مقدمة
إن الإسلام العظيم اهتم اهتماماً بالغاً بموضوع الموت وما بعده باعتبار أنه حقيقة واقعة لا مفرّ منها ولا ملجأ، وذلك عبر الآيات والروايات الكثيرة وكذلك لأمير المؤمنين عليه السلام في كلامه اهتمام شديد بهذا الموضوع، وهذا ما ينبه الإنسان إلى ضرورة الالتفات إلى هذه المرحلة من مراحل المسيرة الإنسانية.
الخوف من الموت
إن الخوف من الموت شعور ينتاب الكثيرين ويجعلهم يعيشون حالة القلق، وإن قلبهم ليخفق دائماً ويضطرب عندما يسمعون عن الموت وما بعد الموت وأنه ملاقيهم.
والشعور بالخوف ونوعه يختلف من إنسان إلى آخر، فالملحد مثلاً يرهب الموت رهبة عظيمة لأنه يعتقد أنه فناء، بخلاف المؤمن فإنه أقل خوفاً من الموت لأنه مؤمن بأن الموت حياة جديدة، ومن المؤمنين المتقين من يستأنس بذكر الموت ويستبشر به.
ويحدثنا عنهم أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة المتقين يقول:
"ولولا الأجل الذي كتب اللّه عليهم لم تستقر أوراحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العقاب" (1).
ويصف عليه السلام حال ضعيفي الإيمان مع الموت بقوله عليه السلام:
"إذا دعوتكم إلى جهاد عدوِّكم، دارت أعينكم، كأنكم من الموت في غمرة، ومن الذهول في سكرة".
"يخشى الموت، ولا يبادر الفوت" (2).
ولكن يبقى الموت حقيقة ثابتة لا تتغير حيث الكل مفارق لدنياه سوا أحبَّ الموت أم أبغضه.
أما إمام المتقين عليه السلام فله شأن آخر مع الموت، فهو المطمئن برحمة اللّه ومحبته له، فقد كانت حياته كلُّها في سبيل اللّه الباقي بعد فناء كل شيء.
يقول عليه السلام:
"فإن أقل يقولوا: حرص على الملك، وإن أسكت يقولوا: جزع من الموت! هيهات بعد اللتيا والتي، واللّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمِّه" (1).
"أما قولكم: أكل ذلك كراهية الموت؟ فواللّه ما أبالي، دخلت إلى الموت أو خرج الموت إلي" (2).
"وإن أحب ما أنا لاقٍ إليّ الموت" (3).
لماذا الخوف
ليس غريباً أن يخاف ويجزع غير المؤمن من الموت لأن حياته التي قضاها بالمعصية والفساد والظلم، جعلت آخرته مظلمة ومخيفة، فكيف له أن يطمئن؟
اسمعوا إلى الإمام عليه السلام كيف يصف هذا الصنف حال موته:
"... وجاءهم من فراق الدنيا ما كانوا يأمنون، وقدموا من الآخرة على ما كانوا يوعدون، فغير موصوف ما نزل بهم.
اجتمعت عليهم سكرة الموت وحسرة الفوت، ففترت لها أطرافهم، وتغيَّرت لها ألوانهم، ثم ازداد الموت فيهم ولوجاً، فحيل بين أحدهم وبين منطقه، وإنه لبين أهله ينظر ببصره، ويسمع بأذنه، على صحة من عقله، وبقاء من لبِّه، يفكر فيما أفنى عمره، وفيما أذهب دهره، ويتذكر أموالاً جمعها، أغمض (4) في مطالبها، وأخذها من مصرَّحاتها ومشتبهاتها، قد لزمته تبعات جمعها،... فهو يعض يده ندامة... فلم يزل الموت يبالغ في جسده ..." (1).
وفي هذا المعنى كلام كثير له عليه السلام.
وللتقي شأن آخر:
فيما التقي يقدم على ربِّ رحيم، وقد جاهد نفسه وأطاع ربَّه، فلماذا الخوف إذن؟
يقول الإمام علي عليه السلام مطمئناً المتقي بعد موته:
"(التقوى) ومصابيح لبطون قبوركم، وسكناً لطول وحشتكم، ونفساً لكرب مواطنكم" (2).
"فإن تقوى اللّه مفتاح سداد، وذخيرة معاد" (3).
فلتعلم إذن أن سعادتك وشقاءك لقاء عملك كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
"الصدقة دواء منجح، وأعمال العباد في عاجلهم، نُصب أعينهم في آجالهم" (4).
