اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
المهدي عليه السلام يملك ثلاثمائة وتسع سنين
قال الشيخ الثقة الجليل أبو محمّد الفضل بن شاذان بن الخليل (قدس الله روحه، وزاد فتوحه):
حدّثنا عبد الرحمن بن أبي نجران، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: يملك المهدي ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أهل الكهف في كهفهم، وتكون الكوفة دار ملكه، ويمضي قبل يوم القيامة بأربعين يوماً.
وقال: حدّثنا عليّ بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إنّ القائم يملك ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أهل الكهف في كهفهم؛ يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويفتح الله له شرق الأرض و غربها، ويقتل الناس حتّى لا يبقى إلاّ دين محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ؛ يسير بسيرة سليمان بن داود. ثم قال الفضل: الحديث طويل أخذنا موضع الحاجة.
وروى الفضل بن شاذان (عليه الرحمة والغفران) حديثا آخر في باب مدة ملك وحكم صاحب الزمان (صلوات الله عليه)؛ وقال بعده: هذا حديث مأوّل.
ونقل الشيخ الطوسي (رحمة الله عليه) هذا الحديث عنه في آخر كتاب الغيبة.(1)
وليعلم أن في مدة خلافته الظاهرية عليه السلام أقوال وأحاديث مختلفة في كتب علماء الإمامية، ففي بعض الروايات أن مدة حكومته عليه السلام سوف تكون سبعة سنوات، كل سنة منها تعادل سبع سنوات؛ وفي البعض الآخر من الأخبار أن مدة ملكه عليه السلام تسع سنوات كل سنة بمقدار عشر سنوات.
قال الشيخ المفيد (عليه الرحمة): قد روي أن مدة دولة القائم عليه السلام تسع عشرة سنة، يطول أيامها وشهورها على ما قدمناه.(2)
وأما عند جامع هذه الأربعين: فإن ما رواه الفضل بن شاذان عن زرارة ومحمّد بن مسلم الذي ذكر فيها عن الإمام أبي جعفر عليه السلام أنه قال: (إن الإمام القائم عليه السلام سوف يملك ثلاثمائة وتسع سنين) هو المعتبر.(3)
قال الشيخ الجليل أبو محمّد الفضل بن شاذان بن الخليل (طيّب الله مرقده):
حدّثنا الحسن بن عليّ بن فضال، وابن أبي نجران، عن حماد بن عيسى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبان بن تغلب، عن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا اُبَشِّركم أيُّها الناس بالمهدي؟
قالوا: بلى.
قال: فاعلموا أن الله تعالى يبعث في أمَّتي سلطاناً عادلاً، وإماماً قاسطاً، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وهو التاسع من وُلْدِ وَلَدِي الحسين، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي؛ ألا ولا خير في الحياة بعده، ولا يكون انتهاء دولته إلا قبل القيامة بأربعين يوماً).
وليُعلم أن هذا الحديث وعدَّة من الأحاديث الأخرى التي تقدم بعضها تؤيد قول الشيخ المفيد رضي الله عنه في كتاب (الإرشاد) فيما قال في وصفه السلطان العادل.
وقد روى الشيخ المذكور حديث (لا خير في الحياة بعد المهدي) عن أمير المؤمنين والإمام الباقر والإمام جعفر الصادق عليهم السلام.
