...
الصغيرة تعودت علي و تعودت عليها ... و المرات اللي تكون فيها بصحة زينة تكون في قمة المرح و خفة الدم ...
يوم جينا نطلع ... ناداني سلطان ...
- دكتورة لحظة لو سمحت ِ ...
البقية طلعوا ... و رجعت أنا للداخل و سألته ...
- خير ؟؟
بدا لي متردد ... بس اتخذ القرار ، و سألني فجأة :
- صحيح ... بتتزوجين الدكتور هيثم ؟
تفاجأت ... ذهلت ... اندهشت بكل معني الكلمة ! ...
كان هذا آخر سؤال أتوقعه من سلطان ...
ما رديت ... فقال :
- الخبر صحيح إذن ؟
- ... كيف وصلك ؟
- مو مهم ...
- ليش تسأل ؟
- صحيح أو لا ؟ بس أبيك تقولين لي ؟
- ... نعم ... صحيح ....
قلتها ، ما ادري كيف ، و استأذنت و طلعت بسرعة ...
اللي قاهرني ... أن الخبر انتشر في المستشفى ما اعرف من أي مصدر ...و هو حتى للآن بعده ما صار ....
مر يوم الأجازة ... و ما أحد تجرأ و تكلم معي في أي موضوع ... و هذا اللي كنت أنا أبيه ...
يوم ضيعت فصوص مسبحة سلطان الفضية ، بغت روحي تضيع معهم ...
هذه آخر ما بقى لي منك يا العسل ...
و إذا ظلوا معي ... ما بتطلع من بالي ...
لازم أتخلص منهم !
لازم أتخلص من كل ذكراك ، و أي شي يذكرني بك ، و أي شي له علاقة بك ... و للأبد ...
اليوم بارجع للعمل ... و أبدأ صفحة جديدة ... و انسى نهائيا وجود مخلوق اسمه سلطان على وجه الأرض ...
بنت سلطان ... لا عاد أسأل عنها و لا أهتم لها و لا تجيني على بال بعد الآن .
اتصل علي سلطان قبل نهاية الدوام ... عرفت أنه موجود مع بنته ... أكيد كان يبي يعرف ردي على طلب
الزواج ... انهيت المكالمة في ثواني بكلمة : ( أنا مشغولة )
كلمة غصبت لساني أنه يقولها قهر ... و كانت هذه هذه بداية النجاح ...
مر اليوم بسلام ...
تجاهلت كل الناس حتى ولدي بدر ...
ما تكلمت معه هذا اليوم ...
في اليوم الثاني تجرأ بدر أخيرا و سألني :
- يمه أنت رح تتزوجين بو نواف ؟
و للمرة الثانية بحياتي - عقب البارحة - صرخت بعنف بوجه ولدي و قلت له :
- إياك تتجرأ و تتكلم في ذا الموضوع مرة ثانية .. فاهم ؟
ولدي من علامات الذهول اللي طلعت على وجهه عرفت أنه مصدوم ... و قال يتأتىء :
-يمه أنا ...
قاطعته ، و بنفس العنف قلت له :
- بدر ... ارجع غرفتك الحين .
الولد فجأة انفجر :
- زين يمه أنا باطلع من غرفتك الحين لكن لو تتزوجينه ما عاد تشوفيني مرة ثانية .
قالها بسرعة و طلع بسرعة ...
و بنفس السرعة ... قفزت دموعي من عيوني ...
خلاص ... ما عاد أفكر فيه ... إش تبون أكثر ... خلوني أرتاح ...
في الليل ... جتني أمي الغرفة ... و قالت :
- بو نواف اتصل يسأل ...
الدنيا كلها انتفضت قدامي ... و بهلع و بصوت شبه معدوم قلت :
- وش قلتوا له ؟
أمي كأنها ترددت شوي ، لكن نظراتي حاصرتها ... و قالت مستسلمة :
-ما فيه نصيب ...
ما قدرت ...
و الله ما قدرت ...
ما حسيت الا و بنفسي مرتمية على أمي و اتأوه ...
آه ..
- يمه ... آه ...
أي كلمة بتنقال .. ما كانت بتعطي أي مقدار من المواساه ... اللي خلانا ساكتين ... و مستسلمين لبقاياالدموع ... و الآهات ...
