بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
أسمه: على بن موسى الملقب بالرضا ويكنى بابي الحسن.
صفته: كان عليه السلام معتدل القامة وسيما أسمرا.
عمره الشريف: خمس وخمسون سنة.
الميلاد الميمون
ولد الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام في المدينة المنورة إلى جوار جده رسول الله صلى الله عليه وآله عام (148هـ).
فقد ذكر الشيخ المفيد قدس سره في إرشاده قائلاً:
عن هشام بن أحمد قال: قال لي أبو الحسن الأول عليه السلام هل علمت أحداً من أصل المغرب قدم...؟ قلت:لا
قال عليه السلام: بلى قد قدم رجل من أهل المغرب المدينة... فانطلق بنا فركب وركبت معه.. حتى انتهينا إلى الرجل... فإذا رجل من أصل المغرب ومعه رقيق.. فقلت له: أعرض علينا.. فعرض علينا سبع جواري وكل ذلك يقول أبو الحسن عليه السلام لا حاجة لي فيها.. ثم قال: أعرض علينا. فقال: ما عندي إلا جارية مريضة.. فقال عليه السلام ما عليك أن تعرضها... فأبى عليه وانصرف.. ثم أرسلني من الغد فقال لي: قل له كم كان غايتك فيها فإذا قال لك كذا وكذا، فقل له قد أخذتها. فأتيته فقال: ما كنت أريد أن أنقصها من كذا. فقلت: قد أخذتها.. قال: هي لك.. ولكن أخبرني من الرجل الذي كان معك بالأمس؟
فقلت: رجل من بني هاشم... قال: من أي بني هاشم؟
فقلت: ما عندي أكثر من هذا.. فقال: أخبرك أني لما اشتريتها من أقصى المغرب فلقيتني امرأة من أهل الكتاب: فقالت: ما هذه الوصيفة معك؟ قلت: اشتريتها لنفسي.. فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه عند مثلك إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض فلا تلبث عنده إلا قليلاً حتى تلد غلاماً له لم يولد بشرق الأرض ولا غربها مثله.
وكانت ولادته المباركة في يوم الخميس 11ذي القعدة، وقيل ذي الحجة، سنة (148هـ) وهو نفس العام الذي استشهد فيه جده العظيم الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام وقيل غير هذا التاريخ إلا أن هذا هو المشهور...
أما في حمله وولادته عليه السلام فقد حدثّت أمه المباركة تكتم قائلة: لما حملت بابني علي لم أشعر بثقل الحمل، وكنت أسمع منه تسبيحاً وتهليلاً السماء يحرك شفتيه كأنه يتكلم.. فدخل إلي أبوه موسى بن جعفر عليهما السلام فقال: هنيئاً لك يا نجمة كرامة ربك.. فناولته إياه في خرقة بيضاء فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى... ودعا بماء الفرات فحنكه به ثم رده إلي وقال: خذيه فإنه بقية الله تعالى في أرضه فتبرك البيت الكاظم بهذا المولود الجديد المبارك.
وكان سلام الله عليه تام الخلقة سميناً وأضاء وجهه كالبدر في كبد السماء...فسماه أبوه موسى الكاظم (عليه السلام) بـ(علي) ولقبه بـ(الرضا) وكناه بـ(أبي الحسن) بعد ولادته مباشرة عليهما من الله السلام والتحية.
عصر الإمام الرضا عليه السلام
لقد امتاز عصر الإمام الرضا عليه السلام بما يلي:
1ـ اندلاع الخلافات والنزاعات بين الأمين والمأمون حتى أدى الأمر إلى حصول حرب دموية بين الجانبين من أجل الملك وبطبيعة الحال إن هذه الحروب تجر خلفها الأضرار الاقتصادية والاجتماعية وحالات أخرى من مشاكل الأيتام والأرامل و.....
2ـ ظهور الثقافات والأفكار المتنوعة كالفلسفة اليونانية والأفكار الضالة والانحرافات العقائدية التي ظهرت على أثر حركة الترجمة ودخول طوائف كثيرة من النصارى ضمن الوعاء الإسلامي مما أدى إلى مزج الطاقات وانتشار تجارة الكتب والنسخ وبالتالي دخلت بعض الأفكار المريضة إلى المجتمع الإسلامي.