فعليك إذن أن تستعد لمرحلة ما بعد الموت.
الاستعداد للموت وعدم الغفلة عنه
ولأمير المؤمنين عليه السلام كلام كثير في الاستعداد للموت، وهو عليه السلام كان المستعد لهذه الساعة.
يقول عليه السلام مشيراً إلى استعداده:
"واللّه ما فاجأني من الموت وارد كرهته، ولا طالع أنكرته، وما كنت إلاّ كقارب ورد، وطالبٍ وجد، وما عند اللّه خير للأبرار" (5).
وها هو عليه السلام من قلب شفيق ينصح الناس ليستعدوا لهذه الساعة التي لا بد منها.
"واستعدوا للموت فقد أظلَّكم" (6).
ويحذّر من الغفلة عنه:
"فيا لها حسرة على كلِّ ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجَّة" (1).
ذكر الموت
ولأجل أن لا تغفل عن الموت، وتكون مستعداً لهذه الساعة، عليك أن تذكرها دائماً، ليس ذكر الخوف والقلق واليأس، بل ذكر الطمأنينة وإعمار الحياة، وكبح جماح الشهوات وارتكاب المعاصي لأن ذكر الموت هو من أهم المنبهات إلى طريق الاستقامة.
يقول الإمام عليه السلام في ذكر الموت:
".. وطالب للدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه... ألا فاذكروا هادم اللذات، ومنغِّص الشهوات، وقاطع الأمنيات، عند المساورة (2) - (3).
"ضع منخرك، واحطط كبرك، واذكر قبرك" (4).
"أحي قلبك بالموعظة... وذلّله بذكر الموت، وقرّره بالفناء..." (5).
"ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات" (6).
إن العبد بعد موته وبعد أن يفرغ من حسابه فلا بد له من مقرٍ يسكنه، فهنا تظهر الوجوه فإما أن تكون ناعمة ناظرة إلى ربها ناضرة لسعيها راضية وإما أن تكون عليها غبرة ترهقها قترة، أي إما أن يكون من أهل الجنة أو من أهل النار.
يقول عليه السلام:
"وما بين أحدكم وبين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به" (7).
ويقول عليه السلام في موضع آخر:
"فكفى بالجنة ثواباً ونوالاً وكفى بالنار عقاباً ووبالاً".
ونراه قد وصف لنا الجنة والنار وكأنه قد رآهما وعاينهما.
من هنا علينا أن لا نغفل عن السعي في فكاك رقابنا من النار خصوصاً أن باب التوبة ما زال مفتوحاً أمام الطالبين ولا نسوِّف إلى أن يحين الأجل فعندها لا نرى من أعمالنا ما نستحق به دخول الجنة وتجنب النار يقول مولى الموحدين عليه السلام:
"فاسعوا في فكاك رقابكم من قبل أن تغلق رهائنها" (1).
وأيضاً:
"وإياك أن ينزل بك الموت وأنت آبق من ربك في طلب الدنيا" (2).
بعض ما يوجب دخول النار
القتل
إن من أبرز ما يوجب دخول النار هو سفك الدماء المحترمة التي حرَّم اللّه قتلها، وذلك ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله:
"واللّه سبحانه مبتدىء بالحكم بين العباد، فيما تسافكوا من الدماء، يوم القيامة" (3).
كثرة الكلام قد يورد النار
يقول عليه السلام:
"ومن كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار"(4).
الإمام (السلطان) الجائر
يقول عليه السلام:
"وإن شر الناس عند اللّه إمام جائر ضلّ وضُلّ به، فأمات سنّة مأخوذة، وأحيا بدعة متروكة" (5).
من كان خصماؤه المساكين
يقول عليه السلام:
"... وإلا تفعل فإنك من أكثر الناس خصوماً يوم القيامة، وبؤسى لمن خصمه عند اللّه الفقراء والمساكين والسائلون والمدفوعون، والغارمون وأبناء السبيل، ومن استهان بالأمانة، ورتع في الخيانة، ولم ينزه نفسه ودينه عنها" (1).
بعض ما يقرّب من الجنة
طاعة الإمام
طاعة ولي الأمر هي من الأمور المهمة التي تدخل الجنة لأنه بطاعته يكون الإنسان قد أدَّى التكليف المفترض عليه لأنه أعرف بمصالح الأمة ومفاسدها وأن اللّه تعالى أكدَّ على هذه المسألة في القرآن الكريم:
"أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم" (2).