[ القمر يقول لك : الوداع ]
جملة مكتوبة على قصاصة الورق اللي مع الفص الـ واحد و ثلاثين ... اللي بعثته لسلطان ... في الصباح ...
بعدها بدقايق ... رن التهاتف .. و استنتجت أنه سلطان ...
تجاهلته ... مرة و مرتين و خمس ...
ما كنت أبي أسمع صوته و لا تعليقه ... سكت التلفون أخيرا ... و ظل ساكت فترة تؤكد أنه قطع الرجاء ...
تنهدت بقوة ... باسترخاء ... انقطع الأمل ... و ارتحنا اخيرا ...
سلطان ...
ما عاد أعرفك بعد اليوم ...
انتبهت من أفكاري على طرق على باب الغرفة ...
قبل ما أجاوب ...
كان هو واقف قدامي ... بشحمه و لحمه ... مو بس في الخيال !
انتفضت ... ما قدرت اوقف ... دققت فيه كأني أبي اتأكد ... حقيقة و إلا خيال ؟؟؟
أنا كثير ... كثير اللي اتخيل العسل قدامي ... و لا أدري ... هالمرة حقيقة و الا وهم ؟؟
- صباح الخير ... قمره ...
دخت ... تبعثرت ... تشتتت ... اعتقد أن الكلمة اللي المفروض يرودن بها ( صباح النور ) ... بس كأني سمعت لساني يقول :
- و عليكم السلام !
ما ادري ... مو متأكدة ... !
- كيف أحوالك ؟
أحوالي ؟ تسأل عن أحوالي يا سلطان ؟يعني ما تشوف ؟ ليش بعد تسأل ؟؟
- الحمد لله
- مشغولة ؟ أو ممكن آخذ كم دقيقة من وقتك ؟
بلعت ريقي ... حبالي الصوتية جفت وانقطعت و ما عادت تقدر ترد ... صوتي مبحوح ... مرت ثواني ما قلت فيها أي شي ...
- دقايق بس ... رجاءا ؟
أكد علي مرة ثانية ... قلت أخيرا :
- خير ؟
اقترب سلطان ... و مع كل خطوة يمشيها تزيد نبضات قلبي عشر ... و ترتفع حرارتي درجة ... و تتسارع انفاسي أكثر و أكثر ... لين جلس على الكرسي اللي قدام طاولة المكتب مباشرة ...
حمدت ربي في داخلي ، بس رثيت لحال أخوي و هو ضايق الصدر ...
بغيت أقول له أي كلمة مواساة ... قلت :
- نصيب !
و كأني قلت شي محظور أو كلمة سب أو شتم !
لأن أخوي بس سمعها ثار علي و صرخ :
-نصيب ؟ أي نصيب ؟؟
الدكتور هيثم ؟
هذا نصيبها ؟ هي نصيبه ؟ و الله ما يستاهلها ...
- سلطان !
-و لا حتى بسام ... ما كان يستاهلها ...
طالعت بأخوي و أنا مصعوقة بكلامه .. أكيد جن !؟ اللي أكد لي كذا الكلام اللي قاله لي تكمله :
- شوق ... شوق أبيك تكلميها ...
- نعم أخوي ؟؟؟ كأني سمعت غلط ؟
- سمعت زين يا شوق ... اعرفي منها ليه ردتني ؟ عشان الدكتور سبقني و الا إيش السبب . هي ناوية تتزوجه و إلا إش الموضوع ؟
هالامرة انا اللي ثرت بوجه سلطان و قلت :
- لا أبدا ..
و لا أسألها و لا لي دخل أصلا بالموضع ... سلطان طلعني نهائيا برى جنونك هذا
كأني كنت قاسة بزيادة ؟ لأنه أخوي شكله زعل ... و طالعني بنظره خيبة أمل ...
و من غير ما يقول أي شي عطاني ظهره و طلع ...
و النهاية مع ها القصة ؟؟ ما خلصنا ... ؟؟؟
في اليوم نفسه شفت منال و انفتحت سيرة الموضوع و طبعا كانت مرتاحة لأنه انتهى على خير ...
لكن ... و أنا أتذكر نظرة أخوي الأخيرة ... أكاد أجزم ... أن الموضوع لسه فيه مفاجآت ثانية ...
و انتوا موعودين !!
............................
مريت على مرضاي بالمستشفى في الصباح ... كنت أطلع من غرفة و أدخل غرفة لين وصلت عند غرفة هبه ...
