بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وال محمد الطاهرين
عاصر الإمام الصادق(عليه السلام) عشرة من ملوك بني اُمية وهم : عبد الملك بن مروان، والوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك، والوليد بن يزيد بن عبد الملك، وإبراهيم بن الوليد بن عبد الملك، ومروان بن محمد بن مروان بن الحكم المعروف بالحمار وهو آخر ملوكهم.
وعاصر(عليه السلام) من العباسيين عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس المعروف بالسفاح، وأخاه المنصور الداونيقي.
عبد الملك بن مروان
عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن اُمية، اُمّه عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص، فهو اُموي بين اُمويين.
تولّى عبد الملك بعهد من أبيه مروان سنة (65هـ ) وبقي في الملك إلى سنة (86 هـ ) وهي سنة وفاته.
وكان قبل ولايته يجالس العلماء، ويحفظ الحديث ويتعبّد في المسجد، وكان متقشّفاً،""طبعا لم يكن ليتعلم الدين لحسن سيرته بل ليراوغ فيه المهم""وقد أنكر على يزيد بن معاوية حربه لعبد اللّه بن الزبير، وقال لبعض من سار في ذلك الجيش:
ثكلتك اُمك أتدري إلى من تسير؟ إلى أوّل مولود ولد في الإسلام، ومن حنّكه رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وابن حواريه، وابن ذات النطاقين.
أما واللّه إن جئته نهاراً وجدته صائماً، وليلاً وجدته قائماً، فلو أنّ أهل الأرض اطبقوا على قتله لأكبّهم اللّه جميعاً في النار.
قال ذلك الرجل الذي خاطبه عبد الملك بهذا: فلما صارت الخلافة إلى عبد الملك، وجّهنا عبد الملك مع الحجاج حتى قتلناه، أي ابن الزبير.
وذلك أنّ عبد الملك بن مروان عندما ولي الخلافة أرسل الحجاج بن يوسف لحرب ابن الزبير في جيش من أهل الشام، وحوصر ابن الزبير ستة أشهر وسبع عشرة ليلة، وكان الحجاج يرمي الكعبة بالمنجنيق من أبي قبيس.
روى ابن عساكر: أن الحجاج لما رمى الكعبة بالمنجنيق أخذ قومه يرمون من أبي قبيس ويرتجزون:
خطارة مثل الفنيق المزبد *** أرمي بها أعواد هذا المسجد
فجاءت صاعقة فأحرقتهم، فامتنع الناس من الرمي، وخطب بهم الحجاج فقال: ألم تعلموا أنّ بني إسرائيل كانوا إذا قرّبوا قرباناً فجاءت نار فأكلته، علموا أنه قد تقبل منهم، وإن لم تأكله النار علموا أنّ القربان لم يقبل ولم يزل يخدعهم حتى عادوا فرموا
ودام الحصار والرمي للكعبة حتى قتل عبد اللّه بن الزبير في جمادى الآخرة سنة (83 هـ ) وصلبه الحجاج منكوساً بعد قتله، وبعث رأسه إلى عبد الملك بن مروان فطيف به في البلاد
ولمّا أفضى الأمر إليه كان المصحف بيده فأطبقه، وقال: هذا آخر العهد بك، أو هذا فراق بيني وبينك
قال ابن كثير: حجّ عبد الملك في سنة (75 هـ ) وخطب الناس بخطبة، قال فيها: إنّه كان من قبلي من الخلفاء يأكلون ويؤكلون، وإني واللّه لا اُداوي أدواء هذه الاُمة إلاّ بالسيف، ولست بالخليفة المستضعف ـ يعني عثمان ـ ولا الخليفة المداهن ـ يعني معاوية ـ ولا الخليفة المأبون ـ يعني يزيد بن معاوية ـ أيّها الناس إنّا نحتمل منكم مالم يكن عقد راية أو وثوب على منبر، هذا عمرو بن سعيد حقّه حقّه قرابته وابنه، قال برأسه هكذا، قلنا بسيفنا هكذا، وإنّ الجامعة التي خلعها من عنقه عندي، وقد أعطيت الله عهداً أن لا أضعها في رأس أحد إلاّ اخرجها الصعداء، فليبلغ الشاهد الغائب.
وعمرو بن سعيد هو المعروف بالأشدق قتله عبد الملك بيده سنة (69 هـ ); وقال بعد أن فرغ من قتله: كان أبو اُمية أحبّ إليّ من زهر النواظر ولكن والله ما اجتمع فحلان في شول قط إلاّ أخرج أحدهما صاحبه. وكان قتله لعمرو بن سعيد غدراً، لأنّه آمنه وحلف له وجعله وليّ عهد من بعده.
وكان عبد الملك له إقدام على سفك الدماء، ولما قالت له اُمّ الدرداء: بلغني أنّك شربت الطلى بعد العبادة والنسك! ! فقال: أي و اللّه والدماء أيضاً شربتها.
وكانت أوّل بادرة صدرت منه وتعتبر منهاجاً لسيرته، أنّه نهى عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال: لا يأمرني أحد بتقوى اللّه
إلاّ ضربت عنقه
البحث يتبع """؟؟؟؟؟\\\\\\\\ قريبا
التعديل الأخير تم بواسطة Dr.Zahra ; 17-08-2010 الساعة 10:47 AM.
سبب آخر: وسام الموضوع المميز
وهو الذي حمل الحجاج بن يوسف على رقاب المسلمين عندما ولاّه على الحجاز والعراق.
