بسم الله الرحمان الرّحيم والصلاة والسلام على المصطفى الأميــــــــــــــــــــــن وآلـــــــــــــــــــــــــه الأطهـــــــــــــــــــــــــــــار المنتجبيـــــــــــــــــــــــــــــن ..
سلامٌ على زهراء الوجــــــود والكوثر المختــــــــــــوم ..
ريحانة الجنان أنت .. أمْ أمُّ أبيهــــــــا ..؟
... من بين الصلب والترائب وأنت من قُطاف الجنّة .. وما بين محمّد – صلى الله عليه وآله وسلّم – وخديجة "ع" كنت البتول "ع" .. وعندك أحياض الفضائل ومن كثرتها سئمت حدودهــــــا حتّى أثابها إنذارُ محمّد – صلى الله عليه وآله وسلّم – بيانا ، تخطّت جنباته أفق الكون ، وتعدّ سقف الزّمــــــــان ...": فاطمة بضعة منّي ، وهي نور عيني ، وثمرةُ فئادي ، وروحي التي بين جنبي ، وهي الحوراء الإنسيّة ..:"– البحار ج43 ص 172 .-
وعند حدود هذه الكلمات – إن وجدَ - يُستعصى بعدها على القلم أن يواصل السّرد بعد أن خذلُه العقل والبيان .. – لا عن جفاء أو نُكران – إنّما عن عجز لحقيقة الغرف ، وصدق التعبير .. وأنا الولهان بسُوح الفضل لسيدة النساء "ع" وحياض أهل الكمال .. قد أتجاوز المحذور من الوصف والتعريف في ذكرهم ، وأثقل على القلم واللفظ عند التعريف بمعالمهم .. وعند أمّ أبيهـــــــا ، وزوجُ الوصيّ "ع" ، وأمّ الأئمة "ع" .. وقفتُ ومنذ الأزل عند ضفاف محيطها الأزخر ألتمسُ الإرتواء من طيب زلالهـــــــا والإنتساب . حيث لا تنفعُ الكلمات ، ولا فنون الغوص لمعرفة مكامن الدرر الفاطمي .. ولكن سأقتفي أثر العاشقين ، وأمتطي بهجة الشوق ، وأستحضرُ من نفسي كوامينها ..عسى أن يُسعفني البيان
وجرأة العاشق ، كي ألقي عند حضرتها أنشودتي والبيعة .. ولكن أين لي بكلمات الفصل والتعريف ، وأنا لا أملكُ منها إلاّ اداة تلميح وتدويـــــــــــن .. بل كيف لمثلي إدراك الوصف من شموخ الزهراء "ع" وتلكم الأنفة .. أنا وقفتُ والقلمُ والكلمة من دون حراك ، بعد أن خذلتني المدارك وأعيتني حيلة الإنصهار في معادن التعفف المحمّدي الموهوب لروحه الزكيّة من نشأة الخلق والتوليد .. وهي الوعاء لروح أبيها والأبناء "ع" .. وهي روحه المقدّسة التي بين جنبيه "ص" من متانة عقله الأشرف ، وصفا وجدانه الأكرم .. فكانت حبّه الكامل بعد أن إنشطرُ من فؤاده وروحه الطُّهر ، حتّى تتدفّق من خاصرتهـــــــــا بذرة للإئمة النجاة والهداية ضمانة لديمومة الرسالة الخالدة تصاعدا مع الكينونة والحياة ..
ومع كلّ ذلك الفضل الموهوب والكرم المسكوب من لطف ربُّ الأرباب تعالى .. وما أن أغمض الحبيب "ص" عينيه وأختار جوار محبوبه .. حتّى كاشفتها صنوف الإبتلاء والإحن من أولي الأهواء والحسد من متسافلي الدّراجات ومن المنقلبين على الأعقاب . فكان آلمها من وقع ردّة قومها وخُلُق الغدر والخذلان أشدّث وقعا من وفاة والدها "ص" .. وما بين نُكران الوصيّة والهجر ، وإغتصاب فدك والحرق أبعاد ومتاهات لا بدَّ لها من هبّة فاطميّة تعيد لمنهاج الرسالة تقييمه وإستقامته حتّى تضمن له البقاء من صدق العمل وصحّة المسير .. من بعد أن لعبت به الأهواء ومسالك الحسد أداة تسلّط وإرتزاق عند معشر لم تكن لهم يوم صفوة أناة ، ولا تسليم موقن بما جاء وفيما أوحي ..
