المشهور إن ولادته عليه السلام في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب بعد ثلاثين سنة من عام الفيل في جوف الكعبة المشرفة، وأبوه أبو طالب ابن عبد المطلب اخو عبد الله أبو النبي صلى الله عليه واله وسلم من أم واحدة،
وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وكان عليه السلام وأخوته أول من ولدوا من هاشميين.
وقد كثرت الروايات في ولادته عليه السلام،والذي روي بأساليب كثيرة منها: قال يزيد بن قعنب: كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب مابين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزَى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم أمير المؤمنين عليه السلام وكانت حاملة بأمير المؤمنين عليه السلام لتسعة اشهر وكان يوم التمام.
قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء وقالت: أي ربي إني مؤمنة بك وبما جاء به من عندك الرسول وبكل نبي من أنبيائك وبكل كتاب أنزلته، واني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل وانه بنى بيتك العتيق، فأسئلك بحق هذا البيت ومن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنة انه إحدى آياتك ودلائلك لما يسرت عليَ ولادتي.
قال يزيد بن قعنب: فرأينا البيت قد انفتح من ظهره ودخلت فاطمة فيه غابت عن أبصارنا ثم عادت الفتحة والتزقت بإذن الله، فرمنا أن نفتح الباب لتصل إليها بعض نساءنا فلم ينفتح الباب، فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله عز وجل، وأهل مكة يتحدثون بذلك في أفواه السكك وتتحدث المخدرَات في خدورهن.
ثم خرجت بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين عليه السلام ثم قالت: إني فضلت من تقدمني من النساء لان آسية بنت مزاحم عبدت الله عز وجل سراً في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطرارا، وان مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطباً جنياً واني دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنة وأوراقها ولما أردت أن اخرج هتف بي هاتف: يا فاطمة سميه علياً فهو علي والله العليّ الأعلى يقول: إني شققت اسمه من اسمي وأدبته بأدبي ووقفته على غامض علمي وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي وهو الذي يؤذن فوق بيتي ويقدسني ويمجَدني ويهلَلني وهو إلامام بعد حبيبي ونبي وخيرتي من خلقي محمد رسولي ووصيه، فطوبى لمن أحبه ونصره والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقه.(2)البحار،ج35،ص36،بتصرف
في جهاده عليه السلام
كان جهاده عليه السلام وعظيم بلائه في الحروب والغزوات أكثر من جميع المسلمين ولم يصل احد إلى درجته ومرتبته، فقد قتل في غزوة بدر الكبرى- وهي أول غزوة امتحن الله تعالى بها المؤمنين- الوليد وشيبة والعاص وحنظلة وطعمة ونوفل وغيرهم من صناديد العرب وشجعان المشركين وفرسانهم، حتى قتل نصف المشركين في تلك المعركة بيده عليه السلام والنصف الآخر بيد المسلمين والملائكة التي نزلت لنصرتهم.
في علمه عليه السلام
كان عليه السلام اعلم الناس وافقهم، وتظهر اعلميته من وجوه:
الأول: أنه كان في غاية الذكاء والفطانة والفراسة وكان دائم الملازمة لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقتبس علمه من مشكاة النبوة، وهذا برهان جليَ على اعلميته بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم، مضافاً إلى أن النبي صلى الله عليه واله وسلم علمه حين وفاته ألف باب من العلم ينفتح له من كل باب ألف باب، وقد ورد في الأخبار الكثيرة المعتبرة المتواترة من طرق الخاصة والعامة أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: «أنا مدينة العلم وعليٌ بابها».
الثاني: إن الأصحاب كثير ما اختلط عندهم الخلط في الأحكام وعدم الفهم وحصل لهم الاشتباه في الفتوى مراراً، فكانوا يرجعون إليه عليه السلام فيعلمهم ويهديهم إلى الصواب.
ولم يذكر أبداً انه عليه السلام رجع إليهم في مسألة جهلها أو حكم لم يعرفه، بل القضية على العكس تماماً – كما قلنا- فهذا دليل واضح على اعلميته عليه السلام وقصص خطأ الصحابة في الفتوى ثم الرجوع الى علي عليه السلام باب علم مدينة النبي صلى الله عليه واله وسلم لا تخفى على احد سيما المتتبع الخبير.
الثالث: إن المستفاد من الحديث الشريف «أقضاكم علي» هو أعلميته لأن القضاء يستلزم العلم ولا ينفك عنه.
الرابع: انتهاء جميع علماء الفنون إليه عليه السلام، قال ابن أبي الحديد: «قد عرفت إن اشرف العلوم هو العلم الإلهي،... ومن كلامه عليه السلام اقتبس وعنه نقل، واليه انتهى ومنه ابتدأ، فأن المعتزلة تلامذته وأصحابه لأن كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، وأبو هاشم تلميذ أبيه وأبوه تلميذه عليه السلام.
وأما الأشعرية فإنهم ينتمون إلى أبي الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري، وهو تلميذ أبي علي الجبائي، وأبو علي احد مشايخ المعتزلة، فالاشعرية ينتهون بآخره الى أستاذ المعتزلة ومعلمهم وهو علي بن أبي طالب عليه السلام.
في جوده وسخائه عليه السلام
وهذا المطلب أشهر من أن يذكر، كان عليه السلام يصوم نهاره ويقوم ليله ويبيت جائعاً ويتصدق بقوته على المساكين، فنزلت سورة هل أتى في حقه ونزلت أيضاً هذه الآية الكريمة في شأنه: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)274/البقرة.
