الحديث الفني
الحديث الفني هو النتاج الغالب لدى المعصومين (عيلهم السلام)، حيث سبق القول الى ان طبيعة الظواهر العبادية التي يحرص المعصومون (عليهم السلام) على توصيلها الى المسلمين تتطلب توصيات مختصرة، يقدمها المعصوم (عليه السلام) في مناسبات مختلفة من خلال مقابلة أو مجلس أو لقاء عابر او مجرد القاء التوصية العامة لهذه الظاهرة أو تلك.. والمهم - بعد ذلك- أن هذه الأحاديث أو التوصيات - كما لحظنا ذلك عند حديثنا عن النبي (صلى الله عليه وآله) والامام علي (عليه السلام)- لم تصغ بشكل عادي بل توشح في الغالب بعناصر صورية وايقاعية تتطلبها طبيعة الموضوع أو التوصية، لذلك فان اضخم تراث فني وعبادي يمكن الوقوف عنده، يتمثل في ما أطلقنا عليه مصطلح: الحديث الفني، ولكونه من حيث الفن، يقترن بعناصر ايقاعية وصورية كما قلنا.
واليك نموذجاً من هذه الأحاديث المأثورة عن الامام الحسن (عليه السلام):
«ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من حاسد»(13).
«اليقين معاذ للسلامة».(14)
«المزاح يأكل الهيبة».(15)
«جدوا في الطلب وتجاه الهرب».(16)
«من تذكر بعد السفر، اعتد».(17)
«يا ابن آدم انك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك، فخذ مما في يديك لما بين يديك».(18)
«ما فتح الله عزوجل من أحد باب مسألة فخزن عنه باب الاجابة، ولا فتح على رجل باب عمل فخزن عنه باب القبول، ولا فتح لعبد باب شكر فخزن عنه باب المزيد».(19)
«لا شيء أقرب من يد الى جسد، وان اليد تفل فتقطع وتحسم».(20)
هذه النماذج تتضمن عناصر صورية وايقاعية ملحوظة، وابرز ما فيها هو: عنصر (الصورة) بمستوياتها المتنوعة، من تشبيه واستعارة وتمثيل ورمز واستدلال.. فالتشبيه من نحو: (أشبه بمظلوم)، والاستعارة من نحو: (يأكل الهيبة)، والرمز من نحو: (بعد السفر)، والتمثيل من نحو: (معاذ للسلامة)، والاستدلال من نحو: (اليد تفل)... الخ.
كما ان الصورة تأخذ مستوياتها المتنوعة من التركيب، فعنصر (الاستعارة) مثلاً: نجده في نموذج منها (مفرداً) مثل: (المزاح يأكل الهيبة) ونجده في نموذج آخر (مركباً) مثل: (ما فتح الله عزوجل من أحد باب مسألة فخزن عنه باب الاجابة، ولا فتح على رجل باب عمل فخزن عنه باب القبول، ولا فتح لعبد باب شكر فخزن عنه باب المزيد) ، حيث قدم في هذا النموذج ثلاث تركيبات استعارية عن المسألة، والعمل، والشكر... ثم ادرج من كل مركب استعارة بداخلها (باب المسألة، باب الاجابة) (باب العمل، باب القبول) (باب الشكر، باب المزيد)، ثم (وازن) بين المركبات الاستعارية الثلاثة كما هو واضح، وكل اولئك يهب عنصر الاستعارة - فضلاً عن تنويعها وتجانسها- جمالاً وطرافة واثارة بالنحو الذي لحظناه.
*******
(13) المجالس السنية: ج 2، ص 349. (14) تحف العقول: ص 239. (15) المجالس السنية: ج 2، ص 349. (16) تحف العقول: ص 239. (17) نفس المصدر: ص 239. (18) المجالس السنية: ج 2، ص 249. (19) المجالس السنية: ج 2، ص 349. (20) تحف العقول: ص 239.
اشعار الامام المجتبى (عليه السلام)
قدم لنفسك
قدّم لنفسك ما استعطت من التّقى
إنّ المنية نازل بك يا فتى
أصبحت ذا فرح كأنك لاترى
أحباب قلبك في المقابر والبلى
* * *
حان الرحيل
قل للمقيم بغير دار إقامة
حان الرحيل فودّع الأحبابا
انّ الذين لقيتهم وصحبتهم
صاروا جميعاً في القبور ترابا
* * *
الدنيا
ذري كدر الدنيا فإنّ صفاءها
تولّى بأيام السرور الذّواهب
وكيف يعزّ الدهر من كان بينه
وبين الليالي محكمات التجارب
* * *
فيم الكلام
فيم الكلام؟ وقد سبقت مبرّزا
سبق الجواد من المدى المتنفس
والصلح تأخذ منه ما رضيت به
والحرب يكفيك من انفاسها جرع
* * *
عزمت تصبرا
لئن ساءني دهر عزمت تصبّراً
وكلّ بلاء لا يدوم يسير
وان سرّني لم أبتهج بسروره
وكل سرور لا يدوم حقير
* * *
عاجلتنا
عاجلتـنا فـاتاك وابل برّنا
طلاّ ولـوأمهلتنا لم نقصر
فخذ القليل وكن كأنّك لم تبع
مـا صنته وكأنّنا لم نشتر
* * *
حين يسأل
إذا ما أتـاني سائل قلت مرحباً
بـمن فضله فرض عليّ معجل
ومن فضله فضل على كلّ فاضل
وأفضل أيـام الفتى حين يسأل
* * *
السخي والبخيل
خلقت الخلائق من قدرة
فمنهم سخيّ ومنهم بخيل
فأمّا السخيّ ففي راحة
وأما البخيل فحزن طويل
* * *
لوعلم البحر
نحن أناس نوالنا خضل
يرتع فيه الرجاء والأمل
تجود قبل السؤال أنفسنا
خوفاً على ماء وجه من يسل
لوعلم البحر فضل نائلنا
لغاض من بعد فيضه خجل
* * *
قال العيون
قال العيون وما أردن
من البكاء على عليّ
وتقبلنّ من الخليّ
فليس قلبك بالخليّ
* * *
كسرة وكفن
لكسرة من خسيس الخبز تشبعني
وشربة من قراح الماء تكفيني
وطمرة من دقيق الثوب تسترني
حياً وان متّ تكفيني لتكفيني
* * *
السخاء فريضة على العباد
ان السخاء على العباد فريضة
لله يقرأ في كتاب محكم
وعد العباد الاسخياء جنانه
وأعدّ للبخلاء نار جهنّم
من كان لا تندى يداه بنائل
للراغبين فليس ذاك بمسلم