بعث لى السيد ( عبّاس خرم شهرى ) من اهالى مدينة ( شيراز ) رسالة جاء فيها :
مات ابى وامّى وانا لازلت شابا يافعا ، فعشت فى بيت عمّى ( محمدخان ) ، وبعد مدّة تردّت حالتى الصحية ثمّ مـتّ . وادركـت للوهـلة الاولى من موتى انّ بينى وبين جسمى بونا ؛ فروحى فى جانب وجسمى فى جانب آخر . وكان الجـسـم مـلقـى عـلى الارض والروح قـائمـة تـتـكـلّم مـع الاقـربـاء والاصـدقـاء وتقول لهم :
لماذا تبكون ؟ ولكن هؤ لاء لا يجيبون . جلبوا التابوت ووضعوا الجسم فيه ، وجلست الروح فوق الراس ووجـهـهـا صـوب الجـسـم ، ثـمّ حـمـلوا الجـنـازة واتـّجـهـوا نـحـو المـقـبـرة . وكـانـت الروح تـلهـج طـول الطـريـق بـهـذه العـبـارة :
لمـاذا مـا ادّيـت الصـلاة بـصـورة مـتـواصـلة ؟ الى ان اعـدّوا الجـسـم للغـسـل ، فـوقـفـت الروح عـنـد الجـانـب الايـسـر مـنـه بـمـحـاذاة الراس . خـلع غـاسـل الامـوات ثـيـابـى مـن جـسـمـى ، وكـان مـن اهـالى اصـفـهـان ، طـويـل القامة وضخم الجثّة . وحينما خلع قميصى ارتطم راسى فى الارض بشدّة ، فقالت روحى :
متى يحين ذلك اليوم الذى تموت فيه ويرتطم راسك فى الارض ؟ ارتـعـدت روحـى عـنـدمـا صـبّ المـاء عـلى جـسـمـى لاوّل مـرّة . ثـمّ كـفـّنـونى وصلّوا علىّ ، وكانت روحى عند راسى خـلال كـلّ هـذه المـدّة . اودعـونـى القـبـر وصـفـّفـوا احـجـار اللحـد ، ودخـلت الروح القـبـر قـبـل ان يسدّوا اللحد وحلّت فى الجسم . وفتحوا الكفن من جهة الراس ، ووضعوا خدّى الايمن على التراب . وشرع المـلقـّن يلقّننى ، فوعيت قوله والتقطته كما يلتقط المسجّل الصوت ، ثمّ سدّوا اللحد واهالوا علىّ التراب .
ورايـت انّ القـبر تتخلّله فراغات ، شاهدت من خلالها جميع المشيّعين . واخيرا تركنى الجميع ، ولم يبق إ لاّ قارى ء القرآن وهو يتلو آيات من الذكر الحكيم .