3ـ كثرة الحركات الثورية ضد ظلم بني العباس لا سيما ثورات العلويين.
4ـ ابتعاد مركز الحكم والإدارة عن أطراف الدولة الإسلامية، فقد نقل المأمون مركز حكمه إلى خراسان، وهذا مما أثر سياسيا على الواقع المعاش.
5ـ وأخيرا حاول المأمون العباسي أن يظهر تشيعه أمام الناس كمحاولة لكسب القطاعات الشيعية التي أكتسحت الساحة وامتازت بالقوة العلمية والثبات العقائدي واصلة الخط والمحتوى، وبإعلانه الحب والرضى من آل محمد صلى الله عليه وآله وإرجاعه فدك إلى بني فاطمة عليها السلام حاول أن يخمد الثورات العلوية أيضاً.
فإن أغلب الناس قد ذاق الأمرين من سياسة بني العباس حيث الفقر المدقع والفراغ الروحي وحالات التذمر من استهتار الملوك والوزراء وتلاعبهم بالأموال وإشاعتهم الفساد والمنكر... كل ذلك جعل الناس تتعاطف أكثر فأكثر مع أهل البيت عليهم السلام ولا سيما مع زعيمهم الأول الإمام الرضا عليه السلام.
فعاش إمامنا في مثل هذا الجو المشحون بعدم الانضباط وتغلغل النفوذ النصراني والتركي في البلاط الملكي الذي أوحى باقتراب الاحتلال وانحلال الوحدة الإسلامية التي لم يبق منها إلا الشكل الخارجي.
ماذا عمل الرضا عليه السلام أيام إمامته؟
إن من أهم الأمور التي فعلها إمامنا الرضا عليه السلام هو مواجهة السلطة مواجهة جذرية فكان يعلن في المدينة أنه الإمام المفترض الطاعة وأنه أحق بالحكم والخلافة من بني العباس.
يقول صفوان بن يحيى: لما مضى أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام وتكلم الرضا عليه السلام خفنا عليه من ذلك فقلت له: إنك قد أظهرت أمرا عظيما وإنما نخاف عليك هذا الطاغي فقال: (ليجهد جهده فلا سبيل له علي).
بل كان الإمام الرضا يدعو الناس علنا إلى نفسه لاسيما مع تصاعد الخط الشيعي وانتشار القواعد الشعبية في أنحاء البلاد، ثم امتاز إمامنا أبو الحسن بأن التف حوله الموافق والمخالف ورضي به جميع المسلمين، وبذلك لقب بـ(الرضا والرضي) فكان أمر إمامته في تصاعد عجيب خصوصا وأنه كان مستجاب الدعوة عارف عالم كريم حليم...
فكان هذا المنهج الجديد يختلف جوهريا عن الحياة التي عاشها والده الكاظم، بل إن جهاد وصبر الكاظم أفرز هذه الحرية للإمام الرضا كما أفرزت ثورة الحسين نوع حرية للإمام الباقر عليه السلام فنشر العلوم المتنوعة.
والأمر الآخر الذي فعله الإمام الرضا أنه جلس في مسجد جده النبي صلى الله عليه وآله وهو ينشر العلم ويدلي بفضائل أمير المؤمنين عليه السلام ويوضح الخطوط العريضة للمذهب الشيعي انطلاقا من القرآن الكريم.
إذن يمكن القول أن الإمام الرضا استخدم أهم سلاحين:
الأول: السلاح السياسي القائم على الأسس الشرعية والقرآنية.
الثاني: السلاح العلمي لصيانة المجتمع من التخلف والجاهلية العمياء.
عند ذلك أدرك المأمون العباسي خطورة الإمام الرضا عليه السلام وشعر أن الإمام الرضا يتحرك بشكل يهدد سلطانه وقد ينهي حكمه فيما إذا ترك الإمام الرضا في مثل هذه الحرية.
