بسم الله الرحمن الرحيم
لمح الإمام علي “عليه السلام” إلى مفهوم اللاشعور الذي منه الحلم والمزاج وهفوات اللسان ، ومن إشارات اللاشعور قوله (عليه السلام) :
( الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا )
وهي حالة لاشعورية عامة بالنسبة إلى البشر على الأقل فيما يتعلق باللاشعور بالعالم الآخر. ومن الكلمات المهمة والدالة على أسلوب التحليل النفسي وفهم اللاشعور قول الإمام علي ( عليه السلام) :
( ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه ).
ويدل هذا الكلام على سبق الإمام لنظريات فرويد فيما يتعلق بتأثير اللاوعي واللاشعور ويبين خطأ الباحثين القائل: ان موضوع اللاشعور الفرويدي لم يخطر على بال أحد . ويكمن علاج الإمام علي لهذا المرض من خلال مواجهة المريض مباشرة وتبصيره بالعيوب التي تكشفه دون ان يعيها قائلا :
( ان أحببت سلامة نفسك وستر معايبك فأقلل كلامك واكثر صمتك )
وهذه طريقة إرشادية تحليلية وقد يشخص عيوب الشخصية الإنسانية من خلال الكلام لأنّ :
(المرء مخبوء تحت لسانه).
وفضول الكلام كما يقول الإمام ( عليه السلام ) :
( يظهر ما بطن من العيوب ويحرك الساكن من الأعداء )
وثمة علاج عملي يطرحه الإمام علي لمفهوم اللاوعي فهو يقول ( صلوات ربي عليه ) :
( وتدارك مزاج تخيلك بمكاثرة أهل الحكمة فإن مفاوضتهم تريح الرأي المكدود وترد ضالة الصواب المفقود )
وهو أسلوب لتربية النفس وتهذيبها والتحكم بالأسباب المؤدية للاوعي .وفي كل الأحوال فإن هذه المعالجة تجمع بين التحليل النفسي للفرد بفراسة عالية وبرهان كما ويضاف لها الأسلوب الإرشادي .أما العلاج السلوكي فالإمام يحاول فيه إزالة الأسباب المؤدية إلى المرض النفسي فالخوف مثلا حالة إرهاب للإنسان لذا فهو يعالج الخوف من خلال الوقوع فيه بقوله الشريف :
( إذا خفت شيئا فقع فيه ،فإن توقيك منه اعظم من الوقوع فيه ) .
والمطالبة بوقوع المريض في ما يتخوف منه وتعريضه لمصدر الخوف يعني نمطا من العلاج السلوكي الذي تتجه المدرسة السلوكية الحديثة إليه ويستوي في ذلك ان تكون الحالة طابع بيئي او وراثي. يرافق هذه الحقائق قول الإمام :
( إن لم تكن حليما فتحلم )
في إشارة إلى اثر التعلم بمقابل الوراثة والبيئة ،وقد يضاف إلى العلاج النفسي استخدام الطريق الديني المتمثل بالأدعية الكثيرة لدى الإمام او غيره أو قراءة القرآن الذي فيه شفاء للنفوس. او من خلال ذكر آل بيت النبي(صلى الله عليه وآله) فالإمام أمير المؤمنين يقول:
( إن ذكرنا أهل البيت شفاء من الوعك والأسقام ووسواس الريب )
ومن هنا فهو يوصف في النهج النبوي بالطبيب النفساني بقوله:
( طبيب يدور بطبه ….يضع ذلك حيث الحاجة إليه من قلوب عمي وآذان صم والسنة بكم متتبع بدوائه مواضع الغفلة ومواطن الحيرة ).