وقفت أناظر في الباب ... و أتذكر وجه منال و هي تطردني منها ...
كان ودي أدخل أشوف الصغيرة و أسلم عليها ، بس ...
يا ترى ... أبوها اللي معها و إلا أمها ...؟؟
ليت الجدران كانت شفافة !
بعد ما خلصت ، جلست عند مقر الممرضات أسجل بعض المعلومات بالكمبيوتر ، و جا الدكتور هيثم و صار يقرأ بعض التقارير اللي بإيده . سألته عن حالة هبه ، و قال أنها مثل أول ، بين تحسن و انتكاس .
شوي ، إلا سلطان طالع من غرفة هبه ، و جاي صوبنا ... و تصادمت نظراتنا
بس طاحت عينه علي تكهرب جسمي و انطلقت دقات قلبي بدون فرامل ... !
بسرعة نزلت عيني على الأرض عشان تصطدم بها ... يمكن يكون حادث أهون ؟
سلطان سلم ، و بعدها سأل الدكتور هيثم عن آخر التقارير و نتائج الفحوصات لهبه ...
الدكتور هيثم عطاه بعض المعلومات المختصرة ، فشكره .. و رد رجع الغرفة ، و عيوني معاه ...
سلطان ترك باب الغرفة مفتوح ، اللي يسمح لنا نشوف داخلها ... و يسمح له يشوف براها
حاولت أركز نظري على شاشة الكمبيوتر اللي قدامي ، بس ... نظرات بدون فرامل ، وش لون أتحكم فيها ؟؟
أنا جالسة هنا ، بس عقلي هناك ، مع سلطان داخل الغرفة ... أشوفه و هو يلاعب بنته مرة ، يشيلها على ذراعينه مرة ، و يحطها على رجلينه مرة ... يحضنها مرة ... و يقبلها مرة ... يمسح على شعرها مرة ، و تمسح هي على شعره و تطوق عنقه بذراعيها الصغار ... مرة أخرى ...
آه يا هبه ...
يا حظك !
يا ليتني أقدر أقترب منه مثلك ...
يا ليتني أتحول إلى هبه لو دقيقة وحدة ... !
كثير علي دقيقة وحدة بس ، أتحول فيها إلى شيء قريب قريب من قلب العسل ... ؟
آه يا العسل ...
انتبهت من شرودي على صوت الدكتور هيثم و هو يقول :
- متعلق ببنته كثير ذا الرجال !
التفت صوبه ، و عرفت أنه كان يراقبني و أنا أراقب سلطان و بنته ، و حسيت بخجل ...
- نعم ... الله يخليهم لبعض !
-و يخلي لك ولدك و يخليك له ، و لنا كلنا .
لحظتها دق المنبه براسي بقوة و خلاني أصحصح أكثر و أكثر ... الدكتور هيثم يقصد شي من جملته ذي !
ما لف و لا دار ، يوم شافني طالعت به فجأة بتركيز ، قال مباشرة :
- فكرت ِ مرة ثانية بموضوعنا ؟
هذا الفاضي على عمره بعد !
أي موضوع و أي تفكير ... و الله مو بداري بالدنيا و خاش عرض ! ودي أقول له كلمة قوية تخليه ينسى انه طرح الموضوع أصلا !
أرد العسل عشان أتزوجك أنت ؟
لا شعوريا قفزت عيني صوب سلطان ، كأني أبي أقارن بينهم !
و تكهربت مرة ثانية يوم تفاجات بعيونه تطالع فيني و بحدّه !
رديت نزعت أنظاري من عينه غصب ... و جبتها لعند الدكتور هيثم ، و فتشت عن الكلمة القوية بس ما لقيتها ...
سلطان ظل يطالعني !
أنا متأكدة أنه يطالعني ...
حتى و هو بعيد ، حاسة بنظراته جاية علي ... مثل الشمس ، تعشي عينك و تحرق جلدك و تحس بحرارتها و هي أبعد ما يكون ....
-ما فيه نصيب ...
هذه أقوى كلمة حصلتها ذيك لحظة ... و أنا مرتبكة و حالتي حالة ، الدكتور هيثم ابتسم و قال :
- اللي به خير الله يسويه ...
هو على باله إني مرتبكة بسببه هو ! و جملته توحي بأنه لسه ما قطع الرجاء !
