أصله: «يا الله»، فحذفت كلمة «يا» وعُوّض عنها الميم المشدّدة، تفخيماً وتعظيماً له تعالى.
قال الشيخ أبو عليّ(رحمه الله): «الميم فيه عوض عن «يا»، ولذلك لا يجتمعان، وهذا من خصائص هذا الاسم، كما اختص «التاء» في القَسم».
وقال سيبويه: «هو مشتق، وأصله: إله، دخلت عليه الألف واللام فصار: الإله، ثمّ نُقلت حركة الهمزة إلى اللام، وسقطت فبقي (الله)، فاُسكنت اللام الاُولى واُدغمت، وفُخّم تعظيماً، لكنه ترقّق مع كسر ما قبله».
ويؤيد كلام سيبويه ما ورد في بعض الأخبار، ومنه قوله(عليه السلام): (يا هشام الله مشتق من إله، والإله يقتضي مألوهاً)(كان إلهاً إذ لا مألوه).
وذكر صدر المتألّهين السبزواري(رحمه الله)، في ابتداء شرح دعاء الصباح كلاماً يدلّ على اشتقاقه من شيء، فإنّه قال: «أصل (الله) كأن الهاء المستديرة; لمناسبة أنّ الدائرة أفضل الأشكال وأصلها، وأ نّها لا نهاية لها; إذ الخط ينتهي بالنقطة وهي طرف الخط، ولا طرف للدائرة، وأنّ البدء والختم فيها واحد، وقد تكتب بالدائرتين إشارة إلى الجمال والجلال، وقد تكتب بدائرة واحدة إشارة إلى أنّ صفاته الحقيقية عين ذاته تعالى . هذه هي المناسبة بحسب الرسم والكَتْب.
وأمّا المناسبة بحسب اللفظ والنطق، فلأ نّها جارية على أنفاس الحيوانات كلّها، سواء كانت أهل الذكر والعلم بالعلم التركيبي أو بالعلم البسيط.
ثمّ اُعرب بالضمّة، إشارة إلى ترفّع المسمّى، ثمّ تارةً اُشبع، إشارةً إلى أ نّه تعالى فوق التمام، وأ نّه فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى عدّة ومدّة وشدّة، فصار بالإشباع (هو) (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ).
وتارة اُدخل عليه لام الاختصاص والتمليك، فصار: (له) فـ (لَهُ الخَلْقُ وَالأمْرُ). ثمّ اُشبع فتح اللام، إشارة إلى أ نّه من عنده الفتوح التامّ، فصار (لاه). ثمّ اُدخل عليه لام التعريف، إشارة إلى أ نّه تعالى معروف ذاته لذاته ولما سواه(أفِي الله شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) فصار (الله)»انتهى كلامه.
ثمّ إنّ العلماء أطبقوا على أنّ هذا الاسم الشريف هو الاسم الأعظم، وفيه أسرار لا تعدّ ولا تحصى; لأ نّه ـ على الأصح ـ عَلَم للذات المقدّسة الجامعة لجميع الصفات العليا والأسماء الحسنى.
وفي الحديث: سُئل(عليه السلام) عن معنى (الله) فقال: (استولى على ما دقّ وجلّ) .
وفيه أيضاً: (الله معنىً يُدلّ عليه بهذه الأسماء، وكلّها غيره).
أراد(عليه السلام) أنّ سائر الأسماء معانيها مشمولة للذات الواجبة الجامعة لجميع صفات الكمالات، الّتي هي مسمّى الاسم (الله) بخلاف تلك الأسماء، فإنّ كلا منها يدلّ على الذات ولكن لا مطلقاً، بل ملحوظاً بتعيّن من التعيّنات النورية. وسيأتي توضيح ذلك عند قوله: (وبأسمائك الّتي ملأت أركان كلّ شيء)، إن شاء الله تعالى.
ساقوم بايراد الشرح فقرة فقرة ...
لا تنسوني من صالح الدعاء .
التعديل الأخير تم بواسطة محمد الشرع ; 27-05-2010 الساعة 09:19 PM.
أثبت السائل لنفسه الإنيّة، إشعاراً بأ نّه ممسوس في إنيّة الإنيّات، كما ورد: (إنّ عليّاً ممسوس في الله)أو إشارة بأ نّه ممسوس بالوجود، والوجود إشراق الله تعالى : (اللّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ).
وهذا الامتساس من أعظم النعماء الّتي أنعه الله بها، فحدّث بهذه النعمة العظمى والمنّة القصوى، امتثالا لقوله تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ).