ويقول الإمام علي عليه السلام في هذا المجال:
"وإنما الأئمة قوَّام اللّه على خلقه، وعرفاؤه على عباده، ولا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه فإن أطعتموني فإني حاملكم إنشاء اللّه على سبيل الجنة" (3).
أداء الفرائض
إن من أفضل الأعمال عند اللّه (عز وجل) هو أداء الفرائض المتوجبة على الإنسان لأن اللّه تعالى إما يُعبد بأدائها على نحو الخلوص إليه تعالى في النية ومن يفعل ذلك فإن مثواه الجنة لأنه أدى ما عليه.
لذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
"الفرائض، الفرائض: أدّوها إلى اللّه تؤدكم إلى الجنة" (4).
صدق النية
إنما الأعمال بالنيات وإن لكل امريء ما نوى وبالنية يجازى الإنسان على عمله إن كانت خالصة لوجه اللّه تعالى خالية من الرياء فعندها تؤدي بصاحبها إلى الجنة.
يقول إمامنا عليه السلام:
"وإن اللّه يُدخل بصدق النية والسريرة الصالحة من يشاء من عبادة الجنة" (1).
الجهاد في سبيل اللّه
هو من أفضل الأبواب التي تورد إلى الجنة لما فيه من إعلاء كلمة اللّه تعالى وحفظ الأمة وتقوية شوكتها وبما فيها من الانتصار للمؤمنين والمستضعفين وكسر شوكة المستكبرين، لذلك في الجنة باب باسم الجهاد يرد منه المجاهدون الذين انتصروا إما بدمائهم وشهادتهم أو بالعزة التي منحوها للأمة بثباتهم وإخلاصهم وعزيمتهم.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
"أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه اللّه لخاصة أوليائه ..." (2).
في الختام
إن طريق الجنة وطريق النار واضحان، ويمكن أن يختبر ذلك كل واحد منا داخل نفسه من خلال سلوكه مع قليلٍ من المراقبة للنفس ومسلكها، فإن طريق الجنة طريق صعب مستصعب لأن الإنسان في هذا الطريق سوف يتنازل عن كثير من مشتهايته وملذاته الشخصية التي تحصل بغير رضا اللّه ولا يراعى فيها مصلحة الآخرين والمصلحة الأخروية فلذلك تسمى بطريق ذات الشوكة وكل هذا الألم ألم آنيّ ينقضي بانتهاء الدنيا حتى يحل مكانه السعادة الأبدية والدائمة. هذا بخلاف طريق النار المحفوف بالشهوات والملذات وما يزينّه الشيطان وأعوانه للإنسان حيث يزين له القبيح ويقبِّح له الحسن حتى يصل الإنسان في هذا الطريق إلى مرحلة الاغترار بالإثم.
لذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
"إن الجنة حفَّت بالمكاره وإن النار حفَّت بالشهوات" (3).
ويقول صلى الله عليه وآله في موضع آخر:
"وليكن همّك فيما بعد الموت" (4).
لأن ما بعد الموت هو الحياة الأبدية الدائمة... الموت يأتي بغتة فما أسرع الملتقى، فعلينا أن نتهيأ لهذه اللقيا ونتزود بخير الزائد:
"فإن كنت في إدبار والموت في إقبال فما أسرع الملتقى" (1).
خلاصة الدرس
إن الإسلام العظيم اهتم اهتماماً بالغاً بموضوع الموت وما بعده باعتبار أنه حقيقة واقعة لا مفرّ منه ولا ملجأ، وذلك عبر الآيات والروايات الكثيرة.
إن الخوف من الموت شعور إنساني عام، ففكرة الموت تجعل الإنسان يعيش حالة القلق، وإن قلبه ليخفق دائماً ويضطرب عندما يسمع عن الموت وما بعد الموت وأنه سيموت لا محالة.
أن غير المؤمن يخاف ويجزع من الموت لأنه قضى حياته بالمعصية والفساد والظلم، فكيف له أن يطمئن، وأما المؤمن فإنه يعلم أنه مقدم على ربِّ رحيم، وقد جاهد نفسه وأطاع ربَّه، فلماذا يخاف ؟
إن تذكر الموت دائماًً، ليس ذكر الخوف والقلق وتدمير الحياة، بل ذكر الطمأنينة وإعمار الحياة، وكبح جماح المعاصي، لأنه من أهم المنبهات إلى طريق الاستقامة.
مما يوجب دخول النار في الآخرة
القتل للنفس المحترمة.
اتباع السلطان الجائر.
مما يوجب دخول الجنة
طاعة الإمام المفترض الطاعة وولي الأمر.
