لـــــبــــيــــك يـــا حــــــســــيــــن
شبهات وردود :
بعد أن ثبت أن الآية تخص أهل بيت العصمة عليهم السلام المتمثلين بالاِمام علي والبتول فاطمة وذريتهما من الاَئمة المعصومين عليهم السلام ، أُثيرت حولها شبهات من قبل المخالفين والمبغضين لاَهل البيت عليهم السلام ، ليصرفوها عن وجهها الصحيح ، وفيما يلي نعرض هذه الشبهات مع الرد عليها :
الاُولى : سورة الشورى مكية :
مضمون هذه الشبهة هو نفي كون الآية ثابتة في أهل بيت النبوة عليهم السلام والروايات المؤكدة والمؤيدة لها ، وذلك من خلال ادعاء أن سورة الشورى مكية ، ولم يتزوج الاِمام علي من الزهراء عليهما السلام ، ولم يكن هناك الحسن والحسين عليهما السلام ، حتى تكون الآية نازلة في حقهم .
الجواب :
أولاً : إنّ الاَخبار والاحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والاَئمة الطاهرين عليهم السلام وتصريح الاصحاب والتابعين والعلماء على أن الآية ثابتة بحق أهل البيت عليهم السلام كافٍ في ردِّ الشبهة وإبطالها .
ثانياً : إنّ ظاهرة وجود آيات مدنية في سور مكية ، أو وجود آيات مكية في سور مدنية ، كثيرة جداً في القرآن الكريم ، ولا يمكن لاَحد إنكارها أو التشكيك فيها ، ومن أمثلة ذلك :
1 ـ سورة الرعد فانها مكية إلاّ قوله تعالى : ( ولا يَزال الَّذينَ كَفَرُوا...)(1).
2 ـ سورة الاسراء فإنّها مكية إلاّ قوله تعالى : ( وإن كَادُوا ليَستَفزُونَكَ... واجعَل لي مِن لَدُنك سُلطاناً نَصِيراً ) (2).
3 ـ سورة المدّثر فإنّها مكية غير آية من آخرها (3).
4 ـ سورة المطففين فإنّها مكية إلاّ الآية الاُولى (4).
هذا بالنسبة إلى وجود آيات مدنية في سور مكية .
ومن الآيات المكية التي جاءت في سور مدنية :
1 ـ سورة المجادلة فإنّها مدنية إلاّ العشر الاَول (5).
2 ـ سورة البلد فإنّها مدنية إلاّ من الآية الاُولى إلى الآية الرابعة (6).
____________
1 تفسير القرطبي 9 : 287 . وتفسير الرازي 18 : 230 ، مكتبة عبدالرحمن محمد ـ مصر ط1 . والسراج المنير | الشربيني 2 : 137 .
2 تفسير القرطبي 10 : 203 . وتفسير الرازي 20 : 145 . والسراج المنير 2 : 261 .
3 تفسير الخازن 4 : 343 ، دار المعرفة ـ بيروت .
4 تفسير الطبري 30 : 58 .
6 تفسير أبي السعود 8 : 215 في الهامش ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت . والسراج المنير 4: 210 .
7 الاتقان 1 : 17 .
وغيرها كثير .
ثالثاً : صرّح الكثير من العلماء والمفسرين على أن آية المودة مع ثلاث آيات بعدها قد نزلت بالمدينة المنورة .
قال الشوكاني في ذلك : (وروى ابن عباس وقتادة أنها ـ سورة الشورى ـ مكية إلاّ أربع آيات منها أُنزلت بالمدينة : ( قُل لا أسألكُم... ) ) (1).
وقال الالوسي في معرض الجواب : (هي مكية إلاّ أربع آيات ، من قوله تعالى : ( قُلْ لا أسألكُم... ) إلى أربع آيات ، وقال مقاتل فيها مدني) (2).
كما أجاب القرطبي بقوله : (قال ابن عباس وقتادة : إلاّ أربع آيات منها أُنزلت بالمدينة ( قُل لا أسألكُم... ) إلى آخرها) (3)، كذلك ذكر النيسابوري والخازن في تفسيرهما (4).
الثانية : الآية لا تتناسب مع مقام النبوة ومنافية لبعض الآيات :
مضمون هذه الشبهة : إنّ طلب الاَجر على الرسالة والهداية من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لا يتناسب مع مقام النبوة السامي ؛ لاَنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم متفانٍ في الله سبحانه ، وان كل الذي عاناه من العذاب والمشقة والهجرة وسوء المعاملة والحصار والمحاربة حتى من عشيرته وقومه ، والذي تحمله بصبر وإيمان منقطع النظير ، كان في عين الله وفي سبيله لا يبتغي منه إلاّ مرضاة الله سبحانه وتعالى ، وأنّه لا يطلب أي شيء على ذلك ،
____________
1) فتح القدير 4 : 671 ـ 672 .
