|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 82198
|
الإنتساب : Aug 2015
|
المشاركات : 1,376
|
بمعدل : 0.39 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
الأثر التربوي لـ”الصوم” في فكر أمير المؤمنين
بتاريخ : يوم أمس الساعة : 11:10 AM
أمر الدين الإسلامي بالصوم تحديًا للجوع والعطش، لا رغبة فيها، و تحديًا للأهواء والأفكار الآثمة التي ينسجها الشيطان في ذهن الإنسان وتتحول إلى المعاصي والذنوب الموبقة.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه الحبيب المصطفى محمد وعلى آلة وسلم.
صوم النفس وإمساك الحواس عن المآثم
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام): (صَوْمُ النَّفْسِ إمْساكُ الحَواسِّ الخَمْسِ عَنْ سائِرِ المَآثِمِ، وَ خُلُوُّ القَلْبِ عَنْ جَميعِ أسْبابِ الشَّرِّ)[1].
وقال (عليه السلام): (كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا العنا ، حبذا نوم الأكياس وإفطارهم)[2].
الصَّوْمُ : تَرْكُ الطعامِ والشَّرابِ والنِّكاحِ والكلامِ ، صامَ يَصُوم صَوْماً وصِياماً واصْطامَ ، ورجل صائمٌ وصَوْمٌ من قومٍ صُوَّامٍ وصُيّامٍ وصُوَّمٍ ، بالتشديد ، وصُيَّم ، قلبوا الواو لقربها من الطرف ؛ وصِيَّمٍ ؛ وصِيَامٍ ، وصَوْمٍ وهو اسمٌ للجمع .
وقيل : هو جمعُ صائمٍ . وقوله عز وجل : ﴿إني نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً قيل : معناه صَمْتاً ، ويقوِّيه قوله تعالى : فلن أكلِّمَ اليومَ إنْسِيّاً﴾[3].
وفي كتاب الفقه الرضوي قال واعلم رحمك الله أن الصوم حجاب ضربه الله عز وجل على الألسن والأسماع والأبصار وسائر الجوارح حتى يستر به من النار وقد جعل الله على كل جارحة حقا للصائم فمن أدى حقها كان صائما ومن ترك شيئا منها نقص من فضل صومه بحسب ما ترك منها)[4].
فلسفة الصوم في الشريعة المقدسة
يشير الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى فلسفة الصوم وماهيته في الشريعة المقدسة، وأن الدين الاسلامي أمر بالصوم تحديًا للجوع والعطش، لا رغبة في الجوع والعطش، تحديًا للأهواء والافكار الآثمة التي ينسجها الشيطان في ذهن الإنسان وتتحول إلى المعاصي والذنوب الموبقة.
فينبغي للصائم ترك ملذات الحياة من المأكل والمشرب وترك المحرمات وعدم الاهتمام بالرغبات والشهوات, وكما يعبر عنه في علم الأخلاق التخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل.
وبعبارة أخرى: تطهير النفس من رذائل الأخلاق كالحسد والرياء والكبر والعجب وحب الدنيا وغيرها من الرذائل التي يذكرها علماء الأخلاق، والعمل بالطاعات والمبرات والقربات، مما يترتب عليه تحلي القلب وتزكيته بالفضائل كالعفّة والشجاعة والحكمة.
الصوم اجتناب المحارم
وفي هذا المجال يقول (عليه السلام): (الصيام اجتناب المحارم كما يمتنع الرجل من الطعام والشراب)[5].
فالصوم من وجهة نظر علي (عليه السلام) الأساس التربوي في تنشئة العلاقة بين الخالق والمخلوق، التي من خلالها يتكامل الانسان وينمو في درجات السمو والرفعة، فيكون فردًا متزن السلوك حسن الخلق صحيح الجسم سليم العقل.
ويعطي (عليه السلام) أهمية كبيرة جدًا للصوم عبر سلامة البدن وصحته من الآفات الخارجية والباطنية، فيعتبرهما من المميزات الرئيسية في معالجة البدن والروح لأنه أحد الصحتين.
وأرجع (عليه السلام) كل ذلك إلى الصوم الذي نبه الى أهمية بقوله (الصومُ عبادةٌ بينَ العبدِ وخالقِه، لا يَطَّلِعُ عليها غيرُه، وكذلك لا يجازي عنها غيرُه)[6].
فيرى الإمام (عليه السلام) كما يبدو في فكره أن الواجب على العبد أن يؤدي الفرائض بنفس مطمئنة ومحبة ويكون دافعه هو حب الله سبحانه وتعالى.
