345 ـ وبالاسناد الصّحيح عن المخزوم بن هلال المخزومي (1) ، عن أبيه ـ وقد أتى عليه مائة وخمسون سنة ـ قال : لمّا كانت اللّيلة الّتي ولد فيها رسول الله صلّى الله عليه وآله ارتجس أيوان كسرى ، فسقطت منه أربعة عشر شرفة ، وخمدت نيران فارس ، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، غاضت بحيرة ساوة ، ورأى المؤبذان في النّوم إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجله فانتشرت بلادها .
فلمّا أصبح كسرى ، راعه (2) ذلك وأفزعه ، وتصبّر عليه تشجّعاً ، ثمّ رأى أن لا يدّخر ذلك عن أوليائه ووزرائه ومرازبه ، فجمعهم وأخبرهم بما هاله ، فبينما هم كذلك إذا أتاهم بخمود نار فارس فقال المؤبذان : وأنا رأيت رؤيا ، وقصّ رؤياه في الإبل ، فقال : أيّ شيء يكون هذا يا مؤبذان ؟ قال : حدث يكون من ناحية العرب .
فكتب عند ذلك كسرى إلى النّعمان بن المنذر ملك العرب : أمّا بعد فوجّه إليّ برجل عالم بما اُريد أن أسأله عنه . فوجّه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن نفيلة الغساني (3) ، فلمّا قدم عليه أخبره ما رآى ، فقال : علم ذلك عند خال (4) لي يسكن مشارق السام يقول له : سطيح ، فقال : اذهب إليه ، فاسأله وأتني بتأويل ما عنده ، فنهض عبد المسيح حتّى قدم
(1) في البحار : عن مخزوم بن هاني . وكذا في كمال الدّين الباب ( 17 ) مع توصيفه بالمخزومي . وهو الصّحيح .
(2) في ق 3 : أراعه .
(3) في البحار : عمرو بن حيّان بن تغلبة الغسّاني وعلى نسخةٍ : نفيلة . وهو على الاصل في كما الدّين .
(4) في بعض النسخ : خالي . وفي كمال الدّين : عند خال لي يسكن مشارف الشّام وفي البحار ، على نسخةٍ
على سطيح وقد أشفى على الموت ، فسلّم عليه فلم يحر جواباً .
ثم قال : عبد المسيح على جمل مشيخ (1) أتى إلى سطيح ، وقد أوفى على الضّريح (2) بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الأيوان وخمود النّيران ورؤيا المؤبذان : رآى إبلا صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها .
فقال يا عبد المسيح إذا كثرت التّلاوة ، وظهر صاحب الهراوة ، وفاض وادي السّماوة ، وغاضت (3) بحيرة ساوة ، وخمدت نار (4) فارس ، فليس الشّام لسطيح شاماً ، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشّرفات ، وكلمّا هم آت آت .
ثم قضى سطيح مكانه ، فنهض عبد المسيح ، وقدم على كسرى وأخبره بما قال سطيح ، فقال : إلى أن يملك منّا أربعة عشر ملكاً كانت أمور ، فملك منهم عشرة في أربع سنين والباقون إلى إمارة عثمان (5) .
346 ـ وذكر ابن بابويه في كتاب كمال الدّين : أنّ في الإنجيل : إنّي أنا الله لا إله إلا أنا الدّائم الّذي لا أزول ، صدّقوا النّبيّ الاُميّ صاحب الجمل والمدرعة ، الاكحل العينين ، الواضح الخدّين ، في وجهه نور كاللّؤلؤ وريح المسك ينفخ منه ، لم ير قبله مثله ولا بعده طيّب الرّيح ، نكّاح النّساء ، ذو النّسل القليل ، إنّما نسله من مباركة ، لها بيت في الجنّة لا صخب فيه ولا نصب ، يكفلها في آخر الزّمان كما كفّل زكريّا اُمّك ، لها فرخان مستشهدان كلامه القرآن ودينه الإسلام وأنا السّلام ، طوبى لمن أدرك زمانه وشهد أيّامه وسمع كلامه .
فقال عيسى عليه السلام : يا ربّي وما طوبى ؟
قال : شجرة في الجنّة ، أنا غرستها بيدي ، تظلّ الأخيار ، أصلها من رضوان ، ماؤها من تسنيم ، بردها برد الكافور ، وطعمه طعم الزّنجبيل ، من يشرب من تلك العين شربة لم يظمأ بعدها أبداً
(1) أي : طويل
(2) في بعض النسخ : بعثه . والضّريح بمعنى القبر .
(3) في بعض النسّخ : غاصت .
(4) في بعض النسخ : نيران .
(5) بحار الأنوار ( 15 | 263 ـ 266 ) ، برقم : ( 14 ) عن كمال الدّين مفصّلاً ( 1 | 191 ـ 196 ) .