هذا، وإن كان إثبات الإنية للنفس من أعظم الخطايا عند أصحاب الحقيقة وأرباب العيان، كما قيل:
وجودك ذنب لا يقاس به ذنب
وقيل:
بيني وبينك إنّي ينازعني *** فارفع بلطفك إنّيِّ من البين
إلاّ إنّه من باب: (حسنات الأبرار سيئات المقرّبين).
وبالإضافة وتوضيح المقام: أ نّه لمّا كان المقام مقام التضرّع والابتهال ـ كما قال تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إنَّهُ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ) وقال: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ)ـ أشار السائل إلى أ نّه في أسئلته ودعواته ليس ممّن كتم ما أنعمه المنعم وتكدّى في ازدياد النعمة ضنّة وولعاً وإمساكاً وهلعاً، بل اعترف في أوّل الأمر وابتداء الحال بأ نّه من المستغرقين في آلائه تعالى، ومن المستخلعين بخلعه الفاخرة، من الوجود والحياة والقدرة والعلم والعرفان، وغيرها من لواحق الوجود الّتي دارت معه حيثما دار، كما قيل:
كمن لبس ثياب الخلعة، وقام عند منعمه تعظيماً لإكرامه، وحامداً لأنعامه، قائلا بلسان حاله الّذي هو أفصح من لسان قاله، بل أصدق منه: ربّ (لا اُحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك) .
وبالجملة، ففي أمثال هذا المقال إن أثبت السائلون لنفوسهم الإنيّة فعلى ضرب من المجاز; لأ نّه ـ كما حقق في موضعه ـ شيئية الشيء كانت بصورته وتمامه، وتماميته بفاعله وعلّته، كما قال الحكماء: نسبة الشيء إلى فاعله بالوجوب والوجدان، وإلى قابله بالإمكان والفقدان.
ومن المعلوم أنّ فوق التمام وعلّة العلل وفاعل الفواعل هو الحقّ الأوّل الجاعل تعالى شأنه، فالإشارة إلى النفس في الحقيقة إشارة إلى مقوّمها، سواء كان المشير من ذوي الاستشعار بهذا أم لا.
ولهذا قال معلم هذا الدعاء(عليه السلام): (معرفتي بالنورانية معرفة الله عزّوجلّ).
وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): (من رآني فقد رأى الحقّ).
ففي الحقيقة هو تعالى كان سائلاً ومسؤولا وذاكراً ومذكوراً، كما قال الشاعر:
لقد كنت دهراً قبل أن يكشف الغطاء *** أخالُك أ نّي ذاكر لك شاكرُ
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن (صلواتك عليه وعلى آبائه)في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافضاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً وهب لنا رأفته ورحمته ودعائه وخير برحمتك يا أرحم الراحمين
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن (صلواتك عليه وعلى آبائه)في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافضاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً وهب لنا رأفته ورحمته ودعائه وخير برحمتك يا أرحم الراحمين
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
المراد بالرحمة هنا: الوجود المطلق الّذي هو قسم من مطلق الوجود والمشيئة الفعلية كما ورد: (إنّ الله خلق الأشياء ]بالمشيئة[ والمشيئة بنفسها). والوجود المنبسط والفيض المنبسط الّذي فاض على كلّ الماهيات والأعيان الثابتات المرحومة بها، والفيض المقدس; لأ نّه بذاته عار عن أحكام الماهيات، كما أنّ ظهور ذاته تعالى بالأسماء والصفات في المرتبة الواحدية يسمّى بالفيض الأقدس، لا ما هو عبارة عن رقّة القلب; لأنّ استعمالها خاصّ بالممكن، يقال: فلان رحيم، أي رقيق قلبه، يعني: إذا رأى فقيراً مثلا ـ وهو ذو النعمة والسعة ـ يترحم عليه بالإعطاء.
ومن ألقاب ذلك الوجود المطلق الّذي عبّرنا به عن الرحمة: النفس الرحماني، والإبداع، والإرادة الفعلية، والحقيقة المحمّدية.
بيان مراتب الوجود:
وتحقيق ذلك: أنّ للوجود مراتب مختلفة بالشدّة والضعف: الوجود الحقّ، والوجود المطلق، والوجود المقيّد.
فالأوّل: هو الوجود المجرّد عن جميع الأوصاف والألقاب والنعوت.