2) روح المعاني | الالوسي 25 : 10 .
3) تفسير القرطبي 16 : 1 .
4) تفسير الخازن 4 : 49 .
فلا يناسبه صلى الله عليه وآله وسلم أن يطلب أجراً على الرسالة في مودة قرباه .
وقالوا إنّ الآية تناقض بعض الآيات القرآنية التي تنفي طلب الاَجر ، مثل قوله تعالى : (... قُلْ ما أسألُكُم عَلَيهِ مِن أجرٍ وَمَا أنَا مِنَ المُتَكَلّفِينَ ) (1).
وقوله تعالى : ( قُلْ ما سألتُكُم مِن أجرٍ فَهُو لَكُم إن أجرِيَ إلاّ عَلى اللهِ وهُو على كُلِّ شَيءٍ شَهيدٌ ) (2).
وقوله تعالى : ( قُلْ ما أسألكُم عَلَيهِ مِن أجرٍ إلاّ مَن شَاءَ أن يَتَّخِذَ إلى ربِّهِ سَبِيلاً ) (3).
وقوله تعالى : ( قُلْ لا أسألُكُم عليهِ أجراً إن هُوَ إلاّ ذِكرى للعَالَمِينَ ) (4).
الجواب :
إنّ المتتبع لسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبالاَخص في بداية الدعوة الاِسلامية يجد أن النبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد وقف بكل صلابة وإيمان راسخ في محاربة العصبية القبلية والحمية الجاهلية التي كانت سائدة في المجتمع الجاهلي آنذاك ، وقد وضع الاِسلام مقابل ذلك ميزاناً آخر للاَفضلية وهو التقوى والعمل الصالح ، قال تعالى : ( إنّ أكرَمَكُم عِندَ اللهِ أتقَاكُم ) (5).
وعلى هذا الاَساس حارب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل من حارب الاِسلام
____________
1) سورة ص : 38 | 86 .
2) سورة سبأ : 34 | 47 .
3) سورة الفرقان : 25 | 57 .
4) سورة الانعام : 6 | 90 .
5) سورة الحجرات : 49 | 13 .
ووقف عقبة أمام نشره ولو كان أقرب الناس إليه في القرابة مثل عمه وعشيرته ، فتراه لعن عمّه أبا لهب وتبرأ منه : ( تَبَّت يَدَا أبي لَهبٍ وَتَبَّ * ماأغنَى عَنهُ مَالُهُ وما كَسَبَ... ) (1)، ومن جانب آخر قرّب إليه من آمن به وصدّق بنبوّته ولو كان لا يمس إليه بصلة أو قرابة ، بل حتى لو كان عبداً حبشياً أو مولىً ، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم في حق سلمان الفارسي : « سلمان منّا أهل البيت » (2). فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما يطلب المودة لاَقربائه ويجعلها أجراً على رسالته ، لا يعني بذلك جميع أقربائه ؛ لاَنّ ذلك ينافي صريح القرآن الكريم ، إذ كيف يطلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مودة من لعنه الله في محكم كتابه مثل أبي لهب ، وإنّما يطلب المودة لمجموعة خاصة وأفراد معينين من أقربائه ، والذين بهم يتم حفظ الرسالة الاِسلامية والنبوة المحمدية ، ومنهم يؤخذ الدين الصحيح ، وبهم النجاة من الاختلاف والانحراف ، وهم الاَئمة المعصومون عليهم السلام من أهل البيت .
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إذن يطلب الاَجر الذي هو بالحقيقة عائد إلى المسلمين ، لا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا إلى أهل بيته عليهم السلام ؛ لاَنّهم لم يكونوا بحاجة إلى هذه المودة ، إلاّ بالقدر الذي يفيد سائر الاُمّة في الحفاظ على مبادىَ الدين وكتاب الله المبين وسيرة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم .
وبهذا يتضح أنه ليس ثمة منافاة بين الآية وبين الآيات التي تنفي طلب الاَجر ، فالاَجر في الآيات هو أجر حقيقي ، وهذا ما لا يطلبه رسول
____________
1) سورة المسد : 111 | 1 ـ 2 .
2) أُسد الغابة 2 : 421 . ومسند أبي يعلى 6 : 177 | 6739 ، دار المأمون للتراث ـ دمشق ط1 .
الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنّما عمله خالص لله تعالى ، أما الاَجر في الآية فهو لفظي ؛ لاَنّه يرجع بكلِّ بركاته ومعطياته على المسلمين ، وهو صريح قوله تعالى : (قُلْ ما سألتُكُم من أجر فَهُو لَكُم... ) .
وقد تأكد ممّا قدمناه أنّ آية المودة والنصوص المفسرة لها كافية في إثبات وجوب حبّ أهل البيت عليهم السلام على كل مسلم ، ولتأصيل هذا المبدأ وتعميق دلالاته نورد بعض الآيات الاَخرى المفسّرة بهذا المعنى .
2 ـ قوله تعالى : ( إنَّ الَّذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجعلُ لَهُمُ الرَّحمنُ ودَّاً ) (1) .
فقد ورد عن جابر بن عبدالله قوله : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي بن أبي طالب عليه السلام : « يا علي قُل : ربِّ اقذف لي المودة في قلوب المؤمنين ، رب اجعل لي عندك عهداً ، رب اجعل لي عندك وداً » ، فأنزل الله تعالى : ( إنَّ الَّذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجعلُ لَهُمُ الرَّحمنُ ودَّاً ) فلا تلقى مؤمناً ولامؤمنة إلاّ وفي قلبه ود لاَهل البيت عليهم السلام (2).
وروي الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (3). وعن أبي سعيد الخدري (4) ، والبراء بن عازب (5)، ومحمد بن الحنفية (6).
____________
1) سورة مريم : 19 | 96 .
2) شواهد التنزيل 1 : 464 | 489 . وغاية المرام : 373 باب 73 .
3) مجمع الزوائد 9 : 125 . وخصائص الوحي المبين : 108 فصل 7 . والدر المنثور 4 : 287 .
4) شواهد التنزيل 1 : 474 | 504 .
5) فرائد السمطين 1 : 8 باب 14 . ومناقب ابن المغازلي : 327 | 374 . وكشف الغمة 1 : 314 . وتفسير الكشف والبيان في تفسير الآية . وخصائص الوحي المبين : 71 فصل 7 .
6) الرياض النضرة | المحب الطبري 2 : 125 ، دار الكتب ـ بيروت . والصواعق المحرقة : 172 . ونور
3 ـ قوله تعالى : ( مَن جَاءَ بِالحَسنَةِ فَلَهُ خَيرٌ مِّنهَا... ) (1).
عن الاِمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : « دخل أبو عبدالله الجدلي على أمير المؤمنين فقال له : يا أبا عبدالله ألا أخبرك بقوله تعالى : ( من جاء بالحسنة فله خيرٌ منها.. ) ؟ قال : بلى جعلت فداك . قال عليه السلام : الحسنة حبنا أهل البيت والسيئة بغضنا ، ثم قرأ الآية » (2).
ونفس الحديث ورد على لسان أبي عبدالله الجدلي (3).
4 ـ قوله تعالى : ( الَّذينَ آمنُوا وتَطمئنُّ قُلُوبُهم بِذِكرِ اللهِ ألا بِذِكرِ اللهِ تطمئنُّ القُلُوبُ ) (4).
عن الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام : « أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وآله وسلم : ذاك من أحب الله ورسوله وأحب أهل بيتي صادقاً غير كاذب ، وأحب المؤمنين شاهداً وغائباً ، ألا بذكر الله يتحابّون » (5).
هذا وقد وردت آيات كثيرة في تأكيد هذا المعنى بطرق صحيحة عن أهل البيت عليهم السلام أعرضنا عن ذكرها ايثاراً للاختصار .
____________
الاَبصار : 124 .
1) سورة القصص : 28 | 84 .
2) كشف الغمة 1 : 321 و324 . وتفسير البرهان | الحسيني البحراني 3 : 212 ، مؤسسة البعثة ـ قم ط1 . ومجمع البيان في تفسير الآية . وينابيع المودة 1 : 292 | 5 . وفرائد السمطين 2 : 297 ـ 299 . وأرجح المطالب : 84 . ومناقب ابن المغازلي : 138 .
3) فرائد السمطين 2 : 297 . وتفسير الكشف والبيان | الثعلبي في تفسير الآية .
4) سورة الرعد : 13 | 28 .
5) كنز العمال 1 : 250 . والدر المنثور 4 : 58 .
*أخوكم العراقـي*
كــذب الــمـوت فــالــحــسيـــن مــخـلــدا