سرُّ شخصيّة الامام علي(ع) هو الإسلام،
فهو لم يتحرّك إلاّ من خلال الإسلام، وعندما كان يريد أن يؤكّد الإسلام في نفوس الناس، كان يفتح قلوبهم على الله تعالى، وعلى محبّة الله والخوف منه والابتهال إليه، على أساس أن يكون لله حضورٌ في فكرهم وحسّهم وشعورهم وضميرهم،
ليشعروا بحضور الله في كلّ حياتهم. كان يؤكّد هذا المعنى في كلِّ مجال يتحرّك فيه، وعندما كان يخاطب الناس، كان يذكّرهم بالله قبل أن يذكِّرهم بمشاكلهم في الحياة وبحلولها، كان عندما يخطب بجنوده في الحرب،
يذكّرهم بالله قبل أن ينفتحوا على الحرب، حتى ينطلقوا إليها من موقع إحساسهم بالمسؤولية أمام الله، كي لا يظلموا الناس فيها.ويروى عنه(ع)،
أنّه عندما سمع قوماً من أهل العراق يسبّون أهل الشام، اندفع إليهم والمعركة محتدمة، وأراد أن يخطّ لهم الخطَّ الّذي يربطهم بالآفاق الروحية التي لا تتحرك من مواقع الحرب، بل من مواقع الرسالة، فقال لهم: «
إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إياهم:
ربّنا احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان من لهج به»
.فهو لم يكن يريد أن يثير الحقد في نفوس الذين يقاتلون ليقوِّي الحقد موقفهم، بل كان يريد أن يقوِّي الإيمان موقفهم، حتى يحاربوا من موقع الوعي
لحركة السَّاحة في الحرب، لا من موقع الحقد الأعمى الذي يحاول أن ينطلق بعيداً عن كلِّ رؤية واضحة. وعندما كان(ع) يتحدَّث عن الظلم،
كان لا يتحدَّث عنه كما نتحدّث عنه نحن، كشعارٍ سياسيٍّ ننسى فيه الله، وننسى فيه كلَّ شيء، بل كان ينفذ إلى كلِّ مظاهر الظلم في الحياة، لكي يعلِّم النّاس
أن يرتدعوا عن الظلم من خلال وعيهم لمسؤوليَّتهم أمام الله، حتى لا تكون مسألة رفض الظلم مجرَّد قرار سياسيّ يفرضه الحزب الّذي ينتمي
إليه الإنسان أو المنظّمة أو الزّعيم، بل ليكون الرّفض منطلقاً من وعيه وخوفه من الله، تماماً كما يرفض القيام بأيّ معصية عندما تُهيَّأ له الأجواء لارتكابها،
لأنه عندما يفكر في الله، فإنّ تفكيره فيه يردُّه ويمنعه عن الظلم، وهكذا لا تكون مسألة محاربة الظلم مجرد قرار تنظيمي، حتى إذا جاء قرار تنظيمي
آخر يريد لك أن تدعم الظلم وأن تعاونه، اعتبرت نفسك مسؤولاً عن تنفيذ القرار ونسيت مسؤوليَّتك أمام الله.