وصايا الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام في أهل البيت عليهم السلام
قال الإمام الرضا عليه السلام : رحم الله عبداً أحيا أمرنا فقيل وكيف يحي أمركم ؟ قال : يتعلم علومنا ، ويعلمها الناس فإن الناس لو عَلِمُوا محاسن كلامنا ، لأتبعونا
-------------------------
قال عبد العزيز بن مسلم : كنا مع الرضا عليه السلام بمروٍ فاجتمعنا في المسجد الجامع بها ، فأراد الناس بينهم أمر الإمامة ، فذكروا كثرة الإختلاف فيها ، فدخلت على سيدي ومولاي الرضا عليه السلام فأعلمته بما خاض الناس فيه ، فبتسم عليه السلام ثم قال :
يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن أديانهم ، إن الله عز وجل لم يقبض نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تِبيانُ كل شيءٍ وبيَّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس جُملاً فقال تعالى : { ما فرَّطْنا في الكتاب من شيئ } وأنزل عليه في حجة الوداع وهو آخر عُمرِه { اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } وأمر الإمامة من كمال الدين ولم يمض - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى بيَّن لأُمته معالم دينه وأوضح لهم سُبُلَهم وتركهم على قصد الحق وأقام لهم عليّاً عليه السلام عَلَماً وإماماً ، وما ترك شيئاً مما تحتاج إليه الأمة إلا وقد بيَّنه ، فمن زعم أن الله لم يَكُمل دينَه فقد ردَّ كِتابَ الله فقد كفر ، هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة ، فيجوز
وقال عليه السلام : إن الإمامة خصَّ الله بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة والخُلَّةِ مرتبةً ثالثةٌ وفضيلةً شرَّفه بها وأشاد بها وذكره ، فقال جل وعز { وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلماتٍ فأتمَّهُنَّ ، قال إني جاعلك للناس إماماً} قال الخليل سروراً بها { ومن ذُريتي ، قال لا ينال عهدي الظالمين} فأبطلت هذه الآية إمامه كل ظالمٍ إلى يوم القيامة وصارت في الصَّفوَة ، ثم أكرَمها الله بأن جعلها في ذُرّيةِ أهل الصفوة والطهارة فقال تعالى { ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلةَ وكُلاً جلعنا صالحين وجعلناهم أئِمةً يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلوة وإيتاء الزكوة وكانوا لنا عابدين } فلم تزل تَرِثُها ذريتهُ عليهم السلام بعضٌ عن بعضٍ قَرناً فقرناً حتى ورثها النبي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال الله { إن أَولَى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا} فكانت خاصَّةً فقلَّدها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - علياً عليه السلام ، فصارت في ذريته الأصفياء الذين أتاهم العلم والإيمان وذلك قوله { وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلون} على رَسمِ ما جرى وما فرضه الله في وُلدِهِ إلى يوم القيامة إذ لا نبيَّ بعد محمد -صلى الله عليه وآله وسلم - فَمِن أينَ يختاروه هؤلاء الجُهالُ الإمامَة بآرائِهم
وقال عليه السلام : إن الإمامة منَزِلَهُ الأنبياء وإرث الأوصياء ، وقال عليه السلام الإمامة خلافةُ الله وخلافةُ رَسُولهِ صلى الله عليه وآله وسلم - ومقام أمير الؤمنين علي عليه السلام وخلافَةُ الحسن والحسين عليهم السلام
وقال عليه السلام : إن الإمامة زمامُ الدّين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعِزُّ المؤمنين . الإمام أُسُّ الإسلام النامي وفرعه السامي ، بالإمام تَمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيئ والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف
الإمام يحلل حلال الله ويحرم حرامه ويُقيمُ حدود الله ويُذبُّ عن دين الله ويدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة
وقال عليه السلام : الإمام أمين الله في أرضه وخلقه وحجته على عباده وخليفته في بلاده والداعي إلى الله والذّابُّ عن حريم الله
الإمام مطهرٌ من الذنوب مُبَرَّءٌ من العيوب ، مخصوصٌ بالعلم ، مَوسومٌ بالحلم ، نظام الدين وعزُّ المسلمين وغيظُ المنافقين وبَوارُ الكافرين
--------------------------
قال عليه السلام يوماً في مجلس الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة فسئله بعضهم ،
فقال له :يا بن رسول الله بأي شيئ تصح الإمامة لمدَّعيها ؟
قال : بالنّصِ والدليل ،
قال له : فدلاله الإمام ماهي ؟
قال : العلم وإستجابة الدعوة ،
قال : فما وجه إخباركم بما يكون ؟
قال : ذلك العهد معهود إلينا من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم
قال: فما وجه إخباركم بما في قلوب الناس
قال عليه السلام له : أما بلغك قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - إتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله وما من مؤمن إلا له فراسة ينظر بنور الله على قدر إيمانه ومبلغ إستبصاره وعلمه وقد جمع الله في الأئمة منا ما فرَّقه في جميع المؤمنين وقال عز وجل { إنَّ في ذلك لآيات للمتوسمين } فأول المتوسمين رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من بعده ثم الحسن والحسين والأئمه من ولد الحسين عليهم السلام إلى يوم القيامة
قال فنظر إليه المأمون فقال له : يا أبا الحسن زدنا مما جعل الله لكم أهل البيت
فقال الرضا عليه السلام : إن الله عز وجل قد أيدنا بروحٍ منه مقدسة مطهرة ليست بملك ، لم تكن مع أحدٍ ممن مضَّى إلا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهي مع الأئمه منا تسددهم وتوفقهم وهي عمود من نورٍ بيننا وبين الله عز وجل
قال المأمون : يا ابا الحسن بلغني أن قوماً يغلون فيكم ويتجاوزون فيكم الحد
فقال عليه السلام : حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - لا ترفعوني فوق حقي فإن الله تبارك وتعالى إتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبياً ، قال الله تبارك وتعالى { ما كان لبشرٍ أن يؤتيه الله الكتاب والحكمة والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تُعلٍّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم إن تتخذوا الملئكة والنبيين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذ انتم مسلمون} قال علي عليه السلام يهلك فِيَّ اتنان ولا ذنب لي محب مفرِطٌ ومبغض مفرِطٌ وأنا أبرء إلى الله تبارك وتعالى ممن يَغلو فينا فوق حدنا كبراءةِ عيسى بن مريم عليه السلام من النصارى قال تبارك وتعالى { وإذ قال الله يا عيسى بن مريم ءأنت قلت للناس إتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقٍ إن كُنْتُ قلته فقد عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت عَلام الغُيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكُنْتُ عليهم شهيدا ما دُمْتُ فيهم فلما تَوَفَّيْتَني كُنتَ أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيئٍ شهيد } وقال عز وجل { لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون } وقال عز وجل { ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صدّيقة كانا يأكلان الطعام}
ومعناه إنهما كانا يتغوطان فمن إدعى للإنبياء ربوبية وإدعى للأئمة ربوبية أو نبوة أو لغير الأئمة إمامة فنحن منه بُراءٌ في الدنيا والآخرة
روي أن المأمون بعث الفضل بن سهل ذا الرياستين إلى الرضا عليه السلام فقال له : إني أحب أن تجمع لي من الحلال والحرام والفرائض والسنن ، فإنك حجة الله على خلقه ومعدن العلم ، فدعا الرضا عليه السلام بدواة وقرطاس ، وقال عليه السلام للفضل : أكتب