كان عليه السلام يعمل ويستأجر نفسه ثم يتصدق بأجرته للمساكين والفقراء ويشد هو الحجر على بطنه من شدة الجوع، ويكفينا ما شهد به معاوية -ألدّ أعدائه، والفضل ما شهدت به الأعداء- قال: لو كان لعلي بيتان بيت من تبر (ذهب) وبيت من تبن لتصدق بتبره قبل تبنه.
لم يملك عليه السلام شيئاً من مال الدنيا حين وفاته إلا دراهم قلائل، أراد بها شراء جارية تعاون أهله وتساعدها على أمور البيت، وكان يخاطب الدنانير والدراهم ويقول: «يا بيضاء يا صفراء غري غيري»، وحكاية كنسه لبيت المال بعد إنفاقه كله ثم صلاته فيه مشهورة ومذكورة في كتب الخاصة والعامة.
في حسن خلقه وانبساطه عليه السلام
وهذا المطلب أوضح من الشمس حتى أن أعداءه عابوا عليه كثرة دعابته، وكان عمرو بن العاص يقول إن علياً كان كثير الدعابة والمزاح، وقد اخذ عمرو هذا الكلام من عمر فقد جعلها عمر عيباً على أمير المؤمنين عليه السلام كي لا يسلّم إليه الخلافة.
قال صعصعة بن صوحان وغيره في وصفه عليه السلام: كان فينا كأحدنا لين جانب، وشدة تواضع، وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه.
وقال معاوية لقيس بن سعد: رحم الله أبا حسن فلقد كان هشاً بشاَ ذا فكاهة، قال قيس: نعم كان رسول الله صلى الله عليه وآله يمزح ويبتسم الى أصحابه وأراك تسر حسواً في ارتغاء وتعيبه بذلك، أما والله لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة، أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى، تلك هيبة التقوى وليس كما يهابك طغام أهل الشام.
في معجزاته عليه السلام
اعلم أن المعجزة هي إظهار أمر من شخص خارج عن قدرة البشر، ويكون خارقاً للعادة، بحيث يعجز الناس عن الإتيان بمثله، لكن لا يجب على ذي المعجزة أن تكون معاجزه ظاهرة دائماً، وكذا لا يجب انه كلما رُئي صاحب المعجزة رُئيت المعجزة منه، بل يُظهر معجزاته إذا تحداه احد أو طلب منه إظهارها.
أما أمير المؤمنين عليه السلام فقد لازمته الكثير من معجزاته ولم تكن منفكة عنه، وكان يراها الصديق والعدو، ولم يتمكن احد من إنكارها، وهي أكثر من أن تحصى، ومنها شجاعته وقوته عليه السلام وقد اتفق على انه كرّار غير فرّار وغالب غير مغلوب، وهذا الأمر منجلٍ لمن نظر الى حروبه وغزواته من قبيل بدر، واحد، وحروب البصرة وصفين وغيرها.
وقد قتل عليه السلام من الأعداء ليلة الهرير أكثر من خمسمائة نفر وقيل تسعمائة نفر، وكان يكبّر في كل ضربة يضربها، ومن المعلوم أن سيفه عليه السلام ينزل على الدروع والخوذ الحديدية فيقدها قداً ويقتل صاحبها.
فهل يقدر أحد على هذا؟ مضافاً الى أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن في صدد إظهار معجزة أو خرق عادة في هذه الغزوات والحروب، بل هذه الشجاعة والقوة كانت ملازمة لوجوده الشريف غير منفكة عنه.
وقد ذكر ابن شهر آشوب قضايا كثيرة عن قوته عليه السلام، كنتره للقماط في طفولته، وقتله الحية بيده وهو في المهد، واخذ عنقها وإدخال أصابعه فيه حتى ماتت، فسمته أمه حيدرة، وكان منه عليه السلام في ضرب يده في الاسطوانة حتى دخل إبهامه في الحجر وهو باق في الكوفة وكذلك مشهد الكف في تكريت والموصل وأثر سيفه في صخرة جبل ثور عند غار النبي صلى الله عليه وآله وأثر رمحه في جبل من جبال البادية وفي صخرة عند قلعة خيبر.
وحكاية قوته عليه السلام واخذ قطب الرحى وجعله في عنق خالد بي الوليد، وأخذه أيضاً خالداً بإصبعه السبابة والوسطى وعصره له بهما حتى كاد أن يموت، فصاح صيحة منكرة وأحدث ثيابه، معلومة لكل أحد.
كلمات من نور أمير المؤمنين عليه السلام
* رب مفتون بحسن القول فيه.
* الدنيا خلقت لغيرها، ولم تخلق لنفسها.
* الحلم والأناة توأمان ينتجهما علو الهمة.
* الغيبة جهد العاجز.
* ما مزح أمرؤ مزحة إلا مج من عقله مجة.
* من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهواته.
* من عظم صغار المصائب ابتلاه الله بكبارها.
* إن أعظم الحسرات يوم القيامة حسرة رجل كسب مالاً في غير طاعة الله، فورثه رجل فأنفقه في طاعة الله سبحانه فدخل به الجنة، ودخل الأول به النار.
* إن أخسر الناس صفقة وأخيبهم سعياً، رجل أخلق بدنه في طلب ماله، ولم تساعده المقادير على إرادته، فخرج من الدنيا بحسرته، وقدم على الآخرة بتبعته.