«نانو» المرصعة بالذهب والمجوهرات.. عرض لمهارة الصاغة الهنود
أرخص سيارة في العالم تعد بـ«نانو» أفضل أداء للعام الحالي
في واحدة من كبريات عمليات الاستدعاء في تاريخ السيارات الهندي، طلبت شركة «تاتا موتورز» من نحو 140000 شخص من مالكي سيارات «نانو» إعادة سياراتهم إلى الشركة لتغيير مفتاح التشغيل من دون أي تكاليف. وقد نفت الشركة، بشدة، أن تكون هذه الدعوة بمثابة عملية استرداد للسيارات، لكنها قالت إن هذه الخطوة تهدف إلى تغيير مفتاح التشغيل القديم بآخر جديد و«أفضل» من السابق، وهي عملية من شأنها أن تكلف الشركة نحو 1.1 مليار روبية (10.8 مليون دولار). وقال المتحدث باسم الشركة: «لقد توصلنا إلى مفتاح تشغيل أفضل؛ لذا قررنا إدخاله على سيارات (نانو) القديمة لتحسين أدائها. لم نتلقَّ أي شكوى، ولا تهدف هذه الخطوة لاسترداد السيارات».
يُذكر أن السيارة «نانو»، التي تعد السيارة الأقل سعرا في العالم، لم يحالفها الحظ منذ إطلاقها؛ فبعدما لاقت جميع أشكال التكريم من جميع أنحاء العالم في يناير (كانون الثاني) 2008 في معرض دلهي للسيارات، عانت السيارة الكثير من المشاكل والعقبات منذ ذلك الحين. لكن بعد ذلك، لم يكن أي شخص، ولا حتى رئيس الشركة، راتان تاتا، الذي كان يمني النفس بأن يتحول جميع أصحاب المركبات ذات العجلتين إلى أصحاب سيارة «نانو تاتا» بين عشية وضحاها، لم يكن يتصور تلك المشاكل الصعبة التي عانتها السيارة «نانو تاتا» بشكل لا يصدَّق منذ أن تم عرض محركها لأول مرة وحتى وضعها في صالة العرض. ومما لا شك فيه أن أكبر نكسة تعرضت لها السيارة «نانو» كانت نقل المصنع من سينغور في غرب البنغال إلى بلدة ساناند في ولاية غوجورات، مما أدى إلى تأخير إنتاج السيارة لأكثر من عام. وعندما تم إنتاج السيارة في نهاية المطاف أثارت هوسا كبيرا بثمنها الزهيد.
ومن المثير للاهتمام أن السيارة التي وصلت مبيعاتها لأدنى مستوياتها على الإطلاق، حاولت ترويج مبيعاتها من جديد وكشفت عن أول سيارة تنتجها مذهبة ومرصعة بالجواهر وبمجموعة من الأحجار الكريمة وبـ80 كيلوغراما من الذهب الخالص بقيمة 4.6 مليون دولار. وهذه السيارة لم تكن مخصصة للبيع، بل كان الغرض منها نقلها من موقع لآخر في العالم بغية عرض مهارات وخبرات الحرفيين الهنود. وقد تم عرض السيارة في بعض صالات العرض التابعة الشركة في جميع أنحاء الهند، بحيث أتيح للمشاهدين إلقاء نظرة على هذا النموذج الذي يعكس مظاهر البذخ والتقاط صور تذكارية لهم وهم يجلسون بجوار سيارة مرصعة بالذهب.
وتقول الشركة إنها تملك أكثر من 200000 طلب لهذه السيارة، أجرها مدفوع بالكامل، وهو ما يوازي إنتاج الشركة على مدار عامين من مصانعها التي تملك قدرات محدودة ومؤقتة. وبإمكان الشركة تلبية هذه الطلبات، لكن قبل أشهر فقط من بدء عمل مصنع الشركة، في بلدة ساندات، بكامل طاقته. وقد تأثرت سمعة الشركة بصورة كبيرة بما أشيع على نطاق واسع عن أن السيارة تشتعل بسرعة كبيرة جدا. وثمة قضايا كثيرة أخرى حولت أحلام رئيس الشركة راتان تاتا إلى كوابيس، خصوصا أن خطط تصديرها لم تنجح حتى الآن. وبعدما عانت الشركة كثيرا من المشكلات مع السيارة، عمدت إلى إطلاق موديل جديد منها، وبالسعر نفسه، وأعلنت أن موديل «نانو 2012» سيتحسن كثيرا عن سلفه وسيكون أكثر دقة وأكثر فعالية، وذلك بعد الأخذ في الاعتبار الملاحظات التي أبداها العملاء. السمات الجديدة لـ«نانو 2012» تتمثل في تعزيز قوة محركها «624 سي سي»، بحيث أصبح يعمل بقوة 38 حصانا (بدلا من 35 حصانا) وبعزم 51 نيوتن - متر (مقارنة بـ48 نيوتن - متر في السابق). إضافة إلى ذلك، تم تعزيز أداء السيارة وجعلها أكثر كفاءة في استهلاك الوقود. وأدخلت تغييرات أخرى على السيارة سيطلع عليها الراغبون بشرائها؛ إذ تم تحسين مستوى جودة القيادة من خلال نظام تعليق معدل وآلية توجيه أفضل. إضافة إلى ذلك، تم تخميد مستويات الضجيج والاهتزاز داخل السيارة بحيث خفض مستوى ضجيجها ببضعة ديسيبلات. وهناك أيضا تغييرات تجميلية؛ فقد تم تحسين نوعية الأجزاء الداخلية، وأصبحت «نانو» متاحة الآن بـ10 ألوان مختلفة، من بينها ألوان مثل الأخضر والبرتقالي والمعدني والذهبي والفضي.