بسم الله الرحمن الرحيم
حسبنا شهادة أن لا إله إلا الله ، أحداً صمداً ، لم يتخذ صاحبةٌ ولا ولداً ، قيوماً،سميعاً ، بصيراً ، قوياً ، قائماً ، باقياً ، نوراً ، عالماً لا يجهل ، قادراً لا يعجز ، غنياً لا يحتاج ، عدلاً لا يجور ، خلق كل شيء ، ليس كملثه شيء ، لا شبِهَ له ولا ضد ولانِدَّ ولا كُفو ، وأن محمداً عبده ورسوله وأمينه وصفوته من خلقه ، سيد المُرسلين وخاتم النبيين وأفضل العالمين ، ولا نبيَّ بعده ، ولا تبديل لملته ولا تغيير ، وأن جميع ما به هو الحق المبين ، نُصدّق به بجميع من مضى قبله من رُسل الله وأنبيائه وحُججه ، ونصدق بكتابه الصادق " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" وأنه كتابه المهيمن على الكتب كلها ، وأنه حق من فاتحته إلى خاتمته ، نؤمنن بمحكمه ومتشابه ، وخاصه وعامه ووَعْدِه ووعيده ، وناسخه ومنسوخه وأخباره ، لا يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله ، وأن الدليل والحجة من بعده عليٌّ أمير المؤمنين والقائم بإمور المسلمين والناطق عن القرآن والعالم بأحكامه ، أخوه وخليفته ووصيه والذي كان منه بمنزلة هارون من موسى ، علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحلجين ، يعسوب المؤمنين ، وأفضل الوصيين بعد النبيين ، وبعده الحسن والحسين عليهم السلام ، واحداً واحد إلى يومنا هذا ، عترةُ الرسول ، وهو أعلمهم بالكتاب والسنة ، وأعدلهم بالقضية وأولادهم بالإمامة في كل عصر وزمان وأنهم العروة الوثقى وأئمة الهدى والحجة على أهل الدنيا حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين ، وأن كل من خالفهم ضال مضل ، تارك للحق والهدى ، وأنهم المعبرون عن القرآن ، والناطقون عن الرسول بالبيان ، من مات لا يعرفهم ولا يتولاهم بأسمائهم وأسماء آبائهم مات ميتة الجاهلية ، وأن من دينهم الورع والعفة والصدق والصلاح والإجتهاد وأداء الأمانة إلى البر والفاجر ، وطول السجود والقيام بالليل واجتناب المحارم وانتظار الفرج بالصبر ، وحسن الصحبة ، وحسن الجوار ، وبذل المعروف ، وكف الأذى ، وبسط الوجه ، والنصيحة والرحمة للمؤمنين ... وحب أولياء الله وأوليائهم وبغض أعدائهم والبراءة منهم ومن أئمتهم
وبر الوالدين وإن كانا مشركين فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً ، لأنه الله تعالى يقول : أشكر لي ولوالديك إليَّ المصبر ، وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلا تطعهما وقال أمير الؤمنين علي عليه السلام : ما صاموا لهم ولا صلوا ولكن أمروهم بمعصية الله فأطاعوهم ثم قال سمعت رسول الله يقول من أطاع ملخوقاً في غير طاعة الله جل وعز فقد كفر واتخذ إلهاً من دون الله ...
والإيمان أداء الفرائض واجتناب المحارم وهي قتل النفس التي حرم الله ،وشرب الخمر ، وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وأكل مال اليتامى ظلماً وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهِلَّ به لغير الله من غير ضرورةٍ به وأكل الربا والسُّحْت بعد البينة ، والميسر والبخس في الميزان والمِكيال ، وقذف المحصنات والزنا واللّواط ، وشهادات الزور ، واليأس من روح الله والأمن من مكر الله ، والقنوط من رحمة الله ، ومعاونة الظالمين والركون إليهم ،ويمين الغُموس ، وحبس الحقوق من غير عسر ، والكبِرُ ، والكفر ، والإسراف والتبذير ، والخيانة ، وكتمان الشهادة ، والملاهي التي تُصدُّ عن ذكر الله مثل الغناء وضرب الأوتار ، والإصرار على الصغاير من الذنوب ، فهذه أصول الدين
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه وآله وسلم تسليما