إن هذه التهنئة المشفوعة بأمر من مصدر النبوة ، والمصافقة بالبيعة المذكورة مع ابتهاج النبي بها بقوله : الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين ، على ما عرفته من نزول الآية الكريمة في هذا اليوم المشهود ، الناصة بإكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضى الرب فيما وقع فيه .
وقد عرف ذلك طارق بن شهاب الكتابي الذي حضر مجلس
عمر بن الخطاب ، فقال : لو نزلت فينا هذه الآية ( 1 ) لاتخذنا يوم نزولها عيدا ( 2 ) ، ولم ينكرها عليه أحد من الحضور ، وصدر من عمر ما يشبه التقرير لكلامه ، وذلك بعد نزول آية التبليغ ، وفيها ما يشبه التهديد إن تأخر عن تبليغ ذلك النص الجلي ، حذار بوادر الدهماء من الأمة .
كل هذه لا محالة قد أكسب هذا اليوم منعة وبذخا ورفعة وشموخا ، سر موقعها صاحب الرسالة الخاتمة وأئمة الهدى ومن اقتص أثرهم من المؤمنين ، وهذا هو الذي نعنيه من التعيد به .
وقد نوه به رسول الله فيما رواه فرات بن إبراهيم الكوفي في القرن الثالث ، عن محمد بن ظهير ، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي ، عن
الإمام الصادق ، عن أبيه ، عن آبائه قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي ، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره بنصب أخي علي بن أبي طالب علما لأمتي يهتدون به من بعدي ، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم على أمتي فيه النعمة ، ورضي لهم الإسلام دينا ( 1 ) .
كما يعرب عنه قوله ( صلى الله عليه وآله ) في حديث أخرجه الحافظ الخركوشي كما مر ص 274 : هنئوني هنئوني ( 2 )
واقتفى أثر النبي الأعظم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) نفسه ، فاتخذه عيدا ، وخطب فيه سنة اتفق فيها الجمعة والغدير ، ومن خطبته قوله : إن الله عز وجل جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين ، ولا
يقوم أحدهما إلا بصاحبه ، ليكمل عندكم جميل صنعه ، ويقفكم على طريق رشده ، ويقفو بكم آثار المستضيئين بنور هدايته ، ويسلككم منهاج قصده ، ويوفر عليكم هنئ رفده ، فجعل الجمعة مجمعا ندب إليه لتطهير ما كان قبله ، وغسل ما أوقعته مكاسب السوء من مثله إلى مثله ، وذكرى
للمؤمنين ، وتبيان خشية المتقين ، ووهب من ثواب الأعمال فيه أضعاف ما وهب لأهل طاعته في الأيام قبله ، وجعله لا يتم إلا بالائتمار لما أمر به ، والانتهاء عما نهى عنه ، والبخوع بطاعته فيما حث عليه وندب إليه ، فلا يقبل توحيده إلا بالاعتراف
لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) بنبوته ، ولا يقبل دينا إلا بولاية من أمر بولايته ، ولا تنتظم أسباب طاعته إلا بالتمسك بعصمه وعصم أهل ولايته ، فأنزل على نبيه ( صلى الله عليه وآله ) في يوم الدوح ما بين به عن إرادته في خلصائه وذوي اجتبائه ، وأمره بالبلاغ وترك الحفل بأهل الزيغ والنفاق ، وضمن له عصمته منهم .
إلى أن قال : عودوا رحمكم الله بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم ، وبالبر بإخوانكم ، والشكر لله عز وجل على ما منحكم ، وأجمعوا يجمع الله شملكم ، وتباروا يصل الله ألفتكم ، وتهادوا نعمة الله كما منكم بالثواب فيه على أضعاف الأعياد
قبله أو بعده إلا في مثله ، والبر فيه يثمر المال ويزيد في العمر ، والتعاطف فيه يقتضي رحمة الله وعطفه ، وهيئوا لإخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من وجودكم ، وبما تناله القدرة من استطاعتكم ، وأظهروا البشر فيما بينكم والسرور في ملاقاتكم . . . الخطبة ( 1 ) .
وعرفه أئمة العترة الطاهرة صلوات الله عليهم فسموه عيدا ، وأمروا بذلك عامة المسلمين ، ونشروا فضل اليوم ومثوبة من عمل البر فيه : ففي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي في سورة المائدة ، عن جعفر بن محمد الأزدي ، عن محمد بن الحسين
الصائغ ، عن الحسن بن علي الصيرفي ، عن محمد البزاز ، عن فرات بن أحنف ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) . قال : قلت : جعلت فداك للمسلمين عيد أفضل من الفطر والأضحى ويوم الجمعة ويوم عرفة ؟ قال : فقال لي : نعم أفضلها وأعظمها
وأشرفها عند الله منزلة هو ( 1 ) اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأنزل على نبيه محمد : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) . قال قلت : وأي يوم هو ؟ قال : فقال لي : إن أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا أراد
أحدهم أن يعقد الوصية والإمامة من بعده ( 2 ) ففعل ذلك جعلوا ذلك اليوم عيدا ، وإنه اليوم الذي نصب فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليا للناس علما ،
وأنزل فيه ما أنزل ، وكمل فيه الدين ، وتمت فيه النعمة على المؤمنين . قال : قلت : وأي يوم هو في السنة ؟ قال : فقال لي : إن الأيام تتقدم وتتأخر ، وربما كان يوم السبت والأحد والاثنين إلى آخر الأيام السبعة ( 1 ) . قال : قلت : فما ينبغي لنا أن
نعمل في ذلك اليوم ؟ قال : هو يوم عبادة وصلاة وشكر لله وحمد له وسرور لما من الله به عليكم من ولايتنا ، فإني أحب لكم أن تصوموه ( 2 ) .