جهود شركة «تاتا» في تحسين السيارة تظهر بمجرد أن يفتح بابها؛ فقد أصبحت لوحة القيادة فخمة المظهر وأكثر أناقة بلونها البني الفاتح، بينما أضفيت على لوحة المراقبة المركزية ومقبض التروس لمسات من اللون الفضي. وتحتوي الأجزاء الداخلية من أبواب السيارة على جيوب أعمق من ذي قبل وتعتبر أكثر تطورا من التصميم التقليدي الأساسي. وأصبح من الممكن الآن تعديل وضع مساند الرأس في المقاعد الأمامية، بينما كان يستحيل ذلك في الطراز القديم المزود بمقاعد من قطعة واحدة. أما المقاعد الأمامية فقد أدخلت عليها تحسينات لتصبح مريحة أكثر من ذي قبل. وأهم جانب في التحسينات هو المساحة الرحبة في الجزء الخلفي من السيارة، التي، جنبا إلى جنب مع الشكل الجديد لقاعدة المقعد وظهره الطويل، تجعل الجلوس في المقعد الخلفي أكثر راحة. ونظرا لكل هذه التغييرات، تبدو سيارة «نانو» الجديدة أكثر اكتمالا وأناقة من سابقتها وأفضل قيادة.
وتقول الشركة إن أهم ميزة في السيارة الجديدة سعرها الذي لن يتغير وهو يبدأ بـ140000 روبية (2651.5 دولار). وبحسب بيانات جمعية صناع السيارات الهندية، باعت «تاتا موتورز» - منذ طرح السيارة في عام 2009 – 140428 «نانو» لغاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2011. وهذه ليست المرة الأولى التي تطلب فيها الشركة الهندية من عملائها إرسال سياراتهم «النانو» إلى مراكز الخدمة، ففي نوفمبر 2010، طلبت «تاتا موتورز» من نحو 70000 عميل اشتروا «نانو» إعادة سياراتهم إليها من أجل إضافة أجهزة تأمين ضد الحرائق مجانا، وذلك بعد تعرضها لسلسلة من حوادث الاحتراق.
وعن هذه الخطوة، قال ديبيش راثور، المدير التنفيذي في شركة «آي إتش إس أوتوموتيف إنديا»: «كأي شركة سيارات أخرى، ترغب شركة (تاتا موتورز) في ضمان رضا عملائها عن المنتج؛ لذلك تقوم باستبدال نماذج أخرى أحدث من النماذج الأولية من سيارات (نانو) المتاحة في السوق». ومع ذلك، فإن مصادر بارزة في القطاع الصناعي - رفضت الكشف عن هويتها - ذكرت أن «تاتا موتورز» تواجه مشكلات مع السيارة «نانو» وأن عملاءها غير«راضين تماما» عن أداء السيارة؛ لذلك تحاول الشركة إرضاءهم بشتى السبل الممكنة.
تعتبر عملية الاستبدال التي تمارسها حاليا شركة «تاتا موتورز» الأكبر من نوعها في تاريخ قطاع السيارات الهندي؛ فقبل ذلك تمثلت العملية الأكبر في إقدام شركة «سوزوكي ماروتي إنديا» - كبرى الشركات في السوق الهندية – على سحب سيارة «إيه ستار هاتش باك» عام 2009 لاستبدال مضخة وقودها للتحقق من تسرب الوقود منها. ويبدو أن شركة «تاتا موتورز» استخلصت العبر من الإعلام أيضا؛ فيوم أن دشنت السيارة اعتمدت بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي للدعاية للسيارة. وتم تصحيح مسار العلامة التجارية العام الماضي من خلال حملة إعلامية عنوانها «المفتاح إلى سعادتك» سعت لاجتذاب الطبقات الوسطى في المدن الصغيرة التي لم تتنبه إليها في الحملات السابقة. أما اليوم وفي سياق توسيع نطاق شعار «المفتاح إلى سعادتك»، اختارت العلامة التجارية السعي لجذب أنظار الشباب إليها بدلا من الأسر أو المتزوجين حديثا الذين استهدفتهم الحملات الإعلانية السابقة.