والحجاج ذلك الطاغية الذي أذاق الاُمة أنواع العذاب، يغمد سيفه في رقاب الأبرياء، وقد اتخذ ذلك السجن المكشوف الذي يضم بين جدرانه عدداً لا يقلّ عن مائة وعشرين ألفاً بين رجل وامرأة، يلاقون فيه حرارة الشمس وألم الجوع، ويكابدون غصص وضع الرماد على الرؤوس، وهم يموجون من الشدة، ويغلون كالمرجل، تحرقهم حرارة الشمس وتقلّبهم السياط وبعج الرماح وصرخات السجانين، ولقد اتخذ الحجاج في معاملة الناس عند ولايته أقسى ما يتصور من القسوة والشدّة، فهو يضرب بسيفه أنّى شاء وكيف شاء، وله أساليب في إنزال العذاب والعقوبة بمن يظفر بهم، فأصبح إمام سنّة الظلمة، واُستاذ الظلمة من الحكام.
فهذا سجين يشدّ عليه القصب الفارسي المشقوق ويجرّ عليه، ثم ينضح عليه الخلّ، وذاك أسير آخر اُصيب ساقه بنشابة ثبت نصلها في ساقه. وعلم الحجاج أنّ أشدّ عذاب يعامل به أسيره أن يحرّك النصل ليسمع استغاثة السجين وصياحه، فتأخذه نشوة الطرب تجبّراً وطغياناً. قال عمر بن عبد العزيز: لو جاءت كلّ اُمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم.
وقال عاصم: ما بقيت لله عزّ وجلّ حرمة إلاّ وقد ارتكبها الحجاج
وكان الحجاج قد تطلّع الى إمرة العراق وهو يرى عبدالملك قلقاً على ملكه ممّا يحدث فيه ويخاطب أصحابه: ويلكم! من للعراق؟ وتمّ للحجاج ما رغب فيه واتّجه رضيع الدماء المبير الى العراق حيث الثوار، فكان غاشماً عاتياً في فعله وقوله. ومن جملة أقواله:
يا أهل العراق هل استنبحكم نابح، أو استشلاكم غاو أو استخفّكم ناكث، أو استنصركم عاص إلاّ تابعتموه وبايعتموه وآويتموه وكفيتموه؟ يا أهل العراق هل شغب شاغب أو نعب ناعب أو ربى كاذب إلاّ كنتم أنصاره وأشياعه.
ويخاطب أهل الشام:
يا أهل الشام أنتم العدّة والعدد، والجنّة في الحرب، إن نحارب حاربتم أو نجانب جانبتم وما أنتم وأهل العراق إلاّ كما قال نابغة بني جعدة:
وإن تداعيهم حظّهم *** ولم ترزقوه ولم تكذب
كقول اليهود قتلنا المسيح *** ولم يقتلوه ولم يصلب
وأنزل أهل الشام بيوت أهل الكوفة. يقول ابن الأثير: وهو أوّل من أنزل الجند في بيوت غيرهم، وهو الى الآن لا سيّما في بلاد العجم، ومن سنّ سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة.
وقيل اُحصي من قتله الحجاج صبراً، فكانوا مائة ألف وعشرين ألفاً. وروي أنّ الحجاج مرّ بخالد بن يزيد بن معاوية وهو يخطر في مشيته، فقال رجل لخالد: من هذا؟ قال خالد بخ بخ، هذا عمرو بن العاص، فسمعها الحجاج فردّ عليهما بكلام منه: أنا الذي ضربت بسيفي هذا مائة ألف كلّهم يشهد أنّ أباك كان يشرب الخمر ويضمر الكفر.
وسئل الحسن البصري عن عبد الملك بن مروان؟ فقال: ما أقول في رجل، الحجاج سيئة من سيئاته.
ويقول ابن الأثير وهو يصف خوف عبدالملك من الموت وهو في ساعاته الأخيرة: «ويحقّ لعبدالملك أن يحذر هذا الحذر ويخاف; فإن من يكن الحجاج بعض سيئاته يعلم على أيّ شيء يقدم عليه».
وكان عبد الملك يشجّع الحجاج ويشدّ أزره، ولا يسمع عليه أي شكاية ولا يرقّ لأيّ استغاثة، ولمّا أدركه الموت أوصى ولي عهده الوليد برعاية الحجاج وإكرامه، وكيف لا يوصيه برجل كان من رأيه أنّ عبد الملك أفضل من النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم). ولا عجب من الحجاج بل العجب ممن يطلب له المعاذير ويحاول أن يوفّق بين أعماله القبيحة وبين الدين، ويريد أن يدخله الجنّة رغم الحواجز، وليس ببعيد عن التعصّب والعاطفة حصول هذا وأمثاله.
ونستطيع أن نعرف نفسيّة عبد الملك وما هو فيه من جرأة على سفك الدماء، في ولايته للحجاج وتوليته اُمور المسلمين مع علمه بجوره وتعسفه، وقد كانت تصله أخباره وترفع إليه الشكايات والاستغاثة منه، فلا يرون عنده إلاّ تشجيع الحجاج على عمله.
ولمّا حضرته الوفاة أوصى ولده الوليد، في أخذ البيعة له بالسيف وقال ـ وهو في آخر ساعة من الدنيا ـ : يا وليد، حضر الوداع وذهب الخداع وحلّ القضاء. فبكى الوليد، فقال له عبد الملك: لا تعصر عينيك كما تعصر الأَمة الوكاء، إذا أنا متّ فغسلني وكفني وصلِّ عليّ واسلمني إلى عمر بن عبد العزيز يدليني في حفرتي، واخرج أنت إلى الناس والبس لهم جلد نمر، واقعد على المنبر، وادع الناس إلى بيعتك، فمن مال بوجهه كذا فقل له بالسيف كذا، وتنكّر للصديق والقريب، واسمع للبعيد، وأوصيك بالحجاج خيراً.
