يؤثر التأنيب في الأطفال وحتى في سن التاسعة بشكل عام تأثيرا عميقا , وهو مثله مثل أي شكل من أشكال العقاب , وسيلة سلبية تؤذي الطفل وتشوه شخصيته , فكل ما يفعله التأنيب , هو أن يثقل الطفل بالمسؤولية , ويتهمه بالتقصير وسوء النية , ويجعله يعاني من الشعور بالذنب , ويدينه أنه طفل سئ ! فالطفل في ذلك العمر و لا يدرك الفرق بين سوء عمله وبين سوء ذاته , ولا يستوعب عملية الفصل بين عمله وذاته , وعقل االطفل في تلك المرحلة يرى أي لوم أو تأنيب دليلا قاطعا على أنه طفل سئ , لذلك فإنه من الضروري جدا أن يتذكر الأهل براءة الأطفال , وحقهم الطبيعي في ارتكاب الأخطاء العفوية , وعليهم أن يبينوا للطفل أن سوء عمله أو تصرفه لايعني أنه طفل سئ , وإنما يدل على سوء تقدير مثلا , أو سوء فهم أو غيرها من الأسباب التي قد يتعرض لها كل إنسان.
هذا التمييز بين العمل السئ والذات السيئة , والفصل بينهما , ضروري جدا , ويجب توضيحه للأبن / الأبنة , وإلا فقد يستمر الطفل بالمزج بينهما إلى الأبد , ولاشك أن هناك عددا لايستهان به من الناس البالغين الذين لا يعرفون كيف يفصلون بين أخطائهم وبين ذواتهم , فعندما يرتكبون غلطة ما , أو يتصرفون بشكل سئ , ينظرون إلى أنفسهم بشكل مزدر ومنحط إلى درجة تجعلهم يعتقدون أنهم لا يستحقون شيئا أفضل مما هم عليه , وبالتالي لايروا أية ضرورة لتغيير أوضاعهم , فتتخدر مشاعر الطموح , وتتقلص أية رغبة بالتطور نحو الأفضل , لتحل مكانها مشاعر الإستسلام للأمر الواقع , فيرضخون لظروفهم ولأحوالهم مهما كانت كريهة.
الشخص السليم الذي يعرف حق قدره , لن يشعر بالأزدراء اتجاه نفسه , عندما يرتكب خطأ ما , وكما يقال (جل من لا يخطئ) فارتكاب الأخطاء طبيعة إنسانية , لذا من الصعب أن نتجنبها كليا , ولكن بدل ذلك , يمكن أن نحاول أن نتعلم منها شيئا , فإن الخطأ الأكبر والحقيقي يقع عندما ندع أخطائنا تمر دون الإستفادة منها , ودون أن نحاول تحويلها من قوة سلبية إلى قوة إيجابية.
ولأننا نحن الآباء والأمهات الينبوع الذي يشرب منه الأبناء , ومصدر عاداته وأفكاره , فمن الضروري أن ندرب أنفسنا أولا على طريقة التفكير السليم والصحيح الذي نحث ابناءنا عليه , وأدرج هنا بعض نماذج التفكير الإيجابي , والذي يفضل أن نتعاد عليه ,
ولاسيما عند ارتكابنا خطأ ما :
1- لم أقصد أن اخطئ . فأنا إنسان جيد.
2- صحيح إنني قمت بعمل سئ ولكنني قمت أيضا بأعمال جيدة عديدة , فأنن إنسان جيد.
3- نعم قد أخطأت , ولكن سأحاول الإستفادة من هذا الخطأ , فأنا إنسان جيد .
4- قمت بعمل مشين , ولكنني سأصلح الأمر , فأنا إنسان جيد.
5- فعلا ارتكبت ذنبا , ولكن عن جهل فلم أكن أعرف , ولو عرفت لما ارتكبته , فأنا إنسان جيد.
6- أسأت التصرف , ولكن ما زلت أتعلم لأحسن تصرفاتي , فأنا إنسان جيد.
7- فشلت , ولكنني بذلت ما في وسعي , فأنا إنسان جيد.
8- لم أحصل على درجة عالية في الإمتحان , فقد كان صعبا , فأنا عادة إنسان مجتهد وجيد.
وهكذا يمكن أن يتمرن الفرد منا على هذه الطريقة الإيجابية من التفكير ليعتاد عليها , وليحافظ على سلامة صحة نفسيته الداخلية و وليقويها ضد التآكل تحت وطأة صدأ الأخطاء .