رفعت عيني له أبي أقول له ( الموضوع منتهي خلاص ) ، بس قبل ما أتكلم وصلني صوت نساني وش كنت أبي أقول !
صارت عصبية ... كل شي بصراخ ... و دوم منعزلة بغرفتها و لا ودها تكلم أحد...
و بعد ... كأنها تعبانة أو مريضة ... حتى صارت ما تهتم فيني مثل أول
جدتي كانت خايفة عليها كثير و كانت نظراتها لي ما تخلو من اللوم تحسسني بأني السبب اللي خلــّـى أمي تتعب ...
عشان ... عارضت أنها تتزوج بو نواف ...
بو نواف ...
ما شفته بحياتي غير مرة وحدة ... بس صورته انطبعت ببالي ، و بعد فترة عرفت نواف و التقيت به معي بنفس المدرسة ، يسبقني بسنة وحدة و كثير يقولون عنه مغرور و شايف حاله !
و عرفت أنه ولد أبوه الوحيد ... و أبوه من أثرى و أرقى الشخصيات في البلد !
يا حظه ...
أبوه عاش ... و أبوي أنا ميت ...
......................
أخوي سلطان كان تعبان ... من يوم ما ردته قمر وهو حالته تسوء كل مرة أشوفه فيها عن اللي قبلها ...
حتى و هو مع بنته ما أحسه يرتاح ...
و ياسر ... كان يقول لي :
- ( الرجال قاعد يضيع بين يدينا ! )
كلامه يخوفني كثير ... أخوي بالفعل ... كان منتهي ...
يعني لو قمر قبلت عرضه ... كان ممكن حالته تتحسن شوي ؟
كان وقت الزيارة و كنا بغرفة هبة و البنت اليوم تعبانة أكثر من أمس
جا الطبيب و عاينها و ما ارتاح لوضعها و أمر أنها تنقل لغرفة العناية المركزة
أخوي بس سمع كذا فزع ...
-البنت فيها شي جديد ؟
سأل أخوي الطبيب ، و رد عليه :
- وضعها متدهور نوعا ما و لازم أنقلها للعناية المركزة احتياطا ...
أخوي شال بنته على ذراعه و ضمها لصدره بقوة و ضعف في نفس الوقت ... بخوف و رجاء ... بأمل و يأس ... بحرقة و مرارة ...
كانت هبه نصف واعية و تئن ... و تتنفس بشكل مو طبيعي ...
انتكاسة شديدة ... و الله يعين ...
دقايق و كنا مع البنت في العناية المركزة ... عملوا لها تحاليل جت كلها محبطة ...
و قرر الطبيب يحطها على جهاز التنفس الإصطناعي ...
منال بدت تولول و تنحب ... و أنا ما أدري ... أواسيها و الا أنحب معها ؟؟
أخوي جلس عند هبة و مسك يدها و هي فاقدة الوعي ...
طلب منا الطبيب أنا نطلع عشان ما نربك المكان ... أخوي ما تحرك و احنا ظلينا رايحين جايين على الغرفة ...
اللي جابني المستشفى اليوم هو أني كنت أبي أقدم أوراق طلب أجازة
كنت تعبانة و ما فيني أشتغل ... و الصداع ملازمني طول الوقت و ضغطي مرتفع ...
قدمت الطلب و ظليت بمكتبي أخلص بعض شغلاتي ...
و على العصر مرتني سلمى و جلسنا نسولف شوي ...
قلت لها عن آخر التطورات اللي صارت ...
سمحت لنفسي ... بلا شعور ... أني أبكي في حضنها ... لحظة نسيت فيها كل شيء ...
و استسلمت لمشاعري بضعف ...
كم و كم من الأمور مرت ببالي ... لحظتها حسيت أنه براسي قنبلة شوي و تنفجر ....
سلمى ... بعد شوي غيرت الموضوع ... تبي تخلصني من الحالة اللي كنت فيها ... و سألت :
- متى ماشية ؟
- الحين ... و انت ِ ؟
- و الله عندي مريض تعبان كثير بالعناية المركزة و احتاج انعاش ثلاث مرات من الصباح ... بامر عليه قبل ما أطلع ...
و في نفس اللحظة ، جاء النداء العام الحرج للعناية المركزة ...
- و هذه المرة الرابعة !