فالمحب مطيع لمحبوبه على كل الأحوال غير مخالف له ولا مجادل، وعلى هذا الأساس كان جزاء الصيام في الآخرة لا مثيل له.
صوم رمضان جنة حصينة
فقد ورد عنه (عليه السلام ): (وصوم شهر رمضان فإنه جنة حصينة)[7]، ( الجُنّة: ما يقي الإنسان ويحميه).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال : (للجنة باب يدعى الريان يدخل فيه الصائمون).
قال: (فاذا دخل آخرهم أغلق)، والمؤمنون المتقربون إلى الله تعالى بأعمالهم يبتغون بكل وسيلة أن يكون صيامهم خالصًا لله تعالى.
وعلى هذا الأساس كان صيام العارفين بالله تعالى على هذا النحو فهم لم يكتفوا بالامتناع عن الطعام والشراب والانتهاء عن كل ما ينهى عنه الله تعالى.
بل إنهم حاولوا بكل ما أؤتوا من قوة أن يطلبوا رضى الله سبحانه وتعالى، فلم يكتفوا بالفرائض فتفرغوا للعبادات بأنواعها والتي هي من أجلها الصوم.
كما يقول (عليه السلام). (وَعَنْ ذلِكَ مَا حَرَسَ اللهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ، وَمُجَاهَدَةِ الصِّيَامِ فِي الاْيَّامِ الْمَفْرُوضَاتِ. تسْكِيناً لاَطْرَافِهِمْ، وَتَخْشِيعاً لاِبْصَارِهمْ، وَتَذْلِيلاً لِنُفُوسِهِمْ، وَتَخْفِيضاً لِقُلُوبِهِمْ، وَإِذْهَاباً لِلْخُيَلاَءِ عَنْهُمْ. لِما فِي ذلِكَ مِنْ تَعْفِيرِ عِتَاقِ الْوُجُوهِ بالتُّرَابِ تَوَاضُعاً، وَالْتِصَاقِ كَرَائِمِ الْجَوَارِحِ بِالاْرْضِ تَصَاغُراً، وَلُحُوقِ الْبُطُونِ بِالمُتونِ مِنَ الصِّيَامِ تَذَلُّلاً، …
انْظُرُوا إِلَى مَا فِي هذِهِ الافْعَالِ مِنْ قَمْعِ نَوَاجِمِ الْفَخْرِ، وَقَدْعِ طَوَالِعِ الْكِبْرِ)[8].
فإنّ الجوع يلحق البطن بالمتن ويوجب ذلة النفس وقمعها عن الانهماك في الشهوات وزوال الأشر والبطر والخيلاء عنها[9].
الجد والاجتهاد
وجاء في بعض الأدعية التي يتلوها المؤمنون في شهر رمضان المبارك : اللهم ارزقني الجد والاجتهاد، والقوة والنشاط لما تحب وترضى . . . والوجل منك، والرجاء لك والتوكل عليك ، والثقة بك، والورع عن محارمك[10] .
إن الخوف من الله سبحانه ، والورع عن محارمه، والنشاط لما يرضيه، كل ذلك، إنما يكون بالتحرر من عبودية الهوى، وحب السيطرة والاستئثار، والبعد عن الكسل والخمول.
تلك إذن خلاصة الشروط التي ينبغي توافرها في الانسان الصائم، والذي حاولنا استفتاء فكر علي (عليه السلام) بشأنها.
الباحث الشيخ سجاد عبد الحليم الربيعي/المصدر: مؤسسة علوم نهج البلاغة
لهوامش:
[1] عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي(ت: ق 6 هـ)، تحقيق: الشيخ حسين الحسيني البيرجندي، ط1 مط : دار الحديث: 305.
[2] ـ مستدرك سفينة البحار, الشيخ علي النمازي الشاهرودي, 6 /411 .
[3] ـ لسان العرب, ابن منظور, 12 /350 .
[4]ـ الحدائق الناضرة, المحقق البحراني, 13 /13 .
[5]ـ بحار الانوار : العلامة المجلسي , 93/294.
[6]ـ شرح نهج البلاغة, ابن أبي الحديد, 20 /296 .
[7] ـ تحف العقول عن آل الرسول ( ص ), ابن شعبة الحراني
[8] نهج البلاغة،خطب الإمام علي ( ع ): 2 /149 .
[9] منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة, حبيب الله الهاشمي الخوئي, 11 /363 .
[10] مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي:612 .
|
|
|
|
|