|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 82198
|
الإنتساب : Aug 2015
|
المشاركات : 1,222
|
بمعدل : 0.35 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) نموذجا لا مثيل له في اشراق الضمير
بتاريخ : 25-01-2025 الساعة : 07:55 PM
كان عصر الامام قد أتاح له الالتقاء البغيض بطواغيت عصره من بني العباس، فكانت مبادؤه متقاطعة مع كل من أبيجعفر المنصور، والمهدي العباسي، وموسى الهادي، وهارون الرشيد، وهم يمثلون الدولة العباسية في قوتها وعنفوانها. وسنلاحظ عن قرب مدى الاستهانة بالقيم الانسانية والأخلاقية لدي هؤلاء، والامام كالجبل الأشم رسوخا وثباتا...
وكانت السلطات القائمة في عصر الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) تنطلق سياسيا من واقع أرستقراطي قائم على أساس الأثرة والاستعلاء، بينما كانت سياسة الامام وهي تنطلق من واقع اسلامي متوازن، معنيا للعدل الاجتماعي المفقود، وألقا من النصح الكريم في بعث القدرات الانسانية، ودليلا من القيم التي تشجب عبادة الدولة والأصنام البشرية، مؤكدة على المبادئ التي تعتبر الانسان مخلوقا رفيعا له كرامته المضمونة في اطار تعليمات الدولة الاسلامية التي تستنكر كون الفرد عبدا للدولة.
ومن هنا كانت الفروق المميزة بين واقعين متناقضين، واقع الاستبداد المطلق المتمثل بسلاطين الجور، وواقع الكرامة الانسانية المتمثلة بأفكار الامام.
وكان استنطاق الوثائق التأريخية المحايدة، واستحضار النصوص الطريفة لحياة الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) في الرصد والتوجيه والتأثير، قد أحدثت في الأفق العام صوتا مدويا حاول البحث القاء المزيد من الضوء على معطياته، وقد تأكد لنا من أبعاده وجوانبه استيعاب الامام المشروع الطموح البشري في العدل والمساواة والحرية الاجتماعية، مما أوجد حالة كبري في الاستنفار اليقظ من ركود الماضي إلى الانبعاث الجديد من التحرر والانعتاق من تجاوزات السياسة الجافة التي انتهجتها خلائق السوء ودعاة التخريب الجماعي، فكان الانقلاب الجذري في فكر الانسان المسلم الواعي وحياته الحقيقية منطلقا ـ في ضوء توجيه الامام ـ لمعالجته الوضع الشاذ في أنماطه المأساوية.
اذ انفتح العقل الانساني على معايير جديدة في الأحكام والأعراف والتقييم الموضوعي تختلف على تلك الأعراف الشائعة وراء حجز الأفكار ووأد المنطلق المنطقي للانسان، مما جعل النظام العباسي يعيش في عزلة قاتلة بين أفياء القصور وأحضان الجواري والمولدات، وهو يبتعد عن هموم الشعب، والشعب يبتعد عن همومه، فهما مفترقان لا يلتقيان، وان فرضت السيطرة بالقوة والاكراه نوعا من الطاعة، ولكن هذا الفرض قد يتعكر صفوه بالانتفاضات المسلحة ـ كما ستري ـ فلم يكتب للدولة العباسية الاستقرار السياسي الا في ظل مسرحيات مفضوحة الغايات حاولها النظام للحل المؤقت، كالتجائه إلى نصب الامام الثامن من أئمة أهل البيت؛ الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في مركز ولاية العهد للمأمون ريثما تهدأ العاصفة.
ولقد أصيب المجتمع الاسلامي بالشلل التام والانكماش على الذات جراء ما يعانيه من مخلفات هذا الوضع الغريب حتى أسقط في يده، ولكن التجربة الرافضة لظواهر التمزق الداخلي، والتي نهض بها الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) بصلابة وأناة، تعطي الجماعة الاسلامية زخما متحركا في مجابهة المناخ المريض الملوث، وتمد الأمة قوة وفتوة للانطلاق الغاضب على العنف والتسلط.
وكان الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) نموذجا لا مثيل له في اشراق الضمير وتوهج الذات، فحقق مبدأ «الغيرية» الذي يعيش فيه القائد الفذ لغيره من الناس لا لنفسه، وتلك هي التضحية التي ندبت لها شريعة السماء.
لقد كان بإمكان الامام أن يغض طرفا عن تجاوزات الحكم العباسي فحسب، لا أن يجاريه أو يؤيده، فالحاكم لا يطمح بذلك، ولو تجاوز الامام ما رسمه لنفسه لعاش في بحبوحة من النعيم، بين القصور الفارهة والحياة الرغيدة، ولكنه لم يخلق لهذا قط، بل انتصب شاخصا ماثلا للمبادئ الرسالية التي ترفض كل صيغ المحاباة والاستئثار بحقوق الفرد والأمة، فكانت المجابهة للاضطهاد والاستبداد تشكل نظرة مستقبلية لارساء مرجعية أهل البيت في اثراء الضمير الانساني بالموقف الصلب، والمبدأ الثابت، والحياة الحرة الكريمة، دونما اراقة دماء بريئة، أو اثارة معارك عقيمة، فليكن والحالة هذه هو الضحية لهذا التوجه الناهض، فما خلق الامام ليريح أو يستريح، بل ليناضل ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وكان تكليفه الشرعي هو الذي يملي عليه طبيعة العمل والتعبير عن الموقف بطرقه الخاصة التي تتفادي الصراع المرير بين الجمهور الأعزل المضطهد، وبين القوي الفاعلة وهي تتسلح بالجبروت والجيش المدرب، وبذلك استطاع الامام تحقيق هدفين مهمين في سهم واحد:
الأول: مجابهة التعالي وشريعة الغاب؛ بالقول الصارم، أو النضال السلبي الهادر، أو الكلمة النافذة إلى الأعماق، وهي تزلزل عروش الطغاة وكبرياء الجبابرة.
الثاني: الابقاء بحدود كبيرة على البقية المؤمنة، دون التفريط بها في خنادق القتال وميادين الحروب المدمرة. فقد رأي الامام ـ على قلة أنصاره ـ أن القتال لا يحقق له نصرا فعليا ولا مستقبليا، فعليه أن يسلك بأتباعه بحلم ورؤية، ويحفزهم بإعداد القوة الى الظرف المناسب.
وكان عصر الامام قد أتاح له الالتقاء البغيض بطواغيت عصره من بني العباس، فكانت مبادؤه متقاطعة مع كل من: أبيجعفر المنصور، والمهدي العباسي، وموسى الهادي، وهارون الرشيد، وهم يمثلون الدولة العباسية في قوتها وعنفوانها.
و مدي الاستهانة بالقيم الانسانية والأخلاقية لدي هؤلاء، والامام موسى بن جعفر كالجبل الأشم رسوخا وثباتا وقيما.
* مقتطف من كتاب: الإمام موسى بن جعفر (ع) ضحية الإرهاب السياسي، لمؤلفه: الدكتور محمد حسين علي الصّغير
جزء من مقال
|
|
|
|
|