أداء الفرائض.
الجهاد في سبيل الله.
للحفظ
من أقوال أمير المؤمنين عليه السلام:
"هيهات بعد اللتيا والتي، واللّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمِّه".
"وطالب للدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه... ألا فاذكروا هادم اللذات، ومنغِّص الشهوات، وقاطع الأمنيات".
"ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات".
"ومن كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار".
أسئلة حول الدرس
كيف يختلف الخوف من الموت بين إنسان وآخر ولماذا؟
كيف يكون الإنسان مستعداً للموت؟
ما هي آثار تذكُّر الموت؟
اذكر بعض الأمور التي توجب دخول النار؟
اذكر بعض الأمور التي تقرب من الجنة؟
إقرأ
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة
كتاب عظيم الشأن صنفه العلامة المحقق الحاج ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي رحمه الله.
ويعتبر هذا الكتاب من أفضل الشروح التي كتبت لنهج البلاغة في القرن الأخير وهو كتاب ضخم يقع في أقل طبعاته في إحدى وعشرين مجلدا.
ومن الأمور التي امتاز بها هذا الكتاب:
ذكر أسانيد نهج البلاغة من أصولها، وإرجاع ما تبعثر من كلام أمير المؤمنين عليه السلام أو نقص منه إلى محله، كما أن المصنف تحدث بالتفصيل حول الأمور التاريخية التي تضمن النهج إشارات إليها.
يقول المصنف في مقدمته: ..... وسميته منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، وجعلته هدية إلى حضرة من دون فنائه يحط مطايا الآمال، وببابه تقرع أيادي السؤال، حجة الله على العالمين، وآية الله في الأرضين، المتشرف بمنقبة:
" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ".
والمخصوص بكرامة:
"أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ".
نعمة الله على الأبرار، ونقمته على الفجار الحائز قصب السبق في مضمار الفخار، الجامع من بدايع الفضل للوامع الافتخار، صاحب المواهب الزاهرة، وحاوي المناقب الباهرة سيدي ومولاي، ومولى الكونين ووصي رسول الثقلين، أبي الحسنين، يعسوب الدين، أمير المؤمنين، أسد الله الغالب علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه وعلى أولاده الطاهرين ونفسي وروحي فداه مع أرواح العالمين.
للمطالعة
الجنة في كلام أمير المؤمنين عليه السلام
"فلو رميت ببصر قلبك نحو ما يوصف لك منها لعزفت نفسك عن بدائع ما أخرج إلى الدنيا من شهواتها ولذّاتها، وزخارف مناظرها، ولذهلت بالفكر في اصطفاف (1) أشجار غيّبت عروقها في كثبان (2) المسك على سواحل أنهارها، وفي تعليق كبائس الؤلؤ الرَّطب في عساليجها وأفنانها (3)، وطلوع تلك الثمار مختلفة في غلف أكمامها (4) تُجنى (5) من غير تكلُّف فتأتي على منية مجتنيها، ويُطاف على نُزالها في أفنية قصورها بالأعسال المصّفقة (6) ... قوم لم تزل الكرامة تتمادى بهم حتى حلُّوا دار القرار، وأمنوا نقلة الأسفار. فلو شغلت قلبك أيها المستمع بالوصول إلى ما يهجم عليك من تلك المناظر المونقة، لزهقت نفسك شوقاً إليها، ولتحملّت من مجلسي هذا إلى مجاورة أهل القبور استعجالاً بها. جعلنا اللّه وإياكم ممن يسعى بقلبه إلى منازل الأبرار برحمته" (7).
هذا بعض صفة الجنة، أما بعض صفة النار.
النار في كلام أمير المؤمنين عليه السلام
وردت أحاديث كثيرة عن أمير المؤمنين عليه السلام يصف فيها أهل النار وهم في النار.
يقول عليه السلام:
"أما أهل المعصية فأنزلهم شرَّ دار، وغلَّ الأيدي إلى الأعناق، وقرن النَّواصي بالأقدام، وألبسهم سرابيل (8) القطران، ومقطعات النيران، في عذاب قد اشتد حرّه، وبا قد أُطبق على أهله في نار لها كل (1) ولج (2)، وله ساط، وقصي (3) هائ، لا يظعنُ مقيمها ولا يُفادى أسيرها ولا تفصمُ كبولها (4) - (5).