ليست المرة الأولى التي تدخل فيها شركة «نانو» تعديلات على سياراتها؛ ففي العام الماضي أدخلت تعديلات على أنبوب العادم والأنظمة الكهربائية، فضلا عن تقديم ضمان لأربع سنوات، لكن هذه التعديلات الطفيفة مقرونة بتعرض السيارة لسلسلة من حوادث الاشتعال، قوضت ثقة المشترين في تجهيزات الأمان في السيارة. مع ذلك لا يزال محللو السيارات يضمرون شكوكا على هذا الصعيد؛ فقد قال فينسينت هيتاماساريا، نائب رئيس «بي اي إن سي ريسيرش»: «لا أعقد آمالا واسعة على هذه التعديلات، ولن يكون لها تأثير كبير على حجم المبيعات؛ فحجم السيارة صغير حتى بالنسبة للمشتري الأول كما يحتاج صندوقها إلى مساحة أوسع، ومحركها ضعيف ولا تستحق الثمن الذي يدفع مقابل شرائها. وسيفضل المشترون حتما دفع المزيد من المال لشراء (ماروتي ألتو) التي تشكل خيارا أفضل وتحقق أكبر المبيعات في هذا القطاع».
ولا تجب الاستهانة بطفرة الإمدادات الواسعة من السيارات الجديدة في السوق، سواء أكانت «هوندا بريو» أو «هيونداي إيون»؛ إذ إن أكثر الشركات المصنعة تبدي اهتماما متزايدا في هذا القطاع من السيارات. وبينما أعلنت شركة «ماروتي سوزوكي» عن خطط لإنتاج سيارات تقل طاقة محركاتها عن 800 سم مكعب، تردد أن «هوندا» و«فيات» تعكفان على إنتاج سيارات أصغر حجما من الموديلات الراهنة تعمل بالديزل. وتبقى المخاوف واردة من تراجع مبيعات السيارات؛ ففي الهند أثرت زيادة سعر الفائدة وارتفاع أسعار الوقود سلبا على حجم الطلب. وتوضح بيانات قطاع السيارات الهندي استمرار انخفاض المبيعات في نوفمبر الماضي، وذلك للشهر الخامس على التوالي.
رئيس «براندسكيبس وورلد وايد» ومديرها التنفيذي، برانيش ميسرا، غير متأكد مما إذا كانت صورة سيارة «نانو» ستعلق بأذهان الفئة الأساسية التي تستهدفها هذه السيارة من أبناء الطبقة المتوسطة، ويعتبر أنه «بالنسبة إلى سيارة تتطلع إلى أن تكون السيارة الأبرز في قاعدة الهرم، أعتقد أنها تصوب على الشريحة العمرية الخاطئة؛ فإذا كانت موجهة للشباب، الذين يمثلون الفئة الأساسية المستهدفة حاليا، سوف تنجح الإعلانات في نيل الكثير من الإعجاب، لكن المنتج سيبقى معتبرا عبثيا وخفيف الوزن».
ظهر طراز «نانو»، المخصص للتصدير، للمرة الأولى في معرض جنيف الدولي للسيارات عام 2009، لكنه لا يزال ينتظر تحقيق مبيعات كبيرة. ولأنه عُدل على نطاق واسع لتلبية المقاييس الأوروبية للسلامة والانبعاثات، يتميز هذا الطراز عن «نانو» العادي بعدد من التحسينات، بينها قاعدة عجلات أوسع ومحرك جديد من ثلاث سليندرات ومقود مدعوم آليا ونظام مكابح مانعة للانزلاق، فضلا عن تحسينات في المقصورة الداخلية والشكل الخارجي. وستكون النسخة الأوروبية من «نانو» (نانو يوروبا) أغلى ثمنا وأثقل حجما وأقل استهلاكا للوقود من النسخة الهندية الأصلية (يقال إن سعرها سيبدأ بـ6 آلاف دولار أميركي). في معرض جنيف للسيارات عام 2011، أزاحت شركة «تاتا» الستار عن «تاتا بيكسل» المخصصة للمدن، التي تعمل بمحرك خلفي وتتسع لأربعة ركاب. وقد تم بناؤها على منصة «نانو يوروبا». بدأت شركة «تاتا» تصدير «نانو» عام 2011 إلى سريلانكا ونيبال. وتجري الشركة مباحثات مع البرازيل وإندونيسيا وسريلانكا من أجل إنشاء مصانع تجميع فيها، لكن هل ستحظى سيارة «نانو»، يوما ما، بموقع لائق على بيانات المبيعات؟