وبهذا نأخذ صورة عن كيفية أخذ البيعة من الناس لخليفة جديد، يتولى ادارة شؤون الاُمة، فهل للاُمة اختيار في الانتخاب أم انّها مرغمة ليس لها أيّ رأي؟ ! ولا يحقّ لها الاعتراض على شيء من ذلك، والمعارض يقتل، فهل تصح مثل هذه البيعة التي سنّ نظامها العهد الاُموي، وهل يصحّ أن يسمى من يفوز بمثل هذا التعيين الاجباري بأمير المؤمنين ويكتب ذلك بحروف بارزة؟ أنا لا أدري ولعلّ هناك من يدري وإلى القارئ النبيه الحكم.
وكان عبد الملك يبتعد عن دماء بني هاشم لا تديّناً ولكنّه رأى عاقبة آل أبي سفيان السيئة من وراء ذلك، كما يشير بكتابه للحجاج بن يوسف في عدم التعرض لهم ومع هذا فقد حمل الإمام زين العابدين(عليه السلام) مقيّداً من المدينة إلى الشام، كما حدّث الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء..
""؟؟\\يتبع
سبحآن الرب العظيمـ
اسال الله تعالي ان يجعلنا
من الصائمين القائمين
المقبول صلاتهم وصيامهم يا رب
نسألكم الدعاء اخي الغالي
جزيتم كل خير يا رب
متابع معكم مولاي
""""""""""""""""""""""
الوليد بن عبد الملك
ولي الأمر بعد أبيه يوم الخميس في النصف من شوال سنة (86 هـ ) وهو اليوم الذي مات فيه عبد الملك. وكان الوليد ولي عهده، وبقي والياً إلى أن مات يوم السبت في النصف من جمادى الأولى سنة خمس وتسعين، وكانت مدة ولايته تسع سنين وسبعة أشهر، وله ست وأربعون سنة.
واُمّه ولادة بنت العباس بن جزء بن الحارث بن زهير بن جذيمة العبسي.
وكان الوليد له سطوة شديدة لا يتوقف إذا غضب، وكان كثير النكاح والطلاق، يقال إنه تزوّج ثلاثاً وستين امرأة(غير الاماء. وكان لجوجاً كثير الأكل. وكان يغلب عليه اللحن.
وهو الذي بنى جامع دمشق، والذي عرف بالجامع الاُموي، وأنفق على ذلك أربعمائة صندوق من الذهب، وفي كل صندوق أربعة عشر ألف دينار، وقيل كان في كلّ صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار، وقد لامه الناس على ذلك، وأنه انفق مال بيت المسلمين فخطبهم، وقال: إنّما هذا كلّه من مالي، لأنّ الاُمويين يعدون الأموال التي تجيء لهم هي ملكهم يتصرفون بها كيف شاءوا.
كما أنّه زاد في مسجد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وزخرفه ونمّقه، ورصّعه بالفسيفساء وهي الفص المذهّب، وأدخل فيه حجر أزواج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وسائر المنازل التي حوله، فقال له خبيب بن عبد اللّه بن الزبير: اُنشدك اللّه أن تهدم آية من كتاب اللّه: (إنّ الذين يُنادُونك من وراء الحُجُرات )فأمر الوليد بضربه حتى مات،
وفي أيّامه مات الإمام زين العابدين علي بن الحسين(عليهما السلام) مسموماً، وذلك في الخامس والعشرين من شهر محرم الحرام سنة (95 هـ )، وكان الوليد هو الذي دسّ إليه السمّ ويُقال: إن هشام بن عبد الملك هو الذي دسّ إليه السمّ بأمر من الوليد، .
وفي أيّامه قتل سعيد بن جبير، قتله الحجاج بن يوسف في شعبان سنة (95 هـ )، وكان سعيد قد هرب من الحجاج إلى اذربيجان، ومنها توجّه إلى مكّة مستجيراً باللّه، ولا ئذاً في حرمه.
وكتب الحجاج إلى الوليد: إن جماعة من التابعين قد التجأوا إلى مكّة فكتب الوليد إلى عامل مكّة خالد القسري: يأمره بحملهم إلى الحجاج، وكانوا خمسة، وهم: سعيد بن جبير، وعطاء، ومجاهد، وطلق بن حبيب، وعمر بن دينار.
ولمّا دخل سعيد على الحجاج دارت بينهما محاورة، وأسمعه الحجاج كلاماً شائناً، ثم سأله عن عبد الملك، فقال سعيد تسألني عن امرىً أنت واحد من ذنوبه.
وأمر الحجاج بقتله، فقال سعيد: اشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، استحفظكها يا حجاج حتى ألقاك يوم القيامة، ولمّا قتل هلّل رأسه ثلاثاً افصح فيها بمرّة، والتبس عقل الحجاج يومئذ، وجعل يقول: قيودنا قيودنا، فظنّوها قيود سعيد التي في رجليه، فأخذوها من رجليه بعد أن قطعوا رجليه من ساقيه، وكان الحجاج إذا نام ينتبه مرعوباً ويقول: مالي ولسعيد بن جبير؟
ولم يبق الحجاج بعد ذلك إلاّ أياماً، فإنّه قتل سعيداً في شعبان ومات هو في شهر رمضان من السنة المذكورة.