وقال الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني (المعروف في هذا الزمان عند أهل أصفهان بـ (خواجة حافظ، ويقع قبره في الجهة الغربية خارج البلدة المذكورة) في الأربعين التي جمعها في تعريف صاحب الأمر عليه السلام ، والتي نقلها صاحب كشف الغمة في كتابه بحذف إسنادها: الخامس والثلاثون في قوله عليه السلام لا خير في العيش بعد المهدي.(4)
ونقل من كتاب محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي، الحديث الذي جاء فيه: (ثمّ لا خير في العيش بعده، أو قال: ثمّ لا خير في الحياة بعده).(5)
وروى ابن بابويه (عليه الرحمة) في كتاب كمال الدين بإسناده عن الإمام جعفر عليه السلام أنه قال عليه السلام: ما زالت الأرض إلا ولله _ تعالى ذكره _ فيها حجة يعرف الحلال والحرام، ويدعو إلى سبيل الله جلَّ وعزَّ، ولا ينقطع الحجة من الأرض إلا أربعين يوماً قبل يوم القيامة... إلى آخر الحديث.(6)
وهناك الحديث الذي رواه الشيخ أبو جعفر (محمّد) بن يعقوب الكليني،(7) والشيخ الطوسي،(8) وكثير من أكابر محدثي الشيعة (رضوان الله عليهم أجمعين)(9) كما رواه سماحة أستاذي، ومن عليه اعتمادي الأمير محمّد باقر الداماد (رحمة الله عليه) في كتاب شرعة التسمية، قال:
في الكافي لرئيس المحدثين أبي جعفر الكليني، وفي كتاب مفرد في أخبار الغيبة لشيخنا الإمام أبي عبد الله المفيد، وفي كتاب إعلام الورى لثقة الإسلام أبي عليّ الطبرسي المفسّر، وفي غيرها من كتب الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) بالأسانيد المعتبرة المصححة:
أن أبا عمرو عثمان بن سعيد العمري الوكيل رضي الله عنه سئل عند أحمد بن إسحاق عن القائم، والسائل عبد الله بن جعفر الحميري شيخ القميين ووجههم، قال له: يا أبا عمرو! إنِّي أريد أن أسألك عن شيء، وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه، فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا كان قبل القيامة بأربعين يوماً، فإذا كان ذلك رفعت الحجة وأغلق باب التوبة.. إلى آخره.(10)
وبما أن المقصود من نقل هذا الحديث أن يعرف الأحبَّة بأنَّ الحجَّة عليه السلام سوف يتوفى قبل قيام القيامة بأربعين يوماً، فإنَّ هذا الحديث يكفي لذلك؛ خصوصاً إذا كان الاعتقاد والدين هو من مثل عبد الله بن جعفر الحميري الذي كان من أكابر الشيعة، ومن أصحاب الإمام عليّ النقي، والإمام العسكري عليهم السلام ، وكان قوله في حضور مثل أحمد بن إسحاق الذي هو من أصحاب، ومن رواة حديث الإمام محمّد التقي، والإمام عليّ النقي، ومن خواصِّ الإمام الحسن العسكري عليهم السلام ، وممَّن رأى صاحب الزمان عليه السلام.
وأمَّا أبو عمرو فقد كان من أكابر أصحاب الأئمّة، وقد خدم الإمام عليّ النقي، كما كان وكيلاً للإمام الحسن عليه السلام ، وقد نال بعده شرف الوكالة لصاحب الزمان عليه السلام: (أن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا كان قبل القيامة بأربعين يوماً).
ومن المعلوم أنه إذا لم يكن اعتقاد ودين المسؤول (أعني: أبا عمرو)، والحاضر (أعني: أحمد بن إسحاق) هو كذلك أيضاً؛ إذن لأنكرا عليه ذلك الاعتقاد والدين.
يقول ابن بابويه رحمه الله في كتاب كمال الدين: حدّثنا أبي رحمه الله قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن عبد الله بن محمّد الحجَّال، عن حمَّاد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ) (11) قال: الأئمّة من ولد عليّ وفاطمة عليهم السلام إلى أن تقوم الساعة.(12)
وروى أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنِّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنَّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض كهاتين_ وضمَّ بين سبابتيه.
فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري، وقال: يا رسول الله! ومن عترتك؟
قال: عليّ، والحسن، والحسين، والأئمّة من ولد الحسين إلى يوم القيامة.(13)
وقد ذكر في آخر الحديث الموسوم بـ (حديث خواتيم الذهب) والمنقول بعدّة أسانيد ، كما قد نقله ابن بابويه أيضاً: يدفعها مَنْ بعده إلى من بعده إلى يوم القيامة.(14)
والأحاديث التي ذكر فيها هذا المعنى كثيرة، وبعضها مطوَّلة وبعضها مختصرة، وإذا أراد أحد أن يجمع كل هذه الأحاديث لكان كتاباً مستقلا في هذا الباب.(15)
والظاهر أن كلمة (إلى) لانتهاء الغاية.