ولازالت لتّاريخ أسئلة وتساؤلات عن أسباب سرعة الإنقلاب والردّة مع ما أظهرون من نكران وبغضاء لكّل ما هو محمّدي ، وما إبتدعوه من بهتان وجفاء في حقّ كلّ ما هو علويّ .. ولن يجد تاريخهم الأنكد أجوبة عن ذلك كلّه إلاّ عند الصراط غدا والحوض .. ويوم يتبرأ الذين إتبعوا من الذين أتبعـــــــــوا .
وما عجز التّاريخ عن البوح بها ، كشفت عن ستره البتول "ع" يوم وقفت في باحة المسجد لتطعن الباطل في خاصرتي من قوس الحقّ المحمّدي الفاطمي العلويّ الحسنيّ الحسينيّ المنتظر .. والذي كان طرفه بيدها "ع" يومها وتركت طرفه الآخر يذود الباطل وخفافيش الظلام ، عبر السنين والأيّام ويوم يُمسك به القائم – أرواح العالمين له الفداء – كيّ يتمّ المسيرة ويبلّغ الأمانة حيثُ يكون الجزاء .
"... أيها الناس،اعلموا أنّي فاطمة وأبي محمد(ص) ، أقولعوداً وبدواً، ولا أقول ما أقول غلطاً،ولا أفعل ما أفعل شططاً، لقد جاءكم رسولمن أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكمبالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تُعزوهوتعرفوه، تجدوه أبي دون نسائكم، وأخاابن عمّي دون رجالكم، ولنعم المعزى إليه(ص) ، فبلّغ الرسالة صادعاً بالنذارة،مائلاً عن مدرجة المشركين، ضارباًثَبَجهم، آخذاً بأكظامهم، داعياً إلىسبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة،يكسر الأصنام، وينكث الهام، حتى انهزمالجمع وولّوا الدبر، حتى تفرّى الليل عنصبحه، وأسفر الحقّ عن محضه، ونطق زعيمالدين، وخرست شقاشق الشياطين، وطاحوشيظ النفاق، وانحلّت عقد الكفروالشقاق، وفِهْتُم بكلمة الإخلاص فينفر من البيض الخماص ..:"
وماذا بعدها يا إبنة خير الرُّسل "ص" ..؟ .. قد يعتقد الكثير من القّصّر في الإستعاب والتقييم من حقيقة ماهيّتك وطينة العصمة .. قد جئت تطالبينا بخلافة أو أرض بنا نخيل - وذلك من حقّك دون ريب ولا مراء - ولكن مع كلماتك النورانيّة وتبيانك الرسالي يُستشفّ بأن الهدف عندك أسمى وأنبل .. والمتدبّر في صولتك بمصافي البصيرة يعي حقيقة موقعك وبعلك "ع" من الرسالة والمرسل "ص" .. وكشف آل الزيغ وزيف المُدّعي . بكلمات قليلة تصحبها شعلة العقل ويرافقها لبُّ المنطق ، ويحذوها شموخ وعزّة ، وتحدوها مشاعر الكبرياء والأنفة ، من حيث تصاغ رفعة الجبين ...
": .. وكنتم على شفاحفرة من النار، مِذْقَة الشارب ونهزةالطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام،تشربون الطرق، وتقتاتون القدّ، أذلةخاسئين صاغرين ، تخافون أن يتخطفكمالناس من حولكم، فأنقذكم الله تباركوتعالى بمحمدٍ(ص) بعد اللّتيا واللتي،وبعد أن مني ببهم الرجال وذئبان العربومردة أهل الكتاب، كلّما أوقدوا ناراًللحرب أطفأها الله، أو نجم قرن الشيطانأو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه فيلهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخهابأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مكدوداً فيذات الله،مجتهداً في أمر الله، قريباًمن رسول الله، سيداً في أولياء الله،مشمّراً ناصحاً، مجدّاً كادحاً، لاتأخذه في الله لومة لائم، وأنتم فيرفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون،تتربصون بنا الدوائر، وتتوكّفونالأخبار، وتنكصون عند النزال، وتفرّونمن القتال..:"
.. فلما اختار الله لنبيّه دارأنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسيكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظمالغاوين، ونبغ خامل الأقلّين، وهدرفنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلعالشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم،فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرّة فيهملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً،وأحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غيرإبلكم، ووردتم غير مشربكم.