مـرّت بـى مـدّة لا اعـلم امـدهـا ، احـسـسـت خـلالهـا بـاءنّ القـبـر يـضـيـق عـلىّ ؛ بـحـيـث انـّه ضـغـطـنـى ضـغـطـة اخال جسمى على اثرها قد تصبّب دهنا لا عرقا . ثمّ خفّ الضغط شيئا فشيئا ، وهناك رايت اخدودا او نفقا - كما يطلق عـليـه اليـوم - قـد شـقّ فـى الارض مـن جـهـة الشـرق . ورايـت عن بعد شخصين قادمين ، وحينما اقتربا منّى رايتهما يـحـمـلان كـرسـيـا ، وكـان وراءهـمـا رجـل يـقـفـو اثـرهـمـا . وضـعـا الكـرسـى عـلى الارض فـجـلس عـليـه ذلك الرجل ، فعلمت انّه على امير المؤ منين (عليه السّلام ) ، وانّ ذينك الرجلين هما ( منكر ) و( نكير ) ؛ الملكان الموكّلان بـاسـتـجـواب الامـوات . إ لاّ انـّنـى حـدّثـت نـفـسـى قـائلا :
مـا ادرى اىّ جـرم اجـرمـتـه حـتـّى حـمـل امـيـرالمـؤ منين (عليه السّلام ) على ان يشيح بوجهه عنّى ، ويدير لى ظهره عند جلوسه على الكرسى . ولمّا اسـتـقـرّ فـى مـكـانـه جـلسـا عـلى فـخـذى اليـسـرى ، وسـاءلانـى :
مـن ربـّك ؟ وانـهـالا عـلىّ بـالسـؤ ال تـلو الا خـر . وكـان امـيـر المـؤ مـنـيـن (عـليـه السـّلام ) يـحـثـّهـمـا عـلى الرفـق بـى ، ويـخـفـّف حـدّة السـؤ ال . وكـنـت اجـيبهما بما لقّننى الملقّن . وحينما انتهت الاسئلة اختفى اميرالمؤ منين (عليه السّلام ) مع الملكين فجاءة ، ولم يبق اثر للنفق ايضا . مكثت مدّة لااعلم امدها حتّى فتح باب كباب الشاحنة الخلفية من جهة المغرب ، فخرجت منه الى فـنـاء مـربـّع الشـكـل ذى مـسـاحـة كـبـيـرة . وكـانـت الشـمـس تـطـلع عـليـه طـول النـهـار ، ولم اجـد فـيـه ظـلاًّ احـتـمـى بـه مـن وهـجـهـا . وفـى الليل ينير القمر كلّ المكان ، فكنت احدّق اليه طول الليل . وهكذا تصرّمت الايّام والليالى . وممّا يلفت النظر هو انّ التحديق الى القمر ليلا اشدّ من النظر الى الشمس نهارا ؛ إ ذ يكاد نفسى لا يختلج فى صدرى حينما انظر إ ليه ، فكنت اضطر الى الضغط بيدى على صدرى واستلقى على الارض . وكان القمر يرينى الدنيا عند سيره ؛ إ ذ كان بمثابة المرآة يعكس ما يجرى على الارض من بزوغه الى افوله .
لعلّك ترتاب فى قولى ، ولكن تاللّه انّه حقيقة ، وليت هناك آخر غيرى قد شهد هذا الموقف .
وفى ليلة نشر القمر نوره فى كلّ مكان ، فرايت شيئا يحاكى الباب قد انشقّ فى الارض بغتة . خرجت منه دون إ رادتى ، وانا استر جسمى بكفن كان مطروحا بقربى . وما ان سرت مسافة قصيرة حتّى رايت رجلين وسط الظلام ، ويـبـدو انـّهـمـا عربيان . قلت لهما :
اريد ان اذهب الى دارى ولكننى ضللت الطريق . قالا لى بالفارسية على الرغم من كونهما عربيان :
إ نّنا نعرف كلّ شى ء ! وحينما خطوت بضع خطوات معهما رايت نفسى امام دارى ، طرقت الباب ودخلت وسط ذهول اهلى وتعجّبهم .
عـدت اخـيرا الى الدنيا ثانية ، إ لاّ انّى لا ادرى الى الا ن كم لبثت فى عالم الاموات ، كما انّى لا اجرؤ على السؤ ال حـول ذلك . وممّا يثير العجب هو انّى استطيع النظر الى قرص الشمس بسهولة كلّ يوم دون ان تطرف عيناى ، على الرغم من مرور سنين على هذه الحادثة . والاعجب من هذا هو انّى إ ذا اردت رؤ ية شى ء اجسّمه لنفسى ، فمثلا لو اعجبنى قصر مجهول فإ نّى اراه بشكله فى الفضاء فوق بيتنا كما ارى الصورة المنعكسة على سطح الماء .
ومـن الجـدير بالذكر هو انّى سمعت يوما انّ غاسل الاموات الاصفهانى قد مات ، فحضرت تكفينه ودفنه . فواللّه انّه لمّا خلعوا قميصه ارتطم راسه فى الارض كما ارتطم راسى ! فقلت فى نفسى :
هذا جزاء ما اقترفته .