عندما يرتكب الطفل خطأ ما , عادة يرتكب الأبوان خطأ أكبر منه ! ألا وهو تركيز اهتمامهما على الخطأ وعواقبه , مما يكثف المشاعر السلبية في نفسية الطفل , فيزداد توتره واضطرابه , ولتجنب ذلك , يجب أن يحاول الأبوان التصرف بطريقة إيجابية , وإيجاد حل للمشكلة , فهذا فعلا ما يساعد الطفل على أن يكون عمليا متعاونا معك ومتجاوبا مع توجيهاتك , على عكس الطفل الذي يلام ويؤنب فيشعر بالذنب , وتتولد لديه عقدة النقص لافتقاره إلى المزايا التي يتحلى بها الآخرون الذين لا يذنبون , فينغلق على نفسه ويتقوقع وحيدا , ظنا منه أن ذلك سيحميه من نقد الآخرين له .
يمكن أن نسأل الطفل – بعد السنة التاسعة – أن يساهم في تصحيح أخطائه مادام ذلك باستطاعته , أما تحت سن التاسعة فمن الأفضل أن يتغاضى الأبوان عما يرتكبه من أخطاء , ويتقبلا هذه الأخطاء العفوية يساهم بشكل كبيرفي تطوير قدرة الطفل لإصلاح نفسه بنفسه , وهذه القدرة من أهم العناصر التي لا يحتاجها الطفل فقط بل والفرد البالغ أيضا.
إن غضب الأب أو الأم لن يحد من إرتكاب الأخطاء , بل سيرعب الطفل وسيخيفه وسيؤثر على تطوره الطبيعي السليم , إذن من الأفضل أن تترك الغضب والعقاب جانبا , وأن تتمسك بتطبيق المهارات الإيجابية في التربية , وبدل التركيز على الخطأ بنية توعية الإبناء إليه و ركز على الحل الذي يساعد الأبناء على إصلاح هذه الأخطاء أو تخفيف نتائجه .
مثال : الطفل يركض في الغرفة ويدفع عن غير قصد الطاولة التي عليها صحن ثمين , فيقع الصحن وينكسر , الواقع الذي لايمكن تغييره ويجب أن يتقبله الأبوان هو : أن الصحن الثمين قد كسر ولن يعيده غضب أو عقاب .
وحسب الطريقة الإيجابية , يجب أن يركز الأبوان على إيجاد الحل لهذه المشكلة بدل إلقاء أية محاضرات عن سعر هذا الصحن الثمين , أو شرح مدى الصعوبات التي يواجهها الأب في عمله ليكسب بعض المال , لاسيما لطفل صغير لم يتجاوز تسع سنين , فهو لن يستوعب الهدف وراء إخباره تلك الحقائق , والتي لن تحرز إلا زيادة عذابه ورفع درجة توتره واضطرابه الداخلي.
والحل المناسب في هذا المثال , هو تنظيف الشظايا المكسورة , وهي مهمة تشوبها مخاطر , ولا يجب أن تدع الطفل يقوم بها , فاجعله يشترك معك ويساعدك ولو بشكل رمزي ليتعلم ضرورة تصحيح أخطاءه , فاطلب منه أن يجلب لك المكنسة مثلا , أو أن يحمل لك سلة المهملات بينما تنظف المكان , ولاتنسى أن تشكره على مساعدته تلك .
أحيانا قد يخاف الأبن من العقاب إلى حد أنه قد ينفي ما فعل ويتهم أخاه أو أخته ! وعندما يكذب الطفل , فهذا يدل على أنه خائف منك وقلق بشأن ما سيقع عليه من عقاب , كما أن احتمال خسارته حبك وعطفك عليه وثقتك به سيدفعه للكذب والنكران , لذا سيكون من الأفضل في تلك الحالة ,ألا تعلق أهمية كبيرة على من ارتكب ذلك ؟ والا تصر على معرفة الفاعل , وأن تعلن له وبكل بساطة مثلا : لو كنت أنت الفاعل , لطلبت منك أن تنظف معي المكان من هذه الشظايا المتناثرة في الغرفة , وهكذا يطمئن الإبناء إلى نوعية ردة فعلك , ويعرف أنه لن يتعرض للضرب أو للتنكيل , ويشعر أن حبك له قوي وثابت لم يتأثر بكسر الصحن الثمين , وهذا ما سيدفعه إلى التعاون معك , ولن يخفي , بعد ذلك أخطاءه , ولن يتأخر عن تحمل مسؤوليته في تصحيحها , مادامت ضمن حدود إمكانياته.
تحياتي نور...