وكذلك الوليد فإنّه مات في السنة الثانية (96 هـ ) في النصف من جمادى الآخرة. أو الأولى.
قال بعض من هرب من جور الحجاج: مررت بقرية، فوجدت كلباً نائماً في ظلّ حب، فقلت في نفسي ليتني كنت مثل هذا الكلب، وكنت مستريحاً من خوف الحجاج.
قال ثم عدت بعد ساعة فوجدت الكلب مقتولاً فسألت عنه، فقيل: جاء أمر الحجاج بقتل الكلاب.
لقد تركت سلطة الاُمويين الحجاج يفعل ما يشاء ويتصرف مع أعدائهم بسيفه دون أن تحرّك ضمائرهم مناظر القتل والتشريد وانتهاك الأعراض، فهو «جلدة ما بين العينين» في أعزّ موقع من وجه السلطة الدموي. كما تركوه يتمادى في الكفر ويأتي بما يشاء من الكفر والخروج عن الإسلام.
فكان يدّعي نزول الوحي عليه، وأنّه لا يعمل إلاّ بوحي من الله تعالى، وبلغت به الجرأة القول: إن خليفة الله في أرضه أكرم عليه من رسوله.وبهذا ينطبق عليه الحديث الشريف: «إن في ثقيف مبير وكذاب».
؟؟؟لا حول ولا فوة الا بالله العلي العظيم
التعديل الأخير تم بواسطة علي الكاظمي ; 14-08-2010 الساعة 01:45 AM.
ولي الأمر بعد أخيه الوليد يوم السبت في النصف من جمادى الآخرة سنة (96 هـ ) بعهد من أبيه عبد الملك، وبقي والياً إلى أن مات يوم الجمعة لعشر خلون من صفر سنة (99 هـ ) وكانت ولايته عامين وتسعة أشهر وأيّاماً، وهو شقيق الوليد.
وأراد الوليد أن يعزل سليمان عن ولاية العهد، ويبايع لولده عبد العزيز فأبى سليمان، فكتب الوليد إلى عمّاله، ودعا الناس إلى ذلك، فلم يجبه إلاّ الحجاج، وقتيبة بن مسلم.
ولهذا غضب سليمان على آل الحجاج ونكبهم، وقتل قتيبة بن مسلم سنة (96 هـ ) وعزل عمّال الحجاج، وعذّب أهله، وأطلق في يوم واحد من المسجونين في سجن الحجاج أحد وثمانين ألفاً من الاُسراء، وأمرهم أن يلحقوا بأهاليهم، ووجد في سجن الحجاج ثلاثين ألفاً ممّن لا ذنب لهم، وثلاثين ألف امرأة.
وسجن يزيد بن مسلم كاتب الحجاج، واُدخل عليه وهو مكبل في الحديد فلما رآه سليمان إزدراه فقال: ما رأيت كاليوم قط، لعن اللّه رجلاً أجّرك رسنه وحكمك في أمره.
فقال له يزيد: لا تفعل يا أمير المؤمنين فإنّك رأيتني والأمر عني مدبر وعليك مقبل.
ثم قال سليمان: عزمت عليك لتخبرني عن الحجاج ما ظنّك به، أتراه يهوي بعد في جهنّم أم قد استقر؟ قال: لا تقل هذا في الحجاج، فقد بذل لكم نصحه، وأحقن دونكم دمه، وأمن وليّكم، وأخاف عدوّكم، وأنّه يوم القيامة لعن يمين أبيك عبد الملك، ويسار أخيك الوليد، فاجعله حيث شئت، فقال سليمان: اخرج عني إلى لعنة اللّه.
وكان سليمان يأخذ برأي عمر بن عبد العزيز في بعض اُموره يستشيره فيها، وقال له: أنّه قد ولينا ما ترى وليس لنا علم بتدبيره، فما رأيت من مصلحة العامة فمرّ به فليكتب. فكان رد الصلاة إلى ميقاتها، بعد أن كانوا يؤخّرونها إلى آخر وقتها.
وسمع سليمان ليلة صوت غناء في عسكره فلم يزل يفحص حتى أتى بهم، فقال سليمان: إنّ الفرس ليصهل فتستودق له الرمكة، وإنّ الجمل يهدر فتضع له الناقة، وإنّ التيس لينبُ فتستخذي له العنز، وإنّ الرجل ليغني فتشتاق له المرأة، ثمّ أمر بهم فقال: أخصوهم . فيقال إن عمر بن عبد العزيز قال: يا أمير المؤمنين، إنّها مثلة، ولكن أنفهم . فنفاهم.
وقد أجمع المؤرخون على شدّة نهم سليمان، وأنّه يأكل كثيراً يجوز المقدار. وقال بعضهم : كان يأكل مائة رطل، وغير ذلك ممّا ذكره.
وكان يلبس الثياب الرقاق، وثياب الوشي، ولبس الناس جميعاً الوشي جباباً وأردية وسراويل، وعمائم وقلانس ، وألبس جميع أهله وحاشيته الوشي; حتى الطباخين وأمر أن يكفن فيه.
وكان مجحفاً في جباية الأموال، فمن ذلك أنه كتب إلى عامله على خراج مصر ـ وهو اُسامة بن زيد التنوخي ـ أحلب الدر حتى ينقطع ، وأحلب الدم حتى ينصرم.
قال الكندي: فذلك أول شدّة دخلت على أهل مصر. وقد أعجب سليمان بفعل اُسامة، وقال: هذا اُسامة لا يرتشي ديناراً ولا درهماً، فقال له عمر بن عبد العزيز: أنا أدلّك على من هو شر من اُسامة ولا يرتشي ديناراً ولا درهماً.
