(وَلَقد عَهِدنا إلى آدم مِن قبل فنسي ولم نجد له عزما)
ما هو ذلك العهد؟ قيل: أنه قوله تعالى:
(لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)[1]
ويحتمل أن يكون العهد: هو عدم سماع مقولة إبليس وعدم التأثر بإضلاله الشيطاني كما تدلُّ عليها بعض الروايات أيضاً فهي التِّي نَسيها آدم.
وقال العلامة الطباطبائي قدس سرُّه في الميزان:
وهذا الاحتمال غير صحيح لقوله تعالى :
(فوسوس لهما الشيطان وقال ما نهاكما ربُّكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إنِّي لكما لمن الناصحين)[2]
فهما حينما اقتربا إلى الشجرة كانا يذكران ذلك النهي ولم ينسياه .
ثمَّ: إنَّه قدس سرُّه ذكر احتمالاً آخرَ في هذا المجال وقوّاه.
ملخَّصُه: أنَّ العهد بمعني الميثاق الذي أخذه الله من بني آدم عامَّة ومن الأنبياء خاصة وبوجه آكد ، وهو أن لا ينسى الإنسان في أيِّ حالة من الحالات ربَّه وخالقَه ويكون دائماً على ذُكر من ذلك فإنَّ نسيان ذلك يُؤدِّي إلى أن يبتلي بالحياة الدنيا ويعاني أنواع التعب والعناء حيث أنَّه يرى الأشياء أموراً مُستقلَّة لها أضرار ومنافع وينبع منها الخير والشرّ ومع هذه الرؤية نراه يتقلَّب بين الخوف عمّا يخاف فوته والحذر من الخطر والحزن على ما فات والتحسُّر مما افتقده من المال والمنصب والبنون . وفي هذه الحيوة الدنيا كلَّما نضج جلدُه واعتاد بمكروه بُدِّل إلى جلدٍ آخر ليذوق العذاب ، فمن وقع في الدنيا واتَّبع هدى الله فبطبيعة الحال ينجو من هذه الآلام ولهذا نراه سبحانه يُعقِّب تلك الآيات بقوله:
(فإمّا يأتينكم منِّي هدىً فمن تبع هداي فلا يضلُّ ولا يشقى)[3]
وهذه الهداية تتمركز في ذكر الله على كلِّ حال وعدم نسيانه تعالى، وفي قبال ذلك:
ومن هنا يُعلم أنَّ اقتراب تلك الشجرة كان يؤدِّي إلى التعب والشقاء الذي يحصل من العيش في الدنيا ناسياً للربِّ تعالى[5] انتهى كلام العلامة مع تلخيص وتنقيح.
وللإمام قدِّس سره في هذا الأمر كلام سوف نبيِّنه في البحث حول الشجرة المنهية إنشاء الله .
أقـول:
ومما بيَّنه العلامة نستنتج أنَّ نار الجحيم كامن في هذه الدنيا كما عبَّر إمامنا بذلك أيضاً.
العـهد و الولايـة
وقد وردت روايات تُبيِّن المراد من هذا العهد نذكر ثلاثة منها:
أحـدها:
(الحسين بن محمَّد عن المعلَّى عن جعفر بن محمَّد بن عبيد الله عن محمَّد بن عيسى القمي عن محمَّد بن سليمان عن عبد الله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله ولقد عهدنا إلى آدم من قبل كلمات في محمَّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذرِّيتهم فنسي.)[6]
ثانيها:
(عن سعد عن ابن عيسى عن علي بن الحكم عن المفضَّل بن صالح عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزَّ وجلَّ ولقد عهدنا آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما قال عَهِد إليه في محمَّد والأئمة من بعده فترك ولم يكن له عزم فيهم انَّهم هكذا.)[7]
ثالثهما:
(أحمد بن محمَّد عن علي بن الحكم عن داود العجلي عن زرارة عن حمران عن أبي جعفر عليه السلام قال إن الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق خلق ماءاً عذباً وماءاً مالحاً أجاجا فامتزج الماءان....إلى أن قال عليه السلام ثم أخذ الميثاق على النبيِّين فقال ألست بربِّكم ثمَّ قال وإن هذا محمَّد رسول الله وإن هذا علي أمير المؤمنين قالوا بلى فثبتت لهم النبوة وأخذ الميثاق على أولى العزم إني ربُّكم ومحمَّدٌ رسول الله وعليٌّ أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزّان علمي وأنَّ المهديَّ أنتصر به لديني وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي وأُعبدُ به طوعاً وكرهاً قالوا أقررنا وشهِدنا يا ربِّ ولم يجحد آدم ولم يقرَّ فثبتت العزيمةُ لهؤلاء الخمسة في المهديِّ ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به وهو قوله عزَّ وجلَّ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما)[8]
أقـول:
إنَّ ذكرَ الله لا يتحقق إلاّ مع ذكر الأئمة عليهم الصلاة والسلام وخصوصاً الإمام الحاضر الحجة ابن الحسن العسكري سلام الله عليه الذي هو إمام الزمان والعصر وما يتحقق فيهما، فهو إذاً الواسطة للفيوضات الإلهيَّة إلى الخلق ولولاه لما خُلقت الأفلاك ولما نزل الغيث ولوقعت السماء على الأرض إلاّ بإذنه ولولاه لما كُشف الغمُّ ولما ذهب الهمُّ وهذه هي الولاية التكوينيَّة الثابتة لهم وله عليهم السلام عقلاً ونقلاً المشارة إليها في الرواية بقوله (أنَّهم هكذا) ولهذا نرى في ذيل الرواية الثانية عندما ذكر إمامُنا الباقر عليه السلام العلةَ التِّي من أجلها صار بعضُ الأنبياء أولي العزم أكَّدَّ على خصوص المهدي عليه السلام وسيرته المميزة النابعة من ولايته التكوينيَّة قال عليه السلام:
(وإنما سمى أولو العزم لأنَّهم عهد إليهم في محمَّد والأوصياء من بعده والمهدى وسيرته فاجمع عزمهم إن ذلك كذلك والإقرار به)[9]
وقال الراغب العهد حفظ الشيء ومراعاته حالا بعد حال وسمى المَوثق الذي يلزم مراعاته عهداً.