ويقول عليه السلام أيضاً في وصف النار وغضب خازنها:
"أفريتم جزع أحدكم من الشوكة تصيبه، والعثرة تدميه والرمضاء تحرقه؟ فكيف إذا كان بين طابقين من نار ضجيع حجر وقرين شيطان، أعلمتم أن مالكاً (6) إذا غضب على النار حطم بعضها بعضاً لغضبه، وإذا زجرها توثبت بين أبوابها جزعاً من زجرته" (7).
ويصف عليه السلام شدة نارها ولهيبها:
"في موقفٍ ضنك المقام، وأمورٍ مشتبهةٍ عظام، ونارٍ شديدٍ كلبُها، علٍ لجبها، ساطعٍ لهبها متغيظٍ زفيرها، متأجج سعيرها، بعيدٍ خمودها، ذاكٍ وقودها مخيف وعيدها، غمٍ قرارها، مظلمةٍ أقطارها، حاميةٍ قدورها، فظيعةٍ أمورها" (8).
علي قسيم الجنة والنار
عن أبي الصَّلت الهرويِّ، قال: قال المأمون لعلي بن موسى الرضا عليه السلام:
أخبرني عن جدِّك أمير المؤمنين بأي وجه هو قسيم الجنّة والنار؟
فقال له الرِّضا عليه السلام: ألم ترو عن آبائك، عن عبد اللَّه بن عبّا أنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول:
"حبُّ عليٍّ إيمان، بغضه كفر"؟
فقال: بلى. فقال الرِّضا عليه السلام:
"فلما كانت الجنّة للمؤمن، والنار للكافر، فقسمة الجنّة والنار إذا كان على حبّه وبغضه فهو قسيم الجنّة والنار".
فقال المأمون: لا أبقاني اللَّه بعدك إنك وارث جدّك.
قال أبو الصَّلت: لمّا انصرف الرضا عليه السلام إلى منزله، قلت له: جعلت فداك، ما أحسن ما أجبت به!
فقال عليه السلام: يا أبا الصَّلت، إنما كلّمته من حيث هو، ولقد سمعت أبي يحدِّث عن آبائه، عن علي عليه السلام أنه قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله:
"يا علي أنت قسيم الجنّة والنار يوم القيامة، تقول للنار: هذا لي، وهذا لك" (1).
الهوامش
(1) نهج البلاغة، خطبة المتقين.
(2) ن.م، ق 77، 150 ص 284.
(1) ن.م، ك 14، 38 ص 264.
(2) خطبة 5. 193
(3) ن.م، خطبة 5 5، ص 263.
(4) أغمض: لم يبالي من أين طلبها وجمعها. من حلالٍ أو حرام.
(1) ن.م، خ 108، 109 ص 269.
(2) ن.م، خطبة 189، 198 ص 276.
(3) ن.م، خطبة 221، 230 ص 293.
(4) ن.م، ق 6، 7 ص 287.
(5) ن.م، ك 23، ص 283.
(6) ن.م، خطبة 64، ص 96.
(1) ن.م، خطبة 64، ص 264.
(2) المشاورة.
(3) ن.م، خطبة 99، ص 268.
(4) ن.م، قصار الكلمات 398، ص 285.
(5) ن.م، ك 31، ص 286.
(6) ن.م، قصار الكلمات 31، ص283.
(7) خطبة 64.
(1) خطبة 183.
(2) كتاب 69.
(3) كتاب 53.
(4) ن.م، ق 349، ص 304.
(5) ن.م، كلام له عليه السلام 164 ص293.
(1) ن.م، كلام له 26، ص 294.
(2) سورة النساء، الآية: 59.
(3) خطبة 156.
(4) خطبة 167.
(1) قصار الحكم 42.
(2) خطبة 27.
(3) خطبة 176.
(4) كتاب 2 22.
(1) قصار الحكم 29.
(1) اصطفاف الأشجار: تضارب أوراقها بالنسيم بحيث يسمع لها صوت.
(2) الكثبان: جمع كثيب وهو التل.
(3) الأفنان: جمع فنن وهو الغصن.
(4) غلف: جمع غلاف والأكمام: جمع كم بكسر الكاف وهو وعاء الطلع وغظاء النوار.
(5) تجنى: تقطف.
(6) المصفقة: المصفاة.
(7) خطبة 32 ،165.
(8) السرابيل: القمصان.
(1) كلب: هيجان.
(2) لجب: الصوت المرتفع.
(3) القصيف: أشد الصوت.
(4) كبولها: قيودها.
(5) خطبة 108، 109.
(6) خازن النار.
(7) خطبة 182 ،183.
(8) خطبة 232 ،190.
(1) ينابيع المودّة، ص85.