قالت سلمى و قامت بسرعة و قمت معها و رحنا على طول للعناية المركزة نشوف مريضها المتدهور ....
أكوام من الممرضات و الأطباء متكدسة عند سرير واحد من المرضى ... انا كنت أطالع صوبهم ، لكن سلمى
لفت صوب سرير ثاني ...
طالعت بسلمى و بالمريض اللي راحت صوبه ، و بعدها التفت مرة ثانية لكتلة الممرضات و الأطباء ...
إيش شفت ... ؟؟
سلطان .... !!!
.......................
كان عندي مريض بالعناية المركزة يحتضر ... حالته متدهورة و نتوقع موته في أي لحظة ...
توقف قلبه ثلاث مرات في الصباح ... و في العصر ، لما كنت بمكتب قمر سمعنا النداء الحرج و على طول جا ببالي أنه مريضي توقف قلبه مرة رابعة ...
جينا نسرع للعناية المركزة و أول ما دخلنا شفنا الممرضات و معهم طبيبين أو ثلاثة متجمعين عند سرير مريض ثاني ... غير مريضي ...
رحت أنا لمريضي ألقي نظرة على آخر تسجيلات علاماته الحيوية و تحاليله قبل ما أطلع البيت و أتركه في رعاية الطبيب المناوب ...
بصراحة ما التفت في البداية للمريض الثاني و كان معه أطباءه و الدنيا زحمة
بس التفت لقمر ... اللي وقفت هناك قرب السرير الثاني ...
سمعت صراخ و صراخ و صراخ ....
شي لفت انتباهي ... هذا صوت سلطان ! و هذا صوت شوق ...
جيت بسرعة لعند قمر ... كانت واقفة مثل التمثال ما يتحرك فيها الا عيونها ...
سلطان يصرخ :
-بسرعة يا دكتور ...
و الدكتور يصرخ :
-أطلعوا برى لو سمحتوا لا تربكونا
منال تصرخ من جهة ، و شوق تصرخ من جهة ...
- ( البنت ماتت لحقوا عليها )
فوضى ... ربكة ... تشوش ... زحمة ...
وضع تعودنا نشوفه بحكم عملنا بالمستشفى ... بس الصورة صايرة مشوشة أكثر ... الدنيا ملخبطة فوق تحت ...
مسكت يد قمر ... بغيتها تمشي معي نطلع برى ... بس دون ما تطالع فيني سحبت يدها و عينها معلقة على
( المشهد ) ... على كل حركة ...
على مؤشرات الأجهزة ... على سلطان ...
أربعين دقيقة مرت ... من الإنعاش المستمر ... و الأطباء يتناوبوا العملية ... و العرق يتصبب منهم ...
الجو حار ... حار ... كل شي حار ... كل شي أحمر ... مثل عيون سلطان ومنال ... و شوق و قمر ...
مثل الدم اللي لطخ أنبوب التنفس متفجر من رئة البنت المنكوبة ...
أربعين دقيقة ... هي مدة أكثر من كافية ... عشان يقرر الطبيب أنه يوقف الإنعاش ... و يسجل لحظة نزع الروح الأخيرة ... و موت الطفلة ...
رفع الفريق الطبي أياديهم عن المريضة ... اعلانا للنهاية ...
سلطان طالع بالطبيب و صرخ :
- ليش وقفت ؟
الطبيب هز راسه ...
شوق صرخت ...
- لااااااااااااااا ....
و صراخ بعد صراخ و اندوت الغرفة بصراخات الكل ...
هبة ماتت قدّام عيونا كلنا ... كنت أبي أطلع ... بس ما قدرت ...
سلطان ... رفع بنته لصدره و هو يصرخ :
- هبه ... ردي علي ...
ما قدرت أتحمل أشوف أكثر من كذا ... رحت لشوق و حضنتها بقوة
و هي تصرخ :
- هبة ماتت ؟ ما أصدق ...
الطبيب و الممرضات يحاولوا يهدوا الوضع ... يحاولوا يطلعونا برى
سلطان ... حاضن بنته عند قلبه و متمسك بها بقوة ... و منال تهز فيه
-خلني أشوفها ... ما ماتت ... هبة ردي علي ...
الضجة اللي صارت هالمرة و التفتنا كلنا صوبها كانت جاية من جهة قمر
قمر ... طاحت من طولها مغمى عليها ...