هذا والعهد قريب والكلم رحيب،والجرح لمّا يندمل، والرسول لمّايُقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة، ألافي الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطةبالكافرين، فهيهات منكم، وكيف بكم،وأنّى تؤفكون وكتاب الله بين أظهركم،أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة، وأعلامهباهرة، وزواجره لايحة، وأوامره واضحة، وقد خلّفتموه وراء ظهوركم، أرغبة عنهتريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ بئس للظالمينبدلاً، ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلنيقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، ثملم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها ويسلسقيادها، ثم أخذتم تورون وقدتهاوتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتافالشيطان الغوي، وإطفاء أنوار الدينالجلي، وإهمال سنن النبي الصفي، تشربونحسواً في ارتغاء، وتمشون لأهله وولده فيالخمرة والضراء، ونصبر ( ويصير ) منكمعلى مثل حزّ المدى ووخز السنان فيالحشا، وأنتم الآن تزعمون أن لا إرثلنا، أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن منالله حكماً لقوم يوقنون؟!! أفلا تعلمون؟بلى، قد تجلّى لكم كالشمس الضاحية أنّيابنته...
.. في موضع آخر ومع ناطق غير البتول "ع" .. قد يُرى من ظاهر هذا الكلام غرور وتكبّر وإمتنان .. ولكن العظيم الجليل من حقيقة مقالها يتوارى خلف الكلمات والحروف ، وهي البحر الزاخر بالمعاني والدلالات ، ولا غرابة وهو ربيبة الرسالة وزوجُ صاحب البلاغة .. ومتى إستندّت قوة الدليل على قوة بدن أو صولة سلطان .؟ .. بل تراه يتمنطق مع المنطق . ومن عظم خطابها لا زالت الأجيال تتلهى بغربلته والبحث في أسانيده .. حتّى يرفعوا من شأن أوليائهم ويقيموا إعوجاج معتقداتهم ..
.. أيّها المسلمون، أأغلب علىإرثي؟ يابن أبي قحافة، أفي كتاب الله أنترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاًفريّاً على الله ورسوله ، أفعلى عمدتركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟إذ يقول: {وورث سليمانُ داودَ}، وقالفي ما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريا(ع) إذقال: {فهب لي من لدنك ولياً يرثنيويرث من آل يعقوب}، وقال (أيضاً): {وأولوالأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله}،وقال: {يوصيكم الله في أولادكم للذكرمثل حظ الأنثيين}، وقال: {إن تركخيراً الوصيةُ للوالدين والأقربينبالمعروف حقّاً على المتقين}، وزعمتم أنلا حظوة لي ولا إرث من أبي ولا رحمبيننا، أفخصّكم الله بآية (من القرآن) أخرج أبي محمداً(ص) منها؟ أم تقولون : إن أهل ملتين لا يتوارثان؟ أولست أناوأبي من أهل ملّة واحدة؟ أم أنتم أعلمبخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟
وعند هذا المنطق الفاطمي والبيان القرآني .. ينتفي كلّ تعليق ، ويُستردلُ كلّ تأويل ... ثمّ
...فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك،فنعم الحَكَم الله، والزعيم محمد(ص) والموعد القيامة، وعند الساعة يخسرالمبطلون، ولا ينفعكم ما قلتم إذتندمون، ولكل نبأ مستقر، وسوف تعلمون منيأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم". ...
.. وبعد هذا التلميح والتوضيح والبيان والتبيان .. ممّن كان رضاها من رضى الله ورسوله "ص" وغضبها من غضب الله ورسوله "ص" .. أوليس الأجدرُ بالحقّ إلاّ الذين إنطوت نفوسهم الزكيّة على قيّم الله ورسوله "ص" من نقاوة الوجدان ..؟ وإلاّ فقد إبتدع أهل الحسد والسلطان وجنود الأهواء والشيطان فتوى وأحكام دحضا لكتاب الله تعالى وسنن رسوله الكريم . وما كان طلب البتول "ع" لفدك إلاّ تعبير عن عزّة وكبرياء تفلّتا من عنصري الخوف والإستكانة ، ولكشف الباطل وتعري’ سوءة أهله ..
.. ثمّ خذ هذان القولان من عند فاطمة وعليّ – عليهما السلام – فيهما وصف لحقيقة المشهد وما آلت إليه حالة أصحاب الرزيّة وفتلة الجاهلية .. وعندها ينتهي نبض القلم ويشفّ المداد ..":
...وكيف بكم،وأنّى تؤفكون وكتاب الله بين أظهركم،أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة، وأعلامهباهرة، وزواجره لايحة، وأوامره واضحة، وقد خلّفتموه وراء ظهوركم ..:"
وهذا توصيف الوصيّ "ع"... ": أين تذهبون؟ وأنّى تؤفكون؟ والأعلام قائمة، والآيات واضحة، والمنار منصوبة، فأين يتاه بكم! ...:"
*** .. سلام من الله ما بقيت وبقي الليل والنهار على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها ورحمته تعالى وبركاته ..***
أبو مرتضى عليّ