فقال سليمان: ومن هو؟ قال: هو عدو اللّه ابليس. فغضب سليمان وقام من مجلسه.
وقدم اُسامة على سليمان بما اجتمع عنده من الخراج وقال: يا أمير المؤمنين إنّي ما جئتك حتى نهكت الرعية وجهدت، فإن رأيت أن ترفق بها وترفه عليها، وتخفف من خراجها ما تقوى به على عمارة بلادها فافعل، فإنّه يستدرك ذلك في العام المقبل. فقال له سيلمان: هبلتك اُمّك، أحلب الدر فإذا انقطع فاحلب الدم.
وغضب سليمان على أعظم قائد فتح الفتوحات العظيمة في بلاد المغرب وهو موسى بن نصير، وكان من رجالات الكوفة العسكريين، وزهّادها المؤمنين! ممّن عرف بولائه لأهل البيت واستقامته، ولعلّ من هذا كان سخط سليمان عليه بعد تلك الأعمال الجليلة والفتوحات العظيمة، كما هو مشهور.
وقد أهمل كثير من المؤرخين عظيم بلائه وجهاده في نشر الإسلام ، واتساع رقعته، وأشادوا بذكر مولاه طارق بن زياد الذي كان تحت امرته ويسير على مخططاته العسكرية.
كانت لموسى هذا مواقف مشهورة، ففتح بلاد المغرب، وغنم أموالاً طائلة وكان يوجه ولده عبد العزيز، ومولاه طارق بن زياد لافتتاح المدن، ولكن سليمان وجد على موسى، فقتل ولده عبد العزيز الذي افتتح في امارته مدائن كثيرة، وكان عبد العزيز متصفاً بالزهد والصلاح، ولكنّ بعض المؤرخين حاكوا حوله تهمة لا تتفق مع مايتصف به من الاستقامة وحسن السيرة، وكان قتله سنة (98 هـ ) . قال ابن الأثير: ويعدون ذلك من زلاّت سليمان.
وكان والده موسى قد سخط عليه سليمان وعذبه أنواع العذاب، وضمنه أربعة آلاف دينار وثلاثين ألف درهم.
ولمّا قتل ولده عرض رأسه عليه فتجلّد للمصيبة وقال: هنيئاً له بالشهادة، وقد قتلتموه، واللّه صواماً قواماً.
وكان موسى ممّن عرف هو وأبوه نصير بولائه لآل محمد، ولقد غضب معاوية عليه إذ لم يخرج معه لصفين ."""""""""
""""""""يتبع
أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، واُمّه اُم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب .
ولي بعهد من سليمان بن عبد الملك، يوم الجمعة لعشر خلون من صفر سنة (99 هـ )، وبقي والياً إلى أن مات يوم الجمعة لخمس بقين من رجب سنة (101 هـ ). ومدة خلافته سنتان وخمسة أشهر وخمسة أيام .
وكان أبوه عبد العزيز المتوفى سنة (86 هـ ) ولي عهد مروان بعد أخيه عبدالملك، ولكنه مات قبله.
وقد وجد الناس في عهد عمر بن عبد العزيز عدلاً فقدوه زماناً، واستراحوا في أيّامه القليلة ممّا كانوا يتحمّلونه من ظلم وتعسف، وجور في الحكم، واستبداد في الأمر من حكام سبقوه، وهم لا يتقيدون بقانون سماوي أو وضعي، ولا ينظرون إلا لأنفسهم وأنصارهم، فيستأثرون بما يجبونه من الأموال، وينفقونه في مصالحهم الخاصة.
وكان الخراج في عهده من أسوأ المشاكل التي تواجهها الاُمة لسوء تصرف العمال، وجشع الولاة، وكانت جبايته غير محدودة ولا مقررة، بل يعود أمرها إلى العمال أنفسهم، فظلموا العباد وخرّبوا البلاد.
ولما ولي عمر بن عبد العزيز عالج هذه المشكلة، ويعطينا كتابه لعامله في العراق صورة واضحة عن سوء الحالة وتردي الأوضاع.
سيرته في الخراج
كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامل الكوفة: أما بعد فإنّ أهل الكوفة قد أصابهم بلاء وشدة في أحكام اللّه، وسنة خبيثة سنّها عليهم عمال السوء، وإنّ قوام الدين العدل والاحسان، فلا يكن شيء أهمّ إليك من نفسك، فلا تحملها قليلاً من الإثم، ولا تحمل خراباً على عامر، وخذ منه ما أطاق وأصلحه حتى يعمر، ولا يؤخذن من الغامر إلاّ وظيفة الخراج في رفق وتسكين لأهل الأرض، ولا تأخذن اُجور الضرّابين، ولا هدية النوروز والمهرجان، ولا ثمن المصحف. ولا اُجور الفتوح، ولا اُجور البيوت ولا درهم النكاح، ولا خراج على من أسلم من أهل الأرض، فاتبع في ذلك أمري فإني قد وليتك ما ولاني الله، ولا تعجل دوني بقطع ولا حلب حتى تراجعني فيه، وانظر من أراد من الذرّية أن يحجّ فعجّل له مائة ليحج بها والسلام.
وقد عامل العلويين معاملة حسنة وفرّق فيهم أموالاً، وكتب إلى عامله بالمدينة: أن أقسم في ولد عليّ بن أبي طالب عشرة آلاف دينار. فكتب إليه العامل: إن علياً قد ولد له في عدة قبائل من قريش ففي أيّ ولده؟ فكتب إليه عمر: إذا أتاك كتابي هذا فاقسم في ولد علي من فاطمة ـ رضوان اللّه عليهم ـ عشرة آلاف دينار فطالما تخطّتهم حقوقهم والسلام.