والجدير بالذكر أنَّ أكثر الموارد لكلمه العهد ومشتقاتها المذكورة في القرآن الكريم تنطبق على الأئمة المعصومين عليهم السلام. وفي هذا المجال هناك روايات كثيرة وردت في تبين العهد المذكور في القرآن ضمن الآيات المختلفة نذكر ثلاثة منها كنموذج لذلك :
1- (المناقب قال روينا حديثا مسنداً عن أبي الورد عن أبي جعفر عليه السلام قال قوله عز و جل أ فمن يعلم إنما انزل إليك من ربك الحق هو علي بن أبي طالب والأعمى هنا هو عدوُّه و أولوا الألباب شيعته الموصوفون بقوله تعالى الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق المأخوذ عليهم في الذرّ بولايته ويوم الغدير)[10]
2- (من كتاب محمَّد بن العباس بن مروان عن محمَّد بن هشام بن سهيل العسكرى عن عيسى بن داود النجَّار عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه في قول الله جلّ وعزّ وأوفوا بالعهد ان العهد كان مسئولا وأوفوا الكيل إذا كلتم و زنوا بالقسطاس المستقيم قال العهد ما اخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الناس في مودتنا و طاعة أمير المؤمنين أن لا يخالفوه ولا يتقدموه)[11]
3- (احمد بن محمَّد الشيباني عن محمَّد بن احمد بن معاوية محمَّد بن سليمان عن عبد الله بن محمَّد التفليسي عن الحسن بن محبوب عن صالح بن رزين عن شهاب بن عبد ربِّه قال سمعت الصادق عليه السلامý ýيقول يا نحنُ شجرةُ النبوَّة و معدن الرسالة .... فمن وفى بذمتنا فقد وفى بعهد الله عزَّ و جلَّ و ذمته و من خفر ذمتنا فقد خفر ذمه الله عز وجل وعهده)[12]
وفي القاموس :خفر به خفراً وخفوراً نقضَ عهده وغدره كأخفره .
أجـر الرسـالة
أقول:
ثمَّ إنه لا شك أنهَّم عليهم السلام ذوي قُربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأجر الرسالة مُنحصرةٌ في مودَّتِهم عليهم السلام لقوله تعالى:
(قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودَّةَ في القُربى)[13]
وقال تعالى في توصيف الفاسقين
(الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل..)[14]
فنحن حتى لو قلنا أن الآية بصدد بيان تعاهد الأرحام والقرابات فأفضل رحم وأوجبه حقاً رحمُ محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإنّ حقهم بمحمّد كما أن حق قرابات الإنسان بأبيه وفي هذا المعنى وردت أحاديث كثيرة لا مجال لنقلها هنا فراجع مظانَّها.
ثمَّ إنَّ هاهنا تشاجر طويل حول المقصود من نسيان آدم لا يخصُّنا التعرض له تفصيلاً إلا أنَّنا نذكر ما بيَّنه بعضُ المفسرين في هذا المجال وذلك في ذيل الآية المباركة في سورة الكهف حيث قال:
فأما قوله لا تؤاخذني بما نسيت فقد ذكر فيه وجوه ثلاثة إلى أن قال ) والوجه الثاني: انَّه أراد لا تؤاخذني بما تركت و يجري ذلك مجرى قوله تعالى:
و قال الراغب في مفرداته (عندما ذكر الوجوه المختلفة لتسمية الإنسان إنسانا) و قيل هو إفعلان و أصله إنسيان سمي بذلك لأنَّه عُهد إليه فنسي.
وأمّا نحن فلنا كلام مبتكر في معنى الإنسان غير ما ذكره القوم سوف نتحدث عنه في مظانِّه إنشاء الله تعالى.
إنَّ ذكرَ الله لا يتحقق إلاّ مع ذكر الأئمة عليهم الصلاة والسلام وخصوصاً الإمام الحاضر الحجة ابن الحسن العسكري سلام الله عليه الذي هو إمام الزمان والعصر وما يتحقق فيهما، فهو إذاً الواسطة للفيوضات الإلهيَّة إلى الخلق ولولاه لما خُلقت الأفلاك ولما نزل الغيث ولوقعت السماء على الأرض إلاّ بإذنه ولولاه لما كُشف الغمُّ ولما ذهب الهمُّ وهذه هي الولاية التكوينيَّة الثابتة لهم
عاشق الامام الكاظم احسنتم بارك الله بكم وسدد خطاكم