لماذا قبل الإمام ولاية العهد؟
لم يعرض المأمون ولاية العهد على الإمام الرضا عليه السلام ويتركه يختار القبول أو الرفض، بل فرض عليه قبول ذلك.
فلم يكن إمامنا الرضا مختارا في هذه القضية بل مجبورا عليها من قبل المأمون، ولذلك نجد الإمام الرضا في قبول ولاية العهد مصلحة على رغم الإكراه والإجبار الذي فيها وهو عليه السلام يدرك حجم المؤامرة التي يسعى إليها المأمون ويدرك الأهداف التي يريد المأمون تحقيقها من هذه القضية.
ولكن بنفس الوقت سوف يعمل الإمام الرضا لتفويت الفرصة على المأمون.
ونستطيع أن نلخص الإجابة على السؤال المطروح في قبول ولاية العهد في نقاط وهي:
أنه عليه السلام كان مكرها عليها.
انه عليه السلام رأى فيها نوع من مصلحة للمسلمين كما عمل النبي يوسف مع فرعون عصره.
ومن خلال هذا المنصب المهم سيتعرف عليه كبار رجال الدولة وعلماء البلاد مما يعزز موقعه أكثر فأكثر...
وبالمناسبة فقد سئل عليه السلام عن قبوله لولاية العهد في ذلك الزمان فأجاب:
(قد علم الله كراهتي لذلك، فما خيرت بين قبول ذلك وبين القتل أخترت القبول على القتل ويحهم أما علموا أن يوسف عليه السلام كان نبيا ورسولا فلما دفعته الضرورة إلى تولي خزائن العزيز قال له: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الإشراف على الهلاك، على أن ما دخلت في هذا الأمر إلا دخول الخارج منه، فإلى الله المشتكى وهو المستعان)
حديث سلسلة الذهب:
لما أرسل المأمون خلف الإمام الرضا عليه السلام وأمره ان يرتحل من المدينة إلى خراسان، مر الإمام الرضا عليه السلام أثناء سيره بمدينة نيشابور فبقى فيها شيئا يسيرا ولما أراد ان يرتحل منها إلى خراسان اجتمع إليه أصحاب الحديث والعلماء فقالوا له: يا ابن رسول الله ترحل عنا ولا تحدثنا بحديث فنستفيده منك؟
وكان الإمام في هودج له على ناقة فأخرج رأسه من الهودج وقال:
(سمعت أبي موسى بن جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد يقول: سمعت أبي محمد بن علي يقول: سمعت أبي علي بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين بن علي يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: سمعت جبرائيل يقول: سمعت الله عزوجل يقول: (لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن عذابي) ثم أرتحل خطوات فأخرج رأسه مرة ثانية وقال: (بشرطها وشروطها وانا من شروطها).
معجزات وكرامات في الطريق:
وأثناء مسير الإمام الرضا إلى خراسان نزل في إحدى محلات مدينة نيسابور في أحد البيوت فزرع لهم الإمام لوزة في جانب الدار فنبتت وصارت شجرة وأثمرت في سنة، فعلم الناس بذلك فكانوا يستشفون بلوز الشجرة فمن أصابته على تبرك بالتناول منها فتعود إليه العافية وكانت المرأة الحامل إذا عسرت ولادتها أكلت من اللوز فيخف عليه عسر الولادة، وهكذا تحولت شجرة اللوز هذه إلى مصدر للبركة والشفاء عند الناس.
ولكن مع شديد الأسف فإن الناس بمرور السنين تركوا تعاهد هذه الشجرة حتى يبست فجاء أحد أصحاب الدار فقطع أغصانها فعميت عينيه وجاء ابنه بعده فقطعها من الأرض فذهب ماله كله، ثم جاء بعده اثنان من أولاده فقاما بعد سنين باقتلاع جذر الشجرة من الأرض فاصيب احدهما برجله فمات منها واصيب الآخر بشلل في يده حتى مات منه.
وهكذا أعطى الله تعالى درسا للناس ولنا أيضا أن نحترم نعمته لاسيما النعمة التي يتركها لنا أهل البيت علهيم السلام وأن نعتقد بقداستهم ومكانتهم عند الله تعالى.