ودخلت عليه فاطمة بنت علي(عليه السلام)، فقال لها: يا بنت علي، واللّه ما على ظهر الأرض أهل بيت أحبّ إليّ منكم، ولأنتم أحبّ إليّ من أهل بيتي
وقال ابن الأثير : وكان سبب محبّته علياً أنّه قال: كنت بالمدينة أتعلّم العلم، وكنت ألزم عبيد الله بن عبدالله عتبة بن مسعود، فبلغه عنّي شيء من ذلك، فأتيته يوماً وهو يصلّي، فقال لي: متى علمت أنّ الله غضب على أهل بدر وبيعة الرضوان بعد أن رضي عنهم؟ قلت: لم أسمع ذلك.
قال: ما الذي بلغني عنك في علي(عليه السلام)؟ قلت: معذرة إلى اللّه وإليك وتركت ما كنت عليه.
وكان أبي إذا خطب فنال من عليّ رضي اللّه عنه تلجلج، فقلت: يا أبتِ إنّك تمضي في خطبتك، فإذا أتيت على ذكر عليّ عرفت منك تقصيراً .
قال: أو فطنت لذلك؟ قلت: نعم . فقال: يا بنيّ، إنّ الذين حولنا لو يعلمون من عليّ ما نعلم تفرّقوا عنّا إلى أولاده.
فلمّا ولي الخلافة لم يكن عنده من الدنيا هم، مثل ما يرتكب هذا الأمر العظيم لأجله، فترك ذلك وكتب بتركه وقرأ عوضه: (إنّ اللّهَ يأمرُ بالعدل والإحسان )الآية، فحلّ هذا الفعل عند الناس محلاً حسناً وأكثروا مدحه بسببه.
وصعب على الاُمويين ترك هذه البدعة، وحاولوا إعادتها بعد عمر بن عبدالعزيز.
حجّ هشام بن عبد الملك سنة (106 هـ ) فقال له سعيد بن الوليد بن عثمان: يا أمير المؤمنين إنّ الله لم يزل ينعم على أهل بيت أمير المؤمنين، وينصر خليفته المظلوم، ولا يزالوا يلعنون في هذه المواطن الصالحة أبا تراب، فأمير المؤمنين ينبغي أن يلعنه في هذه المواطن الصالحة، فشقّ على هشام ذلك وقطع كلامه، وقال: ما قدمنا لشتم أحد.
وعلى أيّ حال فإنّ عمر بن عبد العزيز قام باُمور مشكورة، ووجد الكثيرون في عهده ما لم يجدوه في عهد غيره من الاُمويين .
ولقد ثقل على الاُمويين ما قام به عمر بن عبدالعزيز من الأعمال الصالحة، ومعالجة مشاكل المجتمع، ولذا قيل: إنّه مات بالسمّ من بني اُمية، علماً منهم أنّه إن امتدّت أيّامه أخرج الأمر عنهم، وأنّه لا يعهد بعهد إلاّ لمن يصلح للأمر فعاجلوه
أخطاء تاريخية
ذكر بعض المؤرخين: أنّ عمر بن عبد العزيز صعد المنبر ذات يوم بمكّة، فقال: أيّها الناس من كانت له ظلامة فليتقدم. فتقدم علي بن الحسين بن علي(عليه السلام)فقال: إنّ لي ظلامة عندك. فقال: وما ظلامتك؟
فقال علي بن الحسين: مقامك هذا الذي أنت فيه. فقال عمر: إنّي لا أعلم ذلك، ولكن لو علمت أنّ الناس يتركونه لك واللّه لتركته
ونحن لا ننكر اعتراف عمر بن عبد العزيز بأحقيّة أهل البيت للأمر، ولا ننكر مطالبة أهل البيت في حقّهم عند سنوح الفرص، وأنّهم مظلومون، وأيديهم من حقّهم صفرات.
ولكن انا لله وانا اليه راجعون "الملك عقيم"
يزيد بن عبد الملك بن مروان اُمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية، تولّى الحكم بعد عمر بن عبد العزيز سنة (101 هـ ) وبقي إلى أن مات ليلة الجمعة لأربع بقين من شعبان سنة (105 هـ ) فكانت ولايته أربعة أعوام وشهراً واحداً ويومين.
أراد عندما ولي الخلافة أن يسير بسيرة عمر بن عبدالعزيز، فشقّ ذلك على قرناء السوء، وأعوان الظلم ودعاة الباطل، فأتوا إليه بأربعين شيخاً، فشهدوا له أنّه ما على الخلفاء من حساب ولا عذاب.
فخدعوه بذلك فانخدع بهم، وكان كلامهم موافقاً لهواه، فانهمك في اللذات واللهو والطرب، ولم يراقب اللّه ولم يخشه.
فعادت الاُمور إلى وضعها قبل عمر بن عبد العزيز، وعادت مشكلة الخراج وعزل جميع عمّال عمر، وكتب إلى عمّاله: أما بعد فإنّ عمر بن عبد العزيز كان مغروراً، فدعوا ما كنتم تعرفون من عهده، وأعيدوا الناس إلى طبقتهم الأولى، أخصبوا أم أجدبوا، أحبوّا أم كرهوا، حيوّا أم ماتوا.