ومن المعالجات العامة للسلوك والشخصية إعطاء الإمام وصفا للشر بأنه مركب الحرص ويصفه بالكامن في داخل الإنسان ، والشرير لا يظن بأحد خيرا لأنه لا يراه إلا بطبع نفسه ، وقد بين الإمام أيضا ان الخلال المنتجة للشر هي الكذب والبخل والجور والجهل . وكل هذا يعالجه الإمام بالمنهج الإرشادي المجتنب للشر والمستند إلى لفظة (إياك)أحيانا مع ان العلاج التطبيقي عنده قد استند إلى تحليل عام للشخصية الإنسانية ويكون فيه المرض أو الحالة غير السوية مشتركة في المرض فقال (عليه السلام) :
( إحصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك ).
( أطلق عن الناس عقدة كل حقد )
وكل هذا نوع من التفريغ النفسي والقلبي للحد من القلق والألم الآتي من الحقد والخوف مما يشكل هما ويعطي الإمام صورة مهمة لاستجلاب الطمأنينة النفسية بقوله:
( إشعر قلبك الرحمة لجميع الناس والإحسان إليهم )
وفي موضع آخر يصف الامام الراحة بأنها تكمن في الزهد وقد وصف ذلك بالراحة العظمى ومن المهم ذكر معالجة الإمام للغضب ، فقد عرفه سلوكيا بأنه يثير كوامن الحقد وان أوله جنون وآخره ندم ،ويصف الغاضب الذي لا يقدر على مضرة عدوه بأنه يطيل حزنه ويعذب نفسه ، ويعالج هذا السلوك المنحرف إرشاديا بالأمر بترك الغضب واستخدام الحلم ويهدد الإمام بالواعز الديني موضحا ان نتائج الغضب وخيمة لهذا يجب تحكيم العقل . وفي كل نشاطات الإنسان السلوكية يدعو الإمام إلى المحاسبة كنوع من تعديل الانحرافات النفسية والعقلية فهو يقول:
( على العاقل أن يحصي على نفسه مساوئها في الدين و الرأي و الأخلاق و الأدب فيجمع ذلك في صـدره او في كتاب ويعمل على إزالتها ).
ان الإمام علي يستخدم في مجال الصحة النفسية علاجات عديدة منها القول بتقسيم العمل واستخدام اللذات المقبولة على مستوى الدين ، فللمـؤمن عنده ثلاث ساعات ، ساعة يناجي بها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يخلي بين نفسه ولذتها فيما يحل ويجمل . ومن الصحة النفسية أيضا إتقان العمل وعكس ذلك سوف يكون هناك نوع من الهم لذا يقول الإمام عليه السلام :
( من قصّر بالعمل ابتلي بالهم )
كما انه-عليه السلام- يدعوا إلى الاهتمام بالطبيعة وراحة النفس ، فالطيب عنده نشرة والعسل نشرة والركوب نشرة والنظر إلى الخضرة نشرة والنشر هو ما يوجب انبساط الأعصاب بعد أصابتها بعلة . كذلك يدعو الإمام إلى السرور ،وهو ما يبسط النفس ويثير النشاط أما الغم فيقبض النفس ويطوي الانبساط ودعا إلى عدم اشتغال القلب بالهم على ما فات لأن ذلك سيشغل الإنسان عما هو آت ويبين الإمام ان البوح بالسر إلى شخصية عاقلة وحكيمة ومشاورتها هو نوع من الترويح النفسي والعقلي فهو يقول:
( من شاور الرجال شاركها عقولها ، ومن استبد برأيه هلك ).
ودعى إلى الابتعاد عن الخوف والحزن لانهما ينقصان من عمل الإنسان ويؤذيانه وقد عالج الحزن بالدعوة لسماع كلام العلماء ولقاء الأصدقاء ومرور الأيام بقلة البلاء وراحة النفس والإنس عنده في الزوجة الموافقة (المناسبة) والولد البار والأخ الموافق .
وهي مسائل تدعو الى سكينة النفس واطمئنانها وبالتالي العيش بشكل طبيعي وبحياة تخلو من التوتر او المشاكل .