يُحكى أن ثلاثة ملوك جلسوا يتسامرون ذات ليلة فجرهم الحديث إلى أن الحياة مهما طالت زائلة ومنتهية، وأن الإنسان
لابد أنيموت. وأخذوا يفكرون كيف يستطيعون
البقاء إلى الأبد، فقال أحد الحكماء وكان حاضراً:
لا يمكن للإنسان أن يظل عائشاً إلى أبد الآبدين، لكنه يستطيع أن يعمل عملاًيجعل ذكراه باقية إلى الأبد..
وحين عادوا إلى ممالكهم أخذ كل واحد منهم يُفكرفي نفسه:
ماذا يفعل حتى يبقى خالداً إلى الأبد؟
الملك الأولى
بنى بناءً مرتفعاً علقعلى قمته سراجاً كبيراً، أخذ يُنيرز للمسافرين والتائهين، وأبناء السبيل في الليلالبهيم، وهكذا صار الرجل - الملك- حديث القوافل والرُكبان، فالمغادرون والقادمونيتجهون نحو ضوء السراج، فيحلون في ضيافة الملك،
أماالثاني
فقصد إلى أرضمُقفرة تلتقي فيها قوافل المسافرين، وكان كثيرٌ من الناس يموتون
عطشاً فيها، وأمربحفر بئر مهما كانت عميقة وأقام عليها بناء، ونصب عليها علتة ودلواً، وهكذا صارالجميع يرتوون في مكان يستجمون به بعد أن كان مكاناً للموت وصاروا يحمدون
الله ويشكرونه سبحانه وتعالى، الذي وهبهم ذلك الملك الطيب، الذي يُذكر بالخير والعرفانعلى هذا العمل الطيب، فبقي في ذاكرة الناس، وامتلأت بذكره كتب التاريخ
أماالملك الثالث
فإنه زاد قسوةً على قسوة، وظلماً على ظلم من أجل أن يجمع مالاً كثيراً وثروة،أراد أن يعجز عن عدها الحاسبون والعدادون، فشكا الناس
ظلمه إلى الله سبحانه وتعالى،وقد هرب كثيرون من مملكته، ومات كثيرون، وذاق الناس مر العذاب، لكن لما مات لم يبقمن ماله الكثير وكنوزه شيء، ولم يبق له غير ذكرى ظلمه
وإيذائه للناس، التي مالبثتأن أتت عليها الأيام ومحتها السنون حتى قصره الفخم الكبير تهدم واندثر، وتأبد ونعقتفيه الغربان وسكنه وحوش الطير.