وفي الكافي لثقة الإسلام الكليني 1 : 303 عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) . قال : قلت : جعلت فداك للمسلمين عيد غير العيدين ؟ قال : نعم يا حسن ، أعظمهما وأشرفهما . قلت : وأي يوم هو ؟ قال : يوم ( 3 ) نصب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) علما للناس .
قلت : جعلت فداك ، وما ينبغي لنا أن نصنع فيه ؟ قال : تصوم ( 1 ) يا حسن ، وتكثر الصلاة على محمد وآله ، وتبرأ إلى الله ممن ظلمهم ، فإن الأنبياء صلوات الله عليهم كانت تأمر الأوصياء اليوم ( 2 ) الذي كان يقام فيه الوصي أن يتخذ عيدا . قال : قلت : فما لمن صامه ؟ قال صيام ستين شهرا ( 3 ) ( 4 ) .
وفي الكافي أيضا 1 : 204 عن سهل بن زياد ، عن عبد الرحمن ابن سالم ، عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر ؟ قال : نعم أعظمها حرمة . قلت : وأي عيد هو جعلت فداك ؟ قال : اليوم الذي نصب فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمير المؤمنين وقال :
من كنت مولاه فعلي مولاه . قلت : وأي يوم هو ؟ قال : وما تصنع باليوم ، إن السنة تدور ، ولكنه يوم ثمانية عشر من ذي الحجة . فقلت : ما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم ؟ قال : تذكرون الله عز ذكره فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمد وآل
محمد ، فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أوصى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أن يتخذوا ( 1 ) ذلك اليوم عيدا ، وكذلك كانت الأنبياء تفعل ، كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتخذونه عيدا ( 2 ) .
وبإسناده عن الحسين بن الحسن الحسيني ، عن محمد بن موسى الهمداني ، عن علي بن حسان الواسطي ، عن علي بن الحسين العبدي قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : صيام يوم غدير خم يعدل عند الله في كل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات ، وهو عيد الله الأكبر . . . الحديث ( 3 ) .
وفي الخصال لشيخنا الصدوق ، بإسناده عن المفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : كم للمسلمين من عيد ؟ فقال : أربعة أعياد . قال : قلت : قد عرفت العيدين والجمعة . فقال لي : أعظمها وأشرفها يوم الثامن عشر من ذي الحجة ،
وهو اليوم الذي أقام فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ونصبه للناس علما . قال : قلت : ما يجب علينا في ذلك اليوم ؟ قال : يجب ( 1 ) عليكم صيامه شكرا لله وحمدا له ، مع أنه أهل أن يشكر كل ساعة ، كذلك أمرت الأنبياء أوصياءها أن يصوموا اليوم الذي يقام فيه الوصي ويتخذونه عيدا . . . الحديث ( 2 ) .
وفي المصباح لشيخ الطائفة الطوسي : 513 عن داود الرقي ، عن أبي هارون عمار بن حريز العبدي قال : دخلت على أبي عبد الله ( عليه السلام ) في اليوم الثامن عشر من ذي
الحجة فوجدته صائما ، فقال لي : هذا يوم عظيم ، عظم الله حرمته على المؤمنين ، وأكمل لهم فيه الدين ، وتمم عليهم النعمة ، وجدد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق . فقيل له : ما ثواب صوم هذا اليوم ؟ قال : إنه يوم عيد وفرح وسرور ، ويوم صوم شكرا لله ، وإن صومه يعدل ستين شهرا من أشهر الحرم . . . الحديث ( 1 ) .
وروى عبد الله بن جعفر الحميري ، عن هارون بن مسلم ، عن أبي الحسن الليثي ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : أنه قال لمن حضره من مواليه وشيعته : أتعرفون يوما شيد الله به الإسلام ، وأظهر به منار الدين، وجعله عيدا لنا ولموالينا وشيعتنا ؟
فقالوا : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، أيوم الفطر هو يا سيدنا ؟ قال : لا . قالوا : أفيوم الأضحى هو ؟ قال : لا ، وهذان يومان جليلان شريفان ، ويوم منار الدين
أشرف منهما ، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ، وأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما انصرف من حجة الوداع وصار بغدير خم . . . الحديث ( 1 ) .
وفي حديث الحميري بعد ذكر صلاة الشكر يوم الغدير وتقول في سجودك : اللهم إنا نفرج وجوهنا في يوم عيدنا الذي شرفتنا فيه بولاية مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليه ( 2 ) .
وقال الفياض بن محمد بن عمر الطوسي سنة تسع وخمسين ومائتين وقد بلغ التسعين : إنه شهد أبا الحسن علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) في يوم الغدير وبحضرته جماعة من خاصته قد احتبسهم للإفطار ، وقد قدم إلى منازلهم الطعام والبر
والصلات والكسوة حتى الخواتيم والنعال ، وقد غير من أحوالهم وأحوال حاشيته وجددت لهم آلة غير الآلة التي جرى الرسم بابتذالها قبل يومه ، وهو يذكر فضل اليوم وقدمه ( 3 ) .
وفي مختصر بصائر الدرجات ، بالإسناد عن محمد بن العلاء الهمداني الواسطي ويحيى بن جريح البغدادي ، قالا في حديث : قصدنا جميعا أحمد بن إسحاق القمي صاحب الإمام أبي محمد
العسكري المتوفى 260 بمدينة قم ، وقرعنا عليه الباب ، فخرجت إلينا من داره صبية عراقية ، فسألناها عنه ، فقالت : هو مشغول بعيده فإنه يوم عيد ، فقلنا : سبحان الله أعياد الشيعة أربعة : الأضحى والفطر والغدير والجمعة . . . الحديث ( 1 ) .