وقال ابن بابويه (رحمة الله عليه) في أحد أبواب كمال الدين الذي روى فيه حديث: (إني تارك فيكم الثقلين) بأسانيد كثيرة:
وكان مرادنا بإيرادنا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إنهما لن يفترقا حتى يردا عليَ الحوض) في هذا الباب إثبات إتّصال أمر حجج الله عليهم السلام إلى يوم القيامة، وأنَّ القرآن لا يخلو من حجَّة مقترن إليه من الأئمّة الذين هم العترة (صلوات الله عليهم) يعلم حكمه إلى يوم القيامة، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لن يفترقا حتى يردا عليَ الحوض) وهكذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنَّ مثلهم كمثل النجوم كلَّما غاب نجمٌ طلع نجمٌ إلى يوم القيامة) تصديقٌ لقولنا: إنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة لله على خلقه، ظاهر مشهور، أو خاف مغمور، لئَّلا تبطل حجج الله عز وجل وبيِناته، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مَنْ العترة المقرونة إلى كتاب الله جلَّ وعزَّ في الخبر الذي حدّثنا به: أحمد بن الحسن القطَّان، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ السكري، عن محمّد بن زكريّا الجوهري، عن محمّد بن عمارة، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليهم) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنِّي مخلِّفٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنَهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض كهاتين _ وضمَّ بين سبَّابتيه _ فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري، فقال: يا رسول الله ومَنْ عترتك؟
قال: عليٌّ، والحسن، والحسين، والأئمّة من ولد الحسين إلى يوم القيامة).(16)
ولهذا الشيخ الجليل إفادات كثيرة من هذا القبيل في كتابه المذكور، وقد روى أخباراً كثيرة، ولكن لا يسع لهذا المختصر نقل جميعها.
كما أنه روى العلماء المخالفون أحاديثاً كثيرة كلها تفيد هذا المدعى.
واعلم أيها المؤمن صاحب اليقين، بما أنَّه لم يقع بين أيدينا حين تحرير هذا الأربعين شيءٌ من كتب حديث المخالفين، لذلك قد نقلنا فيما سبق عن أحد التصانيف القديمة لقدماء علماء الشيعة الذي نقل أحاديث في هذا الباب من الكتب المعتبرة عند المخالفين، ومع أن مؤلف ذلك الكتاب لم يذكر اسمه،(17) ولكني اعتمد على قول الشيخ الثقة صاحب الدرجة العالية علي بن عيسى الأربلي عليه الرحمة في نقل ما ثبتَّه من تلك الأحاديث طبق ترتيبه في كتاب كشف الغمة.
قال الشيخ المذكور في الكتاب المزبور عن الجمع بين الصحيحين، نقل عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (يكون بعدي اثنا عشر أميراً، فقال كلمةً لم أسمعها، فقال أبي: إنَّه قال:كلُّهم من قريش).(18)
كذا في حديث شعبة.
وفي حديث ابن عيينة: قال: لا يزال أمر الناس ماضياً ما ولاّهم اثنا عشر رجلاً، ثم تكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكلمة خفيت عليَّ، فسألت أبي: ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
فقال: قال: كلهم من قريش.(19)
وفي رواية مسلم من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكتب إليّ: إني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم جمعة عشية رجم الأسلمي قال: لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفةً، كلهم من قريش.(20)
وعن عامر الشعبي، عن جابر بن سمرة قال: انطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعي أبي، فسمعته يقول: لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة، فقال كلمة صَمَّنيِها الناس، فقلت لأبي: ما قال؟
ومثله؛ عن حصين بن عبد الرحمن، عن جابر، قال: دخلت مع أبي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: انّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة، ثم تكلم بكلام خفي عليَّ، قال: فقلت لأبي: ما قال؟
وفي حديث سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، عنه عليه السلام: لا يزال الإسلام عزيزاً إلى إثني عشر خليفة، ثم ذكر مثله.(23)
ونقلت عن مسند أحمد بن حنبل رحمه الله ، عن مسروق، قال: كنَّا مع عبد الله جلوساً في المسجد يقرأنا، فأتاه رجل، فقال: يا ابن مسعود! هل حدَّثكم نبيُّكم كم يكون بعده خليفة؟
قال: نعم؛ ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم، فقال: اثنا عشر، كعدة نقباء بني إسرائيل.(24)
نقلته من المجلد الثالث من مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وإن مضمون جميع هذه الأحاديث هو: أن خلفاء النبي إثنا عشر.
كما أن مضمون بعض هذه الأحاديث، وكثير من الأحاديث التي لم يذكرها وقد نقلها غيره من المخالفين هو: أن خلافة هؤلاء الأئمّة العظماء، ممتدة إلى يوم القيامة.