إ نـّى اقـتـبـسـت هـذه القـصـّة مـن كـتـاب ( دنـيـا مـاوراء القـبـر ) فـى الصـفـحـة ( 216 ) . ومـا كـنـت احـسب انّ بطلها لازال حـيّا ، ولكن وصلتنى رسالة من قارى ء يدعى ( عبّاس خرم بوشهرى ) عند إ صدار الطبعة الاولى والثانية لهـذا الكتاب ، جاء فيها :
إ نّ صاحب القصّة التى ذكرتها فى كتاب ( عالم الارواح العجيب ) هو انا ، ولازلت حيّا ارزق ، ويـتـجـاوز عمرى الا ن تسعين سنة . وقد اصبحت عيناى بعد هذه الحادثة خارقتى النظر ، واهتديت الى علاج كثير من الامراض ، واصبحت اضاهى الشباب صحّة وعافية .
دعـوتـه الى مـشـهـد المـقـدّسـة لزيـارة الامـام على بن موسى الرضا (عليه السّلام ) ، إ لاّ انّه مات للمرّة الثانية قبل قدومه ، فرحمه اللّه تعالى .
يـقـول ( ليون دانى ) فى كتاب ( عالم ما بعد الموت ) فى الصفحة ( 106 ) :
إ نّ الاوباش الذين يرزحون تحت هـيـمنة شهواتهم النفسية ، ويضطهدون بنى جلدتهم يتجرّعون كاءس الردى مدّة طويلة ، وينازعون سكرات الموت بشدّة .
كـنـّا قـد ذكـرنا فى الصفحة ( 561 ) من الجزء الاوّل لكتاب ( جوابنا ) رسالة ، وحرى بنا ان نذكرها هنا ايضا .
وهـذه الرسـالة كـتبها شابّ مسلول الى امّه فى آخر لحظات حياته . امّى العزيزه ! إ نّ هذه الساعة هى آخر لحظات حـيـاتى ؛ حيث اقضّيها فى المستشفى بعيدا عن عطفك وحنانك ، وقد مضت ساعتان بعد شروق الشمس . لقد تقيّاءت ثـلاث مـرّات خـلال هـذه المـدّة ، ولا اخـال انّ دمـا بـقـى فـى جـسـمـى . لقـد غـشـى عـلىّ قـبـل دقـائق ، فـرايـت بـاب غـرفـتـى قـد فـتـح ودخـل الغـرفـة شـاب وسـيـم ، وقـال لى :
البـشـرى ! سـتـنـجـو مـن المـعـانـاة والمـكـابـدة بـعـد دقـائق مـن الا ن . وحـيـنـمـا افـقـت ايـقـنـت بـاءن لا امـل لى فـى الحـيـاة بـعـد . وكـان عـلى المـنـضـدة التـى وضـعـت قـربـى ورقـة وقـلم . وقـد اعـتـرانـى خـلال كـتـابـة هـذه الرسـالة ضعف شديد ، واغمى علىّ اكثر من عشر مرّات تقريبا . إ لاّ انّنى صمّمت عندما افقت على الكـتـابـة ؛ لكـى اقـرن ذكـرك بـاخـر لحـظـات حـيـاتـى ، كـمـا كـنـت تـحـيـطـيـنـنـى بـالحـبّ والحـنـان فـى اوّل لحـظات حياتى . امّى العزيزة ! لقد حلّ بى ضعف قبل ثوانٍ ادّى الى سقوط القلم من يدى ، فرايت نفسى اقف فى جانب من الغرفة وانا لااشعر باءىّ مرض ، واصبحت اراك عن بعد وانت تذرفين الدموع لفراقى .