فقال عيسى عليه السلام : اللّهمّ اسقني منها . قال : حرام هي يا عيسى أن يشرب أحدٌ من النّبيّين منها حتّى يشرب النبيّ الاُميّ ، وحرام على الأمم أن يشربوا منها حتّى تشرب أمّة ذلك النبيّ ، أرفعك إليّ ثمّ أهبطك آخر الزّمان ، فترى من أمّة ذلك النّبيّ العجائب ، ولتعينهم على اللّعين الدّجال ، أهبطك في وقت الصّلاة لتصلّي معهم ، إنّهم اُمّة مرحومة (1) .347 ـ وباسناده عن ابن بابويه ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن داود بن علي اليعقوبي ، عن عبد الأعلى مولى آل سام ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : أتى رسول الله صلّى الله عليه وآله يهودي يقال له : سبحت فقال : يا محمّد أسألك عن ربّك ، فان أجبتني عمّا أسألك عنه أتّبعتك وإلاّ رجعت ، فقال صلّى الله عليه وآله : سل عمّا شئت فقال : أين ربّك ؟ قال : هو في كلّ مكان ، وليس هو في شيء من المكان بمحدود ، قال : فكيف هو ؟ قال : فكيف أصف ربّي بالكيف والكيف مخلوق والله لا يوصف بخلقه ، قال : فمن أين يعلم أنّك نبيّ ؟ قال : ما بقي حجر ولا مدر ولا غير ذلك إلاّ قال بلسان عربيّ مبين : يا سبحت إنّه رسول الله ، فقال سبحت : تالله ما رأيت كاليوم ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحجه لا شريك له ، وأنّك رسول الله (2) .
348 ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارابي (3) ، حدّثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح القسري ، حدّثنا أحمد بن جعفر العسلي بقهستان ، حدّثنا أحمد بن عليّ العلي ، حدّثنا أبو جعفر محمد بن علي الخزاعي ، حدّثنا عبدالله بن جعفر ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه
(1) كمال الدين ( 1 | 159 ـ 106 ) ، برقم : ( 18 ) ، الباب ( 8 ) . وتقدّم شبهه برقم : ( 318 ) .
(2) بحار الأنوار ( 3 | 332 ـ 333 ) عن التّوحيد بإسناد صحيح ، وأمّا ما هنا من السند ففيه سقط . والسّاقط : أبي عن سعد بن عبدالله عن أحمد بن محمد بن عيسى وابن هاشم عن الحسن بن علي عن داود بن علي اليعقوبي عن بعض أصحابنا عن عبد الأعلى .
(3) في مشيخة الصّدوق : الفارسي . وفي البحار : الطّلقانيّ . وهذا اشتباه فانّ الطّالقاني كنيته : أبو العباس
السلام : من الّذي حضر سبحت اليهودي الفارسي ، وهو يكلّم رسول الله صلّى الله عليه وآله ؟ فقال القوم : ما حضر (1) منا أحدٌ .
فقال علي عليه السلام : لكنّي كنت معه صلى الله عليه وآله وقد جاءه سبحت ، وكان رجلاً من ملوك فارس وكان ذرباً (2) ، فقال : يا محمد أين الله ؟ قال : هو في كلّ مكان ، وربّنا لا يوصف بمكان ولا يزول ، بل لم يزل بلا مكان ولا يزال ، قال : يا محمد إنّك لتصف ربّاً عليماً عظيماً بلا كيف فكيف لي أن أعلم أنّه أرسلك ؟ فلم يبق بحضرتنا ذلك اليوم حجر ولا مدر ولا جبل ولا شجر إلاّ قال مكانه : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وقلت له أيضاً : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسوله ، فقال : يا محمد : من هذا ؟ قال : هو خير أهلي ، وأقرب الخلق منّي ، لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وروحه من روحي ، وهو الوزير منّي في حياتي ، والخليفة بعد وفاتي ، كما كان هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، فاسمع له وأطع ، فإنّه على الحق ، ثمّ سمّاه عبدالله (3) .
349 ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبو محمد عبدالله بن حامد ، حدّثنا بن محمد بن الحسن ، حدّثنا محمد بن يحيى أبو صالح ، حدّثنا اللّيث ، حدّثنا يونس ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة أنّ جابر بن عبدالله قال : كنّا عند رسول الله عليه وآله بمرّ الظّهران يرعى الكباش (4) وأنّ رسول الله قال : عليكم بالأسود منه فانّه أطيبه ، قالوا : نرعي الغنم ؟ قال : نعم ، وهل نبيّ إلاّ رعاها (5
(1) في البحار : ما حضره .
(2) في البحار : درباً .
(3) بحار الأنوار ( 38 | 133 ) ، برقم : ( 86 ) باختلاف ما . أقول : هذا الخبر يغير ما تقدمه سنداً ومتناً ـ وإن كان مشتملاً على زاوية من قصّة سبحت اليهودي ـ ومع ذلك فقد اتفق للعلاّمة المجلسي اشتباه كبير هنا إذ ذكر هذا السّند عن القصص في الجزء ( 3 | 333 ) برقم : ( 37 ) والجزء ( 17 | 374 ) ، برقم : ( 29 ) وحمله على المتن السّابق هنا برقم ( 347 ) .
(4) في البحار : الغنم .
(5) بحار الأنوار ( 16 | 223 ـ 224 ) ، برقم : ( 24 ) .