ومن تلك: حديث أحمد بن حنبل الذي رواه في مسنده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم ذهبوا، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض).(25)
ويقول السري في تفسير قول الحق تعالى: (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) (26) تلك العقبة آل محمّد عليهم السلام.(27)
وهذا التفسير موافق تفسير أهل البيت عليهم السلام الذي نقله ابن بابويه في: (باب ما أخبر به سيد العابدين علي بن الحسين عليهما السلام): بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (فينا نزلت هذه الآية: (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) والإمامة في عقب الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلى يوم القيامة.(28)
وروى في أواخر (باب ما روي عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام)؛ أن الإمام جعفر عليه السلام قال في جواب المفضل بن عمر عندما سأله عن تفسير هذه الآية:
(يعني بذلك الإمامة، جعلها الله تعالى في عقب الحسين إلى يوم القيامة).(29)
وجاءت في هذا الباب أحاديث كثيرةٌ عن الطرفين دلَّت على أن المقصود من (الكلمة الباقية) هو نفس هذا المعنى.
فعُلِمَ أنَّ الشيعة والسنة متفقون على اتصال زمان إمامة وخلافة الحجة عليه السلام بيوم القيامة.
ولْيُعْلَمْ أنَّ جماعة من علماء الإمامية قد أوردوا الدليل العقلي المستنبط من الدليل النقلي في هذا الباب، من أن القيامة سوف تظهر مباشرة وبلا فاصل بعد وفاة الإمام الحجة عليه السلام ، ومن أولئك صاحب كتاب (أنيس المؤمنين) حيث قال: بمقتضى لولاك لما خلقت الأفلاك، فإنه يمتنع خلو زمانه من النور المحمدي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن العالم قائم ببركة هذا النور، كما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم إثنا عشر خليفة كلهم من قريش) وبما أن الدنيا قد انتقلت من فيض نور محمّد صلى الله عليه وآله وسلم إلى المهدي عليه السلام فعند الإنسلاخ بموجب قوله: (فلا خير في العيش بعد المهدي عليه السلام ) تنقطع سلسلة انتظام الدنيا.
وقد روى هذا الشيخ الجليل بسند صحيح عن الحسن بن علي الخزاز انه قال: دخل عليُّ بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا عليه السلام ، فقال: أنت إمام؟
قال: نعم.
فقال له: إني سمعت جدَّك جعفر بن محمّد عليه السلام يقول: (لا يكون الإمام إلا وله عقب)؟
فقال عليه السلام: (أنسيت يا شيخ(30) أم تناسيت؟! ليس هكذا قال (جدِّي)،(31) إنما قال (جعفر عليه السلام):(32) لا يكون الإمام إلاّ وله عقب، إلا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام فإنه لا عقب له).
فقال (له):(33) صدقت جعلت فداك! هكذا سمعت جدَّك يقول.(34)
يقول مؤلف هذا الأربعين: إنَّ هذا الحقير قد جمع بين خبر مدينة الشيعة المعتبر والجزيرة الخضراء والبحر الأبيض، والذي ذكر فيه أن لصاحب الزمان عليه السلام عدَّة أولاد، مع هذا الحديث الصحيح، في كتاب رياض المؤمنين، ومن أراد الإطلاع عليه فليرجع إلى الكتاب المذكور.
وليعلم أن هذا الحديث قد رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله في أواسط كتاب الغيبة مع قليل اختلاف في بعض عباراته.(35)
وكما أنَّه قد ورد في غير هذا الحديث، وفي عدَّة أحاديث صحيحة: أنه ليس له عليه السلام ولد.
ولا تخفى القضية على الشيعة السعداء أن السنة قائلون بأن المهدي عليه السلام من نسل الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، وأنه سوف يظهر في آخر الزمان، ويملأ الدنيا قسطاً وعدلاً،(36) ومع ذلك فهناك الكثير منهم لا يقولون بوجوده عليه السلام في هذا الزمان ويستبعدون عمره الطويل عليه السلام.
ولكنك تعلم أيها العزيز أنّ الملاحدة لا يقولون بوجود الحقّ تعالى، ومع ذلك فإنَّهم لا يضرّون ديننا، فكذلك القول أن عدم قول هؤلاء بوجود الحجة عليه السلام ، فإنّه لا يدخل النقص على مذهبنا.