امـّى العزيزة ! كفكفى دموعك ، فإ نّى عندما اغمضت عينى واغمى علىّ اخذ ابى العزيز - الذى وافته المنية منذ سنين - راسـى ووضـعـه فـى حـجـره . وكـانـت الممرّضة الغاشمة قد غابت عنّى وتركتنى اكثر من ساعة فى هذا الظرف الحسّاس . قال لى :
يا ولدى ! ستعافى بعد قليل ، فلاتجزع .
امـّى العـزيزة ! جاءنى شخص وامسك يدى بودّ وحنان ، وقادنى الى روضة كبيرة ، وكان ابى يسير امامى ، وكانت هذه الروضة تقع عند سفح جبل . ساءلنى قائلا :
اتفضّل العيش فى هذه الروضة بدعة وراحة دائمة ام العيش فى الدنيا بمشقّة والم ؟ قـلت :
إ نـّى لازلت شـابـّا ، ولى امّ عـجـوز إ ن سـمـعـت بـمـوتـى ينزل بها حمامها وقدرها . فاءمسك بيدى مرّتين وارجعنى الى المستشفى ، فاءفقت من غشيتى ، وطفقت اكتب لك بضعة اسطر اخرى .
امـّى العـزيـزة ! إ نّى ندمت على عودتى الى الدنيا ثانية ، فاءرجو منك ان تسامحينى وتصفحى عنّى . كما التمس عـنـك - وانـا اودّعـك - العـمل بوصيتى التى اودعتك إ يّاها عندما رحلت عنك ، وخصوصا ما يعود الى تسليم الامانات الى اهلها .
مـاتـت امـّى فـى اليـوم الرابع عشر من جمادى الاولى عام ( 1341 ) ه - ش ، وهو يوم ذكرى وفاة الصدّيقة فاطمة الزهـراء (عليها السّلام ) . ولقد امضّنا موتها واشجانا كثيرا ؛ لانّها كانت تراف بنا ، وتشفق علينا ، وتحبّنا حبّا خـارقـا للعـادة ، علاوة على انّها اختطفت من بيننا ؛ لانّها ماتت إ ثر جلطة دموية . إ نّها انجبت ثمانية عشر ولدا ، عاش مـنـهـم سـتـّة اولاد فقط ، ومات الا خرون فى الصغر . بيد انّها لم تتركنا وحدنا منذ الليلة الاولى لوفاتها ؛ إ ذ كانت تتعهّدنا بالسؤ ال عن احوالنا ، وتطيّب خواطرنا اغلب الليالى إ مّا فى الحلم وإ مّا فى اليقظة . ولا انسى حينما اغمضت عينى ليلة وفاتها ؛ لكى آخذ قسطا من الراحة ، فقد رايتها تجلس وسط جمع من البنات والبنين وهم يـظـهـرون لهـا الحـبّ والوداد ، ويـقـولون لهـا :
لمـاذا تـاءخـّرت فـى المـجى ء إ لينا يا امّنا ؟ نحن نراك إ لاّ انّك لاتريننا ولا تاءنسين بنا ! امـّا الا ن فقد عادت المياه الى مجاريها ؛ إ ذ تحرّرت من اغلال الجسم ، فنستطيع ان ناءنس بك بحرية تامّة . دخلت فـى اوسـاطـهـم وخـاطبت امّى قائلا :
لماذا رحلت عنّا يا امّاه ؟ فقد فجعنا بمصابك . فالتفتت إ لىّ وقالت :
انظر الى هؤ لاء ، إ نّهم شركاؤ كم فى الامومة ، فهم إ خوتك واخواتك . وكنت اعيش بين ظهرانيكم ، ومن الا ن اريد ان اعيش بـيـن اوسـاط هـؤ لاء . وستاءتى بعد مدّة الى هنا ايضا ، فعليك بالصبر ! إ لاّ انّنى ساءلتقى بكم فى النوم واليـقـظـة إ ن استطعتم تركيز افكاركم والشعور بوجودى . وكنت آنذاك كثير التردّد على اساتذة الاخلاق وعلماء الروح ، ولذا كان هذا الموضوع طبيعيا بالنسبة إ لىّ . واصبحت بعد ذلك ارى امّى فى الحلم واليقظة ايضا ، وقد سـاءلتـهـا ليلة :