وقال ابن الأثير: وعمد يزيد بن الوليد إلى كلّ ما صنعه عمر بن عبدالعزيز ممّا لم يوافق هواه فردّه، ولم يخف شناعة عاجلة، ولا إثماً عاجلاً، فمن ذلك: أنّ محمد بن يوسف أخا الحجاج كان على اليمن، فجعل عليهم خراجاً مجدّداً، فلمّا ولي عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله بالاقتصار على العشر، وترك ما جدّده محمد بن يوسف، وقال: لأن يأتيني من اليمن حصة ذرة أحبّ إلي من تقرير هذه الوضعية، فلمّا ولي يزيد بعد عمر أمر بردّها، وقال لعامله: خذها منهم، ولو صاروا حرضاً، والسلام.
وكان يزيد صاحب لهو ولذّة، وهو صاحب حبابة وسلامة وهما جاريتان وكان مشغوفاً بهما، وماتت حبابة فمات بعدها بيسير أسفاً عليها، وكان قد تركها أيّاماً لم يدفنها، لعدم استطاعته فراقها، فعوتب على ذلك، فدفنها، ويقال إنّه نبشها بعد الدفن حتى شاهدها
سبحان الله "هل هؤلاء يسمونهم خلفاء "لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم"
هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم ولي الأمر بعهد من أخيه يزيد بن عبد الملك سنة (105هـ ) لخمس بقين من شعبان، وبقي إلى سنة (125 هـ ) وهي سنة وفاته، وكانت مدّة ملكه تسع عشرة سنة وسبعة أشهر غير أيام، واُمّه بنت هشام بن إسماعيل المخزومي. كان هشام يعدّ من دهاة بني اُمية، وقرنوه بمعاوية، وعبد الملك، وقد عرف بالغلظة، وخشونة الطبع، وشدّة البخل، وسوء المجالسة، وكان أحول، وهو الرابع من أولاد عبد الملك الذين تولوا الحكم . وكان شديد البغض للعلويين، حاول الانتقام منهم، وانتقاصهم كلّما أمكنته الفرصة. حجّ هشام قبل أن يلي الخلافة فطاف في البيت ولم يتمكّن من استلام الحجر من شدّة الزّحام، فنصب له منبر وجلس عليه، وأهل الشام حوله. وبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) فانفرج الناس له وصاروا سماطين، اجلالاً وهيبة واحتراماً، فعظم على هشام وغاضه ذلك. وقال: من هذا؟ استنقاصاً له. وكان الفرزدق حاضراً فقال: أنا أعرفه. فقال هشام: من هو؟ فأنشأ الفرزدق قصيدته المشهورة التي يقول في مطلعها: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم *** هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم إلى آخر القصيدة ، فغضب هشام، وأمر بسجن الفرزدق. وحجّ هشام بن عبد الملك في أيام خلافته سنة (106 هـ ) وكان الإمام محمد الباقر(عليه السلام)في المسجد، وقد أحاط به طلاب العلم، وهو في تلك الحلقة يلقي عليهم تعاليم الدين الإسلامي، ويعلّمهم الاحكام والفرائض، فصعب ذلك على هشام، فقال لرجل من جماعته: اذهب إليه واسأله وقل له يقول لك أمير المؤمنين: ما الّذي يأكله الناس ويشربونه في المحشر إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟ فلما سأله الرجل قال(عليه السلام): قل له، يحشر الناس على مثل قرص النقى،فيها أشجار وأنهار يأكلون ويشربون منهاحتى يفرغوا من الحساب. وكان هشام يقصد من وراء هذا السؤال أن يظفر بشيء يستطيع به أن يضع من منزلة الإمام في ذلك المجتمع ولو من باب المغالطة، لأنّه حانق عليه، فلما رجع الرسول إليه بما أجابه الإمام ظن هشام أن ظفر بما أراد ونجح بما دبر. فقال: اللّه أكبر، إذهب إليه فقل له يقول لك: ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذ؟ فقال أبو جعفر الباقر(عليه السلام): هم في النار أشغل، ولم يشغلوا عن أن قالوا: أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم اللّه. فسكت هشام وعرف فضله. وهو الذي سيّر الإمام الباقر(عليه السلام)وولده الصادق(عليه السلام) من المدينة إلى الشام، يقصد بذلك اهانتهما والتشفي منهما لما رآه وسمعه عندما حجّ في تلك السنة، وحجّ فيها الإمام محمد الباقر وولده الصادق(عليهما السلام) ، فقال الإمام الصادق في ذلك الملأ: الحمد للّه الذي بعث محمداً بالحقّ نبياً وأكرمنا به، فنحن صفوة الله من خلقه، وخيرته من عباده وخلفائه، فالسعيد من تبعنا، والشقي من عادانا. فبلغ هشام ذلك، وعظم عليه فلم يتعرّض لهما بشيء، حتى انصرف إلى دمشق، وأمر بإشخاص الإمام وولده الصادق(عليهما السلام) إلى دمشق. قال الإمام الصادق(عليه السلام) فلما وردنا دمشق حجبنا ثلاثاً، ثم أذن لنا في اليوم الرابع إلى آخر ما هو معروف من هذه القصة. هشام وزيد بن علي ودخل عليه زيد بن علي(عليه السلام) فسلّم عليه بالإمرة، فلم