الهوامش
(1) الغيبة/ الطوسي: 474/ فقرة رقم 497، عن الفضل بن شاذان، عن عبد الله بن القاسم الحضرمي، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كم يملك القائم؟
قال: سبع سنين؛ يكون سبعين سنةً من سنيّكم هذه.
وقال في: 475، تحت رقم 498، عن الفضل بن شاذان، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر في حديث اختصرناه - قال: (إذا قام القائم عليه السلام دخل الكوفة، وأمر بهدم المساجد الأربعة حتى يبلغ أساسها، ويصيّرها عريشاً كعريش موسى، وتكون المساجد كلّها جمّاء لا شُرَف لها كما كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ويوسّع الطريق الأعظم فيصير ستّين ذراعاً، ويهدم كلّ مسجد على الطريق، ويسدّ كلّ كوّة إلى الطريق، وكلّ جناح وكنيف وميزاب إلى الطريق، ويأمر الله الفلك في زمانه فيبطيء في دوره حتى يكون اليوم في أيّامه كعشرة من أيامكم، والشهر كعشرة أشهر، والسنة كعشر سنين من سنيّكم.
ثمّ لا يلبث إلا قليلاّ حتى يخرج عليه مارقة الموالي برميلة الدسكرة عشرة آلاف، شعارهم: يا عثمان! يا عثمان!
فيدعو رجلاً من الموالي فيقلّده سيفه، فيخرج إليهم، فيقتلهم حتى لا يبقى منهم أحداً، ثمً يتوجه إلى كابل شاه، وهي مدينة لم يفتحها أحد قط غيره فيفتحها، ثمّ يتوجه إلى الكوفة فينزلها وتكون داره، ويبهرج سبعين قبيلة من قبائل العرب).
ونقل في: 476 و477/ تحت رقم 502 عن الفضل، عن أحمد بن عمر بن مسلم، عن الحسن بن عقبة النهميّ، عن أبي إسحاق البنّاء، عن جابر الجعفيّ قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيّف، عدّة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم.
ونقل في: 478 و479/ تحت رقم 505: عن الفضل بن شاذان، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر الجعفيّ قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: والله ليملكنّ منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة يزداد تسعاً.
قلت: متى يكون ذلك؟
قال: بعد القائم عليه السلام.
قلت: وكم يقوم القائم في عالمه؟
قال: تسع عشرة سنة، ثمّ يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين عليه السلام ودماء أصحابه، فيقتل ويسبي حتى السفاح. (2) الإرشاد/ المفيد 2: 386 و387، وتتمة كلامه قدس سره: (وهذا أمر يغيب عنّا، وإنّما ألقي إلينا منه ما يفعله الله جلَّ وعزَّ بشرط يعلمه من المصالح المعلومة له جلَّ اسمه، ولسنا نقطع على أحد الأمرين، وإن كانت الرواية بذكر سبع سنين أظهر وأكثر).
وكان رحمه الله قد ذكر قبل ذلك رواية السبع سنين حيث قال: روى عبد الكريم الخثعمي قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كم يملك القائم عليه السلام ؟
قال: سبع سنين، تطول له الأيّام والليالي حتّى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم... (3) وهي الرواية التي نقلها تحت عنوان: الحديث الأربعون. (4) راجع: كشف الغمّة/ الأربلي 2: 474. قال: (الخامس والثلاثون: في قوله: (لا خير في العيش بعد المهدي) وبإسناده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو لم يبق من الدنيا إلاّ ليلة لطوَّل اللهُ تلك الليلة حتّى يملك رجلٌ مِنْ أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويقسم المال بالسوية، ويجعل الله الغنى في قلوب هذه الأمّة، فيملك سبعاً، أو تسعاً، لا خير في عيش الحياة بعد المهدي. (5) راجع: البيان في أخبار صاحب الزمان/ الكنجي الشافعي: 505/ المطبوع مع كتابه كفاية الطالب: الباب العاشر؛ قال: قرأت على الحافظ أبي عبّاس أحمد بن أبي المجد الحربي، أخبرنا: الحسن بن عليّ المذهب، أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان، حدّثنا: عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدّثني أبي، حدّثنا عبد الرزاق، حدّثنا جعفر بن سليمان، عن المعلّى بن زياد، عن العلا بن بشير، عن أبي الصدّيق الناجي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اُبشركم بالمهدي يبعث في اُمَّتي على اختلاف من الناس، وزلازل، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً؛ يرضى عنه ساكن السماء، وساكن الأرض؛ يقسم المال صحاحاً.