ماذا جرى لك فى تلك الليلة التى الحدناك بها ؟ قالت :
لمّا اودعتم جسمى القبر دخلت معه انـا ايـضـا لحـبـّى إ يـّاه . ولم تـمـضِ سـوى لحـظـات حـتـّى ظـهـر ملكان وساءلانى بضعة اسئلة ، فاءجبتهما بما لقـّنـتـمـونـى على القبر ، ثمّ تركانى وانصرفا الى القبر المجاور . ولا اعلم بم اجابهما صاحب ذلك القبر ؟ ولم اشبعاه ضربا مبرحا ؟ وقد اعترانى ذعر شديد . وعلى الرغم من انّ امّنا لم تدعنا فريسة للوحدة منذ رحيلها عنّا إ لاّ انّ الحـزن والوجـوم لازال مـخـيـّمـا عـلى بيتنا ، كما انّا لانطيق رؤ ية البيت دون وجودها . وفى ليلة ذكرى ولادة الصـدّيـقـة الكـبـرى فـاطـمـة الزهـراء (عـليـهـا السـّلام ) حـاولت ان انـزع شـجـا اخـواتـى ، وذلك بـإ دخال الحبور والسرور عليهنّ من خلال تزيين الغرفة وزخرفتها ، بيد انّ اليتيم لا يفتر عن ذكر امّه ساعة . وبينما كنّا نجلس معا فى الغرفة راينا نورا طرا علينا فجاءة ، وهو يدلف من الباب ويتبوّا محلاًّ عاليا من الغرفة . ثمّ نـثر مقدارا من النقود المعدنية فوق الرفّ ، وقد سمعنا صوتها كلّنا . نهضت اختى الصغيرة من مكانها واتّجهت نحو الرفّ . فصرخت مستبشرة وهى تقول :
لقد اهدوا إ لينا هدية العيد ! فجمعت النقود وقسّمتها علينا . ثمّ خرج النور مـن باب الغرفة ببطى ء كما دخلها . وادركنا فيما بعد انّ امّنا جلبت لنا هدايا فى تلك الليلة لتنفيس كربتنا .
صلّيت على النبى وآله ليلة عند صلاة المغرب عدّة مرّات ، واهديث ثوابها الى امّى كما هو ديدنى . ورايت فى نفس تـلك الليـلة امـّى فـى المـنـام ، فساءلتها :
اما استوحشت عندما دخلت ذلك العالم ؟ قالت :
بلى ، دخلت بين ذلك المـلا وانـا اشعر بالوحشة والغربة ؛ لانّى حينما رحلت عن الدنيا ، ووجدت نفسى على غرار ارواح الورى من اموات بـنـى آدم رايت السماء والارض تكتظّان بها . فإ ذا كان تعداد عالمكم مثلا اربعة مليارات إ نسان فإ نّ عدد نفوس ذلك العالم مئات المليارات من بنى البشر . والاهمّ من ذلك هو انّ ابى وامّى واولادى الذين ماتوا كانوا كلّهم هناك ، علاوة على حضور اجداد ابى وامّى واقربائى الذين لم ارهم ولا اعرفهم ، وإ ن اردت التعرّف عليهم يستغرق ذلك بـضـعـة ايـّام . إ ضـافـة الى انـى اشاهدكم واطّلع على احوالكم وازوركم كلّ يوم . قلت لها :
بم توصينى فى الحياة الدنيا حتّى اعمل بوصيّتك ؟ قـالت :
هـذّب نـفـسـك مـا اسـتـطـعـت ؛ لانـّك لاتـسـتـطـيـع ان تـكـون حـرّا هـنـا مـادمـت تـحـمـل ادنـى صـفـة حـيـوانـيـة او شيطانية ، او كان فى اعماقك جذر جاهلى . ينبغى عليك ان تنقّى نفسك من العنجهية والعجرفة والعسف وسائر الصفات الرذيلة ؛ لكى تستطيع ان تحلّق فى الفضاء المعنوى اللامحدود .