والثاني: هو صنع الله وفيضه المقدس، ومشيئته الفعلية، ورحمته الواسعة، وإبداعه وإرادته الفعلية، والنفس الرحمانية، وعرش الرحمن، والماء الّذي به حياة كلّ شيء، وكلمة (كن) الّتي أشار إليها أميرالمؤمنين(عليه السلام) بقوله: (إنّما يقول لما أراد كونه: كن فيكون، لا بصوت يقرع ولا بنداء يسمع). وفعل الله، وبرزخ البرازخ، وغير ذلك من الأوصاف والألقاب.
والثالث: أي الوجود المقيّد، وهو أثره تعالى، كوجود العقول والنفوس، والملك والفلك والإنسان والحيوان، وغير ذلك.
أقسام الرحمة:
فإذا عرفت هذا، فاعلم أنّ الرحمة رحمانية ورحيمية، وهي مختصة بأهل التوحيد، وهم العالمون بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر، وبالجلمة: الّذين هداهم الله إلى صراط مستقيم، وعرّفهم توحيده وأنبياءه وأولياءه وما جاء به النبيون.
والرحمة الرحمانية لا تختص بشيء دون شيء، بل هي وسعت كلّ شيء، ومرحومة بها جميع الماهيات، من الدرّة البيضاء إلى الذرّة الهباء، حتى أنّ الكافر والكلب والخنزير وإبليس، وكلّ ما تراه في غاية القذارة والحقارة والملعنة أيضاً مرحومة بها; إذ تلك الرحمة أمر الله الّذي يأتمر به كلّ موجود، وكلام الله الّذي لا خالق ولا مخلوق، وفعل الله الّذي اشتمل على كلّ المفاعيل، وخطاب الله المتخاطب به جميع الأعيان الثابتة، وصنع الله الّذي كلّ مصنوع بذلك الصنع.
فمن كان له عقل صريح وقريحة مستقيمة يعلم أنّ الصانع هو الله، والصنع ذلك الوجود، والمصنوع الموجودات، وكذلك الآمر والأمر والمؤتمر، والخالق والخلق والمخلوق، والمتكلم والكلام والمخاطب، والرحمن والرحمة والمرحوم، وهكذا، وفي الحديث القدسي قال: (رحمتي تغلب على غضبي)، يعني: تعلّق إرادته تعالى بإيصال الرحمة أكثر من تعلّقها بإيصال العقوبة، فإنّ الرحمة من مقتضيات صفة الرحمانية والرحيمية، والغضب ليس كذلك، بل هو باعتبار المعصية.
وفي الحديث: (إنّ لله تعالى مائة رحمة).
أقول: كأ نّه(عليه السلام) أراد الكثرة لا تحديد الرحمة، إذ علمت أنّ رحمته تعالى صفته، وصفات الله كلّها غير متناهية، فإنّه حُقّق في موضعه أنّ صفاته الحقيقية عين ذاته تعالى، وذاته غير متناهية عدّة ومدّة وشدّة، فكذلك صفاته غير متناهية.
ثمّ إنّ الشيء في قوله: (كلّ شيء) بمعنى: مشيء وجوده، وهو الماهية: إذ هي مشيء وجودها.
والباء في قول السائل: (برحمتك... ) إلى آخره، للاستعانة، ويجوز أن تكون للسببية، وفيه إشارة إلى أ نّه مرحوم بكلتا الرحمتين.
أمّا بالرحمة الرحمانية، فوجوده ومشاعره وأعضاؤه وجوارحه جميعاً شاهدة على مرحوميته ومرزوقيته من الله تعالى، إذ ورد عن أميرالمؤمنين(عليه السلام)حين سُئل عن الرحمن، قال: (الرحمن هو الّذي يرحم ببسطه الرزق علينا، والرحيم هو العاطف علينا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا، وخفف علينا الدين فجعله سهلا خفيفاً، وهو يرحمنا بتمييزنا من أعدائه).
بيان أرزاق الموجودات:
اعلم أنّ جميع الموجودات مرزوقة من الله تعالى، كلّ على حسب ما تقتضيه العناية الإلهية، فرزق العقول الكلّية هو مشاهدة جمال الله تعالى وجلاله، والالتذاذ بالاستغراق في تجلّياته وإشراقاته.
ورزق النفوس: اكتساب الكمالات، واقتناء العلوم والصناعات.
ورزق الأملاك: التسبيح والتهليل والتقديس، إذ رزق كلّ شيء ما به يتقوّم ذلك الشيء.
ورزق الأفلاك: هو حركاتها الدورية، وتشبّهاتها بالملأ الأعلى الوضعية.
ورزق البدن: ما به نشوؤه وكماله، على نسبته اللائقة به.