فقال له رجل: ما صحاح؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: بالسّوية بين الناس.
قال صلى الله عليه وآله وسلم: ويملأ الله قلوب أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم غنىً، ويسعهم عدله، حتّى يأمر منادياً فينادي، فيقول: مَن له في المال حاجة؟
فما يقوم من الناس إلاّ رجلٌ واحدٌ، فيقول: أنا.
فيقول: إئت السَّدان - يعني الخازن - وقل له: إنَّ المهدي يأمرك أن تعطيني مالاً.
فيقول له: احث.
حتّى إذا جعله في حجره، وأبرزه ندم، فيقول: كنتُ أجشع أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم نفساً، أوَ عَجَزَ عَنّي ما وسعهم؟!
قال: فيردّه، فلا يقبل منه.
فيقول: إنّا لا نأخذ شيئاً أعطيناه.
فيكون كذلك سبع سنين، أو ثمان سنين، أو تسع سنين؛ ثمّ لا خير في العيش بعده؛ أو قال: لا خير في الحياة بعده. انتهى. (6) راجع: كمال الدين/ الصدوق: 229/ باب 22/ حديث 24. (7) الكافي/ الأصول/ الكليني 1: 329 و330/ باب (في تسمية مَنْ رآه عليه السلام)/ ح 1. (8) الغيبة/ الطوسي: 243 و244/ رقم الفقرة 209. (9) إعلام الورى/ الطبرسي 2: 218؛ حلية الأبرار/ السيد هاشم البحراني 2: 687. (10) شرعة التسمية/ السيد الداماد: 70. (11) النساء: 59. (12) كمال الدين/ الصدوق: 222 و223/ باب 22/ ح 8. (13) كمال الدين/ الصدوق: 244 و245/ باب22. (14) فيه روايات كثيرة، منها ما رواه الصدوق في: علل الشرائع: 171 و172/ الباب 135/ ح1؛ وفي: كمال الدين: 231 و232/ الباب 22/ ح 35.
قال في الأخير: (حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه ، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصَّفار؛ وسعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ جميعاً قالوا: حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد قال: حدّثنا أبو القاسم الهاشميّ، قال: حدّثني عبيد بن نفيس الأنصاريُّ، قال: أخبرنا الحسن بن سماعة، عن جعفر بن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
نزل جبرئيل عليه السلام على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بصحيفة من السَّماء لم ينزل الله تبارك وتعالى من السَّماء كتاباً مثلها قطُّ قبلها ولا بعدها؛ مختوماً، فيه خواتيم من ذهب. فقال له: يا محمّد! هذه وصيّتك إلى النَّجيب مِنْ أهلك.
قال: يا جبرئيل، ومَنْ النَّجيب مِنْ أهلي؟
قال: عليّ بن أبي طالب. مُرْهُ إذا توفّيت أن يفكَّ خاتماً منها، ويعمل بما فيه.
فلَّما قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكَّ عليٌّ عليه السلام خاتماً، ثُمَّ عمل بما فيه ما تعدَّاهُ. ثُمَّ دفع الصَّحيفة إلى الحسن بن عليّ عليهما السلام ، ففكَّ خاتماً، وعمل بما فيه ما تعدَّاه.
ثُمَّ دفعها إلى الحسين بن عليّ عليهما السلام ، ففكَّ خاتماً، فوجد فيه: أن اخرج بقوم إلى الشَّهادة، لا شهادة لهم إلاّ معك، واشر نفسك لله عز وجل ، فعمل بما فيه ما تعدَّاه.
ثمّ دفعها إلى رجل بعده ففكَّ خاتماً، فوجد فيه: أطرق، واصمت، والزم منزلك، واعبد ربَّك حتّى يأتيك اليقين.
