قال الباقر " عليه السلام "
في قوله تعالى : ( يوفون بالنذر ويخافون ) قال مرض الحسن
والحسين عليهما السلام وهما صبيان صغار فعادهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعه رجلان
فقال
احدهما يا ابا الحسن لو نذرت في ابنيك نذرا إن الله عافاهما ، فقال اصوم ثلاثة ايام
شكرا لله تعالى وكذلك قالت فاطمة عليها السلام .
وقال الصبيان : ونحن أيضا نصوم ثلاثة ايام وكذلك قالت جاريتهم فضة فالبسهما
الله العافية فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام ، فانطلق علي " عليه السلام " إلى جار له من اليهود
يقال له شمعون يعالج الصوف ، فقال هل لك ان تعطنى جزة من صوف تغزلها لك ابنة
محمد بثلاثة اصواع من شعير ؟ قال : نعم فأعطاه فجاء بالصوف ، والشعير واخبر فاطمة
عليها السلام فقبلت واطاعت ، ثم عمدت فغزلت ثلث الصوف ، ثم أخذ صاعا من
الشعير فطحنته ، وعجنته وخبزت منه خمسة اقراص لكل واحد قرصا ، وصلى على مع
النبى صلوات الله عليهما المغرب ، ثم أتى منزله فوضع الخوان وجلسوا خمستهم فأول
لقمة كسرها على " عليه السلام " إذا مسكين قد وقف بالباب ، فقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد
انا مسكين من مساكين المسلمين اطعمونى مما تأكلون اطعمكم الله من موائد الجنة فوضع
علي اللقمة من يده ، ثم قال :
فاطم ذات المجد واليقين * يا بنت خير الناس اجمعين
اما ترين البائس المسكين * جاء إلى الباب له حنين
يشكو إلى الله ويستكين * يشكو الينا جايع حزين
كل امرئ بكسبه رهين * من يفعل الخير يقف سمين
موعده في جنة رهين * حرمها الله على الضنين
وصاحب البخل يقف حزين * تهوى به النار إلى سجين
شرابها الحميم والغسلين
فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول :
أمرك سمع يا بن عم وطاعة * ما بى من لوء ولا وضاعة
غذيت باللب وبالبراعة * ارجو اذا اشبعت من مجاعة
ان الحق الخيار والجماعة * وادخل الجنة في الشفاعة
وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين ، وباتوا جياعا واصبحوا
صياما لم يذوقوا إلا الماء القراح ، ثم عمدت إلى الثلث الثانى من الصوف فغزلته
ثم اخذت صاعا من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة اقراص لكل واحد قرصا
وصلى علي المغرب مع النبى ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم أتى منزله ، فلما وضع الخوان بين يديه وجلسوا
خمستهم فأول لقمة كسرها علي اذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب ، فقال
السلام عليكم يا أهل بيت محمد انا يتيم من يتامى المسلمين اطعمونى مما تأكلون اطعمكم الله
من موائد الجنة ، فوضع علي اللقمة من يده ثم قال :
فاطم بنت السيد الكريم * بنت نبى ليس بالزنيم
قد جائنا الله بذا اليتيم * من يرحم اليوم فهو رحيم
موعده في الجنة النعيم * حرمها الله على اللئيم
وصاحب البخل يقف ذميم * تهوى به النار إلى الجحيم
شرابه الصديد والحميم
فأقبلت فاطمة وهى تقول :
فسوف أعطيه ولا ابالى * وآثر الله على عيالى
أمسوا جياعا وهم أشبالى * أصغرهما يقتل في القتال
بكربلا يقتل باغتيال * لقاتليه الويل مع وبال
تهوى في النار إلى سفال * مصفد اليدين بالاغلال
كبوله زادت على الاكبال
ثم عمدت فاطمة إلى جميع ما في الخوان ، وأعطته وباتوا جياعا لم يذوقوا إلا الماء
القراح وأصبحوا صياما ، وعمدت فاطمة عليها السلام ، فغزلت الثلث الباقى من
الصوف وطحنت الصاع الباقى ، وعجنته وخبزت منه خمسة اقراص لكل واحد منهم
قرصا وصلى المغرب مع النبى عليهما السلام ، ثم أتى منزله فقرب اليه الخوان وجلسوا
