الهم صلى على محمد وال محمد وعجل فرج قائم ال محمد
الحلقة الثانية:_
فطرية الإيمان بالله تعالى
يدل القران الكريم على إن الإيمان بالله أمر فطري للبشر إما وحده وإما ضمن فطرية الدين قال تعالى
((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ))
وقال عز من قائل)) صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ ))فهاتان الآيتان المباركتان صريحتان في فطرية الدين أو الإيمان بالله عز وجل . إلا إن هذه الفطرية يمكن تفسيرها بأحد تفسيرين :
الأول :- الفطرية بمعنى البداهة , وهذا لاينافي استبطانه للبرهان ؛ فقد يحتاج حكم معين إلى البرهان إلا إن
برهانه حاضر لدى فطرة العموم لايغيب عن الذهن لدى تصور القضية , وعلى هذا الأساس سمى
أصحاب المنطق الصوري قسما من البديهيات ب((الفطريات)) وهي التي قياساتها معها ,بمعنى أن
الحد الأوسط لايغيب عن الذهن لدى تصور الأصغر والأكبر فتعتبر النتيجة بديهية.......
الثاني :- الفطرية بمعنى كون الإيمان بالله عن علم حضوري وعن إحساس باطني فكري مباشر سبحانه وتعالى
بالرغم من انه قد يغيب عن الذهن بسبب تراكم العلائق المادية .
وأي التفسيرين هو الصحيح ؟
لاشك في صحة الفطرية بالمعنى الأول ؛ لفطرية بعض براهين وجود الله سبحانه للكل , كبرهان النظم
أو حساب الاحتمالات الذي سوف يأتي شرحه وكبرهان الصديقين لدى بعض النفوس الذكية الوقادة وسوف
يأتي أيضا بيانه إن شاء الله ....
وأما الفطرية بمعنى الإحساس الحضوري فلا إشكال في انه لايوجد الإحساس بها في الحالات الاعتيادية
لدى الناس الاعتياديين وتفسير الآيات بها غير واضح بعد صدق الفطرية على البداهة أيضا , وفي الفلسفة
أيضا لانجد شاهداً على فطرة الإيمان بالله بمعنى الشهود والإحساس الحضوريين ؛ لان الفلسفة تقول :
إن وجود الخالق هو الوجود المستقل ووجود المخلوق هو عين الربط والتعلق ، ولعله يأتي بيان ذلك في
المستقبل إن شاء الله تعالى .
ومن المعلوم أن الوجود الربطي والتعليقي هو الذي يجب إن يكون حاضراً لدى الوجود الحقيقي والمستقل
وان الوجود الحقيقي والمستقل هو الذي يجب إن يكون واجداً للوجود الربطي والتعلقي بالعلم الحضوري
لا العكس...........
نعم يبدو من القران حصول الشهود بعين القلب والإحساس الحضوري مرتين لرسول الله (صلى الله عليه
واله وصحبه الأخيار) على احد التفسيرين لآيات سورة النجم , وكذلك يبدو منه ذلك للمؤمنين أو لبعضهم
في يوم القيامة في قوله تعالى ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ))......
وأما ثبوت ذلك ولو بمرتبة دنيا لعامة الناس في هذا العالم فهذا ما لا يستفاد من آيات الفطرة , فمن أحس بحالة
الشهود والعلم الحضوري بالله سبحانه وتعالى فهنيئاً له , سؤاء أكان هذا الإحساس بسبب شفافية خاصة
لوجدانه وفطرته أو بسبب ترويض النفس وتهذيبها وانقطاعها التربوي عن الماديات صدفة في حالة غرق
مثلا أو نحو ذلك ......
أما من لم يحصل له شهود بسبب من الأسباب فمجرد آيات الفطرة لاتبرهن له على هذا الشهود ؛ لامكان
حملها على البداهة .
وقد تلحق بآيات الفطرة آيات الالتجاء إلى الله لدى اليأس من الأسباب المادية , ولعل أبرزها ثلاث مقاطع
من القران الكريم :
1 - ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ
شَكُورٍ * وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم
مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ))
2 - ((هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا
جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ
بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا
كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ))
3 – ((فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ))
وحاصل الفكرة التي يفترض إشارة هذه الآيات إليها هو أن الإنسان قد يبتعد عن الفطرة فيغطي عين قلبه غشاء الماديات فيغفل عن الله تعالى , ولكن تنجلي فطرته لدى زوال هذا الغشاء بسبب انقطاعه عن الماديات بمثل عروض حالة الغرق على سفينة في البحر إذ لا منجي إلا الله تعالى , فتتيقظ فطرته وتنفتح بصيرته ولا يرى إلا الله سبحانه وتعالى...... ونكمل في الحلقة التالية إذا كانت في الحياة بقية بحول الله تعالى