ثمّ دفعها إلى رجل بعده، ففكَّ خاتماً، فوجد فيه: أنْ حدِّث النّاس وافتهم، وانشر علم آبائك، ولا تخافنَّ أحداً إلاّ الله، فإنَّك في حرز الله وضمانه (في حرز من الله وأمان خ. ل) وأمر بدفعها؛ فدفعها إلى مَنْ بعده، ويدفعها مَنْ بعده إلى مَنْ بعده إلى يوم القيامة). (15) وعلى نحو المثال يمكنك أن تراجع: كمال الدين/ الصدوق: 669/ الباب 58/ ح 15؛ بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: إن الله عز وجل أنزل على نبيِّه صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً قبل أن يأتيه الموت، فقال: يا محمّد! هذا الكتاب وصيّتك إلى النجيب من أهلك، فقال: ومن النجيب من أهلي يا جبرئيل؟ فقال: عليّ بن أبي طالب، وكان على الكتاب خواتيم من ذهب... الحديث.
ورواه الصدوق في الأمالي: 486/ المجلس 63/ ح 2/ رقم الحديث العام 660.
ورواه الطوسي في المجالس (الأمالي): 441/ المجلس الخامس عشر/ ح 47/ رقم الحديث العام 990.
ورواه الكليني في الكافي/ الأصول 1: 280 و281/ كتاب الحجّة/ باب (أن الأئمّة عليهم السلام لم يفعلوا شيئاً، ولا يفعلون إلا بعهد من الله عز وجل، وأمْرٍ منه لا يتجاوزونه)/ ح 2: عن أحمد بن محمّد، ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن محمّد، عن أبي الحسن الكناني، عن جعفر بن نجيح الكندي، عن محمّد بن أحمد بن عبيد الله العمري، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي عبد الله... الحديث.
وروى الكليني بنفس المعنى اختلاف اللفظ في نفس الباب/ ح 1؛ وكذلك الحديث 4.
وروى الشيخ الأقدم محمّد بن الحسن الصَّفار القمي في بصائر الدرجات 3: 146/ الباب 12/ ح 24، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن قاسم، عن عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنّ جبرئيل أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصحيفة مختومة بسبع خواتيم من ذهب، وأمر إذا حضره أجلُه أنْ يدفعها إلى عليّ بن أبي طالب فيعمل بما فيه، ولا يجوزه إلى غيره، وأن يأمر كلّ وصيّ مِنْ بعده أنْ يفكَّ خاتمه، ويعمل بما فيه، ولا يجوز غيره.
وبهذا المقدار كفاية، وإلاّ فهناك روايات كثيرة غيرها كما قال المؤلف. (16) كمال الدين/ الصدوق: 244 و245/ من الباب 22. (17) ولكننا عند تتبعنا لنقولاته وجدناه ينقل من كتاب (العمدة) للشيخ ابن بطريق رضي الله عنه على الظاهر. (18) صحيح البخاري 8: 127. (19) صحيح مسلم 6: 3. (20) صحيح مسلم 6: 4. (21) صحيح مسلم 6: 4. (22) صحيح مسلم 6: 4. (23) صحيح مسلم 6: 4. (24) مسند الإمام أحمد بن حنبل 2: 55/ رقم الحديث 3781. (25) فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2: 671/ ح 1145. وليس الحديث في مسند أحمد كما اشتبه المؤلف بالنقل. (26) الزخرف: 28. (27) التبيان/ الطوسي 9: 192؛ وفي مجمع البيان/ الطبرسي 9: 86؛ وفي جامع البيان/ الطبرسي 25: 82/ تحت رقم 23832. (28) كمال الدين/ الصدوق: 323/ باب 31/ ح 8. ولكن الإسناد في المصدر عن الإمام عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، وليس عن أمير المؤمنين عليه السلام ، ولعله من سهو قلم المؤلف رحمه الله. (29) كمال الدين/ الصدوق: 359/ باب 33/ ح 57. (30) هكذا في المصدر. وفي النسخة (أنسيت أم تناسيت يا شيخ). (31) في المصدر: بدل (جدّي) (جعفر عليه السلام). (32) ليست في النسخة، وثبتت في المصدر. (33) ليست في النسخة، وثبتت في المصدر. (34) راجع: الغيبة/ الطوسي: 224/ الفقرة 188. (35) لقد أشرنا إلى الفوارق. (36) عدّ الشيخ النوري الطبرسي مجموعة منهم في كتابه النجم الثاقب 1: 376 - 417/ ترجمة وتحقيق وتقديم السيد ياسين الموسوي/ ط 1/ 1415هـ/ قم.
المصدر
مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي عليه السلام