طريقة الإمام الحسين عليه السلام في ثورته كانت فريدة من نوعها. ان ساعة الصفر في هذه الثورة، كانت معروفة لدى الجميع. و ساحة المواجهة أيضاً كانت معروفة لدى الجميع.
و نتيجة تلك المواجهة كانت معروفة كذلك للجميع !
فساعة الصفر: يوم عاشوراء.
و مكان المواجهة: كربلاء.
و النتيجة: مقتل الإمام الحسين عليه السلام مع كل الرجال، و سبي اخته "زينب" مع كافة النساء.
فكل من ودع الإمام عليه السلام في مكة، و هو يخرج إلى الكوفة، كان يحذره من الموت، لأن النتيجة كانت واضحة للجميع، فالحسين عليه السلام مقتولاً لا محالة.
لقيه الشاعر المعروف: الفرزدق، وهو من يعرف جيداً طبيعة بني أمية لأنه كان منهم، فسأله الإمام عليه السلام:
- كيف خلفت الناس وراءك ؟
فأجاب:- "أبا عبدالله خلفتهم و قلوبهم معك، و سيوفهم عليك، ولله الأمر من قبل و من بعد، و الله يفعل ما يشاء".
فقال له الإمام عليه السلام:
"صدقت، لله الأمر، والله يفعل ما يشاء، و كل يوم ربنا في شأن. ان نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه- وهو المستعان على اداء الشكر- وان حال القضاء دون الرجاء، فلم يعتد من كان الحق نيته، و التقوى سريرته …".
و لقيه رجل فقال له: "يابن رسول الله، ما الذي أخرجك من حرم الله، و حرم جدك محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟ "
فأجابه الإمام عليه السلام:
" إن بني أمية أخذوا مالي فصبرت. و شتموا عرضي فصبرت. و طلبوا دمي فهربت. وأيم الله لتقتلني الفئة الباغية، و ليلبسهم الله ذلاً شاملاً، وسيفاً قاطعاً، و ليسلطن الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبأ…" .
لقد أمات بنو أمية روح التضحية في نفوس الناس، و لذلك فقد انعدمت الرابطة بين "ما يؤمنون" و بين "ما يفعلون" فالقلوب يمكن أن تكون مع شخص، بينما سيوفهم تكون عليه !
لقد أخلدوا إلى الدنيا ..
و عندما يخلد الناس إلى الدنيا يدمنون عليها، فلا يدافعون عن أهل الحقوق ولا يثأرون للمظلومين. بينما يستطيع أهل الباطل أن يحملوهم على المواجهة مع الحق بالترغيب و الترهيب.
و تلك هي المشكلة التي واجهت الإمام عليه السلام ..
فالإيمان العملي كان قد أعطى مكانه للعقيدة الفارغة. وانفصلت الدنيا عن الدين، فاصبح للإسلام مكان جيد في القلوب. ولكن تم إبعاده إلى خارج الحدود في مجالات العمل..
و في مثل هذا الوضع فان الخطب، و الكلمات، و النصائح لا تستطيع ان تعمل شيئاً. بل لابد من عمل ذو طابع إيقاضي، ليضع الناس أمام ضمائرهم، و ليعيد إليهم فطرتهم و دينهم.
فمن يقوم بهذا العمل غير الإمام الحسين عليه السلام. المؤتمن على رسالة الله ؟
من هنا كان جواب الإمام على سؤال: لماذا تخرج ؟ قوله: " إن الله شاء أن يراني قتيلاً " .
فإذا سئل: " فما معنى حملك النساء معك ؟ "
يقول: " شاء الله ان يراهن سبايا ! "
فتحمل الرجال القتل في سبيل الله، و تحملت النساء السبي من أجله، وأدى إلى ايقاظ الناس، الذين ماتت فيهم جذوة الالتزام الديني مما جعل الإسلام يواجه مشكلة تحريف مفاهيمه، و من ثم فقدان مبررات حضارته، فمقتل الإمام الحسين عليه السلام هو الذي منع انتكاسة الإسلام. واعاد الحياة إلى الحضارة الإسلامية، أي أعاد الالتزام بكل الدين في كل جوانبه، خاصة ما يرتبط بتحرير الإنسان من العبودية، و رفع مكانته وإسعاده.
ان كل حضارات التاريخ انما قامت لوجود مبرراتها، و عندما كانت هذه المبررات تعجز عن تقديم مواقف عملية، كانت الحضارات تسقط تباعاً ..
وواجه الإسلام مشكلة سقوط مبرراته ..
فالكثير بايعوا يزيد على العبودية، و الخضوع له في كل شيء، و كل مجال.
فهم كانوا "يعرفون" الحق، ويدرون أين هو؟ . و لكن ما كانوا يعملون أو يتصرفون، كما تملي عليهم معرفتهم، و درايتهم.
فكانت ثورة الإمام عليه السلام ..
و كان من نتائجها وآثارها حفظ الشريعة من خطر تزويرها، و حفظ الأمة من خطر إنحرافها، و حفظ الحضارة من خطر سقوطها.