خمستهم فأول لقمة كسرها علي " عليه السلام " اذا اسير من اسراء المشركين قد وقف بالباب فقال
السلام عليكم يا أهل بيت محمد تأسروننا ، وتشدوننا ولا تطعموننا فوضع علي " عليه السلام "
اللقمة من يده ثم قال :
فاطم بنت النبى الاحمد * بنت نبى سيد مسدد
قد جاءك الاسير ليس يهدى * مكبلا في غله مقيد
يشكو إلينا الجوع قد تغدد * من يطعم اليوم يجده في غد
عند العلى الواحد الموحد * ما يزرع الزارع سوف يحصد
فاعطين لا تجعليه ينكد * حتى تجازى بالذى تنفذ
قال : فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول :
لم يبق مما كان غير صاع * قد دبرت كفى مع الذراعى
شبلاى والله هما جياع * يا رب لا تتركهما ضياع
أبوهما للخير ذو إصنطناع * عبل الذراعين طويل الباع
وما على رأسى من قناع * إلا عباء نسجها بصاع
وعمدوا إلى ما كان على الخوان فأعطوه ، وباتوا جياعا وأصبحوا مفطرين
وليس عندهم شئ .
قال شعيب في حديثه : واقبل علي بالحسن والحسين عليهما السلام نحو
رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع ،
فلما بصر بهم النبى قال
يا ابا الحسن شد ما يسوءنى ما أرى بكم انطلق إلى ابنتى فاطمة ، فانطلقوا وهى في
محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع ، وغارت عيناها
فلما رآها رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
ضمها اليه فقال : واغوثوه بالله انتم منذ ثلاث فيما أرى وانا غافل عنكم فهبط جبرئيل " عليه السلام "
فقال : يا محمد خذ ما هنأ الله لك في أهل بيتك ، قال : وما آخذ يا جبرئيل ؟ قال : هل
أتى على الانسان حين من الدهر ، حتى بلغ إلى قوله : ( إن هذا كان لكم جزاء وكان
سعيكم مشكورا ) .
وقال الحسن بن مهران في حديثه : فوثب النبى ( صلى الله عليه وآله ) حتى دخل منزل فاطمة " عليه السلام "
فرأى ما بهم فجمعهم ، ثم انكب عليهم يبكى ويقول : انتم منذ ثلاث في ما أرى وانا
غافل عنكم
فهبط جبرئل " عليه السلام " بهذه الآيات : ( ان الابرار يشربون من كأس كان مزاجها
كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ) قال هى عين في دار النبى تفجر
إلى دور الانبياء صلوات الله عليهم اجمعين ، والمؤمنين يوفون بالنذر يعنى : عليا
وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وجاريتهم ويخافون يوما كان شره مستطيرا يقول
عابسا كلوحا ، ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ، يقول : شهوتهم الطعام وايثارهم
به مسكينا من مساكين المسلمين ، ويتيما من يتامى المساكين ، وأسيرا من أسارى
المشركين ويقولون : اذا اطعموهم إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا
قال : والله ما قالوا لهم ذلك ولكنهم اضمروا على انفسهم ، فاخبر الله باضمارهم يقولون
لا نريد منكم جزاء تكافوننا به ولا شكورا تثنون علينا به ، ولكنا إنما نطعمكم لوجه
الله وطلب ثوابه ، قال الله تعالى : ( فوقيهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة في الوجوه
وسرورا في القلوب وجزاهم بما صبروا جنة يسكنونها وحريرا يفرشونه ويبلسونه
متكئين فيها على الارائك والاريكة السرير عليها الحجلة ، لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا
قال ابن عباس : فبينا أهل الجنة في الجنة إذ رأوا مثل الشمس قد اشرقت له الجنان
فيقول أهل الجنة : يا رب انك قد قلت في كتابك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا فيرسل
الله اليهم جبرئيل
فيقول
ليس هذه بشمس ، ولكنه علي وفاطمة قد ضحكا فاشرقت
الجنان من نور ضحكمهما ونزلت هل أتى فيهم إلى قوله تعالى : وكان سعيكم مشكورا .