يرد السلام اهانة له، وأغلظ في الكلام ولم يفسح له في المجلس. وفي زيد يقول الامام الصادق عليه السلام "رحم الله عمي زيد اما انه لوظفر لوفى وانه كان يدعوا للرضا من ال محمد"انتهى " فقال زيد: السلام عليك يا أحول، فأنك ترى نفسك أهلاً لهذا الاسم. فغضب هشام، وجرت بينهما محاورة كان نصيب هشام فيها الفشل، وخرج زيد وهو يقول: ما كره قوم حرّ السيوف إلاّ ذلّوا. وأمر هشام بردّه وقال له : اذكر حوائجك. فقال زيد: أما وأنت ناظر على اُمور المسلمين فلا. وخرج من عنده، وقال: من أحبّ الحياة ذلّ. ومضى زيد إلى الكوفة وبها استشهد في الثالث من صفر سنة (121 هـ ) بعد ثورة آزرته فيها مختلف الطاقات، وجرت حوادث لايتسع المجال لذكرها. وبعد شهادته ـ (رضي الله عنه) ـ صلب جسده عرياناً منكوساً بأمر من هشام، وبقي الجسد مصلوباً أربع سنين، ونسجت العنكبوت على عورته، وأرسل يوسف بن عمر أمير الكوفة رأس زيد إلى هشام، فصلبه على باب دمشق، ثم أرسله إلى المدينة، فنصب عند قبر الرسول يوماً وليلة، ثم نصب في مؤخر المسجد على رمح، وأمر الوالي باجتماع الناس، فقام خطباء الاُمويين بشتم أهل البيت، وهكذا بقي الرأس سبعة أيام. ثم أمر هشام بإرسال الرأس إلى حنظلة بن صفوان عامله على مصر سنة (122 هـ ) فأمر حنظلة بتعليقه، وأن يطاف به. أمّا الجسد الشريف فقد بقي مصلوباً إلى أيّام الوليد بن يزيد، وقد أقام عليه يوسف بن عمر حرّاساً خوفاً من أن ينزل الجسد فيغسل ويكفن ، وكان الموكل بحراسة الجسد زهير بن معاوية، أحد رجال الصحاح وحملة الحديث. وكان زهير يحدّث الناس: بأنّه رأى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) في النوم، وقد وقف على الخشبة وقال: هكذا تصنعون بولدي من بعدي ؟ !! يا بني يا زيد قتلوك، قتلهم اللّه، صلبوك صلبهم اللّه. مقتل زيد بن علي وملابساته قال ابن عساكر: فخرج زيد في أربعة آلاف بالكوفة، فاحتال عليه بعض من كان يهوى هشاماً، فدخلوا عليه وقالوا: ما تقول في أبي بكر وعمر؟ فقال زيد: رحم اللّه أبا بكر وعمر صاحبي رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال: أين كنتم قبل اليوم؟!! وكان الغرض من القاء هذا السؤال في ذلك الموقف الحرج في ساعة حرب وتجمّع، وهياج وتحزّب، هو أحد أمرين وفي كليهما نجاح تلك الخدعة، وتحقيق هدف تلك المؤامرة ، فإمّا أن يتبرأ زيد من الشيخين ويسيء القول فيهما، فيكون حينئذ أقوى سبب لقتل زيد، لأنّه يسيء القول في الشيخين، وتلك وسيلة اتخذها الاُمويون ومن بعدهم للقضاء على خصومهم، وإمّا أن لا يتبرأ فيقولوا كيف لا يتبرأ ممّن ظلمهم حقّهم ؟ وبالفعل قالوا ونجحت هذه المؤامرة، وتفرق أهل الغدر وذوو الاطماع، وكانت هذه الحيلة من الوالي يوسف بن عمر أقوى سلاح لجأ إليه. يقول الاُستاذ الخربوطلي: ولجأ يوسف بن عمر إلى الحيلة فدسّ لزيد بين أنصاره من يسأله عن رأيه في أبي بكر وعمر.. الخ. كما أنّه أعطى لبعض جواسيسه الأموال ليتعرف على أصحاب زيد. وأنّ الأمر لا يحتاج إلى مزيد من إقامة الشواهد على اهتمام الاُمويين في اتخاذ الوسائل لإفشال ثورة زيد، وأنّ نفسيّات الاكثرية التي انضمّت إليه قد طبعت على الغدر ونقض العهود. وإنّ قول زيد لمن سأله: أين كنتم قبل هذه؟ ليدلّ بصراحة على ما في الأمر من هدف معيّن وأمر مبيّت. إنّ الشيعة هم محور تلك الثورة، وليس من الصحيح أن ينسب إليهم اثارة موضوع هم في غنى عنه، وهم لا يجهلون رأي أهل البيت في ذلك الأمر، فما معنى هذا السؤال في ذلك الموقف الحرج؟ كما أنّهم يعرفون الجيش واختلاطه من عناصر مختلفة، فكيف يهبط بهم الشذوذ في التفكير إلى هذا المستوى الذي لايتفق مع عقائدهم ولا يسير مع خططهم الثورية؟ والواقع أنّ الشيعة لم يثيروا هذا الموضوع، لأنّهم لا يجهلون خطره في ذلك الموقف الحرج، وإنما كانت اثارته من الخدع السياسية ، والحيل الاُموية. ولقد نجحت تلك المؤامرة وتسربت الفرقة بين صفوف الجيش، وتفرّق عن زيد من لم يأت لنصرته عن عقيدة ثابتة، ولم يبق معه إلاّ الخلّص من الشيعة، فدافعوا عنه دفاع الابطال، وثبتوا معه إلى أن قتل ـ رحمة الله عليه ـ ، وقد قتل بين يديه جماعة منهم، وآخرون صحبوا ولده يحيى وقاتلوا معه، ولم ترفض الشيعة زيداً، بل إنّما رفض المعاونة معه انصار الاُمويين وأعوان الظلمة.. انتهى
الهم العن كل ظالم ظلم حق محمد وال محمد من الاولين والاخرين