قال ( ليون دانى ) العالم الفرنسى الا خصائى فى علم الارواح فى كتاب ( عالم ما بعد الموت ) نقلا عن اناس ماتوا ثمّ احياهم اللّه ثانية ، او عمّن حضّرت ارواحهم بعد الممات :
إ نّ روح من هجر الدنيا وطلّقها ، وتجرّد عن الصفات الحيوانية ترى عظمة السماوات وارواح اقربائها واصدقائها القـدامـى حـينما تدخل عالم ارواح ، فتستقبلها الارواح برمّتها ، وتقودها الى العالم العلوى . وحينذاك تحلّق معها ، وتصعد الى طبقات السماء التى لايصل إ ليها إ لاّ من ابيح له ذلك من الارواح الطاهرة . و هناك يهدا روعها ، وتمدّ بطاقة جديدة ، وتتوسّد الراحة والدعة .
تـحـدّث رجـل يـبـلغ مـن العـمـر اربـعـيـن عـامـا بـمـا رآه حـيـنـمـا كـان مـغـمـى عليه مدّة يومين بعد ما صدمته سيارة ؛ قـال :
حـيـنـما صدمتنى السيارة الفيت نفسى فجاءة فى حيّز يطبق عليه ظلام دامس . مشيت وسط الظلام ، فلاح لى نـور مـن بـعـيد ، فاتّجهت صوبه . كان النور يغمر المكان ، فرايت نفسى اسبح فى النور ، ورايت ملائكة تحفّ بى ، وهم اطفالى الذين كانوا قد ماتوا منذ مدّة . جلسوا جنبى ؛ ثلاثة عن يمينى و ثلاثة عن يسارى ، وكان ولدى الكبير يجلس فى الامام ؛ لانّه كان دليلا ومرشدا . لقد مات وهو يبلغ من العمر سبعة عشر عاما ، ومضى على موته الى الا ن سـتـّة اعـوام ، وكـانـوا يـبـدون اتـرابـا . ولى مـعـهـم آنذاك ذكريات جميلة ؛ إ ذ عشت معهم فترة . وما كانت تـربـطـنـى بـهـم حـينذاك اىّ علاقة ، وكذا الامر بينهم . إ لاّ انّه حينما نظرت إ ليهم تذكّرت ماضى كلّ واحد منهم .
وكـان يكتنفنا لون ازرق جذّاب ، لم ارَ مثله لونا ازرق لازورديا فى حياتى قط . ثم احسست بضغطة خفيفة ، وسمعت شـخـصـا يـقـول :
ارجـع . قـلت :
لمـاذا ؟ سـمـعـت الصـوت ثـانـيـة وهـو يـقـول :
إ نّ اجـلك لم يـحـن بعد فى الحياة الدنيا ، فينبغى عليك الرجوع ! ما كنت اعلم مصدر الصوت . وما وعيت ما يجرى بعد ذلك سوى حلولى فى ظلام دامس . بيد انى الفيت نفسى بعد يومين من وقوع هذه الحادثة فى غرفة الا نعاش ، هذا ما اتذكّره .
قال صاحب كتاب ( العالم الابدى ) :
حدّثنى اشخاص ماتوا طبق الاعراف الطبية بما شاهدوه فى عالم الموت ، ثم احـيـاهم اللّه ثانية . وتحدّثوا عن كيفية مداواتهم من قبل الاطبّاء ، ومادار من حديث حولهم . وكانت ارواحهم تشاهد جميع اعـمـالهـم ، وتـسمع اقوالهم عند انسلاخها عن ابدانهم . وكانوا يتعجّبون من سكون اجسادهم وعدم إ دراك الحاضرين لهم ، ولا يحسّون بهم ولا يسمعون كلامهم .